خَلق الأطفال١

… هل تصدقون أن العلماء يجربون خَلق الأطفال بالوسائل الصناعية في المعامل؟ وهل هذا ممكن في هذا الزمن أو بعد زمن طويل؟ وهل يليق بالرجل المؤمن بالله — مسلمًا كان أو على دين إلهي آخر — أن يفعل فعل هؤلاء العلماء المزعومين؟

أحمد سالم
المنصورة

إن البحث في تحليل الخلايا الحية، سواء كانت من خلايا التناسل أو من غيرها، عمل نافع جدير بعناية العالِم المؤمن بالله على أي دين؛ فإن العلم بخصائص الأجسام الحية، تحليلًا وتركيبًا، مصلحة إنسانية نستفيد منها؛ في تقوم البنية، وفي علاجها، وفي العلم بأسرار الخليقة التي يأمرنا الدين القيم بالكشف عنها ولا ينهانا عن البحث فيها.

ولكننا نعتقد أن العالم «البيولوجي»، الذي يظن أنه قادر بالتحليل الكيماوي أن ينقل خصائص الحياة، يجهل طبيعة المسألة التي يتصدى لبحثها، ويضيع أوقاته وتجاربه في غير جدوى.

فمن الجائز أن يطمع العالم في محاكاة الخلية الأولى بالتراكيب الكيماوية، ولكنه لا يستطيع أن يودع هذا التركيب خصائص الحياة الموروثة في أبسط الخلايا، فضلًا عن الأجسام المترقية التي تجمع الملايين من الخلايا، وتتفرع كل وظائفها من خلية واحدة تكمن فيها جميع الخصائص الموروثة عن الآباء والأجداد.

فليس بين الخلايا الناسلة فرق كبير في التركيب الكيماوي، ولكن إحدى الناسلات تخرج للحياة إنسانًا له في وجهه شامة كما كان لأبيه أو لجده، ومثلها ناسلة أخرى تخرج للحياة إنسانًا لا تظهر على وجهه هذه الشامة، وإن فرضنا — مجرد الفرض — أنهما يتشابهان فيما عدا ذلك من أجزاء التكوين، فما هي «الكمية» الكيماوية التي تكمن فيها هذه الشامة داخل جرم الخلية الصغير، وهو جرم لا يُرى بالعين، ويتسع فنجان القهوة لثلاثة آلاف مليون جرم مثله؟

ونقترب قليلًا من المشاهدات الحسية، فنقول إن مخ الإنسان لا يختلف كيماويًّا؛ سواء كان يعرف الرياضة أو يعرف الطب، فهل يُعقل أن العالم البيولوجي يخلق في المعمل مخًّا يعرف المعادلات الرياضية ولا يعرف شيئًا عن الطب، أو مخًّا يعرف الطب ولا يميز بين أرقام المعادلات، بالغًا ما بلغ إتقانه لمحاكاة الأجزاء الكيماوية من الدقة وتناسب الأجزاء؟

وبعد كل هذه المحاولات التي لا تفلح على ما نعتقد، هل تثبت من صنع الخلية الحية في المعمل أن الخالق غير موجود؟

إن الأنابيب والأحماض والمحلولات ودروس التشريح وعلم الحياة، تفسر لنا كيف اجتمعت الأجزاء التي تركبت منها الخلية الحية في المعمل الحديث.

فما الذي يفسر لنا تأليف الجسم الحي من العناصر المتفرقة بين جوانب الكون الواسع ملايين الملايين من المرات؟

إذا استطاع مخترع أن يركب الخلية على مثال معروف، فمن الذي استطاع أن يجمع هذه العناصر بمقاديرها التي لا تتفق بالمصادفة ولو بنسبة واحدة في عشرة ملايين.

إن كل خلية من البروتين تتألف من سلسلة، فيها بضع مئات من الحلقات، وإن كل حلقة هي تركيبة من ذرات نوشادرية، وإن الأحماض النوشادرية تبلغ نحو العشرين، ويجوز أن يقع كل منها موقعه مع اختلاف في النسبة والتركيب، ولكنها لا تُرى في بعض الأنسجة إلا على ترتيب واحد ونسبة واحدة، فكيف تم التوفيق بين هذه المصادفات؟

يقول الأستاذ ليتز Leathes إن هذه المصادفة كمصادفة الرصاصة التي تصيب حدقة الثور على بعد الأرض من المجرة، ولا تخطئها مرة واحدة في كل مليون مرة!

إن الكون الذي يفعل ذلك بغير حاجة إلى معمل الأستاذ البيولوجي، يثبت قدرة الخالق ولا ينفيها، وسيلهث الأستاذ البيولوجي عبثًا في خاتمة المطاف؛ لأنه سيجد الدليل الذي هرب منه واقفًا له أمام المعمل بالمرصاد.

١  الأخبار: ٢٥ / ٤ / ١٩٦٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤