الفصل الثامن

الحياة العلمية في عصر المأمون

(١) توطئة

قيل: إن سهل بن هارون كان يتولى الهيمنة على إدارة دار الكتب الخاصة بالدولة المأمونية في بغداد، وكانت تعرف ببيت الحكمة، كما كان يتولى تنظيم خزانة المأمون، وقيل: إن بيت الحكمة هذا أنشئ في الغالب أيام الرشيد، حيث قد جمع له فيه البرامكة من الكتب ما وفِّقوا إليه هنديةً كانت أو فارسية أو يونانية.

وقيل: إن يحيى بن أبي منصور الموصلي، المنجم المعروف وأحد أصحاب الأرصاد في العصر المأموني، ومحمد بن موسى الخوارزمي، صاحب الأزياج وصورة الأرض، كانا من خزنة دار الحكمة المأمونية، كما كان جدُّ أحمد الطيبي المعروف بالصنوبري الحلبي والفضل بن نوبَخْت وأولاد شاكر وغيرهم من رجالات بيت الحكمة في العصر المأموني، أو ممن كان يتردد على هذه الدار للعمل فيها بصفة رسمية أو للمطالعة أو النسخ أو الترجمة أو التأليف.

وقيل: إن الراوية النسَّابة المعروف علَّان الشعوبي الفارسي الأصل كان ممن ينسخ في بيت الحكمة، أو في أحد بيوت الحكمة هذه؛ إذ يلوح لنا أنها كانت على الأرجح أكثر من بيت للرشيد والبرامكة والمأمون.

وقيل: إن المأمون بعث إلى حاكم صقلية المسيحي أن يبادر بأن يرسل إليه مكتبة صقلية الشهيرة الغنية بكتبها الفلسفية والعلمية الكثيرة، وإن الحاكم تردد في إرسالها، وكان بين الضن بها والحرص عليها والخوف من القوة المأمونية والهيبة المأمونية، ومن أجل ذلك جمع كبار رجالات الدولة وأدلى إليهم بطلب المأمون، فأشار عليه المطران الأكبر بقوله: «أرسلها إليه؛ فوالله ما دخلت هذه العلوم في أمه إلا أفسدتها.» فأذعن الحاكم لمشورته وعمل بها.

ويقول الأستاذ كرد علي: «إن المأمون هو الذي جمع بعض حكماء عصره على صنعة الصورة التي نسبت إليه، ودعيت الصورة المأمونية، صوروا فيها العالم بأفلاكه ونجومه، وبره وبحره وعامره وغامره، ومساكن الأمم والمدن إلى غير ذلك، وهي أحسن مما تقدمها من جغرافية بطلميوس وجغرافية مارينوس، وقد وضع له علماء رسم الأرض — وقال الزهري: إنهم كانوا سبعين رجلًا من فلاسفة العراق — كتابًا في الجغرافية أعان عمال الدولة على التعرف إلى البلاد والأمم التي أظلتها الراية العباسية، هذا إلى عنايته بالفلك، وفلكيُّه الفزاري أول من استعمل الأسطرلاب من العرب، وعُني بالطبيعة والرياضيات فوق عنايته بالطب ومعرفة العقاقير والنبات والحيوان، إلى ما شاكل تلك العلوم مما كان له الأثر المحسوس في إدخال المدنية على دولة العرب، وفتح به المأمون باب العقل على مصراعيه في كل مطلب وشأن.»

قيل هذا، وقيل أكثر من هذا مما يدلنا دلالة صحيحة أو دلالة تقريبية على كثرة الكتب في العهد المأموني، ومما يشير إلى عدم قلتها في أيام مَن سبقه من الخلفاء العباسيين.

والآن يحق لنا أن نتساءل: هل أفاد المأمون من هذه الكتب؟ وماذا أفادنا المأمون خاصة؟ وما هي الحركة العملية المأمونية، ومن هم رجالها؟ وما هي مؤلفاتها؟!

يحق لنا أن نتساءل عن ذلك وعن مثل ذلك، ويحق لنا أن نعرض لهذه البحوث وأن نوضح بعض ما كنا أجملناه في كلمتنا عن الحياة العلمية في العصر العباسي.

أما أن المأمون أفاد من كتب عصره سواء أكانت مترجمة عن اليونانية أوالفارسية أو غيرهما، أم كانت مؤلفة موضوعة، فهذا ما لا شك فيه مما قد تبينته فيما وضحناه لك عند تعرضنا لتحليل شخصية المأمون، وحين تكلمنا عنه تلميذًا، وولي عهد، وخليفة، وأديبًا، وعالمًا، وسياسيًّا، وباحثًا دينيًّا.

وأما أن المأمون أفاد عصره بمؤلفاته الخاصة، فهذا ما لا ريب فيه أيضًا، وهاك ابن النديم يحدثنا في فهرسته أن للمأمون من الكتب كتابَ جوابِ ملكِ البرغر فيما سأل عنه من أمور الإسلام والتوحيد، ورسالته في إعلان النبوة.

وأما عن الحركة العلمية المأمونية ورجالاتها ومؤلفاتهم، فهذا ما نحن مقبلون على بحثه؛ يحدثنا ابن أبي أصيبعة في طبقاته عن أوكد الأسباب عند المأمون لاستخراج الكتب، فيقول: «قال يحيى بن عدي: قال المأمون: رأيت فيما يرى النائم كأن رجلًا على كرسي جالسًا في المجلس الذي أجلس فيه فتعاظمته وتهايبته وسألت عنه، فقيل لي: هو أرسطوطاليس، فقلت: أسأله عن شيء، فسألته فقلت: ما الحسن؟ فقال: ما استحسنته العقول، فقلت: ثم ماذا؟ قال: ما استحسنته الشريعة، قلت: ثم ماذا؟ قال: ما استحسنه الجمهور، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم لا ثم، فكان هذا المنام من أوكد الأسباب في إخراج الكتب.»

فإن المأمون كان بينه وبين ملك الروم مراسلات، وقد استظهر عليه المأمون، فكتب إلى ملك الروم يسأله الإذن في إنفاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزونة في بلد الروم، فأجاب إلى ذلك بعد امتناع، فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم الحجاج بن مطر، وابن البِطريق، وسلم صاحب بيت الحكمة وغيرهم، فأخذوا مما وجدوا ما اختاروا، فلما حملوه إليه أمرهم بنقله فنُقل، وقد قيل: إن يوحنا بن ماسويه ممن نفذ إلى بلد الروم، وأحضر المأمون أيضًا حنين بن إسحاق، وكان فتيَّ السن، وأمره بنقل ما يقدر عليه من كتب الحكماء اليونانيين إلى العربي وإصلاح ما ينقله غيره، فامتثل أمره.

ومما يُحكى عنه أن المأمون كان يعطيه من الذهب زنة ما ينقله من الكتب إلى العربي مثلًا بمثل، وقال أبو سليمان المنطقي: «إن بني شاكر؛ وهم: محمد وأحمد والحسن كانوا يرزقون جماعة من النقلة منهم حنين بن إسحاق، وحبيش بن الحسن، وثابت بن قرة وغيرهم في الشهر نحو خمسمائة دينار للنقل والملازمة.»

ويقول القاضي صاعد بن أحمد الأندلسي: «إن العرب في صدر الإسلام لم تُعنَ بشيء من العلوم إلا بلغتها ومعرفة أحكام شريعتها، حاشا صناعة الطب، فإنها كانت موجودة عند أفراد منهم غير منكرة عند جماهيرهم؛ لحاجة الناس طرًّا إليها، فهذه كانت حال العرب في الدولة الأموية، فلما أدال١ الله تعالى للهاشمية، وصرف الملك إليهم ثابت الهمم من غفلتها، وهبت الفطن من موتتها، فكان أول من عُني منهم بالعلوم الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور، وكان مع براعته في الفقه كلِفًا بالفلسفة وعلم النجوم، ثم لما أفضت الخلافة فيهم إلى الخليفة السابع عبد الله المأمون بن هارون الرشيد تمَّم ما بدأ به جده المنصور، فأقبل على طلب العلم في مواضعه، وداخل ملوك الروم وسألهم صلته بما لديهم من كتب الفلسفة، فبعثوا إليه بما حضرهم من كتب أفلاطون وأرسطوطاليس وأبقراط وجالينوس وأوقليدس وبطلميوس وغيرهم من الفلاسفة، فاستجاد لها مهرة التراجمة وكلَّفهم إحكام ترجمتها، فترجمت له على غاية ما أمكن، ثم حض الناس على قراءتها ورغبهم في تعليمها، وكان يخلو بالحكماء ويأنس بمناظرتهم ويلتذ بمذاكراتهم، علمًا منه بأن أهل العلم هم صفوة الله من خلقه، ونخبته من عباده، وأنهم صرفوا عنايتهم إلى نيل فضائل النفس الناطقة، وزهدوا فيما يرغب فيه الصين والترك ومن نزع منزعهم من التنافس في دقة الصناعة العملية، والتباهي بأخلاق النفس والتفاخر بالقوى؛ إذ علموا أن البهائم تشركهم فيها، وتفضلهم في كثير منها.» فلهذا السبب كان أهل العلم مصابيح الدُّجى، وسادة البشر، وأوحشت الدنيا لفقدهم.

فهذا الحلم الذي قيل: إنه دفع بالمأمون إلى الاستهامة بأرسطو ومؤلفات أرسطو، أو بعبارة عملية أدق: هذا الميل إلى الفلسفة والمنطق عند المأمون كان من آثاره حركة نقل وتأليف عنيفة قوية، ويخيل إلينا أن المأمون لاتساع دائرة معارفه العامة، ورغبته في القياس العقلي، وتأثره بمذهب الاعتزال — كما سترى في كلمتنا التي عقدناها لك في القول بخلق القرآن — كان لذلك كله وأمثاله أكبر رجل عمل في انتشار حركة الترجمة والتأليف، وخاصة في مؤلفات أرسطو، وكان من نتائج إقبال العرب وغيرهم على تلك المؤلفات وأمثالها أن تولد عندهم علم الكلام والفلسفة الأفلاطونية الجديدة.

(٢) حركة الترجمة والنقل

يقول الأستاذ «سنتلانه» في مفتتح محاضراته في تاريخ المذاهب الفلسفية بالجامعة المصرية: «إن تاريخ الترجمة في عهد آل عباس على ثلاثة أدوار: فالدور الأول من خلافة أبي جعفر المنصور إلى وفاة هارون الرشيد، أي من سنة ١٣٦ إلى سنة ١٩٣، وهي الطبقة الأولى من المترجمين؛ منهم: يحيى بن البطريق مترجم المجسطى في أيام المنصور، وجورجيس بن جبرائيل الطبيب عاش سنة ١٤٨، وعبد الله بن المقفع الذي مات نحو سنة ١٤٣ وترجم بعض الكتب المنطقية لأرسطوطاليس، ويوحنا بن ماسويه، وكان في أيام الرشيد، وقد أدرك أيام المتوكل، واعتنى في الأغلب بالكتب الطبية، وسلام الأبرش، وكان في أيام البرامكة، وباسيل المطران.

والدور الثاني من ولاية المأمون سنة ١٩٨ إلى سنة ٣٠٠، وهي الطبقة الثانية من المترجمين؛ منهم: يوحنا بن البطريق، والحجاج بن مطر الذي عاش سنة ٢١٤، وقسطا بن لوقا البعلبكي وعاش سنة ٢٢٠، وعبد المسيح بن ناعمة الحمصي وعاش سنة ٢٢٠، وحنين بن إسحاق وتوفي سنة ٢٦٠، وقيل سنة ٢٦٢، وابنه إسحاق بن حنين وتوفي سنة ٢٩٨، وثابت بن قرة الصابي المُتوفَّى سنة ٢٨٨، وحبيش بن الحسن، ويدعى حبش الأعسم ابن أخت حنين، وتوفى سنة ٣٠٠، ومما ترجم في هذا العصر أغلب كتب أبقراط وجالينوس وأرسطوطاليس، وشيء من كتب أفلاطون ومن التفاسير على الكتب المذكورة.

والدور الثالث من سنة ثلاثمائة للهجرة، وهي تاريخ وفاة حبيش، إلى منتصف القرن الرابع، ومن مترجمي هذه الطبقة متَّى بن يونس، وتاريخ وفاته مجهول إلا أنه يذكر عنه أنه كان ببغداد بين سنة ٣٢٠ وسنة ٣٣٠، ومنهم سنان بن ثابت بن قرة، المُتوفَّى سنة ٣٦٠، ويحيى بن عدي وتوفي سنة ٣٦٤، وأبو علي بن زرعة، من سنة ٣٣١ إلى سنة ٣٩٨، وهلال بن هلال الحمصي، وعيسى بن سهرنجت، وكان أكثر اشتغالهم بالكتب المنطقية والطبيعية لأرسطو، وبالمفسرين كالإسكندر الأفروديسي ويحيى النحوي وغيرهما» ا.ﻫ.

وبعد، فقد سبق لنا أن بينا لك طرفًا عن الحياة العلمية في العصر الأموي وفي صدر العصر العباسي، وآن لنا الآن أن نذكر لك بعض أسماء أقطاب الحركة العلمية سواء أكانت في علم الفلك أم الطب أم الفلسفة ترجمة وتأليفًا في العصر المأموني، معتمدين في ذلك على الفهرست لابن النديم، وطبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، وكتاب أخبار الحكماء للقفطي، وهاك جملة منهم؛ وهم: أحمد بن محمد بن كثير الفرغاني، أحد منجمي المأمون، وبختيشوع جورجيس، وجبرائيل بن بختيشوع، وجبرائيل الكحال المأموني، والحارك المنجم صاحب الحسن بن سهل، والحسن بن سهل بن نَوبَخْت، وزكريا الطيفوري، وسهل بن سابور بن سهل المعروف بالكوسج الذي كان يجتمع مع يوحنا بن ماسويه، وجورجيس بن بختيشوع، وعيسى بن الحكم، وزكريا الطيفوري، ثم سِنْد بن علي المنجم المأموني، وسلمويه بن بنان صاحب المعتصم، وصالح بن بهلة الهندي صاحب الرشيد، والعباس بن سعيد الجوهري المنجم صاحب المأمون، وعبد الله بن سهل بن نوبخت المنجم المأموني، وأبو حفص عمر بن الفرخان الطبري، أحد رؤساء التراجمة والمتحققين بعلم النجوم، وموسى بن شاكر وبنوه محمد وأحمد والحسن من منجمي المأمون، وكان بنوه الثلاثة فيما ذكره القفطي من أبصر الناس بالهندسة وعلم الحيل، وموسى بن إسرائيل صاحب أبي إسحاق بن إبراهيم بن المهدي، وما شاء الله المنجم اليهودي، وميخائيل بن ماسويه، ويحيى بن أبي منصور المنجم المأموني، ويعقوب بن إسحاق وتلاميذه: حسنويه ونفطويه وسلمويه ورحمويه وأحمد بن الطيب، ثم يوحنا بن البطريق الترجمان مولى المأمون، ويوحنا بن ماسويه النصراني السرياني، وأبو قريش المعروف بعيسى الصيدلاني وغيرهم كآل ثابت وماسرجويه، وآل الكرخي، وابن دهن الهندي مدير بيمارستان البرامكة، وكان فيما يذكره ابن النديم ينقل من الهندية إلى العربية، ومنكه طبيب الرشيد الهندي، وكان ينقل من الهندية «السنسكريتية»، وعشرات غيرهم ممن لا يقع تحت حصر.

ولو أردنا أن نكتب عن واحد واحد من رجال هذه الحركة العلمية العنيفة لخرجنا عن وضع كتاب في العصر المأموني إلى وضع موسوعة أو معجم، وإذا لم نكتب عنهم فقد رُمينا بالتقصير المعيب ولم نصور العصر بما ينبغي أن يصور به، لذلك آثرنا أن نكتب كلمة عن جبرائيل بن بختيشوع، وقدرُه في العصر قدرُه ومنزلتُه منزلتُه؛ لتكون مثالًا وتوضيحًا لسواه من رجالات العلم في ذلك العصر الغني حقًّا، والغني برجالاته صدقًا، وستقف على هذه الكلمة في موضعها من الفصل العاشر من هذا الكتاب.

(٣) كتب العصر

وإنا ننقل لك هنا طرفًا من أسماء الكتب التي ترجمت في ذلك العصر من اليونانية والفارسية والهندية والقبطية والعبرانية واللاتينية والنبطية، معتمدين في ذلك على البحث الطريف الذي كتبه صاحب التمدن الإسلامي، ولخص فيه ما كتبه ابن النديم، وصاحب الطبقات وتراجم الحكماء، منوهين بجهده أمانةً للعلم واعترافًا بالفضل.

أولًا: الكتب المنقولة عن اليونانية

(أ) كتب الفلسفة والأدب

كتب أفلاطون

  • (١)

    كتاب السياسة نقله حنين بن إسحاق.

  • (٢)

    كتاب المناسبات نقله يحيى بن عدي.

  • (٣)

    كتاب النواميس نقله حنين ويحيى.

  • (٤)

    كتاب طيماوس نقله ابن البطريق وأصلحه حنين.

  • (٥)

    كتاب أفلاطن إلى أقرطن نقله يحيى بن عدي.

  • (٦)

    كتاب التوحيد نقله يحيى بن عدي.

  • (٧)

    كتاب الحس واللذة نقله يحيى بن عدي.

  • (٨)

    كتاب أصول الهندسة نقله قسطا بن لوقا.

كتب أرسطوطاليس

  • (١)

    قاطيغورياس (المقولات) نقله حنين بن إسحاق.

  • (٢)

    كتاب العبارة نقله حنين بن إسحاق إلى السريانية وإسحاق إلى العربية.

  • (٣)

    تحليل القياس نقله ثيادورس وأصلحه حنين.

  • (٤)

    كتاب البرهان نقله إسحاق إلى السرياني ومتى إلى العربي.

  • (٥)

    كتاب الجدل نقله إسحاق إلى السرياني ويحيى إلى العربي.

  • (٦)

    كتاب المغالطات أو الحكمة المموهة نقله ابن ناعمة وأبو بشر إلى السرياني ويحيى إلى العربي.

  • (٧)

    كتاب الخطابة نقله إسحاق وإبراهيم بن عبد الله.

  • (٨)

    كتاب الشعر نقله أبو بشر من السرياني إلى العربي.

  • (٩)

    كتاب السماع الطبيعي نقله أبو روح الصابي وحنين ويحيى وقسطا وابن ناعمة.

  • (١٠)

    كتاب السماء والعالم نقله ابن البطريق وأًصلحه حنين.

  • (١١)

    كتاب الكون والفساد نقله حنين إلى السرياني وإسحاق والدمشقي إلى العربي.

  • (١٢)

    كتاب الآثار العلوية نقله أبو بشر ويحيى.

  • (١٣)

    كتاب النفس نقله حنين إلى السرياني وإسحاق إلى العربي.

  • (١٤)

    كتاب الحس والمحسوس نقله أبو بشر متى بن يونس.

  • (١٥)

    كتاب الحيوان نقله ابن البطريق.

  • (١٦)

    كتاب الحروف أو الإلهيات نقله إسحاق ويحيى وحنين ومتى.

  • (١٧)

    كتاب الأخلاق نقله إسحاق.

  • (١٨)

    كتاب المرآة نقله الحجاج بن مطر.

  • (١٩)

    كتاب أثولوجيا نقله الحجاج بن مطر.

ولكتب أرسطو شروح وتعاليق لبعض تلامذته، أو من جاء بعده كثاوفرسطس، وديدوخس برقلس، والإسكندر الأفروديسي، وفرفوريوس، وأمونيوس، وتامسطيوس، ونيقولاوس، وفلوطرخس، ويحيى النحوي وغيرهم.

ولبعض هؤلاء مؤلفات خاصة، وكلها في الفلسفة وفروعها، وقد نُقل كثيرٌ منها إلى العربية ولم يعلم ناقلها؛ فأغضينا عن ذكرها، وقد ذكرها صاحب الفهرست.

وذكروا لجالينوس في جملة كتبه الطبية الآتي بيانها بضعة كتب في الفلسفة والأدب، وهي: كتاب ما يعتقده رأيًا ترجمه ثابت وكتاب تعريف المرء عيوب نفسه نقله توما وأصلحه حنين وكتاب الأخلاق نقله حبيش وكتاب انتفاع الأخيار بأعدائهم نقله حبيش والمحرك الأول لا يتحرك نقله حبيش وعيسى، وغير ذلك.

(ب) كتب الطب وفروعه

كتب أبقراط

  • (١)

    كتاب عهد أبقراط نقله حُنين إلى السريانية وحبيش وعيسى إلى العربية.

  • (٢)

    كتاب الفصول نقله حنين لمحمد بن موسى.

  • (٣)

    كتاب الكسر نقله حنين لمحمد بن موسى.

  • (٤)

    كتاب تقدمة المعرفة نقله حنين وعيسى بن يحيى.

  • (٥)

    كتاب الأمراض الحادة نقله عيسى بن يحيى.

  • (٦)

    كتاب أبيذيميا نقله عيسى بن يحيى.

  • (٧)

    كتاب الأخلاط نقله عيسى بن يحيى لأحمد بن موسى.

  • (٨)

    كتاب قاطيطيون نقله حنين لمحمد بن موسى.

  • (٩)

    كتاب الماء والهواء نقله حنين وحبيش.

  • (١٠)

    كتاب طبيعة الإنسان نقله حنين وعيسى.

كتب جالينوس

وأشهر كتب جالينوس الكتب الستة عشر، وهي: كتاب الفرق، الصناعة، كتاب النبض، شفاء الأمراض، المقالات الخمس، الاسطقصات، كتاب المزاج، القوى الطبيعية، العلل والأمراض، تعرف علل الأعضاء الباطنة، كتاب النبض الكبير، كتاب الحمايات، البحران، أيام البحران، تدبير الأصحاء، حيلة البرء، وقد نقلها كلها حنين بن إسحاق إلى العربية إلا كتاب العلل الباطنة، وكتاب النبض الكبير، وكتاب تدبير الأصحاء، وكتاب حيلة البرء فقد نقلها حبيش، أما ما بقي من كتب جالينوس الطبية، فإليك أسماءها مع أسماء ناقليها:
  • (١)

    التشريح الكبير: حبيش الأعسم.

  • (٢)

    اختلاف التشريح: حبيش الأعسم.

  • (٣)

    تشريح الحيوان الحي: حبيش الأعسم.

  • (٤)

    تشريح الحيوان الميت: حبيش الأعسم.

  • (٥)

    علم أبقراط بالتشريح: حبيش الأعسم.

  • (٦)

    الحاجة إلى النبض: حبيش الأعسم.

  • (٧)

    علوم أرسطو: حبيش الأعسم.

  • (٨)

    تشريح الرحم: حبيش الأعسم.

  • (٩)

    آراء أبقراط وأفلاطون: حبيش الأعسم.

  • (١٠)

    العادات: حبيش الأعسم.

  • (١١)

    خصب البدن: حبيش الأعسم.

  • (١٢)

    المَنِي: حبيش الأعسم.

  • (١٣)

    منافع الأعضاء: حبيش الأعسم.

  • (١٤)

    تركيب الأدوية: حبيش الأعسم.

  • (١٥)

    الرياضة بالكرة الصغيرة: حبيش الأعسم.

  • (١٦)

    الرياضة بالكرة الكبيرة: حبيش الأعسم.

  • (١٧)

    الحث على تعليم الطب: حبيش الأعسم.

  • (١٨)

    قوى النفس ومزاج البدن: حبيش الأعسم.

  • (١٩)

    حركات الصدر: نقله أصطفان وأصلحه حنين.

  • (٢٠)

    علل النفس: أصطفان وأصلحه حنين.

  • (٢١)

    حركة العضل: أصطفان وأصلحه حنين.

  • (٢٢)

    الحاجة إلى النفس: أصطفان وأصلحه حنين.

  • (٢٣)

    الامتلاء: أصطفان وأصلحه حنين.

  • (٢٤)

    المرة والسوداء: أصطفان وأصلحه حنين.

  • (٢٥)

    علل الصوت: حنين.

  • (٢٦)

    الحركات المجهولة: حنين.

  • (٢٧)

    أفضل الهيئات: حنين.

  • (٢٨)

    سوء المزاج المختلف: حنين.

  • (٢٩)

    الأدوية المفردة: حنين.

  • (٣٠)

    المولود لسبعة أشهر: حنين.

  • (٣١)

    رداءة التنفس: حنين.

  • (٣٢)

    الذبول: حنين.

  • (٣٣)

    قوى الأغذية: حنين.

  • (٣٤)

    التدبير الملطف: حنين.

  • (٣٥)

    مداواة الأمراض: حنين.

  • (٣٦)

    أبقراط في الأمراض الحادة: حنين.

  • (٣٧)

    إلى تراسوبولوس: حنين.

  • (٣٨)

    الطبيب والفيلسوف: حنين.

  • (٣٩)

    كتب أبقراط الصحية: حنين.

  • (٤٠)

    محنة الطبيب: حنين.

  • (٤١)

    أفلاطون في طيماوس: حنين وإسحاق.

  • (٤٢)

    تقدمة المعرفة: عيسى.

  • (٤٣)

    الفصد: عيسى وأصطفان.

  • (٤٤)

    صفات لصبي يصرخ: ابن الصلت.

  • (٤٥)

    الأورام: ابن الصلت.

  • (٤٦)

    الكيموس: ثابت وحبيش.

  • (٤٧)

    الأدوية والأدواء: عيسى.

  • (٤٨)

    الترياق: ابن البطريق.

وهناك كتب في الطب وتوابعه ذكرها صاحب الفهرست ولم يذكر ناقليها، وأما مؤلفوها فمنها بضعة وعشرون كتابًا لروفس من أهل أفسس — كان قبل جالينوس — ولعلها لم تنقل كلها، ومما ذكر ناقلوه بضعة كتب لأوريباسيوس، وهي؛ كتاب الأدوية المستعملة نقله أصطفان بن باسيل، وكتاب السبعين مقالة نقله حنين وعيسى بن يحيى إلى السريانية، وكتاب إلى ابنه أسطاث نقله حنين، وكتاب إلى أبيه أونافيس نقله حنين، ولديسقوريدس العين زربى، ويقال له: السائح في البلاد؛ لسياحته في طلب العقاقير والحشائش، كتابٌ في الحشائش سيأتي تاريخ نقله، ولإسكندروس كتاب البرسام نقله ابن البطريق، وغير هذه مما لم يعرف ناقلوها.

(ج) كتب الرياضيات والنجوم وسائر العلوم

ويشتمل النظر في ذلك على علم النجوم والهندسة والحساب والموسيقى والميكانيكيات، وهاك خلاصة الكلام فيها:
  • (١)

    كتب أقليدس، منها: أصول الهندسة نقله الحجاج بن مطر نقلينِ؛ الهاروني والمأموني، ونقله إسحاق بن حنين وأصلحه ثابت بن قرة، ونقله أبو عثمان الدمشقي. ولا يزال هذا الكتاب باقيًا إلى الآن. ومن كتب أقليدس التي لم يعرف مُترجموها: كتاب الظاهرات، وكتاب اختلاف المناظر، وكتاب الموسيقى، وكتاب القسمة، وكتاب القانون، وكتاب الثقل والخفة.

  • (٢)

    كتب أرخميدس، وهي عشرة ولم يعرف ناقلوها.

  • (٣)

    أبلونيوس، صاحب كتاب المخروطات، وكتاب قطع السطوح، وقطع الخطوط، والنسبة المحدودة، والدوائر المماسة، ولم يعرف ناقلوها.

  • (٤)

    منالاوس، له كتاب الأشكال الكروية، وكتاب أصول الهندسة، نقله إلى العربي ثابت بن قرة.

  • (٥)

    بطليموس القلوذي، صاحب كتاب المجسطي الشهير، وقد تقدم خبر نقله وتفسيره على يد يحيى البرمكي، ولبطليموس أيضًا كتاب الأربعة، نقله إبراهيم بن الصلت وأصلحه حنين، وكتاب جغرافيا المعمور وصفة الأرض، نقله ثابت إلى العربي نقلًا جيدًا، ولبطليموس ١٥ كتابًا آخر في الجغرافيا وغيرها لم يُعرف ناقلوها.

  • (٦)

    أبرخس، له كتاب صناعة الجبر ويعرف بالحدود، وكتاب قسمة الأعداد لم يعرف ناقلهما.

  • (٧)

    ذيوفنطس، له كتاب صناعة الجبر لم يعرف ناقله.

وهناك كتب عديدة في الرياضيات والهيئة والأزياج ونحوها ذكرها ابن النديم ولم يذكر ناقليها، منها: كتاب العمل بالأسطرلاب المسطح لأبيون البطريق، وكتاب جرم الشمس والقمر لأرسطرخس، وكتاب العمل بذات الحلق، وكتاب جداول زيج بطليموس المعروف بالقانون المسير، وكتاب العمل بالأسطرلاب، وكلها لثاون الإسكندري.

أضف إلى ذلك كتب الرياضة التي تقدم ذكرها أثناء ذكر كتب الفلسفة رغبة في إيرادها لأصحابها مع سائر مؤلفاتهم، وقد نقل للمسلمين من كتب الموسيقى عن اليونانية كتاب الموسيقى الكبير لنيقوماخس الجهراسيني، وكتاب الموسيقى المنسوب لأقليدس، وقد تقدم ذكره، ومقالات في الموسيقى لفيثاغورس وغيره، وكتاب الريموس، وكتاب الإيقاع لأرسطكاس، وكتاب الآلات المصونة المسماة بالأرغن البوقي، والأرغن الزمري لمورطس.

ونقل لهم من كتب الميكانيكيات غير ما جاء في كتب أرخميدس كتاب الحيل الروحانية، وكتاب رفع الأثقال لأيرن، وكتاب استخراج المياه لبادروغوغيا، وكتاب الآلات المصونة على ستين ميلًا لمورطس.

ثانيًا: الكتب المنقولة عن الفارسية

أكثر الكتب المنقولة عن الفارسية في النهضة العباسية من قبيل الآداب والأخبار والسير والأشعار وبعضها في النجوم مما نقله آل نوبخت وعلي بن زياد التميمي وغيرهم، أما ما بقي من كتبهم المنقولة إلى العربية فهي مع أسماء ناقليها.
  • (١)

    كتاب رستم وأسفنديار: جبلة بن سالم.

  • (٢)

    كتاب بهرام شوس: جبلة بن سالم.

  • (٣)

    كتاب خداينامه في السير: عبد الله بن المقفع.

  • (٤)

    كتاب آيين نامه: عبد الله بن المقفع.

  • (٥)

    كتاب كليلة ودمنة: عبد الله بن المقفع.

  • (٦)

    كتاب مزدك: عبد الله بن المقفع.

  • (٧)

    كتاب التاج في سيرة أنوشروان: عبد الله بن المقفع.

  • (٨)

    كتاب الأدب الكبير: عبد الله بن المقفع.

  • (٩)

    كتاب الأدب الصغير: عبد الله بن المقفع.

  • (١٠)

    كتاب اليتيمة: عبد الله بن المقفع.

  • (١١)

    كتاب هزار أفسانه: لم يذكر ناقله.

  • (١٢)

    كتاب شهريزاد مع أبرويز: لم يذكر ناقله.

  • (١٣)

    كتاب الكارنامج أنوشروان: لم يذكر ناقله.

  • (١٤)

    كتاب دارا والصنم الذهب: لم يذكر ناقله.

  • (١٥)

    كتاب بهرام ونرسي: لم يذكر ناقله.

  • (١٦)

    كتاب هزاردستان: لم يذكر ناقله.

  • (١٧)

    كتاب الدب والثعلب: لم يذكر ناقله.

  • (١٨)

    سير ملوك الفرس: وهي غير كتاب، ترجم أحدهما محمد بن جهم البرمكي، وآخر ترجمه زادويه بن شاهويه الأصفهاني، وآخر محمد بن بهرام بن مطيار الأصفهاني.

ومما يجب ذكره من مترجمات الفرس وإن كان من مؤلفاتهم بعد نشوء التمدن الإسلامي: كتاب «شاهنامه» التي نظمها الفردوسي للسلطان محمود الغزنوي سنة ٣٨٤ﻫ في نحو ٦٠٠٠٠ بيت على نسق إلياذة هوميروس، وقد تضمنت تاريخ الفرس القديم، نقلها إلى العربية الفتح بن علي البنداري الأصبهاني نثرًا للملك المعظم عيسى الأيوبي، أتم ترجمتها سنة ٦٩٧ﻫ، ولا ريب أن العرب نقلوا من اللغة الفارسية كتبًا أخرى تاريخية وأدبية وخصوصًا ما يتعلق بالمذاهب القديمة ونحوها.

ثالثًا: الكتب المنقولة عن اللغة الهندية

نقل العرب عن اللغة الهندية (السنسكريتية) كثيرًا من كتب الطب والنجوم والرياضيات والحساب والأسمار والتواريخ، والكتب الطبية المنقولة عنها كثيرة وإن لم يصل إلينا من أخبارها إلا القليل؛ لأن بغداد كانت في إبان الزهو العباسي كعبة العلماء والأطباء والنجار والسياح من كل الملل، وكان للبرامكة عناية باستقدام أطباء الهند إليها، وقد بعث يحيى بن خالد فاستقدم بضعة صالحة، منهم: «كنكه» و«بازيكر» و«قليرفل» و«سندباز» وغيرهم.

ويظهر مما كتبه المسلمون بعد العصر العباسي في الأدب أو الطب أو الصيدلة أو السير أنهم اعتمدوا في جملة مصادرهم على كتب هندية الأصل، فإنك إذا راجعت مثلًا قانون ابن سينا، أو الملكي للرازي، أو غيرهما من كتب الطب الكبرى، رأيتهم يذكرون بعض الأمراض ويشيرون إلى أن الهنود يسمونها مثلًا كذا وكذا، أو يعالجونها بكذا وكذا، وإذا قرأت العقد الفريد لابن عبد ربه، أو سراج الملوك للطرطوشي، أو غيرهما من كتب الأدب المهمة رأيت مؤلفيها إذا ذكروا بعض الآداب أو الأخلاق أو نحوها قالوا: «وفي كتاب الهند كذا وكذا.»

كتب الطب وفروعها

على أننا نعلم ما كتبه صاحب طبقات الأطباء أنه اشتهر حوالي العصر العباسي جماعة من علماء الهند في الطب والنجوم والفلسفة وغيرها، منهم كنكه الهندي، وهو من متقدميهم وأكابرهم، وخصوصًا في علم النجوم فضلًا عن الطب، وله مؤلفاته كثيرة منها: كتاب النموذار في الأعمار، وكتاب أسرار المواليد، وكتاب القرانات الكبير والصغير، وكتاب في الطب يجري مجرى الكناش، وكتاب في التوهم، وكتاب في إحداث العالم والدور في القرآن. ومنهم أيضًا صنجهل وباكهر وغيرهما.

وقد نقل كثير من مؤلفاتهم في النجوم والطب إلى اللغة العربية إمَّا رأسًا أو بوساطة اللغة الفارسية، بأن يُنقل الكتابُ من الهندي إلى الفارسي، ثم ينقل من الفارسي إلى العربي، منها كتاب سيرك الهندي، وقد نقله من الفارسي إلى العربي عبد الله بن علي، وكتاب آخر في علامات الأدواء ومعرفة علاجها، أمر يحيى بن خالد البرمكي بنقله، وكتاب فيما اختلف فيه الروم والهند في الحار والبارد، وقُوى الأدوية، وكتب أخرى في فروع الطب.

ومن مشهوريهم منكه الهندي المتقدم ذكره بين المترجمين، وقد أتى بغداد بإشارة يحيى بن خالد لمعالجة الرشيد فشفاه، فأجرى عليه الرشيد رزقًا واسعًا، وكان منكه يعرف الفارسية أيضًا، فكان ينقل من الهندي إلى الفارسي، وله حديث طويل ذكره صاحب طبقات الأطباء، ومنهم صالح بن بهلة الهندي، جاء العراق في أيام الرشيد أيضًا، ونال شهرة واسعة وخالط أطباءها يومئذ واختلطوا به، فإن لم يكونوا نقلوا شيئًا من كتبه فلا بد أن يكونوا قد اقتبسوا شيئًا من آراء الهند فيه.

ومن مشهوريهم أيضًا شاناق، وله كتاب في السموم خمس مقالات، نقله من اللسان الهندي إلى الفارسي منكه الهندي، وأوعز يحيى بن خالد إلى رجل يعرف بأبي حاتم البلخي بنقله إلى العربي، ثم نُقل للمأمون على يد العباس بن سعيد الجوهري مولاه، ولجودر الحكيم كتاب في المواليد نقل إلى العربي أيضًا.

ومن الكتب الطبية التي نقلت من الهندية إلى لسان العرب في العصر العباسي غير ما تقدم ذكره:
  • (١)

    كتاب سسرد في الطب نقله منكه.

  • (٢)

    كتاب أسماء عقاقير الهند نقله منكه لإسحق بن سليمان.

  • (٣)

    كتاب إستانكر الجامع نقله ابن دهن.

  • (٤)

    كتاب صفوة النجح ابن دهن.

  • (٥)

    كتاب مختصر الهند في العقاقير لم يذكر ناقله.

  • (٦)

    كتاب علاجات الحبالى للهند لم يذكر ناقله.

  • (٧)

    كتاب كتاب روسا الهندية في علاجات النساء لم يذكر ناقله.

  • (٨)

    كتاب السكر للهند لم يذكر ناقله.

  • (٩)

    كتاب التوهم في الأمراض والعلل لم يذكر ناقله.

  • (١٠)

    كتاب رأي الهند في أجناس الحيات وسمومها لم يذكر ناقله.

كتب النجوم والرياضيات

أما الرياضيات والكواكب فللهند شأن كبير فيها، وقد ذكرنا خبر السند هند فيما تقدم، وكان لنقل هذا الزيج تأثير في علم النجوم عند العرب، وقد قلدوه وألفوا على مذهبه. فممن ألف على هذا المذهب محمد بن إبراهيم الفزاري، وحبش بن عبد الله البغدادي، ومحمد بن موسى الخوارزمي وغيرهم. والفزاري أول من عمل إسطرلابًا في الإسلام، وما من فلكي من فلكيي المسلمين أراد التوسع في علم النجوم إلا طالع كتبهم، إما في اللغة الهندية أو في ترجمتها إلى العربية، وأكثر المسلمين عناية في ذلك واطلاعًا على آداب الهند وعلومهم أبو ريحان البيروني المتوفَّى سنة ٤٤٠ﻫ، فإنه طاف بلاد الهند واطلع على علومهم وآدابهم، ثم ألف كتابه «الآثار الباقية عن القرون الخالية»، وله من المؤلفات ما يعد بالعشرات، ومنها كثير في علوم الهند إما ترجمة أو تصحيحًا أو نقدًا.

ومما ذكره من كتبه التي ألفها في هذا الصدد قوله: وعملت في السند هند كتابًا سميته «جوامع الموجود لخواطر الهنود في حساب التنجيم» جاء ما تم منه ٥٥٠ ورقة، وهذبت زيج الأركند وجعلته بألفاظي؛ إذ كانت الترجمة الموجودة منه غير مفهومة وألفاظ الهند فيها متروكة لحالها، وعملت كتابًا في المدارين المتحدين والمتساويين، وسميته بخيال الكسوفين عند الهند، وهو معنى مشتهر فيما بينهم لا يخلو منه زيج من أزياجهم، وليس بمعلوم عند أصحابنا، وعملت تذكرة في الحساب والعد بأرقام السند والهند في ٣٠ ورقة، وكيفية رسوم الهند في تعلم الحساب، وتذكرةً في أن رأي العرب في مراتب العدد أصوب من رأي الهند فيها، وفي راسكيات الهند وترجمة ما في إبرهم سدهاند من طرق الحساب، ومقالة في تحصيل الآن من الزمان عند الهند، ومقالة في الجوابات على المسائل الواردة من منجمي الهند، ومقالة في حكاية طريقة الهند في استخراج العمر، وترجمة كلب باره، وهي مقالة للهند في الأمراض التي تجري مجرى العفونة وغير ذلك.

فيؤخذ من هذا أن الهنود أهل علم ورأي في النجوم وعلومها، وأن المسلمين نقلوا عنهم شيئًا كثيرًا.

كتب الأدب

وأما ما نُقل إلى العربية فمنها: كتب الهند في الأدب والتاريخ والمنطق والأسمار والخرافات:
  • (١)

    كتاب كليلة ودمنة، وقد نقل عن طريق الفارسية كما تقدم، وبعد نقله إلى العربية نظموه شعرًا كما نظمه الفرس من قبلهم، وممن نظمه في العربية أبان بن عبد الحميد بن لاحق بن عفير الرقاشي، وعلي بن داود.

  • (٢)

    كتاب سندباد الكبير.

  • (٣)

    كتاب سندباد الصغير.

  • (٤)

    كتاب البد.

  • (٥)

    كتاب يوذاسف.

  • (٦)

    يوذاسف مفرد.

  • (٧)

    كتاب أدب الهند والصين.

  • (٨)

    كتاب هابل في الحكمة.

  • (٩)

    كتاب الهند في قصة هبوط آدم.

  • (١٠)

    كتاب طرق.

  • (١١)

    كتاب دبك الهندي في الرجل والمرأة.

  • (١٢)

    كتاب حدود منطق الهند.

  • (١٣)

    كتاب ساديرم.

  • (١٤)

    كتاب ملك الهند القتال والسباح.

  • (١٥)

    كتاب بيدبا في الحكمة.

ومما نقله العرب عن الهنود كتاب في الموسيقى اسمه في الهندية «بيافر» ومعناه ثمار الحكمة، وفيه أصول الألحان وجوامع تأليف النغم.

رابعًا: الكتب المنقولة عن النبطية

قد رأيت فيما تقدم كتبًا كثيرة فلسفية وطبية نقلت من اليوناني إلى العربي بوساطة اللغة السريانية أخت النبطية، أو هي عينها، فلا نتعرض لذكرها، وإنما نريد هنا الكتب التي كانت مكتوبة في اللغة الكلدانية أو النبطية، ونقلت إلى العربي رأسًا، ولولا نقلها لضاعت، وأهم تلك الكتب:
  • (١)

    كتاب الفلاحة النبطية، فإنه فريد في بابه، وقد نقله إلى العربية أحمد بن علي بن المختار النبطي المعروف بابن وحشية سنة ٢٩١ﻫ، وظل معتمد أهل الزراعة إلى أمد غير بعيد، وقد نقل إلى اللغات الإفرنجية، ولولا نقله إلى العربية لضاع وخسره العالم كما يؤخذ من مطالعة مقدمته، فقد قال ابن وحشية وهو يُملي الكتاب على علي بن محمد بن الزيات سنة ٣١٨ﻫ: «اعلم يا بني أني وجدت هذا الكتاب في كتب الكسدانيين «الكلدان أو النبط» يترجم معناه في العربية كتاب فلاحة الأرض وإصلاح الزرع والشجر والثمار ودفع الآفات عنها، وكان هؤلاء الكسدانيون أشد غيرةً عليها، لئلا يظهر هذا الكتاب، فكانوا يخفونه بجهدهم، وكان الله عز وجل قد رزقني المعرفة بلغتهم ولسانهم، فوصلت إلى ما أردت من الكتب بهذا الوجه، وكان هذا الكتاب عند رجل متميز، فأخفى عني علمه، فلما اطلعت عليه لُمته في إخفاء الكتاب عني، وقلت له: إنك إن أخفيت هذا العلم دُثر ومضى ولا يبقى لأسلافك ذكر، وما يصنع الإنسان بكتب لا يقرؤها ولا يدع من يقرؤها، فهي عنده بمنزلة الحجارة والمدر، فصدَّقني في ذلك وأخرج إليَّ الكتب، فجعلت أنقل كتابًا بعد كتاب، فكان أول كتاب نقلته كتاب دواناي البابلي في معرفة أسرار الفلك والأحكام على حوادث النجوم، وهو كتاب عظيم المحل، ونقلت كتاب الفلاحة هذا بتمامه.» إلخ …

  • (٢)

    كتاب طرد الشياطين ويُعرف بالأسرار.

  • (٣)

    كتاب السحر الكبير.

  • (٤)

    كتاب السحر الصغير.

  • (٥)

    كتاب دوار على مذهب النبط.

  • (٦)

    كتاب مذاهب الكلدانيين في الأصنام.

  • (٧)

    كتاب الإشارة في السحر.

  • (٨)

    كتاب أسرار الكواكب.

  • (٩)

    كتاب الفلاحة الصغير.

  • (١٠)

    كتاب في الطلسمات.

  • (١١)

    كتاب الحياة والموت في علاج الأمراض.

  • (١٢)

    كتاب الأصنام.

  • (١٣)

    كتاب القرابين.

  • (١٤)

    كتاب الطبيعة.

  • (١٥)

    كتاب الأسماء.

وأكثرها من نقل ابن وحشية غير ما لا بد من نقله من كتب الدِّين وأخبار الكلدان القدماء.

خامسًا: الكتب المنقولة عن العبرانية واللاتينية والقبطية

لا ريب أن كثيرًا من تعاليم اليهود وآدابهم المدونة في التلمود وغيره من كتبهم قد نقل إلى العربية، وإن كنا لا نرى شيئًا منها مدونًا على أنه مترجم؛ لأنهم كانوا ينقلونها شفاهًا للصحابة وغيرهم على ما تقدم، وربما دونوا منها شيئًا وضاع، وأما ما وصل إلينا خبره من المنقول عن العبرانية، فترجمة أسفار التوراة، نقلها سعيد الفيومي المتوفَّى سنة ٣٣٠ﻫ، وهو أقدم من نقل التوراة إلى العربية مما وصل إلينا خبره، وله أيضًا شروح وتفاسير عليها.

ولا يبعد أن يكون قد نقل إلى العربية بعض الكتب عن اللاتينية؛ لأنها كانت تحوي كثيرًا من العلوم الفلسفية والتاريخية والشرعية وغيرها، وربما فات نقلة الأخبار ذكر ما نقل عنها، وقد رأينا في جملة المترجمين يحيى بن البطريق لا يعرف غير اللغة اللاتينية، وأنه ترجم عدة كتب، فالظاهر أنه ترجمها عن اللاتينية.

وأما القبطية فإذا لم ينقل العرب عنها رأسًا، فلا نشك في أنهم نقلوا كثيرًا من علوم المصريين بوساطة اللغة اليونانية، وخصوصًا صناعة الكيمياء القديمة وغيرها مما برع فيه المصريون، وأما الكيمياء فقد نقلت عن القبطي واليوناني معًا بأمر خالد بن يزيد.

(٤) آثار النهضة المأمونية

هذه هي بعض كتب العصر، وكانت لها آثارها ونتائجها في العقلية العربية أولًا، وفي المدينة العربية ثانيًا، حتى أًصبحنا نرى المأمون يُضرب به المثل في عظم الحركة العلمية، وحتى نرى «نولدكا» ومحرري دائرة المعارف البريطانية وغيرهم يمثلون المأمون بأنوشروان وغيره من خَدَمة الإنسانية ورُسل الثقافة العامة.

والحق أن المأمون وعصر المأمون كانا متقدمين عن زمنهما، إذ كانت حالة المأمون وحالة المملكة المأمونية في ذلك الحين أرقى بمراحل من حالة ملوك أوروبا وممالك أوروبا.

ويقول الدكتور «طوطح» في رسالته الإنجليزية عن حالة التعليم عند العرب: «إنه بينما كان شارلمان يتعلم القراءة مكبًا على مطالعة رسائله مع أترابه في مدرسة القصر كان المأمون يعالج الفلسفة ومناقشة أقضيتها هناك في بغداد»، ويقول في مكان آخر من رسالته القيمة: «إن المأمون أوفد عميد بيت الحكمة إلى بلاد اليونان لنقل حكمة اليونان وعلوم اليونان إلى اللغة العربية.» وهناك أقوال كثيرة عن آثار النهضة المأمونية، وهي لا تخرج عما قدمناه لك من رأي السير وليام ميور عن ازدهار العلوم والمعارف في عصر المأمون، فنكتفي بما قدمناه عن التبسط في القول في هذه الناحية الهامة حقًّا.

على أن لهذه النهضة المأمونية آثارها ونتائجها أيضًا في زيادة الثروة اللفظية في اللغة العربية، وقد بيَّنا لك طرفًا منه في كلمتنا عن حالتها في الصدر العباسي، فلا حاجة إذن بنا إلى تكراره هنا، وقصارى ما نقوله أنا نحيلك إلى بعض المصادر القيمة فيما نحن في صدده من بيان تأثر اللغة بهذه النهضة التي تشبه في كل وجوهها حركة التجديد «رينساينس» في أوروبا، وهي: كتاب خطي منسوب للجاحظ عن الألفاظ الفارسية في اللغة العربية، وبحوث العلامة أنستانس الكرملي البغدادي في السنة الأولى من المشرق عن الكلم اليونانية في اللغة العربية، كما أحيلك إلى بحوث «مجلة المجمع العلمي» في شأن تفسير الألفاظ العباسية الواردة في كتاب «نشوار المحاضرة».

أما فن التاريخ والجغرافيا فلم تبدأ العناية الجدية بهما إلا منذ أيام اليعقوبي وابن خرداذيه٢ في نهاية القرن الثاني.

وأما العلوم القرآنية وما تفرع عنها فقد سبق أن أشرنا إليها في بابها من العصر العباسي، ويظهر أن عناية المأمون بها لم تكن مثل عنايته بالفلسفة اليونانية وما إليها، اللهم إذا كانت موجهة إلى الناحية الاعتزالية الكلامية.

وقد آن لنا الآن أن نتكلم عن القول بخلق القرآن لاتصاله وكبير أثره في الحياة العلمية والعقلية في عصر المأمون.

(٥) القول بخلق القرآن

يقول ابن الأثير في تاريخه عن هشام بن عبد الملك: إن الجعد بن درهم قد أظهر مقالته بخلق القرآن أيام هشام، فأخذه وأرسله إلى خالد القسري، وهو أمير العراق، وأمره بقتله، فحبسه خالد ولم يقتله، فبلغ الخبر هشامًا، فكتب إلى خالد يلومه ويعزم عليه أن يقتله، فأخرجه خالد من الحبس في وَثاقه، فلما صلى العيد يوم الأضحى قال في آخر خطبته: انصرفوا وضحُّوا يقبل الله منكم، فإني أريد أن أضحِّي اليوم بالجعد بن درهم، فإنه يقول: ما كلم الله موسى، ولا اتخذ إبراهيم خليلًا، تعالى الله عما يقول الجعد علوًّا كبيرًا، ثم نزل وذبحه.

ويقول ابن الأثير في حياة مروان بن محمد: إن سبب تسميته بالجعدي ذهابه مذهب الجعد بن درهم في القول بخلق القرآن، والقدر وغير ذلك.

ومن هذا تعلم أن القول بخلق القرآن بدعة نبتت في العصر الأموي، ثم لم تجد الجو الذي تنمو فيه وتُرعرع حتى كان عصر المأمون، فوجدت من شخصيته العالمة، ومن نفوذه العظيم ونفوذ علمائه خير متعهد لنمائها، حريص على نصرتها، شديد اليد بالبطش على مخالفيها.

ولعلك تتساءل لِمَ وجد القول بخلق القرآن من المأمون الصدر الرحب والعامل على نصرته؟ وهل كان مُوفقًا فيما أخذه على عاتقه أو قد اشتد به الغلو في تأييد وجهة نظره حتى خرج به عن القصد؟

ونحن قبل أن نجيبك عن هذه الأسئلة وقبل أن نعرض للموضوع من وجهاته المختلفة، نريد أن ننقل لك كلمة للأستاذ «ميور» في هذا الصدد، وهي وإن لم تكن تتفق مع وجهة نظرنا في هذا المبحث، تبين لنا وجهة نظر مُتشرِّق بحَّاثة كبير فيما نحن بصدده.

يقول الأستاذ «ميور» في الفصل الذي عقده عن المأمون في كتابه الممتع «الخلافة»: «وفي الحق أن المأمون كان متعصبًا لفارس مسقط رأس أمه وزوجه، شديد الميل إلى العلويين، ونشأ عن ذلك في السنوات الأخيرة من حكمه مزيج من حرية الأفكار والتعصب، وكان المأمون في بعض هذه المسائل واسع الحرية حقًّا لدرجة مدهشة، وقد ألغى من بضع سنوات مضَت الأمر الذي كان أسلافه في أصدروه يُحرِّمون فيه ذكر معاوية أو أحد الأمويين بخير، وأباح للمسيحيين حرية المناقشة في أي الدينين أفضل: الإسلام أم المسيحية، غير أن ميوله الفارسية التي كان يجنح إليها دائمًا دفعته أخيرًا أن يتناقش بحماسة في نظريات المعتزلة الذين أباحوا حرية التفكير، ثم أحاط المأمون نفسه بالفقهاء وعلماء الدين من كل فئة، وأباح لهم المناقشة في حضرته في نظريات كان البحث ممنوعًا فيها؛ كعلاقة الإنسان بخالقه، وطبيعة الألوهية وغير ذلك، وأخيرًا أعلن تحوله إلى عقائد تخالف تعاليم الدين الصحيحة، فمن ذلك أنه كان يعتقد بمذهب الذين يقولون بالاختيار لا بالجبر، وأن القرآن وإن كان وحيًا إلا أنه مخلوق، بدلًا من العقيدة٣ التي كانت لا تنازع؛ وهي أن القرآن أزلي غير مخلوق، وأعلن المأمون أيضًا أن عليًّا أشرف الخلق بعد النبي، وعلى هذه النظرية بُنيت نظرية الإمامة المقدسة أو الزعامة الدينية التي كانت تنتقل من عضو إلى آخر من بيت علي، وبدأ في تلقين الناس أنه يوجد مصادر أخرى غير القرآن والحديث يمكن الاسترشاد بها في مسائل الدين، وفسَّر القرآن تفسيرًا من غير تقييد بلفظه، وبذلك ذُلِّلت صعوبات كثيرة كانت تعترض حرية التفكير أو تقف عَثْرة في تقدم العمران؛ كإباحة شرب الخمر «كذا!» وزواج المتعة.٤ وعلى ممر السنين تحولت فكرة المأمون في خلق القرآن من مجرد رأي إلى إعلانه المشئوم الذي حمل فيه رعاياه بالاضطهاد والعقوبات على اتخاذه عقيدة لهم.

وقد أرسل إلى والي بغداد وهو في حملته الأخيرة على الروم أمرًا بأن يجمع كبار العلماء والفقهاء ويمتحنهم في هذه المسألة الخطيرة، ويرسل إليه إجابتهم، وقد تأثر كثير من العلماء في مجلس المناظرة الذي كان أشبه بمحكمة التفتيش، حتى أظهروا القول بخلق القرآن، إلا أن البعض بقي ثابتًا على عقيدته بأن القرآن غير مخلوق؛ كأحمد بن حنبل صاحب المذهب الحنبلي الذي حملوه مكبلًا بالحديد إلى معسكر الخليفة.

ولقد ذكر التاريخ أن اثنين من هؤلاء المخالفين هُدِّدا بالقتل، وأُرسل عشرون منهم تحت خفارة حراس لينتظروا في «طرسوس» عودة الخليفة من حروبه، ولكن جاءتهم الأنباء في أثناء سيرهم في الطريق بموت المأمون. ولقد سوَّدت أمثال هذه الفظائع سمعة المأمون في سنوات كثيرة.» ا.ﻫ.

ذلك هو رأي المتشرق «ميور»، ولنرجع الآن إلى معالجة الإجابة عما تساءلتَ عنه فنقول: إنك جِدُّ عالم بأن المأمون كان تلميذًا ليحيى بن المبارك الزيدي المتهم بالاعتزال، جد عالم بصلته بثمامة بن أشرس، زعيم المذهب الثمامي في الاعتزال وإعجابه به، حتى عرض عليه الوزارة مرتين، كما أسلفنا لك القول في باب الوزارة، جد عالم بأن المأمون كان يعقد مجالس للكلام في مختلف البحوث، وكان من نتائج هذه المجالس أن قرَّب إليه كل متكلم حاذق أو مفكر بصير بمداخل القول ومخارجه؛ مثال أبي الهذيل العلاف، وإبراهيم بن سيار وغيرهم، وأنت جد عالم بأن ثمامة والعلاف وإبراهيم كانوا من مشيخة الاعتزال، أنت جد عالم بهذا كله، فلا غرو أن حبب هؤلاء القوم إلى المأمون مذهبهم، ولا غرو أن كانت مهمتهم ميسورة معبدة؛ لأنهم وجدوا من المأمون ذلك التلميذ المُتأثِّر بمذهب أستاذه ابن المبارك.

كل هذه العوامل كانت في الواقع ناحية واحدة، ولها أثرها القوي في تنمية النزعة الاعتزالية في نفس المأمون، بيد أن هنالك ناحية قوية أخرى لها أثرها القوي أيضًا، تلك الناحية هي حركة النقل والترجمة، تلك الحركة التي حببت إلى المأمون الفلسفة وما إلى الفلسفة، ووجهت عنايته إلى المنطق وما إلى المنطق، وبعثت في نفسه حب أرسططاليس، حتى أصبح موضع تفكيره في يقظته ونومه. وصفوة القول أن الناحية الثانية لم تكن لتقل عن الأولى أثرًا، فقد هيأت منه ذلك التسامح الذي يتبع ما توحي به سلسلة أفكاره.

وسترى في أخذه بالقول بخلق القرآن إلى أي مدًى دفعت به حرية التفكير حتى وصلت به إلى ما يناقض حرية التفكير؛ لأنه ليس من حرية التفكير في شيء تلك الطريقة الشاذة في إلزام العلماء وجلة الفقهاء الأخذ بمذهبه، وليس من حرية التفكير في شيء تلك النتائج السيئة التي انتهت إليها مأساة القول بخلق القرآن في أيام المعتصم وأيام غير المعتصم.

وقد أثبتنا لك في باب المنثور في الكتاب الثالث من مجلدنا الثالث مثلًا مما كتبه المأمون إلى ولاته في الأخذ بمذهبه في القول بخلق القرآن، وهو كتابه إلى إسحاق بن إبراهيم، كما أثبتنا لك ما رواه لنا الطبري مما حصل وقتئذٍ، فراجعهما ثمة.

هوامش

(١) نقل الدولة إليهم.
(٢) انظر القاموس وشرحه في مادة «روم» فإنه ضبطه بالياء المثناة بعد الذال المعجمة وبعد الياء هاء.
(٣) يقول أستاذنا الشيخ عبد الوهاب النجار: «ما كان عند المسلمين عقيدة بهذا الوصف، ولكن القول بخلق القرآن جاء بِكْرًا لم يكن لرسول الله ولا لأصحابه ولا للتابعين قول ينافيه أو يوافقه، فلما أغرم المأمون بهذه المقالة وعرضها على العلماء لجئوا إلى كتاب الله ينظرون فيه حكم المقالة التي لا عهد لهم بها فلم يجدوا، فنظروا إلى السنة فلم يجدوا، والقوم في ذلك العهد يردون كل شيء إلى الكتاب والسنة، فلما لم يجدوا فيها حكمًا توقفوا في هذا القول احتياطًا لدينهم أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، فلم يرض المأمون هذا التوقف واعتقد أنهم يرمون بهذا إلى اعتقاد أن مع الله قديمًا سواه، وأن يوجد موجود ولا أثر لله في إيجاده، ولجَّ في إعناتهم وتناوُلِهم بالحبس والإيذاء.»
(٤) يقول أستاذنا الشيخ عبد الوهاب النجار: «قد رجع المأمون عن هذه المقالة بعد أن أقام أحمد بن دواد الحجة عليه في ذلك بما ملخصه: أن زوجة المتعة ليست الزوجة التي يجب نفقتها وترث ويثبت نسب الولد منها كما هو شأن الزوجة الشرعية، فهي ليست زوجة وليست ملك يمين، والله تعالى يقول: وَالذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا علىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ فهي بما وراء ذلك، ويكون زواج المتعة زنًا، وعامة أهل الإسلام على هذا سوى الشيعة الرافضة.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤