المنظمة الشيطانية١

أقوى علامة على إدبار الصهيونية العالمية أن دعاتها يهوشون الآن باسمها ويعترفون بوجودها.

كانت الصهيونية العالمية تعمل في الخفاء وهي واثقة من نجاحها مطمئنة إلى وسائلها التي تملكها في كلتا يديها، وكانت تفزع من ظهور هذه الوسائل؛ لأنها بطبيعتها لا تستطيع العمل في ضوء النهار.

ولا نزال نذكر الحوار الطويل الذي دار بين الكاتب الإنجليزي شسترتون وبين دعاة الصهيونية في إنجلترا؛ لأنه ردد كلمة اليهودية العالمية في بعض أقواله، وكان خلاصة ما كتبه أولئك الدعاة وكرروه أنهم يجلُّون أديبًا كبيرًا مثله أن ينخدع بالأوهام التي تتلقفها أفواه العامة على غير معرفة، فإن «اليهودية العالمية» شيء لا وجود له فيما زعموه.

أما اليوم فالخواجة «شاريت» يعلن وجود الصهيونية العالمية ويحتج على «شكوسلفاكيا» باسمها، ويكرر الاحتجاج بهذا الاسم في الخطب والتصريحات.

تلك ولا ريب علامة خير.

تلك علامة على أن الصهيونية العالمية تحتاج إلى إثبات وجودها ولفت النظر إليها، وعلامة على أن هذه الصهيونية العالمية تعمل بيديها على هدم البقية الباقية منها؛ لأن اليوم الذي تزول فيه هذه «المنظمة الشيطانية» هو اليوم الذي تنكشف فيه للنور.

إن الصهيونية العالمية آخذة في الضعف لأسباب كثيرة، ولكن الأسباب الدولية أهمها وأبقاها.

كان للصهيونية العالمية شأن كبير يوم كانت بريطانيا العظمى طرفًا أصيلًا في كل حرب عالمية، فكان الصهيونيون في أنحاء العالم يساومونها على المعونة الاقتصادية، وعلى نشر الدعوة لمصلحتها في أرجاء الكرة الأرضية.

إلا أن بريطانيا العظمى لن تكون اليوم طرفًا أصيلًا في الحروب العالمية أو المشكلات الكبرى.

إنما الطرفان هما الولايات المتحدة وروسيا الحمراء، ولا تستطيع الصهيونية العالمية أن تحارب الولايات المتحدة من معسكرها الأكبر في نيويورك؛ لأنها لو فعلت ذلك هدمت بيتها على رأسها، وتعرضت للاضطهاد المشروع بل للمذابح الشعبية.

وهي كذلك لا تستطيع تهديد روسيا؛ لأن الشيوعية سلاح من أسلحة الصهيونيين يمهدون به للسيادة على العالم، وقد رأينا نحن في مصر صهيونيًّا من أصحاب الملايين ينشر الدعوة الشيوعية ويشن الغارة على رأس المال.

وقد تعدل الصهيونية عن موقفها هذا مع روسيا فتحاربها وتشوه سمعتها، فلا تبالي روسيا من حملتها هذه شيئًا؛ لأنها حملة قائمة على كل حال.

هذه أهم الأسباب الدولية التي تؤذن بإدبار الصهيونية.

وإسرائيل نفسها سبب أقوى من كل سبب؛ لأنها مخلوق متنافر لا يعيش إلا ليثير الشغب من حوله ويجر البلاء على نفسه.

والبقية في حياتك يا خواجة شاريت.

وفي حياة بن جوريون وكل بن صهيون.

١  الأخبار: ٢٤ / ١٠ / ١٩٥٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤