الخاتمة

إني أقف عند هذا الحد من التحدث عن الأمة الآرامية السريانية في عصرها الذهبي، ويرى القارئ في كتابي هذا خلاصة ما امتاز به أئمة السريان ونوابغهم وجهابذتهم من ذكاء الفطرة، وسعة المدارك، وعلو الهمة؛ فإنهم أنشئوا مدارس عامرة، ووضعوا مؤلفات قيمة، ونشروا عقيدتهم ما بين الشعوب القبطية، والحبشية، والأرمنية، والعربية، والفارسية، والملبارية، وأحرزوا مكانة بارزة لدى خلفاء المسلمين وقياصرة الروم وملوك الصليبيين، ولدى ملوك السلجوقيين والتتر وبني أرتق والكرج، وخلفوا ما خلفوا من الذخائر النادرة، والكنوز الثمينة، والمعاهد الأثرية، والكنائس العجيبة، والأديار العديدة … إلخ.

ولم أغفل عما تفرَّد به السريان من الفنون الجميلة كالتطريز، والنقش، والحفر، والهندسة، ولا سيما إتقانهم التصوير بجميع أشكاله وخاصة في مخطوطاتهم النفيسة التي تُعَدُّ درة على مفارق علمائهم ومفكريهم. وذكرت كذلك فن الموسيقى عندهم، ونوهت بأسماء ناظمي أناشيدهم المختلفة الأشكال المتباينة الأوزان، وأحصيت ما استعملوه من آلات الطرب في منازلهم وهياكلهم ومعاهدهم.

ووصفت بعد ذلك كله وصفًا دقيقًا استنباط الفنيقيين السريان للحروف الأبجدية، وتلقينهم إياها لسائر الشعوب المتحضرة، وهي منة عظيمة يجب على تلك الشعوب أن تقر لهم بها على ممر الأزمان. ثم أتيت على ذكر الخطاطين السريان وقدامة مخطوطاتهم ونفائسها المصوَّرة والمزخرَفة، ولم يزل بعضها محفوظًا بكل حرص في خزائن الشرق والغرب.

وأوردت أيضًا أخبار مكتبات السريان القديمة العهد وما تبقى منها إلى يومنا، وهي تنطق بما كان لهم من العلم الراسخ والمقام الباذخ. وختمت الكتاب بفصل ضمنته حوادث جديرة بالذكر عن الغساسنة وعلاقات ملوكهم وأمرائهم بالأمة السريانية في عصرها الذهبي.

تلك خلاصة ما أودعته كتابي هذا من الأخبار النادرة السديدة التي لم يتصَدَّ لذكرها مؤلف قبل اليوم، وأؤمل أن يحوز الرضا لدى أهل البحث والنقد، ولا سيما لدى علماء التاريخ والسلام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤