الفصل الثالث

عاد جرانت وبات إلى المنزل وقت تناول الشاي بخمس سمكات سلمون مرقَّط متواضعة الحجم وشهيةٍ كبيرة. وأوضح بات، مبررًا اصطياد سمك السلمون المرقط الصغير، أنه في يوم كهذا لا يمكن للمرء أن يتوقع أن يصطاد أي شيء سوى ما أطلَق عليه «الأسماك الحمقاء»؛ فعقلية السمك الجدير بالاحترام لا تسمح بأن يُصطاد في طقسٍ كهذا. وقد سارا نصف الميل الأخير حتى بلدة كلون وكأنهما جوادان عائدان إلى الدار، فكان بات يتقافز بين طبقات العشب وكأنه جَديٌ صغير، وكان في أثناء ذلك طلق اللسان بقدرِ ما كان صموتًا عندما كانا في طريقهما للرحيل. كان العالم ونهر لندن يبدوان له باتساع الفضاء النجمي البعيد، وكان جرانت في قمة السعادة.

ولكن، بينما كانا يكشطان القاذورات عن حذاءَيهما عند المدخل المرصوف لمنزل بلدة كلون، انتبه جرانت إلى نفاد صبره غير المعقول لرؤية تلك الصحيفة. وبما أنه كان يكره صفة اللامنطقية في أي شخص ويمقتها في نفسه، راح يكشط القاذورات من حذائه بعناية من جديد للمرة الثانية.

قال بات وهو يمسح حذاءه مسحًا سطحيًّا على المكشطة الثنائية: «يا إلهي، أنت دقيق للغاية.»

«من الفظاظة أن يدخل المرء منزلًا وبحذائه طين.»

سأل بات، الذي، كما توقع جرانت، كان يعتبر النظافة تصرفًا «متخنثًا»: «فظاظة؟»

«أجل. إنه فعلٌ يشي بالقذارة وانعدام النضج.»

غمغم بات بدهشة: «هاه»؛ وراح خلسةً يكشط القاذورات من حذائه مجددًا. ثم قال مؤكدًا من جديد على استقلاليته: «إنه لبيتٌ بائس ذلك الذي لا يمكن أن يطيق القليل من الطين»، ثم مضى مقتحمًا غرفة الجلوس مثل جيشٍ غُزاة.

في غرفة الجلوس كان تومي يُقطِّر العسل على كعكةٍ ساخنة، ولورا تصبُّ الشاي، وبريدجيت تُرتِّب مجموعةً جديدة من الأغراض بشكلٍ معين على الأرض، وكلب الصيد يدور حول الطاولة لينتهز أي فرصة للحصول على طعام. كان المشهد هو نفس مشهد الليلة الماضية فيما عدا أن ضوء النهار قد أُضيف إلى ضوء المدفأة. وكان ثَمة اختلافٌ واحد. ففي مكانٍ ما في الغرفة كانت توجد صحيفةٌ يوميةٌ مهمة.

حين رأت لورا نظرة الاستقصاء في عينَيه، سألته عما إذا كان يبحث عن شيءٍ ما.

«أجل، الصحيفة اليومية.»

فقالت: «أوه، إنها مع بيلا.» كانت بيلا هي الطاهية. وتابعت: «سآخذها منها بعد تناول الشاي إن كنت تريد الاطلاع عليها.»

مرَّت عليه لحظة من لحظات نفاد الصبر اللاذع منها. كانت راضية عن نفسها بإفراط. وكانت سعيدة للغاية، هنا في مَعقلها الآمن، مع طاولة الشاي المحمَّلة، وطبقة الشحم الصغيرة المكتنِزة تحت حزامها، وطفلَيها المتمتعين بالصحة، وزوجها اللطيف تومي، وشعورها بالأمان. سيكون من المفيد لها أن تقاتل بعض الشياطين؛ أن تؤرجح في الفضاء وتكون معلَّقةً فوق حفرة بلا قرار بين الحين والآخر. لكن عبثيَّته أنقذته، وعرف أن الأمر لم يكن كما تصوَّره. لم يكن ثَمة رضًا في شعور لورا بالسعادة، ولم تكن بلدة كلون ملاذًا من الحقائق. كان كلبا الرعي الصغيران، اللذان كانا يرحبان بهم عند بوابة الطريق في عاصفة من جسدَين باللونَين الأبيض والأسود وذيلَين يهتزَّان بشدة فرحًا، كانا فيما مضى ينادَيان موس أو جلين أو تريم أو شيئًا من هذا القبيل. اليوم، لاحظ أنهما استجابا لاسمَي تونج وزانج. منذ أمدٍ بعيد كانت مياه نهر تشيندوين تتدفق لتصبَّ في نهر تورلي. لم تعد توجد أبراجٌ عاجية.

قالت لورا: «لدينا صحيفة «ذا تايمز»، بالطبع، لكنها دائمًا ما تكون طبعة الأمس؛ لذا ستكون قد طالعتها.»

سأل وهو يجلس إلى الطاولة: «من هو وي آرتشي؟»

قال تومي، وهو يقضم النصف العلوي من كعكته الساخنة، ويلعق ما تَسرَّب منها من عسل: «أقابلت آرتشي براون؟»

«أذاك اسمه؟»

«كان كذلك. ومنذ أن نصَّب نفسه بطل جايلدوم (المرتفعات والجزر الاسكتلندية) وهو يطلق على نفسه اسم جيلسبوج ماك أبروثين. إنه مكروه للغاية في الفنادق.»

«لماذا؟»

«كيف كنتَ ستُدرج شخصًا يُدعى جيلسبوج ماك أبروثين في سجلاتك؟»

«ما كنت سأرغب في أن يُقيم في فندقي على الإطلاق. ما الذي يفعله هنا؟»

«إنه يكتب قصيدةً ملحمية باللغة الغيلية، على حد قوله. لم يكن يفقه أي شيء عن اللغة الغيلية منذ زهاء عامَين؛ لذا لا أظن أن تلك القصيدة يمكن أن تكون ذات قيمة. كان الرجل ينتمي إلى المناطق التي تتحدث تلك اللغة التي يسود فيها استخدام كلمات من قبيل كلييش-كلافرز-كلاتر. كما تعرف، أولئك الذين يتكلمون اللغة الاسكتلندية. كان واحدًا منهم لسنوات. لكنه لم يحقق الكثير. كانت المنافسة حادَّة للغاية. لذا قرَّر أن اللغة الاسكتلندية هي مجرد لهجةٍ وضيعة ومستهجَنة للغاية من لهجات اللغة الإنجليزية، وأن لا شيء يضارع العودة إلى «اللغة القديمة»؛ إلى لغةٍ حقيقية. لذلك «لازم» صراف بنك في جلاسكو، شاب من يويست، واجتهد في تعلم بعض اللغة الغيلية. إنه يأتي إلى الباب الخلفي ويتحدث إلى بيلا بين الحين والآخر، لكنها تقول إنها لا تفهم أي شيء مما يقول. وتظن أنه «مختل العقل».»

قالت لورا بحدة: «لا يوجد خطب في عقل آرتشي براون.» واستطردت: «لو لم يكن يتمتع بالذكاء الذي مكَّنه من أن يبتدع هذا الدور لنفسه، لكان الآن مدرسًا في مدرسة في مكانٍ بائسٍ ناءٍ، وما كان حتى مفتش المدرسة سيعرف اسمه.»

قال جرانت: «إنه لافت للنظر بفجاجة على أرض سبخة، على أي حال.»

«بل إنه أسوأ من ذلك على رصيف أيٍّ من الشوارع. إنه مثل واحدة من تلك الدُّمى التذكارية المريعة التي يشتريها السياح ويعودون بها إلى أوطانهم، وانتماؤه إلى اسكتلندا تقريبًا بنفس قدر انتماء تلك الدمى إليها.»

«أليس اسكتلنديًّا؟»

«لا. لا تسري في عروقه ولا حتى قطرة دم اسكتلنديةٌ واحدة. فوالده من ليفربول، وأمه من أوهانراهان.»

فقال جرانت: «من الغريب أن جميع الوطنيين الأشد تعصبًا أجانب.» وأضاف: «لا أظن أنه سيحظى بتقديرٍ كبير من كارهي الأجانب أولئك؛ أعني الغيليين.»

فقالت لورا: «لديه عائقٌ أسوأ من ذلك.»

«وما هو؟»

«لهجة جلاسكو التي يتكلم بها.»

«أجل. إنها منفِّرة بقدرٍ كبير.»

«لم أقصد ذلك. أقصد أنه في كل مرة يفتح فيها فمه يتذكَّر مستمعوه إمكانية أن يحكمهم أحد من جلاسكو: والموت أهون من ذلك المصير.»

«حين كان يتحدث عن جمال الجزر الغربية ذكر رمالًا «تُغنِّي». هل تعرفان أي شيء عنها؟»

فقال تومي بغير اهتمام: «يبدو لي ذلك.» وأردف: «إنها في بارا أو بيرنيراي أو في مكانٍ ما.»

«قال إنها في كلادا.»

«أجل، لعلها كلادا. أتظن أن ذلك القارب في بحيرة لوخان دهو سيصمد موسمًا أو موسمَين آخرَين؟»

بعد أن التَهم بات أربع كعكات صغيرة وقطعة من كعكةٍ كبيرة بسرعة وبراعةِ كلبِ رعيٍ يلتهم قطعةً مسلوبة من طعامٍ شهي، سأل: «أيمكنني أن أذهب وآخذ صحيفة «كلاريون» الآن من بيلا؟»

قالت أمه: «إن كانت قد انتهت من مطالعتها.»

قال بات: «ستكون قد انتهت منها بعد هذه المدة الطويلة.» وأضاف: «إنها لا تقرأ سوى الأجزاء الصغيرة المتعلقة بالنجوم.» فتساءل جرانت، بينما كان بات يُغلق الباب خلفه: «نجوم؟ نجوم السينما؟»

قالت لورا: «لا. التنجيم؛ كوكبة الدب الأكبر وما إلى ذلك.»

«أوه. اليوم وفق ترتيبات نجوم الشعرى اليمانية، والنسر الواقع والعيوق.»

«أجل. تقول إنه يتعين عليهم في جزيرة لويس أن يترقبوا التنبؤات بالأحداث المستقبلية. إنه أمرٌ مريح وجيِّد أن تعرف المستقبل من الصحيفة كل يوم.»

«ماذا يريد بات من صحيفة «كلاريون»؟»

«قصة الرسوم الهزلية بالطبع. شيئان يسميان تولي وسنيب. لا أستطيع أن أتذكر إن كانا بطتين أم أرنبين.»

لذا كان على جرانت أن ينتظر حتى انتهى بات من تولي وسنيب، وبحلول ذلك الوقت كان كلٌّ من لورا وتومي قد انصرفا، الأولى إلى المطبخ والثاني إلى خارج البيت؛ وبهذا تُرِك جرانت وحيدًا مع الطفلة الصامتة الجالسة على السجاد، التي تعيد دون توقف ترتيبَ كنوزها. وبطريقةٍ رسمية أخذ من بات الصحيفة المطوية بدقة، وبينما كان بات ينصرف فتحها جرانت بشغفٍ مكبوح. كانت طبعةً اسكتلندية، وبخلاف «المقالات الخفيفة» كانت الصحيفة تعجُّ بأخبار تتسم بتركيزٍ بالغ على الاهتمامات المحلية، لكن بدا أنها لم تكن تحتوي على أي شيء من الحادث الذي وقع في محطة القطار أمس. راح يتصفح الصحيفة، متنقلًا وسط غابة من الأخبار غير المهمة، مثل كلب صيد يخترق أجمة سرخس، وأخيرًا وجد مراده؛ فقرةً صغيرة في نهاية أحد الأعمدة، بين حوادث الدراجات وأخبار المُعمرين. كان نص العنوان المبهم «رجلٌ يلقى حتفه في قطار». وتحت العنوان كان يوجد بيانٌ موجز، نصه:

لدى وصول القطار السريع «فلاينج هايلاندر» إلى وجهته صباح أمس، وُجد أن أحد الركاب، وهو شابٌّ فرنسي يُدعى شارل مارتن، كان قد وافته المنية أثناء الليل. من المُسلَّم به أن الوفاة كانت ناجمة عن أسبابٍ طبيعية، ولكن بما أن الوفاة حدثت في إنجلترا، فإن الجثة ستعود إلى لندن من أجل إجراء تحقيق.

قال جرانت بصوتٍ عالٍ: «فرنسي!» فرفعت بريدجيت ناظرَيها من على ألعابها لتنظر إليه.

فرنسي؟ لا بالتأكيد! لا بالتأكيد!

وجهه، أجل. ربما كان كذلك. وجهه يرجح ذلك جدًّا. لكن ليس ذاك الخط. ذاك الخط الإنجليزي الطفولي.

هل كانت الصحيفة لا تخصُّ راكب المقصورة «بي ٧» على الإطلاق؟

هل أخذها فحسب؟ ربما وجدها في مطعم كان يتناول طعامه فيه قبل ركوب القطار. فعادةً ما تتناثر على كراسي غرف تناول الطعام في محطة القطار الأوراق المهملة التي تخص أولئك الذين كانوا يتناولون طعامهم هناك. أو حتى في بيته، أو في مسكنه، أو أيًّا كان المكان الذي كان يعيش فيه. ربما يكون قد تَحصَّل على الصحيفة بعدة طرُقٍ عرَضية.

أو بالطبع ربما كان فرنسيًّا يتلقى تعليمه في إنجلترا، وبهذا حلَّت الكتابة الدائرية المشوشة محلَّ موروثه من الكتابة المتصلة المنمَّقة. لم يكن هناك شيء يتعارض جوهريًّا مع كون راكب المقصورة «بي ٧» مؤلف تلك الكلمات المكتوبة بقلم رصاص.

ومع ذلك، كان الأمر غريبًا.

وفي حالات الوفاة المفاجئة، مهما كانت طبيعية، تكون الأمور الغريبة ذات أهمية. حين التَقى أول مرة براكب المقصورة «بي ٧» كان منفصلًا للغاية عن ذاته المهنية، وبمعزل عن العالم ككلٍّ، حتى إنه تعامل مع الأمر كما سيتعامل معه أي مدنيٍّ آخر مُثقَل بالنوم. حينئذٍ لم يكن راكب المقصورة «بي ٧» يمثل له سوى راكبٍ شابٍّ ميت في مقصورةٍ مُشبعة برائحة الويسكي، كان مضيف عربات نوم نافد الصبر للغاية يعامله بخشونة. والآن صار شيئًا مختلفًا تمامًا؛ صار «موضوع تحقيق». صار شأنًا مهنيًّا؛ شأنًا تحكمه القواعد والنُّظم، شأنًا يتعين المضي فيه بحذر، وباللياقة المطلوبة ووفقًا للقواعد المقرَّرة. وخطرَ ببال جرانت للمرة الأولى أنه إذا ما التُزِم بعين الصواب، فقد يُعتبر استلابه لهذه الصحيفة تصرفًا مخالفًا قليلًا للقواعد. لقد كان استلابًا غير مقصود بالمرة؛ اختلاسًا عرَضيًّا. لكنه كان أيضًا تبديدًا للأدلة، إن اعتمد المرء المنهج التحليلي حيال الأمر.

وفيما كان جرانت يتفكر في المسألة، عادت لورا من المطبخ وقالت: «ألان، أريد منك أن تفعل شيئًا لأجلي.»

وأخذت سلة خياطتها ووضعتها على كرسي بجواره.

«سأفعل أي شيء في مقدوري.»

«بات متردِّد في أمرٍ ما عليه فِعله، وأريد منك أن تقنعه به. أنت بطله وسيستمع إليك.»

«لعل الأمر متعلق بتقديم باقة من الزهور؟»

«كيف عرفت؟ هل تحدَّث معك في الأمر بالفعل؟»

«بل أتى على ذكره فحسبُ هذا الصباح عند البحيرة.»

«لم تنحَز إلى جانبه، أفعلت؟»

«بوجودك في خلفية المشهد! لا. بل أعربت عن رأيي قائلًا إنه شرفٌ عظيم.»

«وهل اقتنع؟»

«لا. يظن أن الأمر برُمَّته «هراء».»

«إنه كذلك فعلًا. فالقاعة تُستخدم بصفةٍ غير رسمية منذ أسابيع. لكن سكان الوادي أنفقوا الكثير من المال والجهد في إقامة تلك القاعة، ومن الصواب أن تُفتتح بطريقةٍ «لافتة».»

«لكن أيَتحتَّم أن يكون بات هو من يقدِّم باقة الزهور؟»

«أجل. إن لم يفعل، فسيفعلها ويلي ابن آل ماكفادين.»

«لورا، لقد صدمتِني.»

«ما كنت لأصدمك لو أنك رأيتَ ويلي ابن آل ماكفادين. إنه يبدو كضفدعٍ مُصاب بداء الفيل. وجوربه دائمًا ما يكون ساقطًا. ينبغي أن تؤدي فتاةٌ صغيرة ذلك، لكن لا يوجد في الوادي طفلة في سنٍّ مناسبة. لذا فالأمر ما بين بات وويلي ابن آل ماكفادين. وإذا نحَّينا جانبًا أن مظهر بات ألطف، فمن الصواب أن يتولى شخص من الوادي ذلك. ولا تقل لي «لماذا؟» ولا تقل لي إنني أصدمك. عليك فقط أن تفعل ما بوسعك لتقنع بات بالأمر.»

قال جرانت وهو يبتسم لها: «سأحاول. مَن الفيكونتيسة التي سيُقدِّم إليها باقة الزهور؟»

«الليدي كينتالين.»

«الأرملة النبيلة؟»

«تقصد الأرملة. لا يوجد إلا واحدة، حتى الآن. وولدها لم يصل بعدُ إلى سنٍّ تسمح له بأن يتزوج.»

«كيف وصلتِ إليها؟»

«كانت زميلتي في المدرسة. في مدرسة سانت لويزا.»

«أوه، ابتزاز. تسلطٌ نابع من ذكرى أيامٍ مضت.»

قالت لورا: «لا تسلط على الإطلاق. كانت مسرورة بقدومها والاضطلاع بهذا العبء. إنها شخصيةٌ محبوبة.»

«أفضل طريقة لإقناع بات بأن يشارك في الأمر هي بجعلها تبدو جذابة في عينَيه.»

«إنها جذابة للغاية.»

«لا أقصد الأمر على ذلك النحو. ما أقصده هو أن تجعليها بارعةً في شيء يُعجَب به.»

قالت لورا بنبرةٍ مترددة: «إنها خبيرة في صيد السمك بالطعوم الصناعية، لكنني لا أعرف إن كان بات سيجد ذلك مثيرًا للإعجاب. إنه يظن أن أي شخص لا يستطيع صيد السمك هو شخصٌ غير طبيعي.»

«لا أظن أنكِ تستطيعين إسباغ ميولٍ ثورية عليها.»

فقالت لورا وقد التمعت عيناها: «ثورية! تلك فكرةٌ جيدة. ثورية. لقد كانت فيما مضى يساريةً بعض الشيء. وكانت تقول إنها تفعل ذلك «لمضايقة مايلز وجورجيانا». إنهما والداها. ولم تأخذ هذا الأمر بجديةٍ كبيرة مطلقًا؛ فقد كانت جميلة للغاية ولم تحتَج إلى أي شيء كهذا. لكن يمكنني أن أبني شيئًا على ذلك الأساس. أجل. يمكننا أن نجعل منها ثورية.»

يا للمراوَغات التي تلجأ إليها النساء! ذلك ما فكَّر فيه جرانت وهو يراقب إبرتها وهي تخترق الجورب الصوفي الذي كانت ترتقه، ثم عاد إلى التفكير في مشكلته. وكان لا يزال يفكِّر فيها حين أوى إلى الفراش. لكن وقبل أن يخلد للنوم قرَّر أن يكتب إلى برايس في الصباح. في واقع الأمر سيكون خطابًا يفيد وصوله إلى هذه الأنحاء الملائمة للصحة وعن أمله في أن تتحسن صحته في وقتٍ أسرع مما حدَّده له الطبيب، لكن في سياق ذلك سينتهز فرصة أن يصحح موقفه بأن يُطلِع من يهمُّهم الأمر على وجود صحيفة الرجل الفرنسي معه.

راح في نومٍ عميق غير متقطع نجمَ عن الهواء العليل وصفو سريرته، واستيقظ على صمتٍ مُطبِق. لم يكن الصمت في الخارج فقط، بل كان المنزل نفسه في حالة من الغَشية. وتذكَّر جرانت فجأةً أن اليوم هو يوم الأحد. لن يخرج بريد من الوادي اليوم. سيتعين عليه أن يقطع بخطابه كامل المسافة حتى بلدة سكون.

سأل تومي على الإفطار إن كان بإمكانه أن يستعير السيارة ليذهب إلى سكون ليبعث برسالةٍ مهمة، وعرضت لورا عليه أن تُقِلَّه بالسيارة. لذا ما إن انتهى الإفطار حتى عاد إلى غرفته ليكتب الرسالة، وفي النهاية كان مسرورًا جدًّا بها. أتى على ذكر مسألة راكب المقصورة «بي ٧» في سياق الرسالة بإتقان رافٍ خفي يجعل قطعةً لا تنتمي إلى النمط العام لثوب تتواءم معه. قال إنه لم يستطِع التخلص من ذكرى العمل بأسرع ما يمكنه؛ لأن أول شيء واجهه في نهاية الرحلة كان جثةً هامدة. وأضاف أن مضيفًا غاضبًا من مضيفي عربات النوم كان يهزُّ الجثة بعنف ظنًّا منه أن الرجل كان نائمًا حتى يفيق من سكره فحسب. لكن ذلك لم يكن من شأنه، وحمدًا للرب على ذلك. كان دوره الوحيد في هذه المسألة هو أنه اختلس بغير قصد صحيفةً من المقصورة. إذ وجدها بين أوراقه حين كان يتناول الإفطار. كانت صحيفة «سيجنال»، وكان سيعتبر أنه من المفروغ منه أنها تخصه لولا أنه وجد أن شخصًا ما كان قد خطَّ على عَجلٍ بقلم رصاص محاولةً شعريةً في الجزء الخاص بآخر الأخبار في الصحيفة. كان الشعر بالإنجليزية، وربما لم يكن المتوفى هو من كتبه على الإطلاق. وقد نمى إلى علمه أن التحقيق يجري في لندن. وإن رأى برايس أن لهذا المصدر الصغير للمعلومات أي أهمية فيمكنه أن يسلمه إلى السلطات المعنية.

نزل الدرج ليجد أن أجواء يوم الأحد قد تبدَّدت. كان المنزل يعجُّ بحرب وتمرُّد. كان بات قد اكتشف أن أحدهم ذاهب إلى بلدة سكون (التي كانت تبدو لعينه الريفية، حتى في يوم الأحد، حاضرةً ذات تنوعٍ ممتع)، فأراد أن يذهب هو الآخر إلى هناك. وعلى الجانب الآخر، كانت أمه مُصرَّة على أنه سيذهب إلى مدرسة الأحد كالمعتاد.

كانت تقول: «يجب أن تكون مسرورًا بأننا سنوصلك، بدلًا من التذمر بشأن عدم رغبتك في الذهاب.»

فكَّر جرانت أن كلمة «التذمر» كانت غير ملائمة للغاية لوصف المعارضة المستعرة التي اتَّقد بها بات كالشعلة. كان يهتزُّ ويرتجُّ من شدة معارضته، كأنه سيارةٌ متوقفة ومحركها يعمل.

ذكَّرته لورا قائلةً: «لو لم نكن ذاهبَين إلى سكون لكان سيتحتم عليك أن تذهب إلى الكنيسة سيرًا كالمعتاد.»

«هراء، من الذي يعبأ بالسير؟! نتبادل أنا ودوجي أحاديثَ شيقةً ونحن نسير.» كان دوجي هو ابن الراعي. واستطرد قائلًا: «الذهاب إلى مدرسة الأحد مضيعةٌ للوقت حين يمكنني أن أذهب إلى سكون، وهذه حقيقة لا جدال فيها. هذا ليس عدلًا.»

«بات، لن أسمح لك بأن تشير إلى مدرسة الأحد بأنها مضيعة للوقت.»

«لن تنعمي بوجودي على الإطلاق إن لم تكوني حذِرة. سأموت من تدهور صحتي.»

«أوه. ما الذي من شأنه أن يؤدي إلى ذلك؟»

«الافتقار إلى الهواء النقي.»

بدأت تضحك. وقالت: «بات، أنت مدهش!» لكن كان من الخطأ دومًا أن تسخر من بات. كان يأخذ الأمور المتعلقة به بجديةٍ بالغة.

قال بمرارة: «حسنًا، اضحكي! ستذهبين إلى الكنيسة في أيام الأحد لتضعي أكاليل من الزهور على قبري، هذا ما ستفعلينه في أيام الأحد، وليس الذهاب إلى سكون!»

«من المستحيل أن أفعل شيئًا بهذا البذخ. كل ما ستحصل عليه مني هو حفنة من أزهار أقحوان المروج بين الحين والآخر حين أكون مارةً بالمقابر. اذهب وأحضر كوفيَّتك؛ ستحتاج إليها.»

«سأحضر ربطة عنق! إننا في شهر مارس!»

«لا يزال الجو باردًا. أحضر كوفيتك. ستساعد في حفظك من تدهور الصحة ذاك.»

«يا لاهتمامكِ الكبير بتدهور صحتي، أنتِ وأقحواناتك. دائمًا ما كانت عائلة جرانت حقيرة. حفنة من الحقراء البائسين. أنا مسرور جدًّا لأنني أنتمي لعائلة رانكن، ومسرور جدًّا لأنني لست مضطرًّا لارتداء قماش الطرطان الأحمر المريع الذي ترتديه عائلتكم.» كان إزار بات الأخضر المهترئ بنقش عشيرة ماكنتاير، وهو ما كان يتماشى على نحوٍ أفضل مع شعره الأحمر من نقش عشيرة جرانت الزاهي الألوان. كان هذا النقش يعود لأم تومي، وكونها عضوةً صالحة في عشيرة ماكنتاير، كانت مسرورة لرؤية حفيدها يرتدي ما أطلقت عليه «لباسًا متحضِّرًا».

سار بخطًى متثاقلة إلى المقعد الخلفي من السيارة، وجلس وصدره يجيش بمشاعرَ مكبوتة، وألقى «ربطة العنق» غير المرضي عنها متنصلًا منها فتكوَّمت في أقصى طرف المقعد.

قال وهم يمضون ببطء بالسيارة على الطريق الرملي نحو البوابة، والحصى يندفع من تحت الإطارات: «ليس من المفترض أن يذهب الكفار إلى الكنيسة.»

فسألته أمه وتركيزها على الطريق: «مَن الكافر؟»

«أنا. أنا من أتباع محمد.»

«إذَن أنت في حاجةٍ ماسَّة للذهاب إلى كنيسةٍ مسيحية من أجل هدايتك. افتح البوابة يا بات.»

«لا رغبة لي في الهداية. أنا راضٍ بحالي كما أنا.» وفتح البوابة وأمسكها ليمرَّا ثم أغلقها خلفهما. وقال وهو يعاود ركوب السيارة: «أنا أرفض الكتاب المقدَّس.»

«إذَن لا يمكن أن تكون تابعًا صالحًا من أتباع محمد.»

«ولمَ لا؟»

«لديهم هم أيضًا بعض من الكتاب المقدَّس.»

«أنا متأكد من أن داود ليس لديهم!»

سأله جرانت: «ألا توافق على داود؟»

«شخصٌ بائسٌ مثير للشفقة، يرقص ويغني كالمخنثين. لا يوجد شخصٌ واحد في العهد القديم أثق فيه بحيث أذهب معه إلى سوق بيع الأغنام.»

جلس منتصبًا في منتصف المقعد الخلفي، مفعمًا بقدرٍ كبير من التمرد؛ فلم يستطِع أن يسترخي، وكانت عيناه القاتمتان ترقبان الطريق أمامه في غضبٍ متسم بشرود الذهن. وخطر في ذهن جرانت أنه ربما كان هو الآخر يريد أن ينزوي بعيدًا عن الناس في استياء. سَرَّه أن قريبه هذا كان شعلةً فظَّة ومنتصبة من الاستياء وليس كومةً صغيرةً منهارة من التحسر على الذات.

تَرجَّل الوثني المُتضرِّر من السيارة عند الكنيسة، وهو لا يزال فظًّا ومنتصبًا، وسار مبتعدًا من دون أن ينظر خلفه لينضم إلى مجموعةٍ صغيرة من الأطفال بالقرب من الباب الجانبي.

سأل جرانت لورا، بينما كانت تعاود التحرك بالسيارة: «ها قد صار في مدرسة الأحد، فهل سيُحسِن التصرف؟»

«أوه، أجل. إنه يحبها حقًّا. وبالطبع دوجلاس سيكون هناك: إنه مخلص له كإخلاص يوناثان لداود. إن اليوم الذي لا يستطيع فيه أن يقضي جزءًا منه في توبيخ دوجي وإملاء الأوامر عليه هو بمثابة يومٍ ضائع. لم يعتقد حقًّا أنني سأسمح له أن يأتي إلى بلدة سكون بدلًا من الذهاب إلى مدرسة الأحد. إنما كانت محاولةً منه.»

«كانت محاولة مؤثِّرة للغاية.»

«أجل. يتمتع بات بمواهبَ تمثيليةٍ رائعة.»

قطعا ميلَين آخرَين قبل أن تتلاشى أفكاره عن بات من ذهنه. عندئذٍ، على نحوٍ مفاجئ نوعًا ما، وفي ظل الفراغ الذي خلَّفه رحيل بات، أدرك أنه في سيارة. إنه محبوس في سيارة مغلقة. على الفور توقف عن كونه رجلًا بالغًا يشاهد، في أناة واستمتاع، تصرفات طفل غير منطقية، وصار طفلًا يشاهد، في تلعثُم وذعر، التقدُّم العدائي لعمالقة.

فأنزل النافذة التي على جانبه عن آخرها. وقال: «أعلميني إن كنتِ تشعرين أن الهواء كثير جدًّا عليكِ.»

فقالت: «لقد أمضيتَ وقتًا طويلًا للغاية في لندن.»

«كيف ذلك؟»

«وحدهم الأشخاص الذين يعيشون في المدن هم من يكونون مدمنين للهواء النقي. أما أهل الريف فيرغبون في جوٍّ فاسدٍ لطيف باعتباره تغييرًا من الهواء الطلق اللامحدود.»

قال جرانت: «سأرفعها إن أردتِ»، رغم أن فمه كان متيبِّسًا من الجهد الذي بذله لينطق بهذه الكلمات.

فقالت: «لا، بالطبع لا»، وبدأت تتحدث عن سيارة كانا قد طلباها.

وهكذا بدأت المعركة القديمة نفسها. نفس المجادلات والحيل والمداهنات. إشاراته إلى النافذة المفتوحة، وتذكير نفسه بأنها مجرد سيارة ويمكن إيقافها في أي لحظة، والرغبة في التفكير في موضوعٍ يبعد كل البعد عن الوقت الراهن، وإقناعه لنفسه بأنه محظوظ لأنه على قيد الحياة أصلًا. لكنَّ مدَّ شعوره بالذعر بدأ يرتفع منذرًا بخطرٍ وتهديدٍ بغيضَين. مَدٌّ أسودُ خبيث، مُزبِد وهائج. كان الآن يحيط بصدره، ويضغط عليه ويحبس أنفاسه، حتى إنه كان بالكاد يستطيع التنفس. والآن وصل إلى حلقه، وشعر به يلتفُّ حول قصبته الهوائية، ويقبض على رقبته كالكماشة. في لحظة سيكون في فمه.

«لالا، توقفي!»

سألتْه في دهشة: «أُوقف السيارة؟»

«أجل.»

أوقفت السيارة تمامًا، فترجَّل منها على قدمَين مرتعشتَين وانحنى على الحاجز الحجري الجاف يشهق محاولًا أن يستنشق أكبر قدر من الهواء النقي.

فسألته لورا في قلق: «هل تشعر بتوعُّك، يا ألان؟»

«لا، إنما أردت أن أخرج من السيارة فحسب.»

فقالت بنبرة ارتياح: «أوه، أهذا كل شيء؟!»

«أهذا «كل شيء»؟»

«أجل؛ رهاب الأماكن المغلقة. كنت أخشى أن تكون سقيمًا.»

فقال في مرارة: «ألا تُسمين ذلك سقمًا؟»

«بالطبع نعم. كدت أموت من الرعب مرةً، حين أخذوني لرؤية كهوف شيدر. لم أكن قد دخلت كهفًا من قبلُ.» كانت قد أطفأت المحرك، وكانت حينئذٍ جالسةً على صخرة على جانب الطريق وتكاد توليه ظهرها. وتابعت: «عدا جحور الأرانب تلك التي كنا نطلق عليها كهوفًا في شبابنا.» رفعت لورا علبة سجائرها إليه. واستطردت: «لم أكن قد ذهبت تحت الأرض من قبلُ، ولم يكن لديَّ مانع من الذهاب على الإطلاق. بل ذهبت وأنا مفعمةٌ بالحماسة والسرور، وكنت على بُعد نصف ميل من مدخل الكهف حين صدمني الأمر. كنت أتعرَّق من شدة الذعر. هل يصيبك ذلك كثيرًا؟»

«أجل.»

«أتعرف أنك الشخص الوحيد الذي ما زال يناديني لالا أحيانًا؟ نحن نتقدم بالعمر كثيرًا.»

نظر حوله ثم نظر إليها، وكان التوتر يتلاشى من محيَّاه.

«لم أكن أعلم أنكِ تُعانين من أي مخاوف غير الجرذان.»

«أوه، أجل. لديَّ تشكيلةٌ كبيرة منها. الجميع لديهم، على ما أظن. على الأقل كل من ليس أحمق. إنني أحافظ على هدوئي لأنني أعيش حياةً هادئة وأزداد في الوزن. لو كنت أفرط في العمل على النحو الذي تفعله أنت، لأصبحت مهووسةً جامحة. كنت سأصاب على الأرجح برهاب الأماكن المغلقة ورهاب الخلاء، وكنت سأحقق سابقةً طبيةً تاريخية. بالطبع، سيجد المرء سلوى كبرى في كونه موجودًا في دورية «ذا لانسيت».»

ترك الاتكاء على الجدار وجلس إلى جوارها. وقال: «انظري»، ثم رفع يده المرتعشة التي يمسك بها سيجارته لتراها.

«مسكين أنت يا ألان.»

فقال موافقًا: «ألان مسكين بالفعل. لم ينتج ذلك عن كوني في الظلام تحت الأرض على عمق نصف ميل، لكنه عن كوني راكبًا في سيارة نوافذُها مفتوحة عن آخرها في ريفٍ مفتوح صباحَ يوم أحد جميل وفي بلدٍ حر.»

«لم ينتج عن ذلك، بالطبع.»

«لم ينتج عن ذلك؟»

«نتج عن أربع سنوات من العمل المستمر المضني والتركيز المفرط. كنتَ دائمًا داهيةً فيما يتعلق بالتركيز. يمكن أن تكون مُتعِبًا كثيرًا. هل تفضِّل أن تعاني من رهاب الأماكن المغلقة أم من سكتةٍ دماغية؟»

«سكتة دماغية؟»

«إن كنت تعمل حتى تكاد تقتل نفسك، فعليك أن تدفع لقاء ذلك بطريقة أو بأخرى. فهل تُفضِّل أن تدفع بالطريقة الجسدية الأكثر اعتيادًا كارتفاع ضغط الدم أم إجهاد في القلب؟ من الأفضل أن تخاف من أن تكون في سيارةٍ مغلقة من أن تكون جالسًا على كرسيٍّ متحرك. على الأقل سيكون لديك وقت لا تكون فيه خائفًا. إن كنت تكره فكرةَ معاودة ركوب السيارة بالمناسبة، فيمكنني أن أتابع المضي إلى سكون بخطابك وأُقلُّك لدى عودتي.»

«أوه، لا، سأتابع المضي.»

«كنت أظنُّ أن من الأفضل ألا تقاوم الأمر، أليس كذلك؟»

«هل صرختِ حين كنتِ على بعد نصف ميل تحت الأرض في كهوف شيدر؟»

«لا. لكنني لم أكن عيِّنةً مرضيةً تعاني من الإفراط في العمل.»

ابتسم فجأةً. وقال: «أمرٌ غير عادي أن يشعر المرء بالراحة حين يوصَف بأنه عيِّنةٌ مرضية. أو بالأحرى، أن يُدعى عيِّنةً مرضية بتلك النبرات تحديدًا.»

«أتذكر اليوم الذي أمضيناه في فاريسي حين أمطرت السماء وذهبنا إلى المتحف ورأينا تلك العينات في الزجاجات؟»

«أجل، لقد أُصبتِ بالغثيان على الرصيف بالخارج.»

فقالت على الفور: «لقد أُصِبتَ بالغثيان حين تناولنا قلوب الأغنام على الغداء لأنك رأيتها وهم يحشونها.»

قال وقد بدأ يضحك: «لالا، يا عزيزتي. لم تكبري يومًا واحدًا.»

فقالت وهي غارقة في تلك الومضة من الطفولة: «في الواقع، من اللطيف أنه ما زال بوسعك أن تضحك، حتى وإن كان فقط ضحكًا مني. أخبرني حين تود متابعة المضي.»

«الآن.»

«الآن؟ أأنت واثق؟»

«واثق جدًّا. أجد أن لتسميتي عينةً مَرضيَّةً خصائصَ علاجيةً مدهشة.»

فقالت بطريقةٍ عملية: «حسنًا، في المرة القادمة لا تنتظر حتى تصل إلى حد الاختناق.»

لم يعرف أي الأمرين وجده مُطَمئنًا أكثر: إدراكها أن ما يخالجه كان نوعًا من الاختناق أم تقبلها للجنون كأمرٍ واقع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤