من هو اللص الشبح؟

استعدَّ «تختخ» لإلقاء خطاب طويل هذا المساء ليشرح للحاضرين كيف حلَّ لغز اللص الشبح، وفي السادسة إلَّا ربعًا حضر «مُحب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة»، وقد لبسوا أجمل ثيابهم، وقد أحسُّوا جميعًا بالسعادة لأنهم سيُقابلون المفتش «سامي» وابنته الظريفة «نشوى»؛ وكذلك لأنهم سيعرفون اللص الشبح.

وبعد دقائقَ من وصولهم، وبعد إعداد الشاي والجاتوه وصل المفتش «سامي» ومعه ابنته الظريفة «نشوى»، التي استقبلها الأصدقاء بحماسة … ووضع المفتش «سامي» رأسه على يده، ثم قال: والآن أيها المخبر الممتاز «تختخ»، نحن على استعدادٍ لسماع القصة كاملة.

وبلع «تختخ» ريقه، ثم وقف وقال: اسمحوا لي أن آخذ من وقتكم نصف ساعة تقريبًا في الحديث، وفي الساعة السادسة والنصف تمامًا، سوف يدخل عليكم اللص الشبح، ويُسلِّم لكم نفسه دون أي مجهود.

المفتش: إنها أشبه بمسرحيةٍ ظريفة.

تختخ: لقد كنتُ حريصًا على أن أحل هذا اللغز غير العادي، بطريقةٍ غير عادية … لقد كانت البداية التي هدَتني إلى الحل هذه الآثار الواضحة التي يتركها اللص في مكان الحادث … فالمعتاد أن يحرص اللص على إخفاء بصَماته وآثاره عن رجال الشرطة … أمَّا إذا حرص اللص على إظهار هذه الآثار، فهو بلا شك يُضلِّل رجال الشرطة ليجعلهم يُفكِّرون في شخصٍ آخر غيره … وقد استطاع اللص الشبح أن يُضلِّلنا جميعًا؛ فقد أقنعتنا الآثار أنه رجلٌ عملاق، فركَّزنا جهودنا في البحث عن رجلٍ ضخم الجثة مقاس حذائه «٤٧» … وهكذا استطاع اللص أن يسرق مرةً ثانية، وثالثة، ورابعة، وهو متأكِّدٌ أننا ما زلنا نُطارد العملاق الوهمي …

وقد كان من الممكن أن يستمر في ارتكاب جرائمه دون أن نتمكَّن من اكتشافه.

قال المفتش «سامي»: هذه نقطةٌ هامة، واستنتاج بارع يا «توفيق».

استمرَّ «تختخ» يتحدث فقال: النقطة الثانية التي فكرتُ فيها هي نوع المسروقات التي يسرقها اللص … إنه مهتمٌ بالأشياء الصغيرة … الساعات … الخواتم … المجوهرات، وكلها أشياء سهلة الحمل، سهلة الإخفاء، لا تحتاج إلى جهدٍ كبير في إخفائها …

وسكت «تختخ» قليلًا، ثم قال: النقطة الثالثة هي المواعيد التي كان اللص يختارها لسرقاته … إنه يسرق دائمًا في وضَح النهار … وبين الساعة الثامنة والتاسعة تقريبًا … وهي الساعة التي يخرج فيها الناس إلى أعمالهم، ولا يبقى في البيوت إلَّا امرأة عجوز … أو شغَّالة … وبالطبع يستطيع أن يجد وسيلةً لدخول البيت دون أن يراه أحد، خاصةً إذا عرفنا أن عمله يسمح له بالدخول إلى البيوت، دون أن يشك فيه إنسان.

انتبه الجميع بعد هذه الجملة، ولكن «تختخ» استمرَّ يقول: النقطة الرابعة هي ذلك الأثر الغريب الذي كُنَّا نجده دائمًا في الحديقة … أقصد هذه الدائرة ذات الخطوط التي كانت موجودةً مع كل السرقات … إنها علامةٌ مميزة لشيءٍ يحمله اللص معه … فما هو هذا الشيء؟

سكت الجميع ولم يردَّ أحد، فاستمر «تختخ» يقول وهو ينظر إلى ساعته: أستأذنكم في الاتصال بالشاويش «علي»، ليحضر معنا اللحظة الحاسمة التي سيدخل فيها اللص علينا.

وخرج «تختخ» فتحدَّث مع الطبَّاخة حديثًا قصيرًا، ثم اتجه إلى التليفون وتحدَّث إلى الشاويش «علي» وطلب منه الحضور إلى منزله، ولكن الشاويش ردَّ بغضب: إنني مشغولٌ في أعمالٍ هامة، وليس عندي وقت أُضيِّعه معك ومع بقية هؤلاء الذين يُسمُّون أنفسهم المغامرين الخمسة.

ردَّ «تختخ» بهدوء: يا حضرة الشاويش … إني أرجو منك الحضور للقبض على اللص الشبح … إذا كان يُهمُّك القبض عليه … خاصةً وقد امتلأت «المعادي» بالحديث عنه، ونشرت الصحف حوادثه … كما أن المفتش «سامي» موجود هنا الآن.

لم يكد الشاويش يسمع اسم المفتش حتى قال في صوتٍ خافت: لا بأس يا أستاذ «توفيق»، سوف أحضر حالًا.

عاد «تختخ» إلى الأصدقاء، وأخذ يصب لهم الشاي بأعصابٍ هادئة، في حين كان الجميع ينظرون إليه في تَرَقب، منتظرين اللحظة التي سينكشف فيها الغموض الذي أحاط باللغز العجيب.

بعد دقائقَ وصل الشاويش «علي»، فحيَّا المفتش تحيةً عسكرية، ثم وقف فقال «تختخ»: هذا مقعدٌ جاهز لك يا حضرة الشاويش، وإنني أستأذن المفتش أن تتناول معنا الشاي.

نظر الشاويش إلى المفتش كأنما يسأله عمَّا يفعله … فقال له المفتش: أنت حرٌّ في أن تقبل هذه الدعوة أو ترفضها.

قال الشاويش: في الحقيقة يا حضرة المفتش إن هؤلاء الأولاد يُضيِّعون وقتنا، وقد يرتكب اللص الشبح جريمةً أخرى، ونحن جالسون هنا، إن عندي من الأدلة ما يُثبت أن هذا اللص أحد صيادي الأسماك، الذين يعيشون في الجزر الصغيرة في النيل، وهو رجلٌ طويل القامة، قوي الجسم جدًّا، ويُشتهر بأنه يستطيع أن يكسر عمودًا من الخشب بضربةٍ واحدة من يده.

المفتش: ولماذا لم تقبض عليه أيها الشاويش؟ تردَّد الشاويش قليلًا، ثم قال: إنني … إنني … أقصد أن مثل هذا الرجل لا يُمكنني أن أقبض عليه وحدي، إنه يحتاج إلى ستةٍ أو ربما عشرة من الرجال للقبض عليه.

المفتش: إن رجل القانون لا يخاف من لصٍّ مهما كانت قوته. إن الشرطي يستخدم رهبة القانون في تنفيذ مهمته، وليس عضلاته فقط يا حضرة الشاويش، وإلَّا لما استطعنا القبض على كثيرٍ من المجرمين.

احمرَّ وجه الشاويش وهو يسمع هذا الكلام وقال: إذن اسمح لي أن أذهب الآن فورًا للقبض عليه، والعودة به مقيَّدًا بالحديد.

المفتش: وهل أنت متأكِّد أنه هو؟

الشاويش: في الحقيقة … أقصد … إنه الرجل الوحيد في هذا المكان الذي يمكن أن يلبس مثل هذا الحذاء الضخم ومثل هذا القفاز الكبير، وقد راقبته بنفسي فترةً طويلة.

المفتش: وماذا كانت نتيجة المراقبة؟

الشاويش: إنه يسكن في عشةٍ بسيطة على شاطئ النيل هو وزوجته وأطفاله … ويقوم مبكِّرًا … و…

وقبل أن يستمر الشاويش في الحديث قال «تختخ»: معذرةً يا حضرة الشاويش … إنني لا أُريد مقاطعتك، ولكني أستبعد أن يقوم مثل هذا الصياد بالسرقة … فهؤلاء الصيادون مشهودٌ لهم بالأمانة.

الشاويش: هذا عملي … وليس هناك أحدٌ فوق الشبهات عندما أُحقِّق في الحوادث والجرائم.

تختخ: معك حق، ولكن حتى أُريحك، وأُريح نفسي في هذا النقاش غير المجدي، أُحب أن أقول لك إن اللص الشبح سوف يحضر الآن، ويدخل هذه الغرفة وسيُسلِّم نفسه لك دون مقاومة.

نظر الشاويش إلى المفتش، ثم نظر إلى «تختخ» وقال في ضيق: هذا كلامٌ فارغ … وهذه أول مرة في حياتي أسمع عن لصٍّ يحضر إلى رجل الشرطة، ويقول له تفضَّل اقبض عليَّ و… إنني لن أشترك في هذه المهزلة، ولْيسمح لي حضرة المفتش أن أنصرف.

المفتش: يا شاويش «علي»، هل تعتقد أنني أُحب الاشتراك في المهازل كما تُسمِّيها؟

اضطرب الشاويش وقال في اعتذار: آسف جدًّا يا حضرة المفتش، ولكن كيف تُصدِّق هذا الكلام؟! هل تُصدِّق أن لصًّا يأتي من نفسه للقبض عليه؟! هل صادفك شيءٌ مثل هذا من قبل؟

المفتش: هذا ممكن أن يحدث، إذا استطعت أن تحسب بالضبط تحرُّكات اللص، والأوقات التي يتحرَّك فيها، والأماكن التي يتردَّد عليها، ففي إمكانك انتظاره في الوقت والمكان المناسبَين، فيأتي إليك على قدمَيه، وما عليك إلَّا أن تقوم وتقبض عليه، وقد سبق أن قبضت على لصٍّ في قسم الشرطة ذاته، وكان قد جاء يُبلِّغ عن حادثٍ وهمي ليُبعد الشبهات عنه، وعلى كل حال، إذا لم يكن وراءك شيء هام ستذهب إليه، فتفضَّل بتناول الشاي معنا، فالوقت مناسب لشرب الشاي، وأنا أعرف أنك تُرحِّب بشرب الشاي في أي وقت.

كان الشاويش «علي» يُحب الشاي فعلًا، وشعر أن المفتش يُريد منه البقاء، فسحب الكرسي ثم جلس عليه.

نظر «تختخ» في ساعته، ثم قال: أرجو أن تنظروا جميعًا إلى ساعاتكم، إن الساعة الآن السادسة والعشرون دقيقة، فإذا صحَّت حساباتي واستنتاجاتي، فإن اللص الشبح سوف يدخل علينا بعد عشر دقائق، وأرجو أن يكون الشاويش جاهزًا للقبض عليه.

وقف الشاويش دون أن يدري مسرعًا وقال: إنني على استعداد.

وعندما وجد الجميع يبتسمون وهم ينظرون في ساعاتهم أحسَّ بالخجل وعاد إلى الجلوس.

جلس «تختخ» أيضًا، وهو يدعو الله في سره ألَّا يُخيِّب رجاءه، وألَّا يكسفه أمام هؤلاء الذين حضروا وهم على ثقةٍ من كلامه.

أمسك «تختخ» ببرَّاد الشاي، وأخذ يصب للجميع في الفناجين، وكانت أعصابه مضطربة، ولكنه استطاع السيطرة عليها، فلم يهتزَّ البراد في يده مرةً واحدة، وأخذ الجميع يشربون في صمت، فلم يكن يتردَّد في الغرفة سوى صوت ارتشافهم للشاي.

أخذت الدقائق تمر بطيئة، وكلُّ من في الغرفة ينظر في ساعته، وهو يستعجل عقارب الساعة أن تجري بسرعة، حتى تأتي الساعة السادسة والنصف ويتضح من هو اللص.

ولكن الساعة مضت تسير كالمعتاد، وتمر الدقائق بطيئة، بل إن الثواني نفسها بدت وكأنها تغيظهم وتطول.

ومرَّت دقيقتان … ثلاث دقائق … أربع دقائق … خمس دقائق … وبدأت الساعة تقترب من السادسة والنصف، السادسة والنصف إلَّا نصف دقيقة … إلَّا خمسًا وعشرين ثانية … إلَّا عشرين ثانية … إلَّا عشر ثوانٍ … إلَّا خمس ثوانٍ … إلَّا ثانيتين … إلَّا ثانيةً واحدة.

الساعة السادسة والنصف تمامًا … ونظر الجميع إلى الباب ولكن أحدًا لم يظهر … ثم تجاوزت الساعة السادسة والنصف بدقيقةٍ ولم يظهر أحد، ونظر الجميع إلى «تختخ» في قلق، وبدت على وجه الشاويش علامات السخرية، ولكن «تختخ» ظل هادئًا، وكأنه على ثقةٍ تمامًا ممَّا قال، وممَّا سيحدث.

وبعد ثوانٍ قليلة، سمع الجالسون جميعًا صوت أقدام في الخارج، وصوت حديث يجري، ثم فُتح باب الغرفة، فاتجهت العيون كلها إليه، وعلى الباب ظهر «عطوة» بائع الخبز بقوامه النحيل، وهو يحمل سلةً قائلًا: هل طلبتني يا أستاذ «توفيق»؟ لقد قالت لي الطباخة إنك تُريد مقابلتي، ولعلك تُريد مزيدًا من الخبز الساخن.

كانت لهجته كالمعتاد ساخرة … فقال «تختخ»، وهو يُغلق الباب خلف «عطوة»: أيها الأصدقاء، أُقدِّم لكم اللص الذكي … اللص الشبح … اللص الذي لا يراه أحد … أُقدِّم لكم «عطوة» … سارق الجواهر.

بدا على الجميع الذهول التام، ولكن «عطوة» كان أكثرهم ذهولًا؛ فقد فتح فمه، وتلفَّت إلى الباب المغلق، وبلع ريقه بصوتٍ مسموع.

عندما نظر المفتش إلى وجه «عطوة» أدرك أن «تختخ» يقول الحقيقة، فقال للشاويش المذهول: يا شاويش «علي» قم بواجبك، واقبض على هذا اللص.

كان «عطوة» قد استردَّ بعض ثباته، فقال متظاهرًا بالمرح: ما هذا؟ … هل هذه نكتة؟ … من المقصود بهذا الكلام؟!

قال «تختخ» بثبات: ليس هناك سوى «عطوة» واحد هنا … هو أنت وليس بين الحاضرين لص سواك … فدعك من هذا التظاهر.

ثم مدَّ «تختخ» يده فأمسك بسلة الخبز التي يحملها «عطوة»، وأزاح قطعة القماش التي يُغطِّي بها الخبز، ثم رفع الخبز نفسه … ومدَّ يده في السلة … وأمام دهشة الجميع وإعجابهم، أخرج «تختخ» حذاءً ضخمًا، ثم مدَّ يده وأخرج قفَّازًا كبيرًا وقال: هذه أيها الأصدقاء هي «عدة الشغل» التي يستخدمها اللص الذكي «عطوة»، والتي جعلتنا جميعًا نظن أنه لصٌّ ضخم الجسم عملاق، وليس هذا الشخصَ الهزيل.

عندما سمع «عطوة» ما قاله «تختخ» لم يتمالك نفسه من البكاء، وانهار على الأرض، ولكن يد الشاويش الثقيلة أطبقت على كتفه وهو يقول: إذن فهو أنت أيها اللص القذر … لقد خدعتني وكنت تتظاهر بأنك صديقي.

قال المفتش محييًا «تختخ»: هذه ضبطة لا مثيل لها أيها المخبر الممتاز.

وقالت «نشوى»: ولكن كيف توصَّلت إلى معرفته؟ لا بد أن تشرح لنا كل شيء.

«تختخ»: إنني بالطبع لم أقم بالعمل وحدي، فنحن المغامرين الخمسة نعمل معًا، ويُساعد بعضنا بعضًا … وهذا النجاح ملك للمجموعة كلها … «مُحب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة» … ولي أيضًا.

وأحسَّ الأصدقاء بالسعادة لهذه الكلمات الطيبة، والتقت عيونهم ﺑ «تختخ» في إعزازٍ وحب وهو يشرح كيف استنتج الحقيقة قائلًا: لقد كان «عطوة» هو الرجل الوحيد الذي لا يشتبه فيه أحد … فهو قصير ونحيف ولا يمكن أن يشك إنسان في أنه اللص العملاق … ولكن الخطأ الذي ارتكبه هو أنه كان مصرًّا على إبراز آثاره، وهي كما قلت ليست عادة اللصوص … لقد استفاد «عطوة» من عمله كبائع خبز، فهو بهذه الصفة يتردَّد على البيوت كلها … ويدخلها دون أن يشك فيه أحد … وبهذه الطريقة عرف البيوت التي تخلو من سُكَّانها في الصباح، وطرقات هذه البيوت، والسلالم التي توصل إلى الغرف، ثم يُغافل الشغَّالة أو ربة البيت الوحيدة ويصعد إلى فوق، حيث يلبس الحذاء والقفَّاز بعد أن يُلوِّثهما حتى يتركا الآثار المضلِّلة … وبعد أن يسرق ما خفَّ حمله وغلا ثمنه، يضعه في السلة، ثم يخلع الحذاء والقفَّاز ويضعهما تحت الخبز، الذي يُخفيه دائمًا تحت قطعة القماش البيضاء، ثم يُطلق سعالًا حادًّا لزيادة التضليل، ثم ينزل بسرعةٍ وخفة ويخرج من المنزل، قبل أن تصل صاحبة المنزل إلى باب المطبخ، ثم يقف أمام الباب ويُنادي على العيش، وبالطبع لا يظن أحد أن الرجل الواقف بالباب كان منذ ثوانٍ قليلة يقوم بالسرقة … بل إنه يتقدَّم أيضًا للمساعدة في القبض على اللص لينفي كل شبهة عنه … أو يُساعد في القبض على نفسه، والخطة كلها تدل على ذكاءٍ نادر.

المفتش: ولكن في حادث السرقة حيث شاهدت آثاره بنفسي، كيف نزل برغم أن السيدة «بهيجة» صعدت إلى فوق، بعد أن سمعت صوت الأقدام وصوت السعال؟

تختخ: لقد استعمل مواسير المياه التي تمتد من نافذة الحمام إلى الأرض.

المفتش: ولكني عندما وصلت كانت نافذة الحمَّام مغلقةً من الداخل.

تختخ: لقد نزل أولًا على المواسير … وعندما استغاثت السيدة تقدَّم كالبطل وصعد إلى فوق، حيث دخل الحمام بدعوى البحث عن اللص، وفي الحقيقة أنه كان يُغلق النافذة.

المفتش: إنك لصٌّ ذكي جدًّا يا عطوة، ولكنك لسوء حظك وحسن حظنا التقيت بمن هو أكثر ذكاءً منك، التقيت ﺑ «توفيق»، ولولا ذلك لما قبض عليك أحد.

سألت «نشوى»: ولكن لم تُفسِّر لنا سر الصوت الذي سمعته السيدة «بهيجة» في السرقة الأولى، ولا سر الدائرة ذات الخطوط البارزة على الأرض، وصوت السعال الذي يُشبه النباح؟

أمسك «تختخ» بسلة الخبز قائلًا: هذا هو السر … ففي الحادثة الأولى ارتبك «عطوة»، فألقى بالسلة على الأرض، حيث صدر منها الصوت المكتوم، وتركت الأثر المستدير في الأرض … أمَّا في المرات التالية فكان ينزل مسرعًا، حيث يضع السلة على الأرض حتى يشترك في مطاردة اللص، ويحصل على لقب «عطوة» الشجاع كما قال الناس عنه في الحادثة الأولى، أمَّا صوت السعال الذي يُشبه النباح، فقد كان لزيادة التضليل.

لوزة: هناك سؤالٌ أخير يا «تختخ»، كيف بدأتَ الشك في «عطوة»، برغم أنه كان في مكان الحادث أكثر من شخص يمكن الاشتباه فيهم، مثل بائع اللبن وساعي البريد؟

تختخ: هذا سؤالٌ هام جدًّا، فبعد أن عرفت بسرقة حذاء اللواء «سيف الدين» … من منزل بائع الروبابيكيا، طُفت بالعزبة التي يسكن فيها، وهناك علمت أن «عطوة» كان يسكن عند بائع الروبابيكيا منذ شهور، ولم يكن بين الأشخاص الذين وُجدوا في أماكن حوادث السرقة سواه من يسكن في العزبة أو يتمكَّن من سرقة الحذاء، وقد كان ذكيًّا؛ لأنه سرق الحذاء ولم يشترِه؛ لأنه لو اشتراه لكان من السهل الشك فيه من البداية.

وسكت «تختخ» قليلًا، ثم قال: وقد سهرت أمس سهرةً طويلةً في انتظار عودة «عطوة» من القاهرة، فقد استنتجت أنه سوف يقوم بتصريف مسروقات السرقة الرابعة في القاهرة الكبيرة حيث لا يعرفه أحد، وصحيح أنني لم أرَه عندما عاد، ولكني سمعت صوت خطوات متجهة نحو منزله في ساعةٍ متأخرة من الليل، فلم أشكَّ في أنه «عطوة». لقد باع المجوهرات، وقضى ليلةً لطيفة، ثم عاد إلى منزله.

سأل المفتش: والآن يا «عطوة»، أظن أنه ليس أمامك سوى الاعتراف؟

لم يردَّ «عطوة» بكلمةٍ واحدة، ولكنه أشار برأسه علامة الموافقة، فقال المفتش: عليك يا شاويش «علي» بكتابة محضر بما حدث، والحصول منه على اعترافٍ كامل بكل جرائمه وأسماء التجار الذين اشترَوا منه المجوهرات، حتى نستردَّها ونُعيدها إلى أصحابها.

حمل «عطوة» سلته مرةً أخرى، وخرج والشاويش يُمسكه بيده القوية من «ياقته»، فقال «مُحب»: لقد اتفقتُ على أن ندعوك على الجيلاتي طوال هذا الأسبوع إذا حللت اللغز يا «تختخ»، ونحن على استعدادٍ لأن نبدأ من الآن.

قال المفتش وهو يقف: اسمحوا لي بهذا الشرف، فأنتم جميعًا مدعوون لتناول الجيلاتي على حسابي.

نشوى: بقي شيءٌ أخير يا «تختخ»، إنك لم تقل لنا اللغز الصغير الذي بدأت به هذه القصة.

تختخ مبتسمًا: لا بأس … سوف أروي لكم اللغز ولكن في يومٍ آخر … فرأسي مرهق من فرط التفكير … وقد لا أستطيع حل اللغز في حالة ما لم تستطيعوا أنتم حله.

ضحك الجميع لهذه النكتة، ثم أسرعوا إلى سيارة المفتش التي حملتهم جميعًا إلى الكازينو، وحول أكواب الجيلاتي اللذيذ، تلقَّى «تختخ» أكبر مجموعة من التهاني تلقَّاها في حياته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤