الفصل التاسع عشر

قدامة المخطوطات السريانية ونفائسها المصوَّرة والمزخرَفة

لا نبالغ إذا صرحنا بأن المخطوطات السريانية التي تحتفظ بها مكتبات الشرق والغرب هي من أقدم مخطوطات الدنيا وأثمنها، وقد أتيح لنا أن نشرف على الكثير منها في أثناء رحلاتنا المتكررة إلى ديار أوروبا، فتحققنا ذلك بنفسنا، وأكبرنا جهودَ القائمين بجمع تلك الذخائر النفيسة وتنظيمها وصيانتها. وليست تلك الكنوز على وفرتها أو قلتها إلا نزرًا مما خلَّفه الأجداد، فلو تيسر استقصاء ما ضاع أو اندثر من المخطوطات على توالي الأعصار في شتى الأمصار، لفاق عددها حدة الكثرة.

كيف لا وهذه معاهد السريان الثقافية التي عُدَّت بالمئات؟ دَعْ كراسي أبرشياتهم وكنائسهم الوافرة وخزائن أدبائهم وعلمائهم، فهي أقوى دليل على صحة ما نقول، أضف إلى ذلك كله العدد العديد من خطَّاطيهم الذين واصلوا الليل والنهار في نساخة الكتب وضبطها وإتقانها وتنميقها وزخرفتها بأكمل ما يكون من الدقة وسلامة الذوق.

وكان السريان يكتبون مخطوطاتهم الضخمة العجيبة في قديم الزمان على البردي أو رق الغزال، ولأجل ذلك سبقوا فأنشئوا معامل للرقوق في أنحاء كثيرة من بلادهم، ولا سيما في مدينة جبيل (بيبلوس) إحدى عواصم الآراميين، وفي الرها حاضرة السريان الأباجرة١ وفي قرتمين بطور عبدين٢ وغيرها؛ لأن الكاغد لم يُعرَف عندهم إلا منذ القرن الثامن أو التاسع للميلاد. وبعد هذا الإيضاح هاك وصفًا وجيزًا عن أقدم المخطوطات السريانية وعن نفائسها المصوَّرة والمزخرَفة:

(١) أقدم مخطوطات الكتاب المقدس

أقدم نسخة مخطوطة من هذا المصحف الكريم في اللغة السريانية هي نسخة الإنجيل المعروفة باسم «النسخة السينائية» تمييزًا لها عن سواها، وقد نشر المستشرق بيركيت سنة ١٩٠٤ في كمبردج نصها مع ترجمة إنكليزية.

وفي المتحف البريطاني بلندن خمس نسخ سطرنجيلية٣ من الكتاب المقدَّس منسوخة منذ السنة ٤٥٠ ميلادية، ثم نسخة في المكتبة الواتكانية مدوَّنة في السنة ٥٤٨ ميلادية، ونسخة مصوَّرة في فلورنسا يرتقي عهدها إلى السنة ٥٨٦م وسيأتي وصفها.
أحصى الأب بولان مرتين خمسًا وخمسين نسخة سطرنجيلية من هذا المصحف الثمين مكتوبة في القرن الخامس فالسادس فالسابع، يقابلها في القِدَم اثنتان وعشرون نسخة لاتينية، وعشر نسخ يونانية فقط.٤ ونضرب صفحًا عن «الدياطسرون» السرياني الذي أنشأه ططيان نحو السنة ١٧٠ للميلاد، وأدمج فيه آيات الأناجيل الأربعة وأفرغها في إنجيل واحد.٥

(٢) بعض مخطوطات سريانية عريقة في القِدَم

ما عدا مخطوطات الكتاب المقدس، فقد احتوت المكتبات الكبرى بعض مخطوطات سطرنجيلية لا تقِلُّ عنها قِدَمًا، نذكر منها:

  • الكلندار: هو تقويم للأعياد ولتذكارات الشهداء والقديسين على مدار السنة، منه في مكتبات الغرب والشرق نُسَخ جمة، أقدمها مخطوطة المتحف البريطاني٦ المنسوخة في السنة ٧٢٢ للإسكندر، الموافقة للسنة ٤١١ ميلادية.
  • تاريخ أوسابيوس القيصري (†٣٤٠م): نقل هذا التاريخ البيعي إلى اللغة السريانية في القرن الخامس، ومن هذا النقل نسخة جيدة نُسِخت في السنة ٧٧٣ للإسكندر (٤٦٢م)، وهي محفوظة في مكتبة بطرسبرج (ليننغراد).٧
  • سيرة مار سمعان العمودي الكبير (†٤٦٠م): هذه السيرة المعتبرة كتبها قزما تلميذ مار سمعان العمودي في السنة ٧٨٥ للإسكندر (٤٧٤م)، وهي تقع في أكثر من مائة صفحة.٨

(٣) وصف إنجيل ربولا

سبق لنا كلام وجيز عن الربان ربولا محبِّر هذا المصحف الثمين ومصوِّره، والآن نرى أن نسترسل في وصف ذلك المصحف النادر المثال، بيانًا لما تفرَّد به رهط من أئمة السريان في فني التصوير والنقش.

فهذا الإنجيل يُعَدُّ تحفة من تحف الفن، وهو اليوم محفوظ بكل حرص في الخزانة الماديشية بفلورنسا، وقد أفاض في وصفه السيد أسطفان عواد السمعاني مطران أفاميا سنة ١٧٤٢.٩ أما ناسخه وموشحه فهو الربان ربولا، ولأجل ذلك عُرِف عند العلماء والمستشرقين باسم «إنجيل ربولا»، وانتهت نساخته في ١٥ شباط ٨٩٧ للإسكندر (٥٨٦م) في دير مار يوحنا بزغبة.

اشتمل هذا المصحف البديع على ستٍّ وعشرين صورة ملوَّنة تُعَدُّ من أدق وأجمل ما رسمته ريشة مصوِّر؛ فالصورة الأولى تمثِّل السيد المسيح محاطًا برُسُله، وهناك أسماء بطرس ويعقوب وتوما مكتوبة بحروف سطرنجيلية. والصورة الثانية تمثِّل سيدتنا العذراء مريم منتصبة وحاملة يسوع ابنها على ذراعيها. وتمثل الصورة الثالثة أمونيوس الفيلسوف الإسكندري وأوسابيوس القيصري المؤرخ اللذين اشتغلا بدرس الكتاب المقدس وشرحه.

وتمثل الصورة الرابعة موسى الكليم، وهارون أخاه، ثم زكريا يبشره جبرائيل الملاك بميلاد يوحنا. وتمثل الصورة الخامسة يشوع بن نون، والنبي سموئيل قاضي إسرائيل، وبينهما صور العذراء مريم مع الآية الإنجيلية «ها أنا أمة للرب»، وصورة جبرائيل الملاك مع الآية «السلام لك يا ممتلئة نعمة»، وكلتا الآيتين مكتوبتان في السطرنجيلية.

أما الصورة السادسة فتمثِّل داود الملك وابنه سليمان، ثم صورة ميلاد يسوع المخلص وصورة قتل الأطفال … إلخ، وقِسْ على ذلك سائر الصور التي تمثِّل الأنبياء هوشع، ويوئيل، وعاموس، وعوبديا، ويونان، وميخا. ثم صورة مريم العذراء ويوسف خطيبها، وصورة مريم العذراء ونسيبتها اليشبع، ثم صور ناحوم وصفنيا، وأيوب وأشعيا، وحبقوق وحجاي، وزكريا وأرميا، وحزقيال ودانيال، وملاخي واليشع.

وبعد تلك الرسوم الرائعة صورة يوحنا الإنجيلي، وفي يديه كلتيهما درج حوى هذه الآية بالسطرنجيلية «في البدء كان الكلمة …»، وهي الصورة السادسة عشرة. أما الصورة السابعة عشرة فتمثِّل مرقس ولوقا … إلخ. وقِسْ عليها صورة يسوع راكبًا جحشًا منطلقًا إلى أورشليم، وهي بديعة جدًّا … إلخ.

أما الصورة الثالثة والعشرون، فهي باكورة صور يسوع المصلوب في الكنيسة النصرانية، فقد أفرغها المصوِّر السرياني في قالب لطيف جميل لم يسبقه إليه مصوِّر على الإطلاق؛١٠ ذلك أنه صوَّر يسوع المخلص معلَّقًا على الصليب، موشحًا بثوب أرجواني مذهب، ورسم حوله آلات الصلب، وتعلو الصليب عبارة «يسوع الناصري ملك اليهود» في السطرنجيلية، ويلي ذلك صورة قيامة يسوع الفادي، وصورة صعوده إلى السماء، وصورة حلول الروح القدس على الرسل … إلخ.

(٤) وصف إنجيل قرقوش

حفظ هذا المصحف النفيس مدة أجيال في بيعة السريان بقرقوش إحدى قرى الموصل الشهيرة، ثم نُقِل إلى خزانة القلاية المطرانية بالموصل. وفي السنة ١٩٣٨ حمله السيد قرلس جرجس دلال مطران الموصل إلى روما، وأهداه إلى الحبر الأعظم بيوس الحادي عشر الذي أمر أن يُحفَظ في المكتبة الواتكانية، ثم تولَّتْ هذه المكتبة نشره بالطبع بيانًا لمزاياه وتعميمًا لفوائده.

وينطوي هذا الإنجيل الفريد على ٤٧٦ صفحة، طوله ٤٤ سنتمترًا، في عرض ٣٣ سنتمترًا، في سمك ١١ سنتمترًا، وقد كتبه الراهب مبارك بن داود البرطلي (١٢٢٠–١٢٣٩) بحروف سطرنجيلية مستبدعة، وزيَّنه بأربع وخمسين صورة ملوَّنة في غاية التأنق والاتقان.

افتتح الناسخ الإصحاح الأول بفصل الإنجيل الذي يُرتَّل في أحد تقديس البيعة، فكتبه بحروف مذهَّبة طبقًا لنص الترجمة البسيطة، وجرى هذا المجرى في جميع فصول الآحاد والأعياد السنوية.

أما الصورة الأولى فتمثِّل موسى الكليم بيده قلم، وفي أسفلها صورة يوحنا الإنجيلي، وإلى جانبها أرزة لطيفة هي من أبدع ما نمقته ريشة نقاش. والصورة الثانية تمثِّل زكريا الكاهن في مذبح البخور وجبرائيل رئيس الملائكة يبشِّره بميلاد يوحنا. والثالثة صورة العذراء والملاك جبرائيل. والرابعة صورة زيارة العذراء لاليشبع. والخامسة صورة زكريا بيده لوحة مكتوب عليها بالسطرنجيلية «يوحنا اسمه». والسادسة صورة يوسف خطيب مريم والملاك. والسابعة صورة ميلاد يسوع المخلص. وقِسْ على ذلك صور قتل أطفال بيت لحم، وهرب يسوع إلى مصر، ورجم أسطفانس أول الشهداء … ومار أنطونيوس رئيس الرهبان، وشمعون الشيخ، وعرس قانا الجليل، وابن أرملة نائين، والسامري، والمرأة الخاطئة … وغسل أقدام الرسل، والعشاء السري، والقيامة، والصعود …

وهناك صورة رائعة تمثِّل قسطنطين الملك وأمه هيلانة الرهاوية السريانية، يتوسطهما صليب قد أمسكه كلٌّ منهما بيمينه.

وجاء في آخِر هذا المصحف البديع ما تعريبه: «انتهى الكتاب يوم السبت أول آيار سنة ١٥٣١ لليونان (١٢٢٠م)، كتبه مبارك أحد رهبان دير مار متى بن صليبا بن يعقوب من قاسطرة برطلي … ووقفه مع بعض أوانٍ لمذبح دير مار متى، ومار زكي، ومار إبراهيم بجبل الفاف …»

(٥) وصف أناجيل يوحنا مطران ماردين والخابور (†١١٦٥م)

أفرغ هذا المطران الهمام كل المساعي في تجديد دير الزعفران وتعزيز أرزاقه، وأضاف إلى ذلك اعتناءه بتجليد مخطوطات نفيسة صانها في المكتبة، ونسخ بيده أربع نُسَخ من كتاب الإنجيل الكريم، ورصَّعها بحروف ذهبية وفضية،١١ ونسخ إنجيلًا ممتازًا لدير الزعفران، واجتهد في مشترى أوانٍ بيعية من كئوس وأطباق ومباخر وصلبان ومراوح وبيوت قربان، واستحضر من الإسكندرية ثلاث كئوس فاخرة منزلة بالميناء، لا مثيل لها إلا في قصور السلاطين والملوك.

(٦) وصف إنجيل بيعة السريان في صور

كان للسريان كنيسة في صور أطلقوا عليها اسم «بيعة مريم المجدلية وسمعان الفريسي»، وكانت تملك إنجيلًا سطرنجيليًّا منسوخًا عام ١٤٦٠ للإسكندر (١١٤٩م) على رق الغزال، كتبه الراهب سهدو الرهاوي في عهد البطريرك أثناسيوس الثامن (١١٣٩–١١٦٦) ووشاه بصور أثرية رائعة، وهذا الإنجيل محفوظ في الخزانة المرقسية.١٢

(٧) وصف إنجيل البطريرك ميخائيل الكبير (†١٢٠٠)

ممَّن تأنق في الخط والتصوير وأجاد فيهما كليهما البطريرك العلَّامة ميخائيل الكبير الملطي؛ فقد تفرَّغ لنَسْخ كتب جمة نذكر منها نسخة بديعة من كتاب الإنجيل موَّه حروفها بماء الذهب والفضة ودبجها بصور شتى، ثم جعل ذلك المصحف الشريف ضمن صندوقة فضية مذهَّبة.١٣

(٨) وصف إنجيل البطريرك يوحنا السادس عشر (١٢١٥–١٢٢٠)

هو المعروف بيشوع الكاتب، نُصب بطريركًا عام ١٢٠٨ مزاحمًا للبطريرك ميخائيل الثاني (١٢٠٧–١٢١٥)، ثم تأيد بعد وفاة سالفه المشار إليه عام ١٢١٥ في الكرسي البطريركي. كان قصير القامة، ضعيف البنية، نحيف الجسم، كتب لما كان راهبًا إنجيلًا بديعًا وشَّاه بماء الذهب، وظل هذا الإنجيل إلى عهد قريب محفوظًا في دير الصليب بطور عبدين، ونسخ هذا البطريرك أيضًا في عهد رهبنته ثمانية عشر إنجيلًا، منها ثلاثة في حلب وفي باريس تحت رقم٤٠.١٤

(٩) وصف إنجيل القس باخس الخديدي الطواف (١٢١٣–١٢٥٧)

امتاز هذا القسيس بخطه الرائع، وقد صانت لنا حوادث الدهر نسخة جميلة من إنجيل دبجه بصور ظريفة شتى، وهذا الإنجيل البديع محفوظ حتى اليوم في الخزانة المرقسية بأورشليم، وموسوم بالعدد ٢٨. ولهذا القسيس إنجيل آخَر بخط يده محفوظ في المكتبة الأهلية بباريس.١٥

(١٠) وصف إنجيل البطريرك بطرس هداية (١٥٩٨–١٦٤٠)

من المصاحف التي تستحق وصفًا مخصوصًا إنجيل بديع ثمين مكتوب بحروف سطرنجيلية كلها ذهبية وفضية، شاهده الرحَّالة ديلافالة عند البطريرك أغناطيوس بطرس هداية في قلاية حلب، وصرَّح بأنه لم يشاهد إنجيلًا مخطوطًا بحروف أجمل وأبدع منه، بل لم يشاهد تذهيبًا ونقشًا أدق وأروع. وكان غلافه من مخمل مرصع بفضة وذهب، وقد استصنع البطريرك المذكور هذا الغلاف بدلًا من الغلاف الأصلي الذي كان مرصَّعًا بالجواهر الكريمة التي لا تُقدَّر بثمن.١٦
وهذا المصحف النفيس الراقي عهده إلى القرن الحادي عشر، قد التهمته النيران في حريق جرى بتاريخ ١٦ تشرين الأول ١٨٥٠ في كنيسة حلب السريانية وقلايتها.١٧

(١١) وصف إنجيل صلح

نضم إلى ما سبق إنجيلًا بديعًا جدًّا طبقًا للترجمة الحرقلية، كان محفوظًا حتى الحرب العظمى (١٩١٤–١٩١٨) في دير مار يعقوب بقرية صلح بطور عبدين، وهو مصحف كبير الحجم نادر المثال، مخطوط بحروف سطرنجيلية رائعة على رق الغزال. واشتمل هذا المصحف على تصاوير ملونة نفيسة، في جملتها صورة ربنا يسوع يصعد إلى السماء، ويُشاهَد تحت الصورة المذكورة رسوم الرسل في وسطهم مار بطرس قد توشح دونهم بحلة الكهنوت.١٨

(١٢) وصف إنجيل قلث

حوت كنيسة مار سمعان القناني في قلث بطور عبدين إنجيلًا سطرنجيليًّا جميلًا وفقًا للترجمة الحرقلية، نسخه الشماس مسعود في دير الزعفران عام ١٦٢٦ للإسكندر (١٣١٥م) في عهد البطريرك أغناطيوس الخامس الشهير بابن وهيب (١٢٩٣–١٣٣٣)، وقد زيَّن الناسخ فصلَيْه الأول والأخير بحروف ذهبية وملونة. أما الفصل الأول فهو من إنجيل متى الرسول (١٦: ١٣–١٩) حيث يقول يسوع لبطرس: «أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني بيعتي.» وانطوى الفصل الأخير على الفصل الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا، وفيه يقول يسوع المخلص لبطرس رأس الرسل: «ارع خرافي، ارع نعاجي، ارع كباشي.»١٩

(١٣) وصف إنجيلين في خزانة دير الزعفران

ذكر العلَّامة البطريرك أغناطيوس أفرام برصوم نسختين من الإنجيل الكريم مزيَّنتين بتصاوير جميلة، محفوظتين في خزانة دير الزعفران، إحداهما صوَّرها ديوسقورس ثئودورس (†١٢٧٣م)،٢٠ وكان هذا الإنجيل النفيس قد حُفِظ مدةً من الزمان في كنيسة الأربعين بماردين على عهد المطران توما قصير، ثم أعيد إلى مكانه الأصلي في الخزانة المذكورة.

(١٤) وصف أناجيل سريانية عند النساطرة

لدى السريان النساطرة بعض مصاحف مرصَّعة بصور فضية ومزيَّنة كتابتها بنقوش بديعة تمثِّل أسرار حياة السيد المسيح من مولده إلى قيامته وصعوده. وفي قوجانس مقر جثالقتهم إنجيل مصوَّر يُعَدُّ من التحف الطريفة، وفي خزائن لندن وباريس أناجيل مثله اشتراها الإنكليز والفرنسيس من النساطرة.٢١

(١٥) وصف مصاحف سريانية في بطريركية الكلدان

في المكتبة البطريركية الكلدانية بالموصل مخطوطات منسوخة على ورق أسمانجوني من صناعة القرن الحادي عشر، تترصع فيه الآيات الإنجيلية بمحلول الذهب كأنها النجوم متلالئة في القبة الزرقاء،٢٢ تلك مصاحف نادرة تدل على مكانة السريان قديمًا في إتقان الكتابات المزخرَفة والتضلع من الفنون الجميلة.

(١٦) وصف بيتكاز مصوَّر في خزانة الشرفة

كتب هذا البيتكازَ الجميلَ عام ١٦٩٠ السيدُ ديونيسيوسُ رزق الله أمين خان (†١٧٠١) مطران حلب، الذي قضي شهيدًا في قلعة أطنة٢٣ وقد دبجه ناسخه المفضال بأربعين صورة ملوَّنة، الأولى صورة يسوع الفادي، فصورة العذراء مريم حاملة ابنها يسوع، ثم ألحق بهما صورة مار بطرس ومار بولس، فصورة موسى الكليم، فزكريا الكاهن، فبشارة العذراء، فزيارتها لاليشبع … إلخ. وانتهى الناسخ بصورة مار يوليان الشيخ صاحب دير القريتين.٢٤

(١٧) وصف مخطوطات بالحرف الجرجري أو الكركري

كان للسريان في مقاطعة جرجر الواقعة شمالي الرها عدة أديار عامرة، امتاز رهبانها بخطوط دقيقة أنيقة غلب عليها اسم «الخط الجرجري»، ومن هذا الشكل مخطوطات شتى في مكتبات الشرق والغرب. وأشهر الخطاطين في هذا النوع من الكتابة غريغوريوس الونكي الذي تولى مطرانية الرها (١٥٧٧–١٦٠٧)، فقد كتب بخطِّه الدقيق المنمنم نحو عشرين مجلدًا، بينها أناجيل ومزامير فريدة في بابها، وتمتاز بعض مخطوطات هذا المطران بكون طول الصفحة منها لا يتجاوز غالبًا سبعة سنتمترات. ومن هذا الشكل الجميل نسخة في الخزانة المرقسية بالقدس، ونسخة في خزانة بوسطن في الولايات المتحدة.٢٥ وشاهدنا نحن في خزانة الشرفة بعض مخطوطات جرجرية قديمة تستحق الاعتبار.

(١٨) وصف سوسطاثيقونات مزخرَفة ومصوَّرة في خزائن الشرفة

عني بطاركة السريان منذ أحقاب بعيدة بكتابة صك يسمونه «السوسطاثيقون» أيْ «كتاب العهد»، يدفعونه إلى الأسقف الجديد لدى تقليده الولاية على إحدى الأبرشيات، فيحمله ذلك الأسقف إلى أبرشيته، ثم يدفعه إلى كبير الكهنة كي يقرأه على أبناء الرعية عند دخوله أول مرة إلى الكنيسة. وقد يبلغ طول السوسطاثيقون أحيانًا زهاء خمسين ذراعًا في خمسة وعشرين سنتمترًا، ويُلَف كالدرج حول خشبة مستديرة.

وفي خزائن الشرفة بعض سوسطاثيقونات بينها اثنان منمقان بضروب الصور والزخارف الرائعة وأشكال الخطوط السريانية، أحدهما سوسطاثيقون السيد ديونيسيوس ميخائيل جروة عندما تقلَّد كرسي أبرشية حلب عام ١٧٦٦ ميلادية، فهو آية من آيات الإبداع بخطوطه السطرنجيلية المتنوعة وألوانها الزاهية والمذهَّبة.٢٦ أما السوسطاثيقون الثاني فيشتمل على صور ملوَّنة تمثِّل بعض الملافنة والأحبار القديسين، وقد أهديناه نحن إلى خزانة الشرفة سنة ١٩٢٦ ليُحفَظ بين ذخائرها الثمينة.

هوامش

(١) كتاب الرؤساء، لتوما المرجي: ميمر ١، رأس ٢٣، صفحة ٣٦-٣٧.
(٢) المشرق: مجلد ١٦، سنة ١٩١٣، صفحة ٨٤٠.
(٣) المتحف البريطاني: رقم ٤٥٩، ١٤ و١١٧، ١٧ و٤٥٣، ١٤ و٤٧٦، ١٤ و٤٨٠، ١٤.
(٤) معجم الكتاب المقدس، تأليف فيغورو: صفحة ١٣٢-١٣٣.
(٥) تاريخ أوسابيوس القيصري: سفر ٤، عدد ٢٥.
(٦) المتحف البريطاني: رقم ١٥٠، ١٢.
(٧) نشر هذا التاريخ عام ١٨٩٧ الأب بولس بيجان في باريس.
(٨) سير الشهداء والقديسين: مجلد ٤، صفحة ٥٠٧.
(٩) فهرس مخطوطات فلورنسا: رقم ١.
(١٠) المشرق: مجلد ٧، سنة ١٩٠٤، صفحة ٢٩٩.
(١١) تاريخ دير الزعفران، للبطريرك أفرام برصوم: صفحة ٧١.
(١٢) مجلة الحكمة في القدس: مجلد ٢، سنة ١٩٢٧، صفحة ٤٣٥–٤٣٨.
(١٣) تاريخ الرهاوي الكنسي: صفحة ٨٩.
(١٤) اللؤلؤ المنثور: صفحة ٢٨.
(١٥) اللؤلؤ المنثور: صفحة ٢٩.
(١٦) الآثار الخطية، للأب أنطون رباط: صفحة ٣٨٨-٣٨٩.
(١٧) السلاسل التاريخية في أساقفة الأبرشيات السريانية: صفحة ١٠٨.
(١٨) المشرق: سنة ١٩١٣، صفحة ٦٧٢.
(١٩) سياحة من بيروت إلى الهند، للأب لويس شيخو (المشرق: مجلد ١٥، سنة ١٩١٢، صفحة ٧٠٨). وسياحة في طور عبدين، للخوري إسحاق أرملة.
(٢٠) نزهة الأذهان: صفحة ١٤٤–١٤٦. وكتاب «اللؤلؤ المنثور»: صفحة ٤١١.
(٢١) مقال المطران بطرس عزيز الكلداني (المشرق: مجلد ١٠، سنة ١٩٠٧، صفحة ٨٤٥).
(٢٢) مجلة النجم بالموصل، للقس سليمان صائغ: مجلد ١٠، سنة ١٩٣٨، صفحة ٢.
(٢٣) طالع ترجمته في كتابنا «السلاسل التاريخية» صفحة ٢٠٢–٢٠٤.
(٢٤) فهرس مخطوطات دير الشرفة، للخوري إسحاق أرملة: صفحة ١٠٠-١٠١.
(٢٥) اللؤلؤ المنثور: صفحة ٣١.
(٢٦) الرتب الكهنوتية في الطائفتين المارونية والسريانية: صفحة ٥٠-٥١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤