صهيونيتان١

قسم بعض الكُتاب الصهيونية الأولى إلى قسمين: أطلقوا على أحدهما اسم الصهيونية الدينية، وعلى الآخر اسم الصهيونية السياسية، فيقولون إن الصهيونية الأولى حركة دينية، ترمي إلى السيطرة على فلسطين وجعلها دولة يهودية، مع إحياء تراث اللغة العبرية وآدابها. ويقولون عن الثانية إنها حركة سياسية، تهدف إلى إنشاء دولة مستقلة في فلسطين، يقوم دعاتها بجمع الأموال لصالحها وجلب اليهود إليها من البلاد كافة. فهل ترى سيادتكم ثمة فرقًا بين دولة يهودية ودولة صهيونية، أو بين هدف الحركة الأولى وهدف الحركة الثانية؟ هذه هي القضية التي شغلت فكري منذ مدة غير قصيرة، وذلك يرجع أولًا وأخيرًا إلى ندرة المؤلفات التي تعالج الصهيونية.

عبد اللطيف عبد الرحمن عنان
مدرس اللغة الإنجليزية بالمدارس الثانوية

الصهيونية كلها حركة سياسية في نشأتها الأولى؛ لأنها لم تعرف بين اليهود قبل قيام المملكة اليهودية في بيت داود — عليه السلام.

فقد بقيت أورشليم بعد موسى — عليه السلام — بعدة قرون ملكًا لليبوسيين، وسكنها معهم بنو بنيامين كما جاء في سفر القضاة إلى عهد كتابة هذا السفر، ثم تغلب عليها بنو يهوذا كما جاء في التوراة، فأحرقوها ولم يقيموا فيها، ثم جاء الملك يهواش من ذرية إبراهيم — عليه السلام — «فهدم سور أورشليم، وأخذ كل ما فيها من ذهب وفضة ورجع إلى السامرة»، كما جاء في الإصحاح الرابع عشر من سفر الملوك الثاني.

فلم تكن «صهيون» بأورشليم قبلة مقصودة عند اليهود قبل قيام المملكة الأخيرة، ويومئذ أصبحت موعدًا لعودة الملك مرة أخرى بعد زواله، واتفقت على ذلك كلمة الساسة المطالبين بالدولة وكلمة الكهان على السواء.

ولا فرق بين الصهيونية الدينية والصهيونية السياسية في النتيجة الواقعة، وإنما يقول الدينيون إن دولة صهيون الموعودة يقيمها مسيح منتظر من نسل داود؛ لأنهم لا يعترفون بالمسيح ابن مريم — عليه السلام — ولا يعتبرون أن الدولة السياسية تحقق أحلامهم المنتظرة في آخر الزمان، يوم يعود أبناء إسرائيل الغابرون من صدر إبراهيم، ويتسلمون مفاتيح السيادة على العالم أبد الآبدين ودهر الداهرين!

وقد يختلف السامريون والإسرائيليون أشد الاختلاف في تأويل كلمات التوراة، ولكن السامريين — مع هذا — لا يكرهون قيام الدولة اليهودية حيث يقوم على أية صورة من الصور؛ لأنهم يؤجلون تحقيق الأحلام المنتظرة إلى المستقبل، ويتقبلون الواقع كيفما اتفق؛ لأنه تمهيد يتلوه تمكين وتوكيد، وهو عندهم خير من ترك الأمر كله للمستقبل البعيد.

١  الأخبار: ٢٤ / ٨ / ١٩٦٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤