الفصل الأول

المشهد الأول

(سطح سفينة في البحر، عندما يرتفع الستار تعلو أصوات الريح العاصفة ويومض البرق ويهزم الرعد، ثم يدخل ربان السفينة مع أحد ضباط السفينة.)

الربان : أين أنت أيها الضابط؟
الضابط : هنا يا سيدي، ما الأخبار؟
الربان : لا بأس! تحدَّث إلى البحَّارة! هيا! أسرع! وإلا جنحَت السفينة!
هيا أقول! وأسرع!

(يخرج الربان.)

(ويدخل الملَّاحون.)

الضابط : أسرِعوا أيها الأحباب! فلْيسرع كلٌّ إلى مكانه أيها الأحباب!
أسرعوا!

نريد أن نطوي الشراع الرئيسي! وانتبهوا إلى صفَّارة الربان!

وأنتِ أيتها العاصفة! هُبي حتى ينفجر صدركِ، ما دام في البحر

متَّسع!

(يدخل ألونزو وسباستيان وأنطونيو وفرديناند وجونزالو وآخرون.)

ألونزو : أيها الضابط الكريم! خذ الحذر! أين الربان؟ هيا! أثبِتوا
أنكم رجال! ١٠
الضابط : أرجوكم! ابتعدوا عن ظهْر السفينة!
أنطونيو : أين الربان أيها الضابط؟
الضابط : ألا تسمع صفَّارته؟ عودوا إلى حجراتكم! فأنتم تُفسدون عملنا!
بل وتساعدون العاصفة!
جونزالو : لا أيها الكريم! اصبر قليلًا!
الضابط : إذا صبر البحر علينا! ابتعدوا أقول! وهل تعبأ الأمواج الهادرة
باسم الملك؟ إلى حجراتكم! لا تتكلموا ولا تزعجونا!
جونزالو : تذكَّر أيها الكريم مَن تحمله السفينة!
الضابط : مهما يكُن فلن أُحبه أكثر من نفسي! أنت من كبار المسئولين! ٢٠
فإذا استطعتَ أن تأمر الريح والأمواج بالسكون حتى

يعود الصفاء، فلن ألمس حبلًا آخر! استعمل سلطتك! أمَّا

إذا لم تستطع، فاحمد الله على نجاتك حتى الآن، وتهيأْ في

حجرتك لأسوأ ما قد يحدث، إذا قدر الله حدوثه! (إلى

البحَّارة) وأنتم يا أحبابي! أسرعوا! (إلى الركاب) ابتعدوا عن

طريقنا أقول!

(يخرج.)

جونزالو : لكَم أطمئن لهذا الرجل! وأظن أن وجهه لا يحمل أي أمارةٍ
من أمارات الغرق، بل كُتِب عليه أن يموت شنقًا! أيتها الأقدار ٣٠

الكريمة! أرجوكِ الإصرار على شنقه! ولْيكن حبل مشنقته حبل

النجاة لنا؛ فهذه الحبال لن تفيدنا! أمَّا إذا لم يكن الشنق

مصيره، فقد كُتِب علينا الشقاء!

(يخرج مع الجميع.)

(يدخل الضابط.)

الضابط : أنزِلوا الشراع من السارية العليا! أسرِعوا! حوِّلوا الاتجاه حتى
تسكن السفينة! (تعلو الأصوات من حجرات السفينة السفلى) لعنة

الله على هذا العويل! إن أصواتهم أعلى من صوت الريح وأصوات البحَّارة.

(يدخل سباستيان وأنطونيو وجونزالو.)

لماذا رجعتم؟ ماذا تفعلون هنا؟ هل نستسلم ونغرق؟ هل
تريدون أن تغرقوا؟
سباستيان : لعنة الله على لسانك السليط! أيها الكلب النابح الكافر اللئيم! ٤٠
الضابط : إذَن فاعمل أنت بدلًا مني!
أنطونيو : خسِئتَ أيها الكلب! خسِئتَ يا ابن الحرام، أيها السليط الوقح! إننا
لا نخاف الغرق قدْر ما تخافه أنت!
جونزالو : أضمن لكم نجاته من الغرق، حتى ولو لم تزد قوة السفينة عن
قشور البندق، ولو اتسع خرْقها على الراقع!
الضابط : أوقِفوا حركة السفينة! أوقِفوها! أنزِلوا الشراعَين معًا، فلنتجه
للبحر! ولنبتعد عن الشاطئ! ٥٠

(يدخل البحَّارة وملابسهم مبللة.)

البحَّارة (معًا) : ضاع كل شيء! إلى الصلاة! إلى الصلاة! ضاع كل شيء!

(يخرجون.)

الضابط : ألا بد لأفواهنا من برد الشراب؟
جونزالو : إن الملك يصلي مع الأمير! فلنساعدهم؛ لأن قضيتنا واحدة!
سباستيان : لا أستطيع الصبر الآن!
أنطونيو : لقد فقدْنا أروحنا بسبب خداع هؤلاء السكارى! وأنت أيها
الوغد الواسع الشدقين، ليْتك تغرق وتظل راقدًا حتى يعلو المَد

وينحسر عشر مرات!
جونزالو : لن يموت إلا شنقًا! حتى لو أقسمَت كل قطرة على إغراقه
وفغرَت فاها لابتلاعه!

(أصواتٌ مختلطة في الخلفية، نتبين منها بعض الكلمات.)

الأصوات : ارحمنا يا رب! انشقَّت السفينة! انشقَّت السفينة! الوداع ٦٠
يا زوجتي! الوداع يا أطفالي! الوداع يا أخي! انشقَّت السفينة!

انشقَّت! انشقَّت!

(يخرج الضابط.)

أنطونيو : فلنغرق جميعًا مع الملك!
سباستيان : بل نذهب لوداعه!

(يخرج مع أنطونيو.)

جونزالو : من ذا الذي يبادلني ألف فرسخ من البحر بفدانٍ واحد من الأرض
القاحلة الجرداء، بأشواكها وقتادها أو أي شيء! فلتكن مشيئة الله

وإن كنت أفضِّل الموت بغير البلل!

(يخرج.)

نهاية المشهد الأول

المشهد الثاني

(الجزيرة، أمام صومعة بروسبيرو.)

(يدخل بروسبيرو وميراندا.)

ميراندا : إن كنتَ بالسحر يا أبي المحبوب قد جعلتَ المياه الطليقة
تهدر هذا الهدير، فخفِّف من فوْرتها!

وإخال أن السماء كانت ستمطر قارًّا أسود

لولا أن البحر الثائر قد علا إلى خد السماء

فأطفأ نيرانها! ويْحي! لقد عانيتُ

مع من رأيتهم يعانون! فيا للسفينة الجميلة الغارقة!

(ولا بد أن بعض النبلاء كانوا يركبونها.)

لقد أصبحَت حطامًا! ويا لصيحاتهم التي أصابت
قلبي في الصميم! ويا للمساكين الذين هلكوا!

لو كنتُ ربة سلطانٍ لكنتُ أغرقتُ ١٠

البحر نفسه في الأرض قبل أن يبتلع تلك السفينة الجميلة

ومن تحمله من البشر!
بروسبيرو : لا تجزعي يا ابنتي ولا تفزعي، وقولي لقلبك الشفوق
إن السلامة كُتبَت للجميع.
ميراندا : ويْلي وويْلهم!
بروسبيرو : بل لم يُصبهم سوء! وما فعلتُ ما فعلتُ إلا من أجلكِ
أنت يا حبيبتي، ويا ابنتي التي تجهل من تكون، وتجهل

موطني الأصلي، بل لا تعرف أكثر من كوني

بروسبيرو، صاحب هذا الكهف المتواضع الفقير، ٢٠

والدك الذي لا يزيد عنه تواضعًا وفقرًا!
ميراندا : لم يخطر لي أن أعرف أكثر من ذلك.
بروسبيرو : لقد حان الوقت لإخبارك بالمزيد. مُدِّي يدكِ
وانزعي ثوبي السحري. هكذا!

(يخلع عباءته.)

انتظري هنا يا طاقتي السحرية. جفِّفي دموعكِ واطمئني!
واعلمي أنني أنا الذي دبرتُ ذلك التحطيم الرهيب للسفينة،

وهو الذي أثار إشفاقكِ وعطفك،

واستخدمتُ من الحيَل السحرية التي أُجيدها

ما استطعتُ أن أكفل به السلامة للجميع،

بل لم يفقد أحدٌ منهم شعرةً واحدة من رأسه، ٣٠

ونجا كل ركاب السفينة الذين كنتِ تسمعين صرخاتهم،

وتشاهدين السفينة أثناء غرقها! اجلسي الآن،

فلا بد أن أحيطكِ علمًا بالمزيد!
ميراندا : كثيرًا ما كنتَ تبدأ في إخباري بمن أكون،
ثم تتوقف وتتركني أتساءل دون جدوى،

قائلًا إن الوقت لم يحنْ بعد!
بروسبيرو : ها قد حانت الساعة! بل إن هذه اللحظة تريدكِ أن
تفتحي أذنَيكِ وأن تطيعي وتنتبهي. هل تذكرين أي شيء

عن الزمن الذي سبق مجيئَنا لهذا الكهف؟

لا أظنكِ تذكرين، فلم تكوني قد أكملتِ الثالثة من عمرك! ٤٠
ميراندا : بل أستطيع التذكر بالتأكيد!
بروسبيرو : وما الذي تذكرينه؟ هل تذكرين منزلًا آخر أم شخصًا آخر
أم صورة أي شيء؟ حدثيني عما

لا يزال عالقًا بذاكرتك!
ميراندا : ما تحمله ذاكرتي بعيدٌ غائم، بل أقرب إلى الحلم
منه إلى الواقع! ألم يكُن يرعاني

أربع نساء أو خمس نساء؟
بروسبيرو : صحيح! بل وأكثر يا ميراندا! ولكن كيف
يظل ذلك حيًّا في ذهنك؟ وما الذي ترَينه غير ذلك

في هُوة الزمن المعتمة السحيقة؟ ٥٠

إن كنتِ تذكرين شيئًا قبل مجيئك إلى هذا المكان

فعسى أن تذكري كيف جئتِ إلى هنا!
ميراندا : ذلك ما لا أذكره!
بروسبيرو : منذ اثنتَي عشرة سنة يا ميراندا، منذ اثنتي عشرة سنة
كان والدكِ دوق ميلانو، وكان أميرًا ذا سلطان!
ميراندا : ألست أنت والدي إذَن؟
بروسبيرو : بلى، كانت والدتكِ آيةً في العفة والطهر، وكانت تقول إنك
ابنتي، وكان أبوكِ دوق ميلانو، وكانت وارثته الوحيدة أميرةً

لا تقل عنه في النبل وكرم المحتد!
ميراندا : يا لله! أي إثمٍ جاء بنا من ذلك المكان؟ ٦٠
أم تُراها كانت عناية الله بنا؟
بروسبيرو : هذا وذاك يا ابنتي! لقد أتى بنا الإثم كما تقولين،
ولكن عناية الله ساندَتنا هنا!
ميراندا : إن قلبي ليدمى حين أتأمل الأحزان التي سببتُها لك
وسقطَت من ذاكرتي! أرجوك أن تكمل القصة!
بروسبيرو : إن أخي المدعو أنطونيو، وهو عمك —
وأرجو أن تنتبهي لما أقول — يا عجبًا! كيف يُقدِم أخ

على مثل هذه الخيانة؟ — لم أكن أحب في الدنيا أحدًا،

بعد نفسي، أكثر منه! وكنت عهدتُ إليه بتدبير

شئون دولتي، وفي ذلك الوقت كانت ٧٠

دوقية ميلانو أُولى الدوقيات جميعًا

وبروسبيرو أعلى الحكَّام مكانةً؛ لِما ذاع عنه

من العزَّة والمهابة، وكان في الفنون والآداب سبَّاقًا

لا يدانيه أحد. ولما كنت قد شُغِلتُ بالدرس والبحث

فقد ألقيتُ بأعباء الحكم على كاهل أخي، وابتعدتُ

عن شئون الدولة، وانتشيتُ بدراسة الأسرار والسحر،

فإذا بعمكِ الخائن … هل تصغين إلى ما أقول؟
ميراندا : بل بكل انتباه!
بروسبيرو : أقول إنه أحكم فن إجابة الطلبات،
وفن رفضها، فعرف من يُرقَّى ومن يُمنع ٨٠

إذا تجاوز موقعه، فأعاد إنشاء ما كنتُ أنشأته،

وجعل الكل تابعًا له، أو عدَّل من هذا وذاك،

فأعاد تشكيل كل شيء! ولما كانت بيده مفاتيح

الوظائف والموظفين؛ ضبط أوتار القلوب في الدولة كلها

حتى تعزف ما يروق لأذنه من ألحان، حتى أصبح

اللبلاب المتسلق الذي يحيط بجذع الشجرة، شجرة إمارتي،

فيمتص منها رحيق الخضرة والنماء … أنتِ لا تصغين!
ميراندا : بل أُصغي يا والدي الفاضل!
بروسبيرو : انتبهي إذَن! كنت قد أهملتُ شئون الدنيا، وكرَّستُ نفسي
للدراسات السرية، والارتقاء بذهني ارتقاءً ٩٠

لا يُقدِّره العامة حقَّ قدره، لولا ما تطلَّبه ذلك من عُزلة

أيقظَت في أخي الخائن طبيعة الشر، فكانت ثقتي

فيه تشبه الوالد الصالح الذي أنجب

ابنًا فاسدًا، وكان فساده عظيمًا

لا يماثله إلا صلاح الوالد العظيم،

أي يماثل عِظم ثقتي، التي كانت بلا حدود،

أو قولي كانت ثقةً مطلقة! ولما أصبح السيد الجديد،

بفضل ما تدرُّه عليه أملاكي من دخْل، وكذلك

بفضل ما يُتيحه له سلطاني، بات

يصدق الكذب بترديده، ١٠٠

وأوقع ذاكرته في الخطيئة الكبرى

حين قَبِلَت أكاذيبه؛ إذ أصبح يعتقد حقًّا

أنه الدوق! واستطاع من خلال التبديل

أن يكتسب المظهَر الخارجي للحاكم

بكل امتيازاته، فازداد طموحه … هل تسمعين؟
ميراندا : قصَّتك يا والدي تشفي الأصم من الصمم!
بروسبيرو : كان يريد إزالة الحاجز بين الدور الذي يمثِّله
وبين الممثِّل الذي يقوم بالدور، أي أن يصبح فعلًا

دوق ميلانو! وأمَّا أنا المسكين، فكانت دوقيتي

هي مكتبتي وحسب! وأصبح يظن أنني أصبحتُ ١١٠

عاطلًا من كل سلطةٍ زمنية، فتآمر —

لشدة تعطُّشه للحكم — مع ملك نابولي،

ووافق على تقديم الجزية السنوية له، وإظهار الولاء له،

وإخضاع تاج الدوقية الصغير لتاج نابولي الكبير،

بحيث تركع له الدوقية، التي لم تركع من قبل أبدًا لأحد،

ركوعًا مُزريًا! وا أسفا عليكِ يا ميلانو المسكينة!
ميراندا : رحمتك يا ربي!
بروسبيرو : انظري ما فعل وما نجم عن فعلته، وقولي لي
إن كان يصح أن يكون لي أخًا!
ميراندا : سأخطئ إن أسأتُ الظن بجدَّتي!
ولكن أرحام الصالحات قد تحمل شرَّ الأبناء! ١٢٠
بروسبيرو : والآن إلى ما فعل! كان ملك نابولي عدوًّا لدودًا لي؛
ولذلك فقد أصغى لطلب أخي واستجاب له،

ووعده بأن يقوم — في مقابل عهد الولاء والجزية

التي لا أعرف مقدارها — بطردي أنا وأهلي من الدوقية

على الفور، وتعيين أخي في حفلٍ رسمي باذخ

دوقًا على ميلانو الجميلة! وهكذا أعد أنطونيو

جيشًا من الخونة، وفي الليلة التي رصدها القدر،

فتح وكلاؤه أبواب ميلانو،

وفي جنح الظلام طردونا مسرعين منها، ١٣٠

وكنتِ أنت إلى جِواري تذرفين الدموع!
ميراندا : وا أسفا على ما حدث! لا أذكر كيف بكيتُ ساعتها،
لكنني سوف أبكي من جديد! فالحادثة تعصر عيني عصرًا!
بروسبيرو : بل استمعي لباقي القصة،
حتى آتي إلى حالنا الراهن، ولا بد من ذلك

حتى تكتسب القصة مغزاها!
ميراندا : لكن لماذا لم يقتلونا ساعتها؟
بروسبيرو : سؤالٌ في محله يا فتاتي! فالقصة تستدعيه!
لم يجسروا على ذلك يا حبيبتي! ١٤٠

فلقد كان شعبي يحبني حبًّا شديدًا

ولم يريدوا للمؤامرة أن تحمل وصْمة لون الدم!

لكنهم لوَّنوا غاياتهم الدنيئة بألوانٍ أزهى وأجمل!

وبإيجازٍ أسرَعوا بنا إلى ظَهر سفينةٍ

ورافقونا عدة فراسخ في البحر؛ إلى حيث أعدُّوا لنا

زورقًا باليًا، لا حبال فيه ولا أشرعة ولا سواري!

بل إن الفئران نفسها قد هجرَته بالغريزة!

وألقَونا فيه فجعلْنا نصرخ في وجه البحر

وهو يزأر في آذاننا، ونتأوَّه

في وجه الريح التي أشفقَت علينا واستجابت بآهاتها، ١٥٠

فلم تزِد قسوتها عن عتاب العُشاق!
ميراندا : لكَم تحملتَ من المتاعب من أجلي!
بروسبيرو : بل كنتِ لي الملاك الحافظ! كنتِ تبتسمين
وقد ألهمكِ الله الصبر،

وأنا أزين البحر بقطراتٍ من الدموع الملحة،

وأعبائي ترغمني على الأنين!

وكانت بسمتكِ تحيي روح الجلَد والمثابرة في نفسي

حتى أتحمل ما تلا ذلك!
ميراندا : وكيف وصلْنا إلى البر؟
بروسبيرو : بالعناية الإلهية! كان لدَينا بعض الطعام والماء العذب؛ ١٦٠
إذ كان جونزالو، وهو من أشراف نابولي،

قد عُيِّن للإشراف على هذه المؤامرة،

وكان طيِّب القلب، فوضعهما في القارب إلى جانب

الملابس الفاخرة، والأقمشة، والأدوات والضروريات،

التي أفادتنا فائدةً كبيرة، كما أثبت كرم معدنه!

كان يعرف أنني أُحب كتبي، فوضع في القارب منها

— ومن مكتبتي نفسها — مجلدات السحر التي أعتبرها

أغلى من دوقيتي كلها!
ميراندا : ليْتني أرى ذلك الرجل يومًا ما!
بروسبيرو : سأنهض الآن (يرتدي عباءته من جديد) ظلي أنت في مكانكِ ١٧٠
حتى أنتهي من رواية أحزان البحر!

وصلْنا إلى هذه الجزيرة، وهنا أصبحتُ معلِّمًا لك،

فعلَّمتُكِ أكثر مما تتعلَّمه غيركِ من الأميرات،

ممن يقضين وقتًا أطول في اللهو، ويبذل معلِّموهن رعايةً أقل!
ميراندا : الحمد والشكر لله! والآن أرجوك يا والدي
أن تجيب على السؤال الذي ما زال يقلقني؛ لماذا

تسببتَ في هبوب هذه العاصفة ؟
بروسبيرو : أرجو أن تكتفي بما سأُفضي به: كان من غرائب المصادفات
أن ربَّة الحظ (التي أصبحَت ترعاني) ساقت أعدائي

إلى هذا الشاطئ، وكنتُ أعلم من قبلُ ١٨٠

أن ذروة سعدي تعتمد على طالع سعدٍ مشرق،

وأنني إذا لم أنتفع بقوَّته الآن أو أهملتُه

فسوف يذوي حظِّي إلى الأبد!

لا تطرحي الآن أية أسئلةٍ أخرى

(يستعمل سِحره لتنويمها.)

فالنوم يداعب جفينكِ، إنه كالخدر اللطيف
فلا تقاوميه، وأعلم أنه لا خيار لكِ في هذا!

(تنام ميراندا.)

أقبِل يا خادمي السحري أقبل! أصبحتُ مستعدًّا لك!
اقترِب يا آرييل! تعالَ هنا!

(يظهر آرييل، يدخل.)

آرييل : مرحى سيدي العظيم! مرحى سيدي المهيب!
حضرتُ لإجابة طلباتك فاطلب ما تشاء! أن أطير ١٩٠

أو أسبح، أو أقفز في النار، أو أركب

متن السحب المكورة! سوف ينهض بأصعب المهام التي تأمر بها

خادمك آرييل ورفاقه من أبناء الجان!
بروسبيرو : قل يا عفريت! هل نفَّذتَ حرفيًّا أوامري بإثارة العاصفة؟
آرييل : بالحرف الواحد يا سيدي! ركبتُ سفينة الملك،
كنت أقفز من مقدمتها، إلى وسطها، ثم إلى سطحها،

وأدخل كل غرفة في صورة لهبٍ يثير الرعب!

كنت أنقسم أحيانًا إلى ألسنةٍ من النار

حتى تلتهب في عدة أماكن، على السارية العليا

والقلوع ومقدمة السفينة، بحيث يستقل كل لهب بنفسه ٢٠٠

ثم تلتقي وتندمج! لم تكن تفوقني في السرعة بروق جوبيتر،

وهي التي تنذر بهزيم الرعد القاصف، بل كاد سنا برقي اللمَّاح

يذهب بالأبصار! كانت النيران وأصوات طقطقة

الكبريت المشتعل الهادر تحاصر — فيما يبدو — رب البحر الجبار

وتجعل أمواجه الجَسورة ترتعد، بل وحربته الثلاثية المخيفة أيضا!
بروسبيرو : قل لي أيها العفريت الجميل! هل كان من بينهم
مَن أبدى الصلابة ورباطة الجأش، فلم يصبْه الضجيج

بلوثةٍ في العقل؟
آرييل : لم يَسلَم أحدٌ من حُمَّى الجنون! بل سلك كلٌّ منهم
مسلك اليائس! وألقى الجميع أنفسهم — فيما عدا البحَّارة — ٢١٠

في البحر المالح وهو يُرغي ويُزبد! لقد تركوا السفينة

التي جعلتُها شعلةً ملتهبة! أما فرديناند، ابن الملك،

فقد انتصب شَعر رأسه، فأصبح مثل عيدان القصب!

وكان أولَ من قفز في الماء وهو يقول:

«هل خلَت جهنم من الشياطين فجاءوا كلهم هنا؟»
بروسبيرو : أحسنتَ أيها العفريت! ولكن هل كان ذلك قريبًا من الشاطئ؟
آرييل : كل القُرب يا سيدي!
بروسبيرو : وهل نجَوا جميعًا يا آرييل؟
آرييل : لم يفقد أحدٌ شعرةً واحدة! ولم تتلوث ملابسهم الواقية،
بل على العكس، ازدادت نضرة، وفعلتُ ما طلبتُه مني،

ففرَّقتُهم في جماعاتٍ في أنحاء الجزيرة. وأمَّا ابن الملك، ٢٢٠

فقد أتيتُ به إلى البر بنفسي، وتركتُه يبترد في الهواء،

ويتنهَّد في ركنٍ منعزل من الجزيرة، جالسًا،

وعاقدًا ذراعَيه في حزنٍ على صدره هكذا!

(يحاكيه.)

بروسبيرو : أخبِرْني ماذا فعلتَ بسفينة الملك، والبحَّارة،
وباقي الأسطول؟
آرييل : سفينة الملك في المرفأ سالمة،
خبَّأتُها في الخليج العميق،

حيث استدعَيتَني مرةً في منتصف الليل

لأحضر الندى من جزائر برميودا، ذات الأعاصير الدائمة،

كما خبأتُ الملَّاحين في مخازن السفينة، ٢٣٠

حيث ينامون من شدة الإرهاق ومن تعويذتي السحرية،

وأما باقي سفن الأسطول التي كنتُ فرَّقتُها

فقد اجتمعَت من جديد، وها هي تطفو

على صفحة الماء في البحر المتوسط، وقد سادها الحزن،

في طريق عودتها للوطن في نابولي،

بعد أن ظن الملَّاحون أنهم شاهدوا غرق سفينة الملك،

وهلاك ذلك الرجل العظيم نفسه!
بروسبيرو : اسمع يا آرييل! لقد قمتَ بالمهمة خير قيام، ولكن هناك
المزيد! كم الساعة الآن؟
آرييل : تجاوزْنا منتصف النهار!
بروسبيرو : بساعتَين على الأقل! يجب أن نستغل الوقت حتى السادسة ٢٤٠
خير استغلال!
آرييل : عملٌ آخر؟ ما دمتَ تكلِّفني بالمزيد، دعْني أذكِّرك
بوعدك الذي لم تنجزْه حتى الآن!
بروسبيرو : ماذا أغضبك الآن؟ ماذا تريد؟
آرييل : حريتي!
بروسبيرو : قبل انقضاء المدة المحددة؟ محال!
آرييل : أرجوك تذكَّر أنني خدَمتُك على أفضل وجه؛
لم أكذب، ولم أخطئ، ودون شكوى أو تذمُّر!

لقد وعدتَني بإنقاص المدة سنةً كاملة!
بروسبيرو : وهل نسيت العذاب الذي خلصتُكَ منه؟ ٢٥٠
آرييل : لا!
بروسبيرو : بل تنسى ذلك! وتستكثر أن تمشي على الطين في
قاع البحر المالح العميق، أو تركب متن ريح الشمال الباردة،

أو تؤدِّي لي المهام في عروق الأرض التي جمَّدها الصقيع!
آرييل : لا يا سيدي!
بروسبيرو : لا تكذب أيها الخبيث! هل نسيتَ الساحرة الشريرة
سيكوراكس؟ تلك التي تقوَّس ظهرها

شيخوخةً وحسدًا، هل نسيتَها؟
آرييل : لا يا سيدي!
بروسبيرو : بل نسيتَها! أين وُلدَت؟ تكلَّم! قل لي الآن! ٢٦٠
آرييل : في مدينة الجزائر يا سيدي!
بروسبيرو : حقًّا؟! لا بد أن أذكِّرك بما كنتَ عليه مرة في الشهر!
فأنت تنسى! كانت سيكوراكس هذه ساحرةً ملعونة،

وقد نُفِيَت من الجزائر بسبب شرورها العديدة،

وفظائع سحرٍ لا تحتملها مسامع الإنسان،

وقد نفَوها ولم يحكموا عليها بالإعدام لسببٍ ما!

صحيح؟
آرييل : نعم يا سيدي!
بروسبيرو : وقد أتى البحَّارة بهذه العجوز التي حملَت
فكست الزرقة جفونها وتركوها هنا! وكنتَ أنت، كما ٢٧٠

قلتَ لي، خادمًا لدَيها قبل أن تصبح عبدًا لي!

ولكنك كنتَ عفريتًا رقيق الإحساس، فرفضتَ

تنفيذ أوامرها الأرضية الكريهة، فثارت ثائرتها،

واستعانت بمساعديها الأشدَّاء، وحبسَتكَ

في شق شجرةٍ من أشجار الصنوبر،

فأطبق عليك الشِّق، وظللتَ تتألم فيه حبيسًا

طيلة اثنتَي عشرة سنة!

وماتت الساحرة في أثنائها، وتركَتكَ في الشق!

ولكَم صدرَت منك أنَّات الألم المتوالية السريعة ٢٨٠

مثل ضربات عجلة الساقية للماء!

ولم تكن الجزيرة قد شرُفَت بوجه إنسانٍ

يخطو على ظهرها، باستثناء ذلك الابن الذي ولدَته هنا!

ذلك الجرو الأرقط!
آرييل : نعم! كاليبان! ابنها!
بروسبيرو : نعم! ذلك الغبي! كاليبان هذا الذي أصبح خادمًا لي.
لا يعرف خيرًا منك مدى العذاب

الذي وجدتُكَ فيه! كنتَ تئنُّ أنينًا

يجعل الذئاب تعوي، ويخترق صدور الدِّببة التي

لا يهدأ لها غضب! لقد كان عذابًا جديرًا

بمن حُقَّت عليهم اللعنة، ولم يكن بمقدور سيكوراكس ٢٩٠

أن تنجيك منه! بل إن قوة سحري أنا —

عندما وصلتُ وسمِعتُك — هي التي فلقَت شجرة الصنوبر

وأخرجَتك منها!
آرييل : وأنا لك شاكرٌ يا سيدي!
بروسبيرو : إذا تذمَّرتَ من جديدٍ فسوف أشقُّ شجرة بلوطٍ
وأحشرك في الشق وسْط عُقَد الفروع

حتى تعوي اثنَي عشر شتاءً كاملة!
آرييل : اغفر لي يا سيدي! ولسوف أطيع أوامرك
وأقوم بمهام العفريت بكرم النبلاء!
بروسبيرو : إن صدقتَ أطلقتُ سراحك بعد يومَين!
آرييل : هكذا يكون كرم سيدي النبيل! ماذا أفعل؟ ٣٠٠
قل لي! ماذا أفعل الآن؟
بروسبيرو : اذهب وتحوَّل إلى صورة حوريةٍ
من حوريات البحر! وبحيث لا تراك إلا

عيوننا أنا وأنت فقط! كن خفيًّا

على كل عينٍ أخرى! اذهب واتخذ هذا الشكل

وارجع إلينا به! اذهب! هيا! انطلِق بهمَّة!

(يخرج آرييل.)

اصحي الآن يا حبيبتي! استيقظي! لقد نمتِ طويلًا!
ميراندا (تصحو) : آه! غَرابة قصَّتك أثقلَت جفوني!
بروسبيرو : انفضي النوم عنكِ! هيا بنا!
سوف نزور كاليبان — عبدي — وإن لم يُجِبنا يومًا ٣١٠

إجابةً طيبة!
ميراندا : إنه وغدٌ يا أبي، ولا أحب أن أراه!
بروسبيرو : فليكن! ولكن أحوالنا لا تسمح لنا أن نستغني عنه!
فهو يوقد لنا النار، ويأتينا بالحطب،

ويقوم بوظائف مفيدة لنا. أنت يا عبد! كاليبان!

أنت يا طين! تكلم!
كاليبان (من خارج المسرح) : لدَيكم حطبٌ كافٍ في الكهف!
بروسبيرو : اخرج من كهفك أقول! لدَي مهمةٌ أخرى لك!
اخرج أيتها السلحفاة! متى؟

(يعود آرييل في شكل حوريةٍ بحرية.)

آه! آرييل! ما أبدعك أيها العفريت! وما أشد ذكاءك!
تعالَ حتى أهمس في أذنك! ٣٢٠
آرييل : سمعًا وطاعة يا مولاي!

(يخرج آرييل.)

بروسبيرو : كاليبان! يا عبدًا مسمومَ اللسان، أنجبَه الشيطان نفسه
مِن أمك الساحرة الخبيثة! اخرج من كهفك الآن!

(يدخل كاليبان.)

كاليبان : فلينزلْ عليكما أخبث ندًى جمعَته أمي
بريش الغراب من المستنقع الفاسد! ولتهبَّ عليكما

الريح الجنوبية الغربية وتملأ الجسد بالبثور!
بروسبيرو : سأعاقبك على هذا بتقلصاتٍ ووخزاتٍ تحبس
أنفاسك بالليل! وبأشواك قنافذ العفاريت حتى الصباح!

لسوف تلسعك مثل إبَر النحل الذي

يملأ قُرص العسل، وكل لسعةٍ أشد إيلامًا ٣٣٠

من إبَر النحل الذي يصنع لك القُرص!
كاليبان : دعْني أتناول غدائي! لقد ورثتُ هذه الجزيرة عن أمي
سيكوراكس، وها أنت تغتصبها مني!

لقد تغيرتَ كثيرًا! فعندما جئتَ أول الأمر كنتَ عطوفًا علي،

ترعاني خير رعاية، وتقدِّم لي الماء الحافل بألوان التوت،

وتعلِّمني اسم الضوء الأكبر الذي يتوهج بالنهار، والأصغر الذي

يسطع ليلًا؛ فأحببتُك، وأطلعتُك على

أحوال الجزيرة كلها، على ينابيع الماء العذب،

والبِرك المالحة، والأراضي الخصبة والقاحلة، ٣٤٠

فليْتني ما فعلتُ، بل عليَّ اللعنة لذلك!

وها أنا ذا أدعو عليكما بكل خبائث سحر سيكوراكس!

ولتنقضَّ عليكما الضفادع والخنافس والخفافيش!

وهل لكما من الرعية غيري؟ لقد كنت الملك الأوحد

على ذاتي، فإذا بك تحبسني في هذه الحظيرة الصخرية الصمَّاء

وتحرمني من بقية الجزيرة!
بروسبيرو : أيها العبد والكذَّاب الأشر! يا من يستجيب للعصا
لا للعطف! لقد عاملتك رغم انحطاطك بشفقةٍ ورحمة!

وأسكنتك معي في الكهف حتى تطاولتَ وحاولتَ انتهاك

عفة ابنتي! ٣٥٠
كاليبان : مرحى مرحى! ليْتني نجحتُ! لو لم تمنعني
لامتلأَت الجزيرة بذرية كاليبان!
ميراندا : عبدٌ حقير من المحال أن يُطبَع فيه الخير،
بل هو قادرٌ على تقبُّل كل شر! لقد رثيتُ لحالك،

واجتهدتُ حتى علمتُك الكلام، وكنت أعلِّمك في كل ساعة

شيئًا جديدًا! وعندما كنتَ تجهل أيها المتوحش

معنى ما تقول، بل تردِّد أصواتًا

لا معنى لها مثل الحيوان الأعجم،

وهبتُك الكلمات التي تُفصح بها عن مقاصدك،

ولكن دناءة طبعك ذات حقارة ٣٦٠

ترفض الطبائعُ الكريمة أن تزاملها،

على الرغم مما تعلمتَه، وهكذا كنتَ جديرًا

بالحبس في هذه الصخرة، وإن كنتَ تستحق

ما هو أنكى من السجن!
كاليبان : بفضل تعليمي اللغة، أصبحتُ أعرف كيف
أسبُّ وأشتم! فليكن الطاعون الأحمر

جزاء من علمني اللغة!
بروسبيرو : انطلقْ يا ابن الساحرة! أحضِر الحطب وأسرع!
فهناك مهام أخرى! أتستخف بكلامي يا شرير؟

إن أهملتَ الواجب أو قمتَ به على مضضٍ ٣٧٠

فسوف أصيب عضلاتك بالتقلصات المؤلمة،

وأملأ عظامك بالأوجاع، حتى ترتفع صيحاتك الهادرة

فترتعد الوحوش لِسماعها بباب كهفك!
كاليبان : لا لا أرجوك! (جانبًا) لا بد أن أطيعه! فقوة سحره
قادرةٌ على هزيمة رب الشر الذي علَّم والدتي

واسمه سيتبوس، بل واستعباده!
بروسبيرو : هيا أيها العبد انطلق!

(يخرج كاليبان.)

(يعود آرييل، في ثوب الاختفاء، يعزف الموسيقى ويغنِّي، وفرديناند يتبع صوت الموسيقى داخلًا.)

أغنية آرييل

هيَّا هيَّا للرمل الأصفرْ
وليُمسِك كلٌّ بيَد الآخرْ
واحنوا القامات تحيةَ حبّْ
من عند الشفة إلى القلبْ ٣٨٠
فإذا هدأ الموج الثائرْ
نرقص رقص الحَذِق الماهرْ
أيتها الجنيات الحلوة
ردِّدْن قرار الغنوة
أصغوا أصغوا!
القرار :
هوْهوْ! هوْهوْ!
آرييل :
هذا كلب حراستنا ينبحْ!
القرار :
كوكو كوكو! كوكو كوكو!
آرييل :
هذا الديك المزهُو يصدحْ!
فرديناند :
تُرى أين أسمع هذا الغناءْ؟
أفي الأرض أم في ثنايا الهواءْ؟
ولكن توقَّف صوت النغمْ!
وكان ولا شك لحن ولاءْ
لربٍّ على أرض هذي الجزيرة ٣٩٠
وكنتُ جلستُ على الشط أبكي
وفاةَ المليك الغريق … أبي!
فإذْ باللحون تسير الهُوَينا
على صفحة الماء تنساب جنبي
تخفِّف من غضبة الماء حولي
وتمسح باللحن أحزان قلبي
بإيقاعها العذب من كل صوبِ
وإذْ بي أسير وراء اللحونْ
بلى! إنها قد أتت بي هنا
لِحيثُ انتهى صوت ذاك النشيدْ
ولكن لأسمعْ فها هو ذا من جديدْ!

أغنية آرييل

قاماتٌ خمسٌ كاملة عمْق فِراشِ
أبيك الراقد في قاع البحر الآنْ
مِن عَظم الوالد ينمو المَرجانْ
عيْناه تحوَّلتا فهما هاتان اللؤلؤتانْ
لا يذوي شيءٌ من ذاك الإنسانْ ٤٠٠
إلا وتحوَّل في البحر إلى
شيءٍ غالٍ وغريب الشانْ!
فإذا مضَت الساعة دوَّى صوتٌ رنانْ:
ناقوس النَّعي بأيدي حوريات البحرْ!
القرار :
دِنْدن دِنْدن!
آرييل :
أصغوا! إني أسمعها الآنْ!
القرار :
دِنْدن دِنْدن … دِنْدانْ!
فرديناند : إن الأغنية تشير إلى أبي الغريق!
لا! ليس ذلك من أصوات البشر، ولا من ألحان

الأرض! إذ أسمعها الآن فوق رأسي! ٤١٠
بروسبيرو (إلى ميراندا) : ارفعي ستائر عينيك ذوات الأهداب
وقولي ماذا تبصرين أمامك؟
ميراندا : ما هذا؟ عفريتٌ من الجن؟ يا عجبًا كم يتلفَّت حوله!
صدِّقني! لقد اتخذ صورة إنسيةٍ جميلة، ولكنه عفريت!
بروسبيرو : لا يا فتاتي! إنه يأكل وينام ويتمتع بالحواس
مثلنا تمامًا! هذا الفتى الذي ترينه

كان على ظهر السفينة التي غرقَت، ولولا ما اكتساه

من حُزن — فالحزن ينهش الجمال — لقلتُ إنه وسيم!

لقد فقد رفاقه، ويجوب الأرجاء بحثًا عنهم!
ميراندا : أكاد أقول إنه ملَكٌ كريم! ٤٢٠
فلم أشاهد بين البشر مَن يدانيه سموًّا!
بروسبيرو (جانبًا) : يبدو أن سحري قد نجح، وبالصورة التي
أريدها! أيها العفريت! أيها العفريت البديع! سأطلق

سراحك بعد يومَين مكافأةً على ما فعلتَ!
فرديناند (يرى ميراندا) : هذه ولا شك هي الربَّة التي عُزِفَت لها
تلك اللحون! اقبلي دعائي وأخبريني إن كنتِ تقيمين هنا،

وأرشديني إلى سبُل العيش في هذه الجزيرة!

أما مطلبي الأول، وإن ختمتُ به مطالبي،

فهو أن أعرف منكِ — يا أعجوبة الدنيا — ٤٣٠

إن كنتِ متزوجةً أم لا؟
ميراندا : لست أعجوبةً يا سيدي ولست متزوجة!
فرديناند : تتكلمين لغتي؟ يا عجبًا! أنا أعلى مَن يتحدث بها
وليتني الآن بين أهلها!
بروسبيرو : لا أفهم! أعلاهم؟ وماذا يكون موقفك
لو سمعك ملك نابولي تقول هذا الكلام؟
فرديناند : أظل كما أنا، في وحشتي، أتعجب من حديثك
عن ملك نابولي! أما إذا كان يسمعني فلا شك في ذلك!

فلقد أصبحتُ ملك نابولي، بعد موت أبي الذي أبكيه،

بعيونٍ لا تجف دموعها، بعد أن شاهدتُه يغرق!
ميراندا : وا أسفا!
فرديناند : بل وجميع الكبار معه، مثل دوق ميلانو وابنه الجميل! ٤٤٠
بروسبيرو (جانبًا) : يستطيع دوق ميلانو وابنته الأجمل أن يعارضاك
في ذلك، ولكن الوقت غير مناسب! لقد تبادلا الحب

من أول نظرة! آرييل الرقيق! سأطلق سراحك

لقاء ما فعلت! (إلى فرديناند) تبقى كلمة يا سيدي!

أظن أنك ارتكبت خطأً ما! كلمة على انفراد!

(يهمس له على انفراد.)

ميراندا : لماذا يكلمه أبي بهذه الخشونة؟ إنه ثالث رجلٍ
أراه في حياتي! وأول من يخفق قلبي بحبه!

فليشفقْ علينا والدي، حتى يميل إلى ما أميل إليه!
فرديناند : إن كنتِ لم تتزوجي بعدُ، ولم يرتبط قلبكِ بأحد، ٤٥٠
فسوف أجعلك ملكةً على نابولي!
بروسبيرو : صبرًا يا سيد! لم أحادثْك بعد!
(جانبًا) كلاهما تحت سلطان الآخر، ولكن الأمر يجري

بسرعةٍ لا تليق، ولا بد أن أضع بعض العقبات

في سبيله، فما يسهل الحصول عليه تهبط قيمته!

(إلى فرديناند) كلمةٌ أخرى أقول! وآمرك أن تصغي إليَّ!

إنك تغتصب لقب غيرك، وما جئتَ هذه الجزيرة

إلا كجاسوس يطمع في انتزاعها من يدي أنا … مالكها!
فرديناند : كلا! وأقسم بحق رجولتي!
ميراندا : لا يمكن للشر أن يقيم في مثل هذا المعبد الجميل! ٤٦٠
فإذا كان لروح الشر مثل هذا المسكن الجميل

فسوف يطردها الخير ويحل محلَّها فيه!
بروسبيرو : اتبعني! لا تدافعي أنت عنه؛ فهو خائن! هيا!
سأوثق قدمَيك وعنقك معًا!

سأسقيك ماء البحر، وأطعمك محار الجداول والغدران،

والجذور الذابلة، وقشور ثمار البلوط! اتبعني!
فرديناند : كلا! لن أقبل هذا الطعام والشراب حتى
أرى لعدوِّي سلطانًا أقوى!
ميراندا : أرجوك يا والدي الحبيب! لا تتهور في إيذائه؛ ٤٧٠
فهو ذو نُبلٍ ولا يعرف الجبن!
بروسبيرو : عجبًا! طفلتي تعلمني؟ أغمِد سيفك يا خائن!
يا من تتظاهر بالشجاعة ولا تجرؤ على الضرب!

فلقد شل الشعور بالذنب ضميرك! كفى هذا التأهب للدفاع!

إذ أستطيع تجريدك من السيف بهذه العصا!
ميراندا : أتوسل إليك يا أبي!
بروسبيرو : ابتعدي يا ابنتي واتركي ملابسي!
ميراندا : أشفِق عليه يا سيدي، وأنا أضمنه لك!
بروسبيرو : اسكتي! لو قلتِ كلمةً أخرى فسوف أعنِّفكِ،
بل وأغضب منك! يا عجبًا! هل تدافعين عن محتال؟ كفى! ٤٨٠

تظنِّين أنه لا يوجَد مثيلٌ له لأنك لم تشاهدي قَبْله

إلا كاليبان؟ يا لكِ من بلْهاء!

إذا قُورِن هذا بمعظَم الرجال بدا مثل كاليبان!

وإذا قُورِنوا به كانوا ملائكة!
ميراندا : قل إذَن إن مشاعري في غاية التواضع،
فلا أطمح إلى من هو أوسم!
بروسبيرو (إلى فرديناند) : هيا معي، وأطِعْني! فقد ارتخَت عضلاتُك تمامًا!
بل فقدَت قوتها وأصبحَت مثل عضلات الأطفال!
فرديناند : هذا صحيح! فالقيود تشدُّ قواي كلها كأنني أحلم!
ولكن فقدان والدي، والضعف الذي أحسه، ٤٩٠

وغرَقُ جميع أصدقائي، وتهديدات هذا الرجل

الذي يُخضِعني لسيطرته؛ كل هذا يهون إذا استطعتُ،

وأنا حبيسٌ، أن أشاهد هذه الفتاة، ولو

مرةً كل يوم! فلينعم الأحرار بأركان الأرض!

أما أنا فتكفيني حدود هذا السجن وحسب!
بروسبيرو (جانبًا) : نجحَت الخطة! (إلى فرديناند) هيا معي!
(إلى آرييل) أحسنتَ صنعًا يا آرييل الرائع! (إلى فرديناند) اتبعني!

(إلى آرييل) استمع إلى ما سوف أكلفك به من مهام!
ميراندا (إلى فرديناند) : اطمئن! طبْع والدي أفضل يا سيدي
مما يوحي به حديثه! وليس من عادته ٥٠٠

أن يفعل ما فعل الآن!
بروسبيرو (إلى آرييل) : ستنعم بحرية الرياح في الجبال،
بشرط أن تنفِّذ جميع ما أطلبه؛ وبدقة!
آرييل : وبالحرف الواحد!
بروسبيرو (إلى فرديناند) : هيا! اتبعني! (إلى ميراندا) لا تُدافعي عنه!

(يخرجون.)

نهاية الفصل الأول

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤