الفصل الخامس

المشهد الأول

(أمام كهف بروسبيرو.)

(يدخل بروسبيرو مرتديًا عباءته السحرية مع آرييل.)

بروسبيرو : بدأَت خطتي تأتي بثمارها، ولم تخفق
تعويذةٌ واحدة من تعاويذي، والجن التابعة لي مطيعة،

والزمان يسير منتصب القامة بما يحمله على كاهله. كم الساعة؟
آرييل : السادسة! هذا هو الوقت الذي حدَّدَته يا سيدي
موعدًا للانتهاء من عملنا.
بروسبيرو : لقد قلت ذلك فعلًا، عندما أثرت العاصفة أول الأمر.
قل لي أيها العفريت: ما حال الملك وأتباعه؟
آرييل : محبوسون معًا بالصورة التي أمرتَ بحبسهم فيها،
ومثلما تركتهم تمامًا! إنهم محبوسون جميعًا يا سيدي

في خميلة الليمون التي تحمي كهفك من الأنواء ١٠

ولن يستطيعوا الخروج حتى تأمر بإطلاق سراحهم.

أما الملك، وأخوه، وأخوك فقد استولى الجنون

على ثلاثتهم، والباقون ينعون ذهاب عقلهم!

لقد أفعمهم الحزن والفزع، وخصوصًا جونزالو

الذي وصفته بأنه عجوزٌ طيِّب كريم؛

إذ تتسرب دموعه من لحيته مثلما تتسرب قطرات الشتاء

من سقفٍ من قش القصب! إن تأثير سحرك فيهم جبار

حتى إنك لو شاهدتَهم الآن، للانَت مشاعرك تجاههم!
بروسبيرو : هل تظن ذلك أيها العفريت؟
آرييل : لو كنتُ من البشر يا سيدي لوجدتُ مشاعري تلين!
بروسبيرو : وسوف تلين مشاعري! أنت هواءٌ محض، ومع ذلك، فأنت ٢٠
تحس وتشعر بمعاناتهم، فكيف لا أزيد عنك، وأنا من جنسهم،

إحساسًا بها، بل وأزيد عطفًا عليهم منك؟!

لقد أصابني ظلمهم الشديد بطعنة في صميم قلبي،

ومع ذلك فإنني أنحاز إلى سمُوِّ عقلي ضد غضبي العارم!

ما أكثر ما ينزع المرء إلى الثأر، وأندر الحِلم والعفو!

وما داموا قد أبدَوا الندم، فلن أتمادى في غضبي!

اذهب فأطلق سراحهم يا آرييل! سألغي ٣٠

تعاويذي السحرية، حتى يعود إليهم عقلهم،

ويعودوا إلى طبيعتهم.
آرييل : سأحضرهم هنا يا سيدي!

(يخرج.)

بروسبيرو :
يا جنيات تلال وجداول وبحيرات ساكنة وخمائل!
يا من لا يتركن على رمل الشاطئ آثار الأقدامْ
أثناء طراد إله البحر إذا انحسر الماءْ
أو أثناء الفر أمام الماء إذا عادْ! يا من تُشبِهن دُمًى صُغرى
تصنع في ضوء البدر دوائر خضراء من الطحلب ذات مذاقٍ مر
لا تقربها نعجة! يا من تتسلَّين بصُنع الفُطْر بمنتصف الليل
وتُرحِّبن بصوت الناقوس إذا أعلن وقتَ غروب الشمسْ!
منكن طلبتُ العون فجاء العون، على ضعفٍ فيكُن، ٤٠
حتى عتَّمتُ ضياء الشمس بوقْد الهاجرة هنا،
ودعوتُ الريح العاصفة إلى الثورة،
بل أنشبتُ الحرب الهادرة الهوجاءْ
ما بين البحر الأخضر وسماءٍ زرقاء القبة!
أضرمتُ النار بأيدي الرعد القاصف والمرعبْ
وفلقتُ بأسهم رب الأرباب البلُّوط الصلبْ —
أشجارٌ تُنسَب لهْ — زلزلتُ الجبل الثابتْ
وذراعي اقتلعَت أشجار الأَرْز من الجِذرْ!
وأمرتُ القبر بأنْ يوقظ من رقدوا في القبرْ
فانفتحَ وأخرَجهم يسعَون بفضْل السحر الأكبرْ ٥٠
لكني أعلن أني أنبذ هذا السحر الفظ!
فإذا استدعيتُ لحونًا من موسيقى الملأ الأعلى —
وأنا أدعوها الآنْ — حتى تُحدِث ما أبغي من تأثيرٍ
في عقل أولئك (أي من يستهدفهم سحر الموسيقى)
فلسوف أقوم بكسْر عصا سحري
وسأدفنها في أعماق الأرض وأغرق كتبي في البحرْ
وبأعماقٍ ما وصل إليها يومًا مسبار الغورْ!
(موسيقى رزينة.)
(هنا يدخل آرييل، ثم ألونزو، وهو يومئ ويتحرك
كالمجانين، ومعه جونزالو، وسباستيان وأنطونيو،
وهم يومئون ويتحركون بالأسلوب نفسه، يرافقهم أدريان
وفرانشيسكو، ويدخلون جميعًا حدود الدائرة التي رسمها
بروسبيرو، ويقفون فيها مسحورين، وحين يلاحظ بروسبيرو
ذلك يعود للحديث.)
بروسبيرو :
فليعمل هذا اللحن الهادئ برزانته عملهْ
حتى يشفي مخًّا يغلي في الجمجمة الآن بلا طائلْ!
(ذلك أفضل ما عالج زعزعة العقل الناشزْ) ٦٠
فلتقفوا حيث وقفتُم في أسْر السحرْ
يا جونزالو ذا التقوى والشرف الصادقْ!
عيني تتعاطف مع ما يبدو في عينكْ
وبذا تذرف عبرات أخُوَّة! ما أسرع ما ذاب السحرْ!
وكما يسترق الخطو ضياء الصبح بجوْف الليل فيصهرَ ظُلمتَه
يشرق ضوء الرُّشد الآن ويبدأ في تبديد سحائب جهلٍ
كانت تغشى العقل الصائبْ! اسمعني يا جونزالو الطيبْ!
يا من تحفظ عهدي حقًّا! يا من صُنتَ ولاءك لرئيسكْ!
سوف أكافئ بالقول وبالفعل شمائلك العليا ٧٠
ما أقسى ما كنتَ ألونزو حين أسأتَ معامَلتي مع بنتي!
وتواطأ معك أخوك بتلك الفعلة!
ولقد نلتَ عقابك عن ذلك يا سيباستان!
«أما أنتْ! يا لحمي ودمي وشقيقي!
فلقد أغواك طموحكْ، ونبذتَ الشفقة ودواعي الفطرة»
إذ شاركتَ سباستان عملهْ —
(مَن يلدغُه أقسى اللدغات الآن ضميرُهْ!) —
بمؤامرةٍ تُزهق روح مليككما! إني أصفح عنكْ!
وبرغم تنكُّرك — كما قلتُ — لفطرتك البشرية!
ها هو ذا موج الإدراك يعودْ! والمَد الزاحف لن يلبث أن ٨٠
يغمر شط الرشد الزاخر بالطين وشر الأكدارْ!
لا ينظر أحدٌ منهم في وجهي حتى يعرفني حقًّا!
اذهب يا آرييل! أحضِر قبَّعتي وحسامي من كهفي
فسأكشف عن نفسي وأقدِّم نفسي في صورتيَ الأولى
حاكمَ ميلانو! أسرِع يا عفريتْ!
فلسوف تنال الحرية بعد قليلْ!

(يحضر آرييل الملابس ويساعده في ارتدائها ويغنِّي الأغنية التالية …)

آرييل (يغنِّي) :
ها أنا ذا أرشف مثل النحل رحيق الزهرْ
في تاج السوسنِ أرقد أنعم بالعطرْ
أرقد حيث نَعيق البوم إلى الفجرْ ٩٠
أركب مَتن الخفاش كمثل الطيرْ
في مرحٍ أيامُ الصيف تمرّْ!
مرحًا مرحًا سوف أعيش الآنْ
تحت براعم في بعض الأغصانْ!
بروسبيرو : أحسنتَ أحسنتَ يا صديقي الظريف! سوف أفتقدك يا آرييل،
لكنني لا بد أن أمنحك حريتك. (وهو يعدل ملابسه) هكذا هكذا!

اذهب الآن بصورتك غير المرئية، إلى سفينة الملك،

وسوف تجد الملَّاحين نائمين في المخازن،

أيقظ الربان والضابط، وأحضِرهما ١٠٠

قسرًا إلى هذا المكان! وليكن ذلك فورًا، أرجوك!
آرييل : سأعب الهواء في طريقي عبًّا وأعودْ
قبل أن ينبض قلبك نبضتَين!

(يخرج.)

بروسبيرو : انظر سيدي الملك! أَبصِر دوق ميلانو
الذي حاق به الظلم؛ بروسبيرو! ها أنا ذا أمامك!

وزيادة في تأكيد حياة الأمير الذي يخاطبك الآن

ها أنا ذا أعانق جسدك، وأرحب أصدق ترحيب ١١٠

بك وبرفقائك!
ألونزو : لا أدري إن كنتَ إياه أم لم تكن،
أو كنتَ شبحًا مسحورًا أُرسِل لخداعي،

مثل الذين رأيتهم أخيرًا! لك نبضٌ يخفق،

ككل حيٍّ من لحمٍ ودم! والواقع إنني منذ أن شاهدتك،

والذهول الذي أصابني يخف ويتلاشى،

بعد أن خشيتُ معه أن يكون الجنون قد حل بي!

ولا بد أن وراء ذلك قصة بالغة الغرابة؛ إن كان

ما أشهد يحدث في الواقع! ها أنا ذا أتخلى عن رئاسة الدوقية،

وأتوسل إليك أن تغفر أخطائي، ولكن كيف تسنَّى

لبروسبيرو أن ينجو ويعيش هنا؟ ١٢٠
بروسبيرو : دعني أعانق جونزالو أولًا! أهلًا بك يا صديقي الكريم!
أيها الشيخ الذي يتجاوز شرفه كل مقياس وكل حد!
جونزالو : لا أستطيع أن أقسِم أن هذا يحدث في الواقع!
بروسبيرو : لا يزال تأثير غرائب الجزيرة قائمًا فيكم،
وما زال يمنعكم من تصديق ما هو حقيقي وواقع مؤكد!

مرحبًا بكم جميعًا يا أصدقائي! (جانبًا إلى سباستيان وأنطونيو)

أما أنتما، أيها السيدان، فلو شئتُ لألقيتُ عبوسَ سمُوِّه

في وجهَيكما، بإثبات خيانتكما له! ولكنني

لن أشي الآن بشيء!
سباستيان (جانبًا) : الشيطان ينطق بلسانه!
بروسبيرو : لا! أما أنت يا أنطونيو، يا شر الأشرار! ١٣٠
يا من يلوِّث فمي أن أدعوه يا «أخي»! فإنني أعفو

عن أحط آثامك، بل أغفرها جميعًا! وأطلب منك

إعادة دوقيتي إليَّ! وأعلم علم اليقين

أنك لا بد أن تُعيدها!
ألونزو : إن كنتَ حقًا بروسبيرو، فأخبرْنا بتفاصيل نجاتك وبقائك حيًّا!
وكيف قابلتَنا هنا، نحن الذين تحطَّمَت سفينتهم

منذ ثلاث ساعات، فألقى البحر بهم إلى الشاطئ، حيث

فقدتُ ولدي الحبيب فرديناند، وما أعظم ألمي لذكراه!
بروسبيرو : وا أسفا عليه يا سيدي!
ألونزو : خسارتي فيه لا تُعوَّض! وربة الصبر تقول إنها ١٤٠
لا تملك شفائي!
بروسبيرو : بل أظن أنك لم تطلب منها العون،
فلقد طلبتُ منها أن تتكرم بأنعمها عليَّ في خسارةٍ مماثلة

فأعانتني على التحمل راضيًا قانعًا!
ألونزو : خسارة مماثلة لك؟
بروسبيرو : مماثلة في فداحتها لي، وقرب العهد بها!
ووسيلة تحملي الخسارة البالغة أضعف كثيرًا من وسائل

عزائك وسلواك! إذ إنني فقدتُ ابنتي!
ألونزو : ابنتك! أيتها السماوات! ليْتهما يعيشان الآن معًا
في نابولي! وليتهما كانا ملكًا وملكة! ولو كانا لتمنيتُ ١٥٠

أن يغشاني وحْل القاع الذي يرقد ابني في فراشه اللزج!

متى فقدتَ ابنتك؟
بروسبيرو : في هذه العاصفة الأخيرة! ألاحظ أن هؤلاء السادة
قد تملكَتهم الدهشة من هذا اللقاء إلى حد ابتلاع عقولهم،

فلا يكادون يصدِّقون أن عيونهم ترى ما ترى، أو أن ألفاظهم

تخرج من أفواههم! ولكن مهما أبعدَتكم الدهشة

عن رشدكم، عليكم أن تعلموا علم اليقين

أنني أنا بروسبيرو، وأنني الدوق نفسه

الذي أُخرِج من ميلانو، وانتهى بمصادفةٍ غريبة ١٦٠

إلى هذا الشاطئ الذي تحطمَت سفينتكم عليه،

فأصبح سيدًا على الجزيرة. لن أزيد على ذلك الآن

لأن رواية الأحداث تتطلب أيامًا عديدة

لا ساعة إفطار واحدة، ولا هي تناسب

هذا الاجتماع الأول. مرحبًا بك يا سيدي!

هذا الكهف هو بلاط قصري، وحاشيتي محدودة العدد،

ولا رعية لي خارج القصر! أرجوكم تفضلوا!

ما دمتَ قد رددتَ عليَّ دوقيتي،

فسوف أجازي الإحسان بالإحسان،

وأكشف لك عن أعجوبةٍ ترضيك الرضاء ١٧٠

الذي جاءني باسترداد دوقيتي.

(يدخلون الكهف، ويكون ذلك على المسرح بإزالة الستارة الخلفية

التي تفصل بين المقدمة والمؤخرة، فنرى فرديناند وميراندا يلعبان الشطرنج.)
ميراندا : سيدي الرقيق! أنت تُغالِط في اللعب!
فرديناند : لا يا أعز حبيب، ولو أُعطيتُ الدنيا وما فيها!
ميراندا : بل تفعل إن أُعطيتَ الدنيا! وحتى لو اختلفت معي حول ما هو أقل
— مملكة كانت أو عشرين — فلن أقول إنك تغالط في اللعب!
ألونزو : إذا ثبت أن هذا وهمٌ متجسِّد من أوهام الجزيرة،
فسوف أفقد ولدي للمرة الثانية!
سباستيان : معجزةٌ علوية!
فرديناند : رغم جميع أخطار البحار، فهي رحيمة! وقد لعنتُها دون سبب.

(يركع أمام والده.)

ألونزو : فلتغمرْك بركات والدٍ مسرور! انهض وقل كيف جئتَ إلى هنا؟ ١٨٠
ميراندا : يا عجبًا! ما أكثر الخلق الذين زانهم هذا البهاء ها هنا!
ما أجمل البشر! يا عالَمًا جديدًا رائعًا

فيه أمثال أولئك!
بروسبيرو : إنه جديدٌ عليك!
ألونزو : ما تلك الفتاة التي كنتَ تلعب معها؟
لا يمكن أن تتجاوز معرفتك بها ثلاث ساعات!

أهي الربة التي فرَّقَتنا ثم جمعَت شملنا على هذا النحو؟
فرديناند : لا يا أبي! إنها من البشر الفانين،
ولكن العناية الإلهية الخالدة جعلَتها من نصيبي!

لقد اخترتُها بنفسي لأنني لم أتمكن من مشورة والدي، ١٩٠

بل ولم أكن أظن أنه حيٌّ يُرزَق! إنها

ابنة دوق ميلانو الشهير، هذا الذي أمامنا،

وكنت كثيرًا ما أسمع عن ذيوع صيته، وإن كنتُ لم أرَه

قبل الآن! ولقد وهبني عمرًا ثانيًا، كما جعلَته

هذه الفتاة الكريمة أبًا ثانيًا لي!
ألونزو : كما جعلتَني أنتَ أبًا ثانيًا لها!
ما أغرب وقْع ما سأقول في الآذان؛ إذ ينبغي عليَّ

أن أطلب الصفح من ولدي!
بروسبيرو : لا تزِد يا سيدي! لا تُثقل ذاكرتنا بما مضى من الأحزان!
جونزالو : لقد منعني البكاء في أعماقي من الحديث قبل الآن.
يا أيها الأرباب! انظروا من علٍ وعلى رأسي هذين الزوجَين

ضعوا إكليل البركة! إذ إنكم أنتم الذين هديتمونا

إلى السبيل الذي أتى بنا إلى هنا!
ألونزو : آمين آمين يا جونزالو!
جونزالو :
هل أُخرج من ميلانو حاكمُ ميلانو
حتى تغدو ذريَّته حكَّامًا في نابولي؟
فلْنفرح فرحًا فوق الفرح العادي!
ولْننقش بالذهب القصة في أعمدةٍ لا تَبلى!
في رحلة بحرٍ واحدة ظفرَت بالزوج كلاريبيل في تونسْ،
وأخوها وجد عروسًا من بعد التِّيه وفقدان النفسْ!
واسترجع دوقيته الدوقُ بروسبيرو في قفْر جزيرتنا!
وجميعًا عُدنا لذواتٍ تاهت منا زمنَا!
ألونزو (إلى فرديناند وميراندا) : سأضع يدَي في أيديكما! هيا!
ألا فلتحتضن الأحزان والأتراح — إلى الأبد — قلب مَن لا

يتمنى لكما السعادة!
جونزالو : آمين آمين!
(يعود آرييل، ويتبعه الربان وضابط

السفينة! وهما يسيران في دهشة.)

عجبًا! انظر يا سيدي! هذان آخران من رجالنا!

لقد تنبأتَ، يا سيدي، أن هذا الشخص لن يغرق

بل لا يمكن أن يغرق ما دامت لدَينا مشانق على البر!

والآن يا صاحب أيمان الكفر والإلحاد!

يا من حلفتَها فحرمت السفينة من رحمة الله في البحر!

هل تحلف غيرها على البر؟ هل ضاع فمك هنا؟ ما الخبر؟ ٢٢٠
الضابط : أحسن خبر هو عثورنا على مليكنا ورفاقه سالمين!
ومن بعده تأتي سلامة سفينتنا، وكنا نظن أنها

تحطَّمَت، منذ ما لا يزيد على ثلاث ساعات!

إنها سليمة، في أكمل صورة، ورائعة التجهيز، مثلما كانت

عندما نزلنا بها البحر أول مرة!
آرييل (جانبًا إلى بروسبيرو) : أنا الذي فعلتُ هذا كله منذ ذهابي!
بروسبيرو (جانبًا إلى آرييل) : أحسنتَ يا عفريتي … يا واسع الحيلة!
ألونزو : ليست هذه أحداثًا طبيعية، بل تتزايد غرابتها كل لحظة!
قل كيف جئتَ إلى هنا؟
الضابط : ليْتني كنتُ يقظًا آنذاك يا سيدي فأجبتُك! ولكنا كنا مستغرقين ٢٣٠
في النوم، ومحبوسين في المخازن … لا أدري كيف!

فإذا بضجةٍ غريبة توقظنا، ولم تبرح سمعي حتى الآن!

ضجة متباينة الأصوات! فيها الهدير والصراخ والعواء

وقعقعة السلاسل، وشتَّى ألوان الجلبة الأخرى،

رهيبة مفزعة! وإذا بنا أحرار! وإذا بنا —

سالمين كاملي العدة — نشهد سفينتنا الملكية الجميلة

سالمةً كاملة العدة أيضًا! وإذا بالربان يتواثب فرحًا

لرؤيتها! وفي لمحة عين، أو إن صح التعبير،

في حلمٍ من الأحلام، فصلَتنا قوةٌ ما عن سائر البحَّارة

وأحضرَتنا ذاهلين إلى هنا!
آرييل (جانبًا إلى بروسبيرو) : هل أحسنتُ؟ ٢٤٠
بروسبيرو : كل الإحسان أيها النشيط! وسوف أطلق سراحك!
ألونزو : هذه أغرب متاهةٍ سار فيها إنسان! وفيها من الطرق
ما رسمَته أيادٍ غير أيادي الطبيعة! ونحتاج إلى عرَّاف

يصحح لنا معلوماتنا!
بروسبيرو : سيدي ومولاي! لا ترهق ذهنك بالتفكير في غرابة ما حدث!
سنختار وقت فراغٍ قريب نخصصه لتفسير جميع هذه الأحداث

وسوف يبدو لك التفسير مقبولًا! فافرح وامرح

ريثما تحين تلك اللحظة! أحسِن الظن بكل شيء! ٢٥٠

(جانبًا إلى آرييل) تعالَ هنا أيها العفريت!

أطلِق سراح كاليبان ورفيقَيه، أريدك أن تزيل

تأثير السحر فيهم!

(يخرج آرييل.)

كيف حال مولاي العظيم؟ ما زِلنا نفتقد بعض أفراد
حاشيتك … قلة من الغائبين … ولا تذكرهم!

(يعود آرييل وهو يسوق أمامه كاليبان وستيفانو وترينكولو

وهم يرتدون الملابس التي سرقوها.)
ستيفانو (بلهجة السكران) : فليضع كلٌّ منكم مصالح الآخرين نصب
عينَيه! وليتجاهل كلٌّ منكم مصلحته الشخصية! كل شيءٍ قسمة

ونصيب! تشجَّع يا وحش يا بلطجي! تشجع!
ترينكولو : إذا صدقَت عيناي — وأنا أبصر بهما من رأسي — فأمامنا
مشهدٌ جميل!
كاليبان : بحق رب الشر، سيتبوس، رب والدتي! ما أجمل هذه العفاريت! ٢٦٠
ما أبدع ما يبدو سيدي (في هذا الرداء)!

أخاف أن يعاقبني!
سباستيان : ها ها ها! ما هذه يا مولاي أنطونيو؟
هل نستطيع شراءها بالنقود؟
أنطونيو : على الأرجح! فلا شك أن إحداها سمكة
ونستطيع بيعها في السوق!
بروسبيرو (إلى إخوانه) : يكفي أيها السادة أن تتأملوا ملابسهم وشاراتها
لتعرفوا إن كانوا شرفاء أم لصوصًا! هذا الوغد الشائه

كانت أمه ساحرة، بل ذات سحرٍ جبار استطاعت به

أن تتحكم في جاذبية القمر، وتُحدث المد والجزر، ٢٧٠

وتتدخل في مملكة القمر خارج نطاق سلطانه!

لقد سرقني هؤلاء الثلاثة، كما إن هذا المخلوق —

وهو نصف شيطان؛ لأنه ابن سفاح للشيطان —

قد تآمر معهم على قتلي! من بين هؤلاء اثنان

من رجالكم، ولا بد أنكم تعرفونهم، أما هذا الآخر،

ربيب الظلام، فهو خادمي.
كاليبان : سوف يلدغني ويقرصني حتى الموت!
ألونزو : أليس هذا هو ستيفانو؟ رئيس الخدم السكِّير في قصري؟
سباستيان : إنه الآن مخمور، فمن أين جاء بالخمر؟
ألونزو : وترينكولو يترنح من السكْر! أين عساهم وجدوا
تلك الخمر الفعَّالة التي دفعَت بالدم إلى وجوههم؟ ٢٨٠

(قل يا ترينكولو) كيف وقعتَ في برطمان الخل؟
ترينكولو : وقعتُ في الخل — فأصبحتُ كالمخلل — منذ رأيتُك آخر مرة،
وللأسف! لن يخرج الخل من عظامي أبدًا! والمخلل

لا يخشى الذباب!

(ستيفانو يتوجع.)

سباستيان : عجبًا! ماذا بك يا ستيفانو؟
ستيفانو : اتركني في حالي أرجوك! فلستُ أنا ستيفانو، بل جسمٌ
يتقلَّص ويتوجع!
بروسبيرو : تريد أن تصبح ملكًا على الجزيرة يا ولد؟!
ستيفانو : ملكٌ يتوجع في طغيانه!
ألونزو : هذا أغرب مخلوقٍ شاهدتُه في حياتي!

(مشيرًا إلى كاليبان.)

بروسبيرو : أخلاقه مختلَّة متنافرة مثل أعضاء جسمه! ٢٩٠
اذهب يا ولد إلى كهفي، وخذ معك رفاقك،

وإن كنتَ تطمع في عفوي عنك، فنظف المكان

حتى يبدو في أجمل صورة!
كاليبان : سمعًا وطاعة! أعدك بأن أتعقل منذ الآن
وأسعى للصفح والعفو! لقد أُصبتُ بغباءٍ مضاعَف مركَّب

جعلني أتخذ ذلك السكير ربًّا، وأعبد هذا الأحمق البليد!
بروسبيرو : تبًّا لك! انصرف! هيا!
ألونزو : وانصرفا أنتما أيضًا فأعيدا تلك الملابس إلى حيث كانت!
سباستيان : إلى حيث سرقاها، تقصد!
بروسبيرو : سيدي، إنني أدعو سمُوَّك وحاشيتك ٣٠٠
إلى كهفي المتواضع؛ كي تستريحوا فيه ليلةً واحدة،

وسوف أقضي جانبًا منها في الحديث إليكم،

ولا شك أنه سوف يساعد على انقضائها بسرعة،

إذ سأحكي لكم قصة حياتي، والأحداث التي مررتُ بها

منذ قدومي إلى الجزيرة. وسوف أصحبكم في الصباح

إلى سفينتكم، وعلى متنها نُبحر إلى نابولي

حيث أرجو مشاهدة الاحتفال الرسمي

بزفاف هذين اللذين نحبُّهما حبًّا جمًّا!

وبعد ذلك سوف أعود أنا إلى بلدي ميلانو ٣١٠

حيث أتهيأ في فكري وقلبي لملاقاة الموت.
ألونزو : لكَم أتوق إلى سماع قصة حياتك
فلا شك أنها تسحر الآذان بغرابتها!
بروسبيرو : سأروي كل شيء! وأعدكم ببحارٍ هادئة،
ورياحٍ مواتية، وسرعةٍ كبيرة في البحر

تجعلكم تدركون سفن الأسطول الملكي البعيد!

(جانبًا إلى آرييل) يا آرييل العزيز! يا طائري الصغير!

هذه آخر مهمةٍ لك! وبعدها أنت حرٌّ طليق

تذرع أجواز الفضاء! فالوداع الوداع!

(إلى الجميع) تفضلوا لو سمحتم! تفضلوا!

(يخرج الجميع.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤