داخل العرين!

قال البارون: مرحبًا بكم في قصري المتواضع.

أحمد: إنك رجل المفاجآت حقًّا يا سنيور.

البارون: هذه هي عادتي … إني أحب أن يكون كلُّ ما يحيط بي مليئًا بالمفاجآت والفخاخ أيضًا …

أحمد: هل كان هجوم نمرك علينا … إحدى هذه المفاجآت؟

ابتسم البارون وأشعل سيجارًا فاخرًا، وقال: يعجبني ذكاؤكم، فأنا لم أصادف منذ فترة الهواة؛ ولذلك أدهشني مجيءُ مجموعة من المحترفين إلى هذا المكان … ومن أجل هذا فقط كان سماحي باستقبالكم … إن تعاملكم مع رجالي وقدرتكم الفائقة التي أظهرتموها في قتل النمر المفضَّل إليَّ، كل هذا يجعلني أثق في أنكم … لستم عاديِّين.

عثمان: ربما لأننا جئنا لنقابل رجلًا غير عادي.

البارون: ولكنكم لم تُخبروني … إلى أية محطة تليفزيونية خاصة تعملون؟

بهدوء أجابه «أحمد»: لسنا تابعين إلى محطة خاصة … إننا نعمل ونأتي بالأخبار والأفلام التي لا يمكن لغيرنا أن يأتيَ بها … ثم نبيعها لمن يدفع أكثر.

ابتسم البارون قائلًا: هذا يعجبني … ولماذا اخترتموني بالذات من كل بارونات «كولومبيا»؟

عثمان: إنه الحظ أو الصدفة … دخلنا قصرك فقابلنا رجالك … وها نحن هنا.

قطب «البادرينو» حاجبَيه قائلًا: أظن أنكم لستم متعجلين … تستطيعون الحصول على بعض الراحة في قصري … وبعدها يمكنكم أن تقوموا بعملكم.

وأشار بيده … وفي الحال ظهر قائد الحرس وخلفه مجموعة من الرجال المسلحين.

وقال البارون: اعتبروا أنفسكم في بيوتكم.

وقادهم رئيس الحرس خارجًا … وعندما التفتَت «إلهام» للخلف شاهدَت على وجه البارون نفس ضحكته القاسية … الساخرة.

واستقر الشياطين الأربعة في حجرة واسعة بالطابق الثاني من القصر … وكانت نوافذها محاطةً بقضبان سميكة … ولمح «أحمد» سلكًا رفيعًا قد أُحيط بالنافذة من الخارج.

فقال وهو مقطِّبٌ الحاجبَين: أظن أن هذا السلك يحمل تيارًا كهربائيًّا صاعقًا لمن يمسُّه.

إلهام: إنني أشك بأن البارون يصدق روايتنا … إن عينَيه تَشِيَان بذلك.

عثمان: لو كان ذلك صحيحًا لتخلَّص منا فورًا.

إلهام: إنه ليس بالرجل الغبي … لعله يتساءل مَن الذي أرسلنا … وقد يتخذنا ورقة رابحة للمساومة … ربما يعتبرنا أسرى سيستفيد منَّا ولكنه لا يُفصح عن ذلك.

زبيدة: وكيف يمكنه أن يتأكد من الحقيقة؟

إلهام: لا تنسَوا أن له عملاء بالمئات … وبالمال يستطيع أن يفعل أيَّ شيء … أظن أننا في موقف لا نُحسَد عليه … ولعل البارون تظاهر بتصديق روايتنا واستدرجنا إلى قصره في هذا المكان النائي لنكون داخل عرينه.

عثمان: إذا كان ذلك صحيحًا فإن وجودنا في هذا القصر يمثِّل خطرًا شديدًا علينا … وعلينا أن نغادرَ هذا المكان بأسرع ما نستطيع.

أحمد: ولكن المكان أشبه بقلعة … سيستحيل مغادرتنا الجزيرة بأكملها … وقطَّب حاجبَيه وأضاف: إذا كان البارون قد اكتشف حقيقتَنا ويريد أن يلعب لعبة ما علينا، فلنتظاهر بأننا انخدعنا … ولنفاجئه في اللحظة المناسبة … ليست هناك غير وسيلة واحدة لمغادرة هذا المكان في أمان وهي …

ولم يُكمل «أحمد» عندما دخل خادمان يحملان الطعام للشياطين فوق المائدة العريضة … وبنظرة واحدة تفاهم «عثمان» و«أحمد»، وبضربة مفاجئة من كلٍّ منهما تمدَّد الخادمان فاقدَي الوعي. وأسرع الشيطانان يرتديان ملابسهما … وعندما انتهيَا من ذلك قال «أحمد» ﻟ «إلهام» و«زبيدة»: سوف نفحص القصر ومنافذه لتنفيذ خطتي.

تساءلت «زبيدة» بقلق: وما هي خطتك يا «أحمد»؟!

أحمد: ليس هناك وقتٌ للشرح … إن كل ثانية تمرُّ لها قيمتها.

وأسرع يغادر المكان مع «عثمان» … ولم ينتبه الحارسان الواقفان بجوار مدخل الباب إليهما، وهبط «عثمان» و«أحمد» لأسفل …

وكان الطابق السفلي هادئًا تنبعث منه إضاءة خفيفة … وسمع الشيطانان أصواتًا خفيفة تأتي من إحدى الحجرات … واقترب الاثنان من باب الحجرة … واستطاعَا تمييز صوت البارون وهو يقول: لقد جاء هؤلاء الأغبياء في الوقت المناسب … فقد أرسلتُ الصور التي التقطناها لهم في الطائرة وبعثناها إلى عملائنا في كل أنحاء العالم … والإجابة قالت بأنهم من أبرع العملاء العرب … ولا بد أنهم جاءوا هنا … للقضاء عليَّ.

قال قائد الحرس: وما فائدة الاحتفاظ بهم أحياء … إنني أفضِّل التخلص منهم و…

قاطعه البارون: إن قتْلَنا لهم سيجعلنا نخسر ورقة رابحة … فوجودُهم في قبضتنا يمكننا أن نساوم بهم حكومتَنا في رفع أيديهم عن قصورنا وأملاكنا المصادرة في «ميدين»، وإلا قمنا بقتلهم، ولا شك أن جزءًا من مهمتهم هي نسفُ معامل الكوكايين … ولذلك أتيتُ بهم إلى هنا وتظاهرتُ بتصديق روايتهم لإبعادهم عن معاملنا … لقد اصطدتُ عصفورَين بحجر واحد.

قال قائد الحرس: إذن يجب القبض على هؤلاء المحترفين في الحال ما داموا بمثل هذه الخطورة، فمن الخطأ تركهم وسط حراسة قليلة بداخل القصر.

قال البارون ساخرًا: وماذا يمكنهم أن يفعلوا … إن خروجهم من هذا القصر معناه الموت المؤكد في الخارج … إنَّ آمَنَ مكانٍ لهم هنا … ولا شك أنهم يعرفون ذلك تمامًا.

ضاقَت عينَا «أحمد» وهتف: حسنًا … لسوف تكون خطتنا هي المفاجأة لك أيها البارون المغرور. ولم يكَد «أحمد» يُتمُّ عبارتَه حتى صاح «عثمان»: حاذر يا «أحمد».

وفي نفس اللحظة ظهر عددٌ من الحراس الذين اندفعوا نحو الشيطانَين وهم يُطلقون رصاصاتهم، وقفز «أحمد» إلى اليسار … وبحركة بارعة طارَا في الهواء ليهبطا فوق أقرب الحراس إليهما … وبضربة ساحقة ألقيَا بالحرس إلى الخلف … وأسرع «أحمد» و«عثمان» يستوليان على المدافع الرشاشة، واندفعَا إلى حجرة البارون وهما يُطلقان الرصاص في كل اتجاه، ولكن البارون وقائد حرسه لم يكونَا بالحجرة.

هتف «عثمان» بغيظ: لا بد أن هناك بابًا سريًّا خرجَا منه عندما سمعَا صوت الرصاص.

أحمد: ليس لدينا وقتٌ للبحث عنهما … سوف يهرع إلينا مئات الحراس … يجب تحذير «إلهام» و«زبيدة» في الحال.

أسرع «أحمد» و«عثمان» يغادران الحجرة … وصادفهما بعض الحراس في الخارج فقضيَا عليهم بالرصاص، ثم اندفعَا إلى أعلى، وهتفت «إلهام» متسائلة: ماذا حدث؟

أحمد: لقد اكتشف البارون حقيقتنا … يجب أن نغادر القصر في الحال.

وأطلق دفعة رشاش على النافذة فحطَّمها … وهتف «عثمان»: علينا أن نقفز لأسفل بدون أن نمسَّ الأسلاك الكهربائية … ليس أمامنا وسيلة لمغادرة القصر غير ذلك.

أحمد: فلتقفز «إلهام» و«زبيدة» … ثم «عثمان» … وقبل أن يقفز «أحمد» اندفع إلى المكان عددٌ من الحراس، فأسرع «أحمد» يحصدهم برشاشه قبل أن يقفز لأسفل وينضم للباقين … وانهال سيل من الرصاص على الشياطين فأسرعوا نحو الحديقة الاستوائية الكبيرة … ولمحَت «إلهام» شيئًا يتحرك أمامها فصرخَت: سوف يُطلقون المدفع نحونا.

وأسرع الجميع يُلقون بأنفسهم على الأرض عندما انفجرَت دانة قريبة منهم انتزعَت عددًا من الأشجار، ونهض الشياطين وأسرعوا يجرون داخل الحديقة التي كانت تُشبه غابة صغيرة.

ومن الخلف دوَّى زئير نمر … وحلَّقت طائرة هليكوبتر بأعلى، وراحَت تحصد المكان برشاشاتها، وصوب «عثمان» مدفعه الرشاش … وأطلق رصاصًا نحو هدف محدد …

وأصابت الرصاصات هدفها فانفجر خزان الوقود بالطائرة، وهوَت محترقة داخل الماء …

وقفز نمر نحو «إلهام» فعاجلَته برصاص مدفعها الرشاش الذي استولَت عليه من أحد الحراس.

وصاح «عثمان»: علينا أن نبحث عن وسيلة لمغادرة هذه الحديقة … إنها غير آمنة.

أشارت «زبيدة» إلى ركن بالحديقة، فقالت: خلف هذا الركن تقع بركة ماء لا يوجد بها حراسة … يمكننا أن نقطعَها سباحة ونختفي بعيدًا داخل الغابة التي تقع خلفها كسبًا للوقت …

– إذن هيَّا …

واندفع الشياطين نحو البركة الراكدة الماء، وبدأ «عثمان» يخوض في أوحالها … وفي نفس الوقت تحرك … شيء ملقًى فوق وجه الماء أشبه بقطعة خشب طافية … واندفع «عثمان» وصرخت «إلهام»: حاذر يا «عثمان» … إنه تمساح.

وفتح التمساح الرهيب فكَّه … وتنبَّه «عثمان» إلى الخطر، فضغط على زناد مدفعه الرشاش وهو يصوِّبه نحو التمساح … ولكن المدفع لم ينطلق، فقد نفد رصاصه … وأسرع التمساح فاتحًا فكَّه ليلتهم «عثمان» ولكن الشيطان الأسمر تصرَّف بسرعة، وألقى بمدفعه داخل فك التمساح الذي أطبق عليه بشدة … ليسمع صوت تحطم أسنانه …

وعاد «عثمان» بسرعة إلى الشاطئ … وقال «أحمد» وهو يلتفت حوله بقلق شديد: يبدو أنه لا وسيلة بالفعل لمغادرة هذا المكان … كما قال البارون … إنه يمتلئ بالمفاجآت الصعبة … كما قال تمامًا. وزأر نمرٌ قريب … وتعالَى الرصاص من الخلف … وحلَّقت طائرة هليكوبتر بأعلى راحت تستكشف مكان الشياطين.

كان الموت يحيط بهم من كل الأركان … ويقترب منهم في كل اتجاه.

وتطلَّعت «إلهام» حولها في قلق شديد، وقالت: ما العمل الآن …؟ «أحمد» … لقد قلتَ إن لديك خطة آمنة لمغادرة هذا المكان … ما هي؟

أحمد: للأسف لم يَعُد بالإمكان تنفيذها … فقد كانت خطَّتي أن نأسر البارون فيتوقف رجاله عن مهاجمتنا خشيةَ إصابته، فنغادر بواسطته هذا المكان … ولكن ذلك صار مستحيلًا الآن … إننا في فخ رهيب سيصعب علينا الخروج منه أحياء …

ولم يكد «أحمد» يُنهي عبارته … حتى اندفع من وسط الأشجار عشرات من الحراس باتجاه الشياطين وهم يُطلقون سيلًا من الرصاص كالمطر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤