الشبح يتحرَّك

قام «تختخ» إلى التليفون ومعه الأصدقاء، فجرَّب الرقم الأول بعد أن وضع الأرقام بجوار بعضها ٣٤٣٧٥، وعندما دقَّ جرس التليفون في الطرف الآخر دقَّ قلب «تختخ» أيضًا، وكان المتحدِّث طفلةً صغيرةً ظريفةً قالت ﻟ «تختخ» إن اسمها «هادية»، وقالت «هادية» إن والدها هو القاضي الأستاذ «محمد الدمرداش»، وشكرها «تختخ»، ثم وضع السمَّاعة قائلًا: أظن أن القضاة هم أبعد الناس عن الحوادث، فلْنتصل بالرقم الآخر ونرى.

وجرَّب «تختخ» الرقم الثاني ٤٥٢٢٣، وردَّت سيدةٌ سألت «تختخ» عمَّا يُريد، فقال إنه يبحث عن الأستاذ «مدحت»، وهو بالطبع اسم اخترعه «تختخ»، فقالت السيدة إنه ليس هناك أحدٌ بهذا الاسم؛ فرقم التليفون هو رقم مدرسة، وليس بين الأساتذة أحدٌ بهذا الاسم … وضع «تختخ» السمَّاعة مرةً أخرى قائلًا: هكذا ضاع أول اقتراح في الهواء، فما دخل المدارس في حوادث السرقة؟!

نوسة: بقي أمامنا أرقام السيارات، وأرقام البيوت …

تختخ: سنُجرِّب، ولكن المهم الآن هو مقابلة بائع الخبز «عطوة»، فقد نجد عنده معلومات تُفيدنا.

وتفرَّق الأصدقاء، وبقي «تختخ» في البيت ينتظر حضور بائع الخبز، وفي الموعد الذي اعتاد فيه الحضور سمعه «تختخ» وهو يتحدَّث مع الطبَّاخة، فخرج مسرعًا إليه وكله أمل في أن يجده بالحجم الذي يُناسب الأقدام الكبيرة، ولكن خاب ظنه؛ فقد كان بائع الخبز رجلًا ضئيل الحجم، نحيفًا يحمل سلة الخبز مغطاةً بالقماش، واستنتج «تختخ» أنه رجلٌ نظيف ما دام يهتم بتغطية الأرغفة.

وبعد تحيةٍ سريعة قال «تختخ»: أظن أنك «عطوة» الذي طارد اللص في فيلا السيدة «بهيجة»؟

قال «عطوة» بلهجة التفاخر: نعم، وقد طاردت اللص فعلًا.

تختخ: هل تقصد أنك رأيته.

عطوة: لا، ولكني لم أتردَّد في الدخول إلى البيت، والصعود إلى الدور الثاني لمطاردته، برغم أن ذلك قد يُعرِّضني للخطر؛ فقد كان من الممكن أن يعتدي اللص عليَّ.

تختخ: ألم تجد أي دليل على وجود اللص قريبًا منك في الدور الثاني؟

عطوة: مطلقًا.

تختخ: هل عندك فكرة حول طريقة سرقة الجواهر؟

عطوة (بسخرية): إنني لست مخبِرًا، ولا من هواة حل الألغاز مثلك، إنني فقط رجلٌ يُؤدِّي واجبه.

لم يُعجِب «تختخ» أسلوب السخرية الذي استخدمه «عطوة»، فدخل إلى غرفته وهو يشعر بالغضب الشديد.

قضى «تختخ» بقية الأُمسية وهو يُفكِّر في اللغز، وكلما حاول أن يجد فيه مخرجًا؛ وجده يزداد غموضًا. ونام وما تزال الخيالات تدور برأسه، ولم يكن يتصوَّر أنه سيستيقظ في الصباح على حادثٍ آخر.

ولكن هذا ما حدث فعلًا، فلم يكد يتناول طعام الإفطار حتى دقَّ جرس التليفون، وكان المتحدِّث هو المفتش «سامي».

قال المفتش: آسف جدًّا لأني لم أستطِع أن أنتظرك يوم الحادث الأول؛ فقد وصلتني مكالمة تليفونية عاجلة، واضطُررت إلى مغادرة «المعادي» على الفور.

تختخ: هل تقول الحادث الأول؟! هل يعني هذا أن هناك حادثًا ثانيًا وقع اليوم؟

المفتش: إنني أتصل بك الآن لهذا السبب، لقد تحرَّك اللص مرةً أخرى وسرق اليوم مجموعةً من الساعات والأقلام الثمينة من أحد المنازل، وقد أبلغني الشاويش «علي» بهذا الحادث منذ دقائق، فرأيت أن أتصل بك، هل وصلت إلى أي استنتاجٍ عن الحادث الأول؟

تختخ: لا! للأسف إن هذا اللص الشبح، أو اللص ذا القدم الكبيرة يُدبِّر حوادثه ببراعةٍ شديدة، حتى أظن أنه يستعمل طاقية الإخفاء كما تقول الأساطير.

ضحك المفتش وهو يقول: طاقية الإخفاء … إن هذا تعبير ظريف حقًّا، ولكن ليس هناك بالطبع شيء اسمه طاقية الإخفاء أو خاتم سليمان، وعليك أن تقوم باستعمال عقلك كالمعتاد.

تختخ: سوف أُحاول يا سيادة المفتش، وبالمناسبة أرجو أن تُكلِّف أحد رجالك ببحث الأرقام التي وجدناها في مكان الحادث؛ فقد تكون أرقام سيارات وتدلنا على شيء.

المفتش: فكَّرتُ نفس التفكير، وللأسف فقد اتضح أن أحد الأرقام لسيارةٍ أُصيبت في حادثٍ منذ شهور، ولم تُجدَّد الرخصة، والثانية لسيارة أحد الأطبَّاء وهو رجلٌ محترم ولا تحوم حوله أية شبهة.

تختخ: إن الغموض يتزايد يا سيادة المفتش.

المفتش: فعلًا، ولكن هناك شيئًا مضحكًا جدًّا في الموضوع؛ فالمنزل الذي سُرق اليوم لأحد أقاربي، وهو المنزل رقم «٦» شارع «٤٠».

تختخ: هذا غير معقول!

المفتش: بالعكس، إنه معقول جدًّا؛ فهذا يُثبت أن باب النجَّار مخلَّع كما يقول المثل، ولعل اللص يتحدَّاني أيضًا.

تختخ: على كل حال، أرجو أن تجدوا حلًّا سريعًا للغز، حتى لا تحدث سرقةً أخرى، وللأسف إنني مشغولٌ جدًّا هذه الأيام، ولا أستطيع بحث المسألة بنفسي.

وبعد أن تبادل «تختخ» والمفتش التحية، أغلق «تختخ» التليفون، وجلس يُفكِّر لحظات، ثم انطلق مسرعًا على دراجته إلى مكان الحادث الثاني، بعد أن اتصل بالأصدقاء ليلحقوا به إلى هناك.

عندما وصل «تختخ» إلى المكان كان الشاويش «فرقع» هناك، ولم يكد يرى «تختخ» حتى احمرَّ وجهه من الغضب، ولكن «تختخ» رحَّب بعودته إلى «المعادي» قائلًا: لعل فترة التدريب التي قضيتَها في القاهرة تُساعدك على حل هذا اللغز بسرعة.

الشاويش: لا دخل لك في التدريب، ولا في غيره.

وكان الشاويش يُفكِّر في وسائل التنكُّر التي تدرَّب عليها، والتي ستجعله يتغلَّب على «تختخ» في التنكُّر، وفي القبض على اللصوص.

ووصل بقية الأصدقاء، وكان الشاويش يستجوب الشغَّالة التي كانت موجودةً بالمنزل ساعة وقوع الحادث، فقالت إنها كانت تعمل في غرفة الصالون بالدور الأرضي، عندما سمعت صوت أقدام بالدور العلوي، فصعدت عن طريق السلم الداخلي، الذي يصل بين الدور الأول والثاني، ولكنها لم تجد أحدًا، ولاحظت أن أدراج التسريحة في غرفة النوم مفتوحة، وقد أُخذت منها مجموعة من المجوهرات التي تخص سيدة البيت، فصرخت ونزلت لتتصل بالشرطة، فوجدت «عطوة» بائع الخبز يدخل من باب الحديقة، فروت له ما حدث، ثم اتصلت بالشرطة.

قال «تختخ»: هل سمعتِ صوتًا يُشبه نباح الكلب مع صوت الأقدام؟

الشغالة: نعم … تذكَّرت الآن أنني سمعت مثل هذا الصوت.

كانت ظروف الحادث الثاني تُشبه ظروف الحادث الأول، وبدأ البحثَ عن آثار اللص.

وجد «تختخ» والأصدقاء نفس الآثار في مكان السرقة، آثار القفَّاز الكبير، ثم آثار الأقدام الكبيرة، وتلك الدائرة ذات الخصوص في الأرض المبتلَّة في الحديقة. قال «تختخ»: إنه اللص الشبح … أو اللص ذو القدم الكبيرة كما تُسمِّيه «لوزة». لقد سرق مرةً أخرى دون أن يراه أحد، وانصرف كأنه تبخَّر في الهواء، أو طار في السماء، ولم يترك سوى آثاره.

حاول الأصدقاء أن يجدوا قصاصات الورق كالتي تركها اللص في الحادث الأول، ولكن لم تكن هناك قصاصات هذه المرة.

وهكذا عاد الأصدقاء، وقد تركوا الشاويش يستجوب الشغَّالة التي كانت تبكي خوفًا من أصحاب البيت الذين كانوا في الخارج، وكانت تخشى أن يتَّهموها بالسرقة.

وفي غرفة العمليات في منزل «تختخ» جلس الجميع صامتين … لا اقتراحات، ولا استنتاجات … ولا أي شيء على الإطلاق.

وأخيرًا قال «مُحب»: يبدو أن هذا اللغز فوق طاقتنا؛ فنحن نُواجه لأول مرة لصًّا من طرازٍ فريد، قادر على أن يتحرَّك دون أن يراه أحد، برغم أنه يسرق في وضَح النهار، وأنا أقترح أن نكف عن البحث في هذا الموضوع.

قالت «لوزة» بحماسة: هذا لا يمكن أن يحدث! كيف يُقر المغامرون الخمسة بفشلهم، خاصةً بعد أن اتصل المفتش بنا، وطلب من «تختخ» أن نقوم بمساعدة الشرطة؟

قال «تختخ» في وجوم: لم يبقَ أمامنا سوى الأرقام، تعالَوا نُفكِّر فيها مرةً أخرى … لقد قالت «نوسة» إنها قد تكون أرقام منازل، ولعلها تكون منازل ينوي اللصوص سرقتها، المهم الآن أن نعرف أين توجد هذه الأرقام.

عاطف: لقد طرأت لي فكرة حول هذه الأرقام، فلو أننا تجاهلنا الرقم الأول، فمن الممكن أن يكون الرقم الثاني هو رقم منزل، والرقم الثالث هو رقم شارع … ونحن عادةً في «المعادي» نكتب العناوين من رقمَين؛ رقم المنزل ثم رقم الشارع، باعتبار أن جميع الشوارع في «المعادي» بالأرقام.

تختخ: هذه فكرةٌ معقولة جدًّا يا «عاطف»، وسنُقسم أنفسنا إلى فرقتَين للبحث؛ أنت و«لوزة» تبحثان عن المنزل الأول، و«مُحب» و«نوسة» يبحثان عن المنزل الثاني، أمَّا أنا فسوف أتنكَّر في شكلٍ ما، وأقوم بالمراقبة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤