هذه مقتطفات من مقالاته عن رسول الله

وقد اختار الله سبحانه وتعالى أن يكون حامل رسالته بشرًا من البشر، ليس له أية معجزة إلا معجزة القرآن التي ذكرها سبحانه بقوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (سورة الحجر: ٩) وقد فعل وصدق وعده جل وعلا.

وانتقل القرآن بنصِّه وحرفه من القلوب إلى الألسنة إلى الجلود والعظام إلى المطبعة؛ فتمَّ له الحفظ.

والنبي الكريم الذي حمل إلينا الرسالة رسولٌ بشر، يقول تعالى في سورة الإسراء في الآيات ٩٠ وما بعدها: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولًا صدق الله العظيم.

فمعجزة النبي إذن أنه بشرٌ رسول، وأن الله لم ينزل ملكًا رسولًا؛ لأن الأرض ليس بها ملائكة يمشون مطمئنين.

وقد جاءني خطاب من رجلٍ مؤمن يحسُّ في نفسه غُصَّة: إن النبي عليه الصلاة والسلام يتصرف تصرف البشر، وليس تصرف الأنبياء، وهذا ما دعاني أن أسوق إليه وإلى من شاء هذا الحديث. إن معجزة النبي يا أخي أنه بشر وأنه رسول فهو بشر حين يقول: «حُبِّبَ إِلَيَّ الطِّيبُ، وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ.» وهو رسول لأنه لم يعتدِ على حرمةٍ ولم يرتكب حرامًا ولا إثمًا، وهو بشر حين يأمر بالحرب ليرد بها الأعداء عن دينه، وهو رسول حين لم يثخِن في الأرض ولم يُعذِّب الأسرى، وحين راح يلتمس الأسباب للعفو عنهم، وهو بشرٌ إنسانٌ أبٌ حين سمع أن عليَّ بن أبي طالب يريد أن يتزوج على ابنته فاطمة؛ فيصيح: اللهم إني غاضب، اللهم إني غاضب، اللهم إني غاضب. فهو غاضب لأنه بشر، ولأنه يحب ابنته كما يحب البشر بَنِيهم وبناتهم، ولكنه نبي ورسولٌ أمين وشريف؛ لأنه لم يقل إن زواج عليٍّ بأخرى على فاطمة يغضب الله، أو أنه يخالف الدين، أو أنه يقع زواجًا باطلًا. وهو بشر حين تدمع عينه لموت ابنه، ولا يستطيع أن يخفي ألمه العميق للكارثة، وأية كارثة أفدح من فقدان ابنه وهو قطعة منه؛ فهو يبكي على رغم علمه أن ابنه رفع إلى الجنة التي يَعِدُ بها الله على لسانه المتقين من عباده، وأي عباده أعظم تقوى من طفل ما زالت الأكتاف تحمله؟ وهو يبكي لأنه بشر ولكنه رسول الله في القمة العليا من الإيمان ومن الثقة بربه وبدينه وبما أنزل إليه حين يحاولون تعزيته بقولهم: «إن الشمس خسفت لموت إبراهيم.» فإذا الرسول يقول: «أيها الناس، إنما الشمس والقمر آيتان من آيات الله وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس» (رواه مسلم). وهو بشر حين يتطيَّب حتى لا يشم الناس منه إلا أجمل رائحة، وهو رسول حين يأبى أن يترك لبنيه أي مال يعينهم على الحياة، وهو بشر حين يزور فاطمة ويجدها نائمة وبجانبها علي، إن غطى الرداء الذي يتدثران به الأقدام منهما كشف عن صدريهما، وإن غطى صدريهما كشف عن أقدامهما، وتأخذه الشفقة على ابنته وزوجها لأنه بشر، ولكن لأنه رسول لا يبحث لهما عن مال — لو طلبه لانهال عليه من المؤمنين — وإنما يقول لهما «ألا أدلُّكما على خير من هذا: قولا سبحان الله ثلاثًا وثلاثين مرة والحمد لله ثلاثًا وثلاثين مرة والله أكبر ثلاثًا وثلاثين مرة.» فلأنه رسول حمل كلمة الله التي تُطمئنُ القلوب دثَّر ابنته وزوجها بكلمات الله وطمأنينة القلب.

وكتب يهاجم دخول الحزب الشيوعي الانتخابات:

وهل هناك أكثر خبلًا من قوم يرشحون أنفسهم للانتخابات والأصوات التي يريدون أن يحصلوا عليها كلها أصواتٌ مؤمنة تؤمن بالله وباليوم الآخر، منهم المسلمون الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وخاتم النبيين ويقيمون الصلوات، ومنهم المسيحيون الذين قال عنهم سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (المائدة: ٨٢).

وكتب ردًّا لأحد الإخوة المسيحيين ردًّا على مقالة له: وأقدِّم بين يدي القراء هذا الخطاب الذي وصلني من الأستاذ حليم فريد تادرس:

استجابة لطلبك الغوص والإنقاذ بعنوان «وا أزهراه» (أهرام ٧ / ٨) وسؤالك أين أزهرنا؟ وهو أزهرنا أيضًا نحن — المسيحيين — أقباط مصر وليس أزهر المسلمين فحسب؛ لأنه أولًا: مجمع لحماية الدين الإسلامي الذي كفل لنا نحن — المسيحيين — حرية العقيدة والاعتقاد، وهما أسمى ما يملك الإنسان ووضع قوله تعالى: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ عنوانًا لمعاملاته مع غير المسلمين. ثانيًا: خطب فيه أقباط مصر سنة ١٩١٩م ضد الاستعمار الإنجليزي. وهو ثالثًا الذي خضع له الحكام والأمراء، وتزعَّم الحركات السياسية الكبرى وكان حربًا على الظلم والطغيان وعونًا على الحكام الظالمين حتى ٢٣ يوليو، وهو الذي حفظ ما بقي من التراث العلمي والعربي. رابعًا: وقاوم عوامل الانحلال والضعف والعجمة خلال العهد العثماني، وهو خامسًا ومن قبلُ ومن بعدُ جامعةٌ كبرى للتربية والتعليم الدينيين أقول استجابة لطلبك الغوص والإنقاذ، والآن الأزهر هو أزهر جميع المصريين.

آثرتُ أن أنشر هذا الخطاب من بين سيل الخطابات التي جاءت إليَّ، وقد أختلف مع الأستاذ حليم في بعض تفسيرات، ولكنني ولا شك معجب بخطابه هذا كل الإعجاب، وكم يسعدني أن أنشره مُعبِّرًا عن رأي إخواننا الأقباط الذي يعتبرون الأزهر حاملًا الرسالة القومية التي تُعين العرب أجمعين في شرق الأرض ومغاربها! وإني لأرجو أن يجد الأزهر في هذا المقال ما يستنهض عزيمته فيعود إلى الحياة العامة التي يفتقده فيها العرب فلا يجدونه، ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ (الأهرام ٢٨ أغسطس ١٩٨٩م).

وكتب في مقال يهاجم الإخوان المسلمين: أنتم تحاربون أقباط مصر على رغم أن رسول الله أوصانا بهم خيرًا. ولِم لا، وقد تزوَّج منهم؟!

وكتب مقالًا يستغيث فيه من تدهور اللغة العربية بين تلاميذ المدارس، وحتى بين خريجي الجامعات، وطالَب المسئولين بزيادة التركيز على حفظ الشعر؛ فهو سيقوم بنفس النتيجة، وإذا به يفاجأ برسائلَ كثيرةٍ تصله من آباءَ مسيحيين يطالبون فيها أن يحفظ أولادهم القرآن مع المسلمين ليتوافر لهم النطق الصحيح واللسان القويم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤