الفصل الثالث

جيني تُجري مقابلةً مع موظفٍ مذعور

كانت الساعة قد تجاوزت السابعة بقليلٍ عندما توقفت عربة الآنسة باكستر أمام المنزل المكوَّن من طابقَين في روبرت سكوير، الذي يحمل رقم ١٧. فطرَقَت الباب، وسرعان ما فتحه رجل تبدو آثارُ القلق على وجهه المُتجهِّم، تبيَّن فيما بعد أنه هازل نفسُه، الكاتِب في مجلس الإنشاءات العامة. ومن ثمَّ تجرَّأت على الدخول وهي تسأله: «أنت السيد هازل، أليس كذلك؟»

أجاب الرجل الذي من الواضح تمامًا أنه فُوجئ برؤية سيدة بدلًا من الرجل الذي كان يتوقَّعه في تلك الساعة: «نعم، لكن يُؤسِفني أن أطلب منك المغادرة؛ فأنا أنتظر زائرًا تأخَّر بضع دقائق، وقد يصل هنا في أي لحظة.»

«أنت تنتظر السيد ألدر، أليس كذلك؟»

تمتم الرجل، وقد تحوَّلت الدهشة على وجهه إلى ذُعر: «نعم.»

قالت الآنسة جيني وهي تُحاول أن تُطمئنه: «أوه، حسنًا، اطمئن، لقد قدمتُ للتوِّ من مكتب صحيفة دايلي بيجل كي أُخبرك أن السيد ألدر لن يتمكن من مُقابلتك الليلة.»

قال هازل وهو يُغلق الباب: «إذن، هل أنتِ هنا بدلًا منه؟»

«أنا هنا بدلًا منه؛ فالسيد ألدر لديه أعمالٌ أخرى عليه القيام بها بناءً على طلب رئيس التحرير. والآن، فإن السيد هاردويك، وهو رئيس التحرير كما تعلم.»

أجاب هازل: «نعم، أعلم.»

في تلك اللحظة جلس كلاهما في الردهة الأمامية.

فقالت: «حسنًا، إنَّ السيد هاردويك قلق جدًّا بشأن ضرورة تقديم الأرقام بدقة مُطلقة.»

صاح الرجل: «بالطبع سيكون ذلك أفضل بكثير، لكن كما ترين، لقد بحثتُ الأمر بدقةٍ مع السيد ألدر بالفعل، وقال إنه سيذكر ما قلتُه لرئيس التحرير، ويُوضِّح موقفي أمامه.»

قالت الآنسة باكستر: «لقد فعل ذلك، وعلى نحوٍ فعَّال للغاية؛ في الحقيقة، إن أسبابك مُقنعة تمامًا؛ فأنت تخشى، بالطبع، أن تفقد منصبك، وهذا أمر مُهم للغاية، ولا يتمنَّى أحد في مكتب صحيفة بيجل أن تُعانيَ بسبب ما فعلته. وبالطبع، كل هذا في سبيل المصلحة العامة.»

تمتم هازل، وهو ينظر إلى أسفل على المنضدة: «بالطبع، بالطبع.»

«حسنًا، هل كل الوثائق لديك جاهزة بحيث يمكن نشرُها في أي وقت؟»

أجاب الرجل: «جاهزة تمامًا.»

قالت الفتاة بحسْم: «حسنًا، ها هو مبلغ الخمسين جنيهًا الذي طلبته. فقط عُدَّ النقود، وتأكد من صحة المبلغ؛ فقد أخذت المُغلَّف كما سُلِّم إلي، ولم أتأكد من المبلغ بنفسي.»

أفرغَت الجنيهات الذهبية على المنضدة، وأخذ هازل، بأصابعه المُرتجفة، يَعدُّهم اثنَين وراء اثنين.

قال وهو ينهض: «المبلغ صحيح تمامًا.» ثم ذهب إلى الدُّرج، وفتح قُفله، وأخرج مظروفًا طويلًا أزرق اللون.

وقال مع تنهيدةٍ أقربَ ما تكون إلى لهثة: «ها هي، هناك أرقام وشرح كامل لها. ويجب أن تحرصي تمامًا على ألا يظهر اسمي في أيِّ حالٍ من الأحوال.»

قالت الآنسة جيني وهي تسحب الأوراق بهدوءٍ من مظروفها: «بالتأكيد، لا أحد يعرف اسمك باستثناء السيد ألدر والسيد هاردويك وأنا، ويُمكنني أن أؤكد لك أنني لن أذكره لأي شخص.»

ثمَّ ألقت نظرةً سريعة على الوثائق.

وقالت وهي تنظر إليه: «سأقرأ فقط ما كتبتَه، وإذا كان فيها أيُّ شيءٍ لا أفهمه، فربما تتكرَّم عليَّ بتوضيحه الآن، حتى لا أحتاج إلى المجيء إلى هنا مرةً أخرى.»

قال هازل: «حسنًا.» ولم يشكَّ الرجل في أن زائرته لم تكن من فريق التحرير في الصحيفة التي كان يتفاوض معها؛ حيث كانت واثقةً من نفسِها تمامًا، وأظهرت أنها على دراية كبيرة بجميع التفاصيل التي ناقشها مع ألدر، لدرجة أنه لم يُساور الكاتبَ أدنى شكٍّ في شخصيتها.

قرأت جيني الوثائق بسرعةٍ كبيرة، فهي تعلم أنها تُخاطر بالبقاء هناك بعد الساعة السابعة. إذ قد يأتي ألدر إلى بريكستون لإبلاغ الرجل بنتيجة حديثه مع رئيس التحرير، أو ربما يكون السيد هاردويك نفسُه قد غيَّر رأيه، وأمر مرءوسَه بالحصول على الأوراق. ومع ذلك، لم يكن هناك أيُّ مؤشر على التسرُّع في سلوك الآنسة جيني لأنها أعادت الأوراق إلى مظروفها الأزرق وودَّعت هازل القلِقَ ثم غادرت.

وهكذا استقلَّت العربة مرةً أخرى ثم أمرت السائق بالتوجُّه إلى تشارينج كروس، وعندما كانت على بُعد عشر دقائق من روبرت سكوير، غيَّرت اتجاهها وطلبت منه أن يأخذها إلى مكتب صحيفة «إيفنينج جرافيت»، حيث كانت تعرف أن السيد ستونهام مُنشغل بمقاله الرئيسي، وربما ينتظر بصبرٍ نافدٍ مزيدًا من التفاصيل عن المؤامرة التي سيكشفها للجمهور. كانت غرف التحرير في مكتب صحيفة «إيفنينج جرافيت» مُضاءة، وهو أمر دائمًا ما يُثير الشكَّ في مؤسَّسةٍ من هذا النوع، ومن شأنه أن يجعل رئيس تحرير أي صحيفةٍ مسائية منافسة يرتجِف، حينما يقع نظره على ضوءٍ في مكانٍ يجب أن ينتهي عمل اليوم به في موعدٍ أقصاه الساعة الخامسة؛ إذ عادةً ما يُشير الضوء في غرفة الصحفي المُشتغل بصحيفةٍ مسائية إلى انشغاله بخبرٍ مُهم.

ومِن ثَمَّ أظهرت نظرة سريعة على الأوراق التي أحضرتها الآنسة باكستر إلى السيد ستونهام أنه قد حصل على ما يستحقُّ خمسين جنيهًا على الأقل، وأن صحيفته ستُحلِّق عاليًا في اليوم التالي، ولذا قام بالترتيبات قبل مُغادرته، لإصدار الصحيفة في وقتٍ أبكر بقليلٍ مما كان مُعتادًا، وحساب وقتِه بدقة، بحيث لا تتمكن الصحف المنافسة من نشر هذا السَّبْق الصحفي في طبعتها الأولى، نقلًا عن صحيفة «جرافيت»، التي ستُحقِّق أعلى مَبيعاتٍ في الشارع، مع صياح بائعي الصحف: «فضيحة مُروِّعة»، قبل ظهور أي صحيفةٍ مسائية أخرى. وهو ما تحقَّق بالفعل في اليوم التالي بدقة رائعة.

وقد استبقى السيد ستونهام، بحِرَفية تستحقُّ كلَّ الثناء، جزءًا صغيرًا من سجلِّ الأرقام التي كانت بحوزته ولم ينشُرها في الطبعة الأولى، حتى يتمكن من نشرِها فيما يُسمَّى بالطبعة الرابعة، ومن ثمَّ وضع في الطبعة الثانية الكثير من المحتويات، مع مانشيتات برَّاقة وضخمة باللون الأسود، «مزيد من الكشف عن فضيحة مجلس الإنشاءات»، ومقاله الافتتاحي اللاذع، الذي طالَبَ فيه مُنزعجًا بإجراء تحقيقٍ برلماني حول سلوك مجلس الإنشاءات، والذي اعتبر، حتى من قِبل أصدقاء تلك الهيئة العامة، أنه قد زعزع الثقة بالمجلس. وقد استقبلت الصحفُ المسائية الأخرى هذه الأخبارَ على نحوٍ أرضى السيد ستونهام للغاية. فقد تجاهلتها تمامًا صحيفةٌ أو اثنتان، ولمَّحت إليها صُحف أخرى على أنها شائعة، وأنها «زعمت» كذا وكذا، وألقَوا بظلالٍ من الشكِّ على حقيقتها، وهو بالضبط ما تمنَّى السيد ستونهام أن يفعلوه؛ لأنه كان في وضع يسمح له بإثبات دقة ما نشره.

وعلى الفور، في تمام الساعة الخامسة بعد ظهر ذلك اليوم، توقفت عربة تجلس بداخلها الآنسة جيني باكستر أمام المدخل الجانبي لمكتب صحيفة «دايلي بيجل»، واقتربت الفتاة مرةً أخرى من الحارس الأيرلندي، الذي خرج مرةً أخرى من عرينه لاستقبالها.

قال الأيرلندي، مُحييًا ومُستفسرًا، في ذات الوقت: «آنسة باكستر؟» فقالت الفتاة: «نعم.»

«حسنًا، لقد أعطاني السيد هاردويك أوامرَ صارمة بأنكِ إذا أتيتِ، أو على وجه الدقة، عندما تأتين، يجب أن أقودكِ إلى مكتبه في الحال.»

صاحت الآنسة جيني: «أوه، هذا مُرضٍ للغاية، ويختلف نوعًا ما عن طبيعة الأمور بالأمس.»

قال الحارس بصوتٍ خفيض: «بالفعل، هذا صحيح، فاليوم ليس مثل الأمس على الإطلاق؛ فهناك خلافات كبيرة في هذا المكتب، على الرغم من أنني ليست لديَّ أيُّ فكرةٍ عن سببها، وهناك حركة غير طبيعية، مع الكثير من السِّباب واللعنات. وقد أتى مالك الصحيفة نفسُه إلى هنا، وما زال موجودًا حتى الآن، في حين خرج السيد ألدر منذ دقيقةٍ ووجهُه شاحِب مثل ورقةٍ بيضاء.» وأضاف الحارس، بالصوت الخفيض نفسِه، وهو يتوقَّف على السُّلَّم: «وهم يقولون إنَّ السيد هاردويك لن يستمر رئيسًا للتحرير بعد الآن، وأن السيد ألدر سيحلُّ محله. على أية حال، وبقدْر ما أستطيع أن أُخمِّن، لقد تعرَّض السيد هاردويك والسيد ألدر لإخفاقٍ كبير، ومن المُحتمَل أن يترك أحدهما الصحيفة.»

قالت الآنسة جيني وهي تتوقَّف أيضًا على السُّلَّم: «أوه يا عزيزي! هل الأمر بهذه الخطورة؟»

«إنه كذلك بالفعل، ولا أحدَ منَّا يعرف ما سيصِل إليه الحال على الإطلاق.»

قادها الحارس نحو مكتب السيد هاردويك وأبلغه بقدوم الزائرة.

وسمِعَت رئيسَ التحرير يقول: «اطلُب منها الدخول.» وفي اللحظة التالية تركهما الحارس معًا بمفردهما.

قال السيد هاردويك، مع عدم وجود أثرٍ للغضب في صوته، على عكس ما كانت تتوقَّع: «تفضلي بالجلوس يا آنسة باكستر. لقد كنتُ في انتظاركِ. قلتِ إنكِ ستأتين هنا في الخامسة، وأنا أُحبُّ الالتزام بالمواعيد. سأختصر المسافات ودون مُواربة، أتصوَّر أنكِ من منحتِ صحيفة إيفنينج جرافيت السَّبْقَ الصحفيَّ الخاص بفضيحة مجلس الإنشاءات العامة، أليس كذلك؟»

قالت الفتاة وهي تجلس: «بلى، لقد جئتُ لأُخبركَ أنني اشتريتُ تلك المعلومات المُثيرة للاهتمام من أجل صحيفة جرافيت.»

«هذا ما توقعتُه. لقد قابل زميلي هنري ألدر عصر اليوم السيد هازل في مقر مجلس الإنشاءات. وقد أُصيبَ الرجل الطيب هازل بالذُّعر من الضجة الكبيرة الذي تسبَّب فيها، وهو في حالةٍ نفسية سيئة للغاية، لا سيَّما عندما عَلِمَ أن وثائقه قد ذهبتْ إلى مكانٍ غير مُتوقَّع. ولحُسن حظه، اكتظَّ مقر المجلس بالصحفيين الذين يرغبون في الحصول على تصريحاتٍ من هذا الرجل أو ذاك بشأن الفضيحة، وبالتالي لم يكن من المُحتمَل ملاحظةُ زيارة ألدر إلى هازل أو التعليق عليها. وقد أعطى هازل وصفًا واضحًا للفتاة الجميلة التي أخذت منه الوثائق بمهارة، ودفعت له المبلغ المُحدَّد المُتفَق عليه بالطريقة الدقيقة التي كان يجب دفعُه بها. إن ألدر لم يَرَكِ، ولم تكن لديه أدنى فكرة عن كيفية تسرُّب الأخبار المهمة من بين أصابعه؛ لكن عندما أخبرني بما حدث، عرَفتُ على الفور أنكِ الفاعلة، ولذا كنتُ في انتظاركِ. هل يُسمَح لي بالتعبير عن رأيٍ مفاده أنكِ لم تُجيدي اللعب بأوراقك على الإطلاق يا آنسة باكستر؟»

أجابته قائلة: «أعتقد أنني لعبتُ بأوراقي على نحوٍ أفضلَ بكثيرٍ مما فعلتَ أنت، كما تعلم.»

«أوه، أنا لا أُجري أي مقارنة، ولستُ أضع نفسي على الإطلاق كنموذجٍ يُحتَذى في براعة التخطيط والتدبير. وأعترفُ أنني، رغم امتلاك البطاقات الصحيحة في يدي، لعبتُ بها على نحوٍ سيئ للغاية؛ ولكن في ذلك الوقت، كما تعلمين، كنتُ أعتقد أنني مُتأكد من وجود خبرٍ حصري.»

«لا يُعتبَر الخبر حصريًّا يا سيد هاردويك إلا بعد نشره، وخروج الصحيفة إلى الشوارع، قبل حصول الصحف الأخرى عليه.»

«هذا صحيحٌ للغاية، وله إيجاز القول المأثور. أودُّ أن أسأل يا آنسة باكستر، كم دفعَت لكِ صحيفة جرافيت مقابل هذا المقال بالإضافة إلى الخمسين جنيهًا التي قدَّمتِها إلى هازل؟»

«أوه! لم تكن المسألة بالنسبة لي ذاتَ صِلة بالمال. لم يُناقَش حتى الموضوع. فالسيد ستونهام لا يُغدق أمواله بسخاء، ولهذا أرغبُ في العمل بصحيفةٍ يتَّسِم أصحابها بالسخاء. وما كنت أرغب في فِعله هو إقناعك بأنني سأكون إضافةً قيِّمة إلى فريق تحرير صحيفة بيجل؛ إذ تعتقد أن الفريق بالفعل كامل ووافٍ.»

«أوه، إن فريقي غير مَلوم في هذا الأمر؛ يقع اللوم عليَّ وحدي لكوني مُتأكدًا من موقفي أكثر من اللازم، ولم أُدرك خطر التأخير في مثل هذه الحالة. ولكن لو كنتِ أحضرتِ الوثيقة إليَّ، لوجدتِني إلى حدٍّ بعيد أفضلَ عميلٍ لكِ. كنتِ ستُقنعينني تمامًا كما فعلتِ الآن بأنكِ فتاة في حالة تأهُّبٍ شديد، وأنا بالتأكيد كنتُ على استعدادٍ لمنحكِ أربعة أو خمسة أضعاف ما يُمكن أن تدفعه صحيفة جرافيت.»

«في الحقيقة، لقد فكرتُ في ذلك بينما كنتُ أقف هنا بالأمس، لكنني رأيتُ أنكَ رجل يصعُب التعامُل معه أو إقناعه، ولم أجرؤ على إبلاغك بأن الأخبار في حوزتي. فربما تستدعي السيد ألدر بكلِّ سهولةٍ وتُخبره أن هازل قد تخلَّى عن الوثائق، وتُرسله إلى بريكستون على الفور، حيث من المُحتمل جدًّا أن يكون لدى الكاتب نسخةٌ أخرى منها. وعندئذٍ، كانت فرصة النشر في أي صحيفة صباحية أخرى ستضيع، وحتى لو لم تضِع، كنتَ ستنشُر الخبر في صحيفتك أنت أيضًا، ومن ثمَّ لن يُصبح النصر كاملًا مثلما هو الآن. لا، لم أستطع تحمُّل مثل تلك المخاطرة. لقد فكرتُ في كل شيء بعناية فائقة.»

«أنتِ تنسِبين لنا قدراتٍ أكثر ممَّا نمتلِك يا آنسة باكستر. يُمكنني أن أُؤكِّد لكِ أنكِ لو كنتِ قد أتيتِ إلى هنا في الساعة العاشرة أو الحادية عشرة ومعكِ الوثائق، لأصبحتُ مُجبرًا على شرائها منكِ. ومع ذلك، فقد انتهى كل هذا الآن، ولا فائدة من قول أي شيءٍ آخَر عنه. أنا على استعداد لتحمُّل كل اللوم عن هزيمتنا، ولكن هناك بعض الأشياء الأخرى التي لستُ على استعدادٍ للقيام بها، وربما أنتِ الآن في وضعٍ يسمح لكِ بتوضيح القليل من سوء الفَهم الذي حدث في هذا المكتب. أفترضُ أنكِ من المؤكَّد قد سمعتِ المُحادثة التي جرَتْ بيني وبين السيد ألدر في هذه الغرفة عصر الأمس، أليس كذلك؟»

قالت الآنسة باكستر، وقد أصابها الارتباكُ لأول مرة: «حسنًا، أؤكد لك أنَّني لم أحضر إلى هنا بنية الاستماع إلى أيِّ شيء. لقد وصلتُ إلى الغرفة المجاورة بنفسي؛ بغرض رؤيتك في أقرب وقتٍ ممكن. كما أنني لستُ من أعضاء فريق تحرير صحيفة إيفنينج جرافيت، إلا أنَّ تلك الصحيفة تنشُر لي كل العمل الذي يُمكنني القيامُ به، ولذا فإنني أعتبر نفسي مُلزمةً بإبقاء عينَيَّ وأُذنَيَّ مفتوحتَين نيابةً عنها أينما كنتُ.»

قال هاردويك: «أوه، لا أريد أن ألومكِ على الإطلاق، أريد فقط أن أتأكَّد من كيفية إخفاقنا في الحصول على هذا السَّبْق. وكما قلتُ، أنا على استعدادٍ لتحمُّل اللوم كاملًا. لا أعتقد أنني كنتُ سأستخدِم معلوماتٍ جرى الحصولُ عليها بهذه الطريقة، ومع ذلك لا أريدُ أن أُوجِّه لكِ اللوم على تصرُّفكِ.»

صاحت الآنسة جيني بانفعالٍ إلى حدٍّ ما: «تُوجِّه لي اللوم! سيكون هذا بالفعل مثل القِدْر الذي يُعاير الغلَّاية لأنها سوداء اللون. عجبًا، أتظنُّ أنك أفضلُ مني؟ لقد كنتَ تُقدِّم رِشوة لرجل فقير كي يُزوِّدك بإحصائيات، وهو مُتردِّد جدًّا في السماح لك بذلك؛ ومع هذا، فقد تغلبتَ على تردُّده بالمال، وطالبته بأن يُخاطر بمصدر رزقِه، من أجل أن تحصُل أنت على الأخبار. إذا سألتني، فأنا لا أرى فارقًا كبيرًا في موقف كلٍّ منَّا، ويجب أن أقول إنه إذا خاطر رجلان بالتحدُّث بصوتٍ عالٍ عن سر، بينما هناك باب مفتوح يُؤدي إلى غرفة أخرى، قد تكون خاليةً وقد لا تكون، فهما شخصان في غاية الغباء.»

أجاب هاردويك بهدوء: «أوه، هذا صحيح تمامًا. لقد تنصلتُ بالفعل من مسئوليتي عن هذا الموقف المُتأزِّم. لكن النقطة التي أرغبُ في التأكُّد منها هي: هل سمعتِ المحادثة بيني وبين ألدر؟»

«نعم فعلت.»

«هل يُمكنكِ تَكرارها؟»

«لا أظنُّ أن بإمكاني تَكرارَها كلمةً بكلمة، ولكن يُمكنني بالتأكيد قولُ مضمونها.»

«هل لديكِ أيُّ اعتراضٍ على إخبار الرجل الذي سأستدعيه الآن بما قاله ألدر وما قلتُه أنا قدْر الإمكان؟ يُمكنني أن أُضيف أن الرجل الذي أتحدَّث عنه هو السيد هيمستيد، وهو في حُكم مالك الصحيفة، وقد نشأ بيني وبين السيد ألدر تبايُن طفيف في الذاكرة، إذا جاز لي أن أُسميه كذلك، ويبدو أنكِ الشخص الوحيد الذي يُمكنه تسويةُ النزاع.»

«أنا على استعدادٍ تام لإخبار أي شخصٍ بما سَمِعتُه.»

«شكرًا جزيلًا.»

ضغط السيد هاردويك على زرٍّ كهربائي، فجاء سكرتيره من غرفةٍ أخرى.

«من فضلك اطلب من السيد هيمستيد أن يحضر إلى هنا، إذا كان في غرفته.»

في غضون بضع دقائق، جاء السيد هيمستيد وانحنى بقوةٍ إلى حدٍّ ما تجاه السيدة مُحييًا إيَّاها، لكنه تجمَّد على الفور عندما سمع أنها كانت الشخصَ الذي منح سَبْق فضيحة مجلس الإنشاءات العامة إلى صحيفة «إيفنينج جرافيت».

وقال هاردويك: «لقد علمتُ لتوِّي يا سيد هيمستيد أن الآنسة باكستر كانت في الغرفة المجاورة عندما كنَّا نتحدَّث أنا وألدر حول هذا الأمر. وقد سمِعَت المحادثة. وأنا لم أطلبُ منها أن تُكرِّرها، لكنني أرسلتُ إليك في الحال، وهي تقول إنها مُستعدة للإجابة عن أي أسئلةٍ قد تطرحها.»

«في هذه الحالة يا سيد هاردويك، ألن يكون من الجيد وجودُ هنري ألدر هنا؟»

«بالتأكيد، إذا كان في المبنى.» ثم التفتَ إلى سكرتيره وقال: «هل يُمكنك معرفة ما إذا كان السيد ألدر في غرفته؟ أخبره أن السيد هيمستيد يرغب في رؤيته هنا.»

عندما جاء هنري ألدر، وانصرف السكرتير، اكتشفتِ الآنسة باكستر في الحال أنها في وضعٍ لا تُحسَد عليه؛ لأنه كان واضحًا تمامًا أن الرجال الثلاثة نادرًا ما يتحدَّث أحدهم إلى الآخر. ولا شيءَ يُسبِّب حالةً من التوتر في مكتب صحيفة مثل فقدان السَّبق في خبرٍ مُهم.

فاقترح هاردويك: «ربما يكون من الأفضل لو كرَّرَتِ الآنسة باكستر المُحادثة كما سمِعَتْها.»

قال السيد هيمستيد: «لا أرى فائدة من ذلك، هناك نقطة واحدة فقط هي مثار الخلاف. هل حذَّر السيد ألدر السيد هاردويك من أنه قد يفقد سبْقَ نشرِ هذا التقرير إذا تأخَّر في الحصول عليه؟»

أجابت الفتاة: «تقريبًا هذا هو ما حدث، حسبما أتذكَّر، لقد قال: «ألا يُوجَد احتمال من أن تحصل جريدة أخرى على هذا؟» فأجاب السيد هاردويك: «لا أعتقد ذلك. ليس خلال ثلاثة أيام على الأقل.» ثم قال السيد ألدر: «حسنًا» أو «جيد جدًّا» أو شيئًا من هذا القبيل.»

قال هاردويك موافقًا: «هذا يتوافق تمامًا مع ما أذكره عن الأمر؛ وأُقِرُّ بأنني المَلوم، لكنني أقول بلا ريبٍ إن السيد ألدر لم يُحذِّرني بالتأكيد من أن السَّبْق سيضيع علينا.»

صاح ألدر بتأكيدٍ من رجلٍ غاضب: «بل قلتُ لك إنه سيضيع إذا تأخرت، وقد ضاع. لقد كنتُ أتعقَّب هذا السَّبْق لمدة أسبوعَين، ومن المُزعج للغاية أن أفقده في آخرِ لحظة دون أي خطأٍ مني.»

قال السيد هيمستيد ببرود: «مع ذلك، لا تتَّفِق روايتك تمامًا مع ما تقوله الآنسة باكستر.»

قال ألدر: «أوه، حسنًا، لم أتظاهر أبدًا بإعطاء الكلمات الدقيقة. لقد حذَّرته ولم يستجب للتحذير.»

«أنت تُقِر، إذن، أن ما ذكرَتْه الآنسة باكستر من المحادثة صحيح؟»

«إنه صحيح تقريبًا. أنا لا «أجادل» بالكلمات.»

قال السيد هيمستيد بشيءٍ من الصرامة: «لكنك جادلتَ بالكلمات منذ ساعة؛ هناك فارقٌ بين الإقرار بحسمٍ أن الخبر سيضيع، وبين مجرد الاقتراح بأنه قد يضيع.»

قال ألدر بعدوانية: «أوه، فَسِّرْها كما يحلو لك، لا يُهِم على الإطلاق بالنسبة لي. إنه لأمر مُزعج للغاية أن تعمل بجِدٍّ لمدة أسبوعَين، ثم يضيع كل شيءٍ بقرار أحمق من رئيس التحرير. ومع ذلك، كما قلت، لا يُهِمني قرارك. لقد استلمتُ العمل في صحيفة دايلي ترمبت، ويمكنك اعتبار مكاني في بيجل شاغرًا.» وبعد أن قال جملته هذه، وضَع السيد ألدر الغاضب قُبعته على رأسه وغادر الغرفة.

بدا السيد هيمستيد مُنزعجًا من المناقشة، ولكن للمرة الأولى، ابتسم السيد هاردويك بتجهُّم.

وقال: «أنا أُصِرُّ دائمًا على الدقة، وعدم وجودها هو أحد إخفاقات ألدر.»

فاستفسر المالك بقلق: «ومع ذلك يا سيد هاردويك، لقد فقدتَ أحد أفضل رجالك. كيف ستُعوضه؟»

أجاب هاردويك بإلقاء نظرةٍ على الآنسة باكستر: «لا تُوجَد صعوبة كبيرة في تعويض حتى أفضل رجل في أي فريق تحرير في لندن، وبما أن هذه السيدة تبدو وكأنها تتمتَّع برباطة جأش قوية تجعلها تُحافظ على يقظتها وتأهُّبها عندما يتصل الأمر برفاهية صحيفتها، فسأُعيِّن الآنسة باكستر مكان هنري ألدر إذا لم يكن لديك اعتراض؟»

عقد السيد هيمستيد حاجبَيه قليلًا، ونظر إلى الفتاة بشيءٍ من الرِّيبة.

ثم غمغم قائلًا: «كنتُ أعتقد أنك لا تُؤمن بعمل المرأة كصحفية يا سيد هاردويك.»

«كنتُ كذلك حتى اليوم، ولكن بعد صدور الصحف المسائية، أصبح لديَّ سببٌ لتغيير رأيي. وأنا أُفضِّل أن تكون الآنسة باكستر معي وليست ضدي.»

فسألها المالك في ارتياب: «هل تعتقدين أنه يُمكنكِ شغل هذا المنصب يا آنسة باكستر؟»

أجابت الفتاة: «أوه، أنا متأكدة من ذلك، ولطالما أردتُ مكانًا في صحيفةٍ مرموقة مثل بيجل.» فابتسم السيد هاردويك مرةً أخرى بتجهُّم. التفتَ إليه المالك وقال: «أنا لا أفهم تمامًا يا سيد هاردويك ما يمكن أن تفعله سيدة في هذه الصحيفة خارج نطاق الأقسام المُعتادة.»

«أعتقد أنه لن تكون هناك أي مشكلة بشأن ذلك يا سيد هيمستيد؛ فعلى سبيل المثال، مَن الذي يُمكن أن يمتلك أفضل مهاراتٍ تُمكِّنه من محاولة حل تلك المسألة المُعقدة حول ماسات الأميرة فون شتاينهايمر؟»

صاح هيمستيد وعيناه تتألَّقان من الإثارة: «يا إلهي! إنها فكرةٌ رائعة. أتخيل أنه إذا تمكَّن أي شخصٍ من حلِّ ذلك اللغز، فهو الآنسة باكستر.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤