توطئة

هذا تدوينٌ لرحلة قُمنا بها إلى جمهوريتَي الأرجنتين، وتشيلي (تُنطَق شيلي أيضًا) في شهر (كانون الثاني) يناير من عام ٢٠١١م، وهو يوافق فصل الصيف في البلدين. وقد زُرنا خلال هذه الرحلة أهمَّ مُدن وبقاع هذه الأرض، واقفِين على المآثر والمواقع الطبيعية الخلَّابة، والعلامات المؤرِّخة لأحداث الرجال والزمان، وأهمُّ منه عندنا؛ عاينَّا وتأمَّلنا كيف تجري الحياة في إيقاعها اليومي، وبمَ يتميز الإنسان في هذه الديار، التي هي مُبهجة كلًّا وجزءًا.

لقد اعتمَد عملُنا، دأْبُنا في تدوينات رحلات سابقة (أخصُّ بالذكر منها كتابي: «أيام برازيلية وأخرى من يباب» بيروت المركز الثقافي العربي ٢٠٠٨م) الجمعَ بين التحقيق والتوثيق، في الوصف والمعايَنة، وبين الانطباعي الذاتي، محمولَين ومنسوجَين بأسلوب أدبي، وعلى نسقٍ سردي تتعدد فيه المشاهد، وتتعالَق الحكايات، فالرحلة كتابةٌ أدبية بلا جدال، الإنسانُ خلالها هو مَنْ يَرحل، وبالتالي يصوغ تجربته الخاصة، وبذا تتعدد المنظورات وتغتني بقدر ما يُتيحه المَرئي من فحص، ويَعتري واصفه من إحساس. وأشهد أن الأرجنتين، والتشيلي، لَمِنْ أجمل الأرض في أمريكا الجنوبية، طبيعة، وتمَدُّنًا، وتقدُّمًا، وعراقة تاريخ هو في صميم ما عرفَته البشرية من تطورٍ حديث، وأنتجَته وتُواصل في ميادين النهضة والنمو والتمدن، حريٌّ بنا أن نتعرف عليه، ونتمتع أيضًا. بل نعود للاكتشاف والاستمتاع، قد سبقَنا إلى هذه الأرض عربُ بلاد الشام، كانوا من بين المهاجرين الأوائل، وحضورُهم فيها بارز في المجالات كافةً، وما مصنَّفِي هذا إلا مساهمة متواضعة في هذا النهج، آمُل أيها القارئ الكريم أن ترافقك صفحاته بلُطف، وتفتح أمامك أفُقًا يُقوي رابطتك بالوجود، ويُعمق معرفتك بالعالم، حيث يضع الإنسان بصمته على كل شيء، ويصبح المكان صنوًا له، ومَظهرًا آخر على عبقرية الخالق، وقُدرة المخلوق، يُشيِّد في كل مرةٍ حضارةً، بها تتعدد الحضارات، وتتغنى الثقافات، وتَكتسب وتعرف أكثر بتجوال الآفاق، وهذا بعض طموح الكتاب، إلى جانب سعي مؤلِّفه الباحث عن صبوةٍ روحية في الترحال، قرينة بالمتعة والفائدة، وبفضولٍ دائم للاطلاع، نأمل أن تتهيأ لك هذه الحوافز والأسباب جميعُها أيها القارئ الكريم، وعلى الله قصد السبيل.

أ. م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤