تاريخ الموسيقى العربية١

من مؤلفات هذه السنة كتاب من سلسلة بليكان، وصل إلى القاهرة هذا الأسبوع، يبحث صاحباه في تاريخ الموسيقى، وهما من المتخصصين لهذه المباحث بدراستهما العلمية، ومعها دراسة الفن وتاريخه والمساهمة في أعمال المجامع العليا وتأليف الموسوعات.

ونحن نستغفر لهذين الباحثين أصحابنا الفطاحل من علماء الشرق الغيورين، الذين غضبوا علينا — كما سيغضبون عليهما — لإثبات فضل الحضارة العربية القديم على حضارات الكلدانيين والعبرانيين واليونانيين، ولكننا نرحب بجريمة الشريكين الجديدين؛ لأنها ستخفف عنا كثيرًا من حمل جريمتنا المنكرة، وبخاصة حين يقولان في مفتتح كلامهما عن موسيقى البلاد العربية، التي لا يقطعان برأي في أصول سكانها الأقدمين:

إن شبه الجزيرة العربية تقع بين وادي النيل ووادي النهرين، وكانت مركز حضارة ترجع إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، ونعلم من حفائر أقاليمها الجنوبية أنها كانت ذات مدن هامة في بواكير الألف السابقة للميلاد.

ثم يقولان:

إن بلاد العرب — وهي مركز تجارة كبيرة في العالم القديم — كانت على اتصال وثيق بالأمم التي تحيط بها، كالعراق وإسرائيل واليونان، وقد ساعد النفوذ العربي على تكوين ثقافات هذه الأمم، واقتبس العرب من جانبهم كثيرًا منها، ولا سيما العراق …

وأدهى من ذلك …

نعم أدهى من ذلك أن المؤلفين يرجحان عند غموض كل أصل من أصول البدع الموسيقية المستحدثة أنها منقولة — كالعادة — من ينابيع الشرق الحديث!

ولم نكد نفرغ من قراءة هذا الكتاب، حتى روت لنا أخبار اليوم — هذا الصباح — خبرًا بعنوان «ثلاثة قرود» تقول فيه إن هذه القرود «بدأت أول تجربة من نوعها يمكن أن تؤدي إلى انقلاب في عالم الصناعة، فقد تسلمت أعمالها أمس في ورشة فريدمان لإنتاج الأثاث بعد أن ثبتت كفاءتها للعمل، وكان المدير الذي نجح في تدريبها على العمل يفكر في استخدام ثلاثة وعشرين قردًا أخرى لتشغيل الورشة تحت ملاحظة رجلين فقط …»

نقول — وقلبنا عند الدكتور مندور — إننا آسفون لأننا قد أثبتنا فضل قرود الشرق على هذه القرود الأمريكية قبل نحو عشرين سنة، وقلنا (صفحة ١٥١) من كتاب هذه الشجرة:

في الهند تكثر القردة ويكثر من قديم الزمن من يستغلون ذكاءها وقدرتها على التعلم؛ فيعلمونها بعض الحيل المضحكة وبعض الحركات البهلوانية، وخطر لهم … أن يستغلوا هذه القدرة فيما هو أنفع وأجدى، وأن يجربوا تدريب القردة على تحريك أنوال النسيج، وهو أسهل وأبسط من كثير من الحركات البهلوانية المعقدة، التي تحذقها ولا تخطئ فيها بعد المرانة عليها، ففعلوا ونجحت القردة في إدارة مصنع صغير يشتمل على عدة أنوال.

فماذا نقول في هذه القردة الخبيثة؟

لو كان هذا الخبر ابن يومه، لجاز أن نكتمه لكيلا يقال إننا نحابي الشرق في ذكر السوابق والمآثر والتقاليد، ولكننا لا نملك الآن كتمان خبر قد أفلت من القلم — وا أسفاه — قبل نحو عشرين سنة، فكل ما بقي لنا من فنون التشكيك العلمي — الأصلي — أن نتهم قردة الهند في تطبيق الأساليب «المنهجية» لصناعة النسيج، وأن الأساليب «المنهجية» أربعة وعشرين قيراطًا إنما هي من تحقيقات هذه القردة الحديثة من نوابغ تكساس!

فماذا يقول مندور وغندور على داير ما يدور؟

قرود من الهند سبقت بهذه الألاعيب قبل عشرين سنة، وأستاذان من الغرب يرددان تلك النغمات قبل نهاية هذه السنة، ولا بد في الأمر من سر مستور، وخبر مشكوك فيه، ولو أنه قديم منشور.

١  الأخبار: ١٦ / ١١ / ١٩٦٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤