عالم من الإسكندرية١

بأي بلدة وُلد الأسقف سرابيون؟ وبأي المدارس تعلم؟ وما هو تاريخ ميلاده؟ وهل هناك علاقة بين شارع سرابيون في الشاطبي بالإسكندرية، وبين هذا الأسقف؟ وهل صحيح أن مصر كانت بعد سنة ٣٣٠ بلدًا مسيحيًّا؟ وهل كان للأسقف سرابيون دور في هذا التاريخ …

إبراهيم محمد القرضاوي
سنهور المدينة

في تاريخ العصور الأولى للمسيحية نحو عشرين ناسكًا وقسًّا وقديسًا باسم سرابيون، ويلاحظ أن هذا الاسم من الأسماء التقليدية في مدينة الإسكندرية بعد انتشار المسيحية؛ لأنه اسم يجمع بين لفظ «السرابيوم» معهد الحكمة والعبادة القديم، وبين لفظ «سرافيم» الذي يُطلق على مَلَك من الملائكة المقربين.

ولكن أشهرهم جميعًا وأقواهم بأسًا سرابيون الهرقلي، الذي وُلد بمصر — ويرجح أنه وُلد بالإسكندرية — ثم عيَّنه يوحنا فم الذهب أسقفًا لكنيسة القسطنطينية، وكان مشهورًا بالصرامة والحزم، يشير على يوحنا فم الذهب دائمًا باستخدام «العصا» في تأديب القساوسة من أتباعه، وكان ينوب عنه في غيابه، ويشدد النكير على مخالفيه من رجال الكنيسة، بل كان يُبالغ في التنديد بمن يلومونه على شدته وتعاليه، كما صنع مع رئيسه سفريان الذي قال عنه: «إنه إن مات على دين المسيح فالمسيح لم يتجسد في هذه الدنيا.» فادعى عليه أنه أنكر التجسيد، وعمل على حرمانه وطرده من الأسقفية. وقد حمد له يوحنا فم الذهب هذا الصنيع، وعده من دلائل غيرته وصدق يقينه، فأقامه أسقفًا على هرقلة في «تراقيه» ولبث في منصبه حتى نفي يوحنا فم الذهب، فثار به خصومه وأخرجوه من المدينة، وأعادوه إلى الإسكندرية منفيًّا مغضوبًا عليه.

إلا أن الراجح من قرائن التاريخ أن سرابيون هذا غير سرابيون الذي بقي ذكره في الإسكندرية، وأن سرابيون الآخر هو سرابيون الملقب بالعلامة أسقف تمويس بمصر، وصديق القديس أثناسيوس والقديس أنطوني المشهور، وقد أوصى له ذلك القديس الكبير بأحد قميصيه من الجلد؛ إكرامًا له وتنويهًا بعلمه وتقواه، وتنسب إليه مؤلفات كثيرة يرد بها على المانوية والديانات المخالفة للمسيحية، وله شروح مستفيضة كان لها أثرها العظيم في زمانه؛ إذ يرى مؤرخو الكنيسة بمصر أن هؤلاء الأقطاب الثلاثة — أنطوني وأثناسيوس وسرابيون — كانوا عماد الكفاح الذي أدى بعد حين إلى تحرير النصرانية المصرية من سلطان الرومان.

وقد أصبحت المسيحية على المذهب المصري بعد عصرهم هي العقيدة الغالبة من الإسكندرية إلى بلاد النوبة، ولكنها لم تكن بطبيعة الحال عقيدة جميع المصريين بلا استثناء، فلم يزل في مصر مذاهب غير مذهب الكنيسة العامة إلى القرن السادس للميلاد، ومنهم مسيحيون ملكيون وأتباع للديانة المصرية القديمة، لا يفكرون كثيرًا في أمر الدين.

ولست أعرف مرجعًا يُفصل ترجمة سرابيون «العلامة» منذ ولادته إلى نشأته وولايته منصب الأسقفية، ويُفهم من ذلك أنه قد تعلم بالإسكندرية حيث تعلم غيره من رجال الدين.

١  الأخبار: ٧ / ١٢ / ١٩٥٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤