صراع في الصحراء

عندما استيقظ الجميع في صباح اليوم التالي، كانت ذكريات الليلة الماضية كأنها حلم ثقيل … وعلى ضوء الشمس التي بدأت تصعد في جانب الصحراء استردَّ الجميع ثقتهم، ثم بدءوا يُناقشون موقفهم … وكانت أمامهم الصحراء الموحشة لا أثر للحياة فيها … وأمامهم السيارة فارغةً تقريبًا من الوقود … وليس أمامهم إلا السير والعودة على نفس الطريق الذي جاءوا منه، ولكن كيف يُمكنهم قطع نحو ١٠٠ كيلومتر مشيًا على الأقدام … بلا طعام ولا ماء … خاصةً «لوزة» و«نوسة».

قال «محب»: لعلكم تذكرون السائق الذي هرب أمس ليلًا … من المؤكد أنه يعرف طريقًا أقرب، وإلَّا لما عاد وحيدًا مشيًا على قدمَيه … تعالَوا نشاهد آثاره لعلنا نصل إلى شيء.

واتجه الجميع إلى الآثار، كانت واضحةً إلى حد ما في الرمال، فلم تكن هناك أي رياح في الليل، فقال المفتش: أعتقد أن هذه الآثار قد توصلنا إلى شيء، ولكن لعل المسافة تكون طويلة، وسيرنا جميعًا معًا سيعطِّلنا، لهذا أقترح أن تبقى «لوزة» و«نوسة» و«محب»، وأنطلق أنا و«تختخ» و«عاطف» معًا خلف الآثار وسنسير لمدة ساعتَين، فإذا وجدنا مكانًا مأهولًا بالسكان فسوف نعود إليكم بالنجدة، وإلَّا سنعود لنكون معكم قبل حلول الظلام.

وافق الجميع على الاقتراح، وانطلق الثلاثة سائرين، وكانت الشمس قد ارتفعت وكان الجو دافئًا جميلًا، فساروا بنشاط خلف الآثار، واستمرُّوا يسيرون حتى مضت ساعة، وفجأةً من بعيد ظهرت أشباح متحرِّكة أمامهم خلف التلال، فأسرعوا يجرون ويصيحون، ولكن المفتش توقف فجأةً قائلًا: من الأفضل أن نكون أكثر حذرًا؛ فقد يكون هؤلاء عصابة «ناندا» فنقع في أيديهم … سنسير بسرعة ولكن نقترب على حذر. وأخذوا يقتربون تدريجيًّا، وبدا واضحًا لهم قافلة من الجمال، وأنها تتجه جنوبًا، فقال «تختخ»: من الواضح أنها متجهة إلى الحدود المصرية السودانية، واستنتاج المفتش حول حقيقتها صحيح … فيبدو لي أنها عصابة «ناندا» فعلًا، وأن السائق تركنا لينضم لهم. واقتربوا أكثر، وكانت القافلة مكونةً من أربعة جمال؛ اثنان منها يحملان الطعام والشراب ومع كل منهما قائد، والجملان الآخران يركب على كل منهما شخص، ويقودها شخص آخر.

قال «عاطف»: إن أمامنا ستة أشخاص، فلو فُرض أنها عصابة «ناندا» فماذا نفعل؟

المفتش: سنهاجم من الخلف، فنمسك بقائد الجمل الأخير ونُقيِّده، ثم نهاجم الجمل الثاني وهكذا.

وهكذا اختبأ الأصدقاء خلف أحد التلال، وتركوا القافلة تمضي حتى أصبح الجمل الأخير فيها أمامهم، فتسلَّق المفتش التل، ثم قفز قفزةً واسعة، وهبط على قائد الجمل الأخير كالصاعقة، وقفز «تختخ» و«عاطف»، ودون أن يتمكَّن الرجل الذي أذهلته المفاجأة من الاستغاثة كان الثلاثة قد قيَّدوه وكمَّموا فمه، وربطوا الجمل في صخرة، ثم انطلقوا خلف الجمل الثالث، واختفوا خلف تل آخر وبنفس الطريقة قفزوا على قائده، واستطاعوا أن يُتمُّوا مهمَّتهم الثانية بنجاح. وجاء الدور على الجمل الثاني، وكان واضحًا أن راكبه الصغير الحجم الذي يلبس ملابس الفتيات الملونة، هي «بونجا»! وهاجم الأصدقاء الجمل الثاني، ولكن «ناندا» الذي كان يركب الجمل الأول سمع الصراع الدائر خلفه فقفز من على جمله، وهكذا اشتبك الخمسة في صراع؛ «ناندا» بمفرده ضد «عاطف» والمفتش و«تختخ»، في حين وقف الجمل وعليه «بونجا» بدون حراك! كانت معركةً رهيبة؛ فقد أخرج «ناندا» سيفًا من سيوف «البشارية» المخيفة ورفعه ليضرب «عاطف» … ولكن في هذه اللحظة الحاسمة تمَّ شيء لم يكن متوقَّعًا … فقد قفزت «بونجا» من فوق الجمل على الرجل معرِّضةً نفسها للموت، ووقعا معًا على الأرض، واستطاع المفتش في هذه اللحظة أن يُخرج مسدسه، فأطلق رصاصةً في الهواء وصاح محذِّرًا: ارفعوا أيديكم جميعًا، وإلا قتلتكم! وتوقَّف الصراع الدائر، ورفع أفراد العصابة أيديهم في الهواء، وكان وجه «ناندا» شاحبًا شحوب الموت، وهو يرى خطته قد انهارت، بعد أن ظن أنه نجح في تضليل رجال الشرطة، ثم القضاء عليهم في الصحراء.

قال المفتش: والآن علينا أن نعود سريعًا إلى حيث تركنا «نوسة» و«لوزة» و«محب»؛ فقد مضت الساعتان، وهم الآن قلقون جدًّا.

وكان سائق السيارة موجودًا فعلًا كما استنتج الأصدقاء، فطلب منه المفتش قيادة القافلة إلى حيث تقف السيارة … ومضوا جميعًا. وأخذ «تختخ» يتحدَّث إلى «بونجا» بالإنجليزية فشرحت له كيف تمَّ اختطافها ليلًا في قارب في النيل، حيث نُقلت فعلًا إلى قرية «توشكى» ووُضعت سجينةً في منزل بعيد حتى عاد «ناندا»، وجهَّز القافلة للرحلة. وشرح لها «تختخ» ماذا تمَّ حتى العثور عليها، ثم سألها: ولكن لماذا اختطفك «ناندا»؟ وإلى أين كان سيذهب بك؟

بونجا: إن «ناندا» من قبيلة معادية لأبي، ولكنه استطاع بدهاء أن يتسلَّل إلى أبي ويُقنعه أنه مخلص له، فوثق به أبي جدًّا، حتى إنه عيَّنه لمرافقتي إلى جمهورية مصر العربية لأنه يُجيد اللغة العربية. ولكن «ناندا» كان يُدبِّر شيئًا آخر، أن يختطفني ويعود بي إلى حدود بلادي المجاورة لحدود السودان، وهناك يستطيع الضغط على أبي ليُحقِّق مطالب قبيلته، وهي قبيلة تساعد المتمرِّدين على حدود السودان، وأنت تعرف أن الاستعمار يُحاول فصل جنوب السودان عن شماله بمؤامرات وخطط عسكرية، وقد وقف أبي في وجه الاستعمار، ولكن قبيلة «ناندا» تعاونت مع المستعمرين وهذا سبب الصراع بينها وبين أبي.

واستمرَّ الحديث بين «بونجا» و«تختخ» باللغة الإنجليزية حتى بدت السيارة من بعيد … وبعد نصف ساعة أخرى كانت القافلة قد وصلت إلى السيارة، وطلب المفتش من قائد أحد الجمال أن يُعد طعامًا للأصدقاء، ووقف المفتش يقضم «ساندويتشًا» وهو رافع مسدسه حتى لا يُفكِّر أحد في أية حركة.

وتحرَّكت القافلة مرةً أخرى، ولكن لم يمضِ وقت طويل حتى سمعوا صوت محرِّكات سيارات مقبلة، ثم ظهرت ثلاث سيارات «جيب» أخذت تقترب منهم مسرعة.

كانت سيارات حرس الحدود. وتقدَّم أحد الضبَّاط من المفتش وحيَّاه ثم قال: لقد أخطرتنا شرطة أسوان أنكم خرجتم في سيارة ليست من سيارات الشرطة، وقد تأخَّرتم كثيرًا فبدأنا البحث عنكم هذا الصباح، واستطعنا أن نتبع آثار السيارة إلى هذا المكان … لقد كنتم في خطر شديد … فهذا الوادي يُسمَّى «وادي الذئاب»، ولم يدخله أحد ويخرج منه حيًّا!

تبادل الأصدقاء النظرات، ثم ابتسموا جميعًا … فقد استطاعوا أن يدخلوا الوادي المخيف، ثم يخرجوا منه ليس فقط أحياء … ولكن معهم «بونجا» أيضًا …

وركب المغامرون الخمسة و«بونجا» سيارةً من سيارات رجال الشرطة … وانطلقت بهم عائدةً إلى أسوان، وعندما وصلوا إلى مديرية الأمن بدأ المفتش استجواب «ناندا» الذي اعترف بكل شيء وشرح خطته، فقال إنه اختطف «بونجا» في أسوان حتى تكون قريبةً من حدود السودان حتى يستطيع تهريبها، ثم أراد تضليل رجال الشرطة إذا لفت اختفاء «بونجا» أنظارهم، فوضع خطة إيهام رجال الشرطة أنها خُطفت في القاهرة، واتفق مع ثلاثة رجال على زيارته وتخديره وربطه، والهروب بالبديلة التي أعدَّها للقيام بدور «بونجا» في القاهرة، والتي كانت معه في فندق «شيراتون» حتى تبتعد عنه الشبهات.

وعن طريق «ناندا» عرف رجال الشرطة مكان المربية «لوكا»، فلم تكد «بونجا» تراها حتى ارتمت في أحضانها.

وفي صباح اليوم التالي كان الأصدقاء والمفتش و«بونجا» و«لوكا» في طريقهم إلى القاهرة … وهكذا انتهت بهذه النهاية السعيدة مغامرة من أخطر مغامرات الأصدقاء الخمسة … ولكن هناك مغامرات أخرى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤