أسباب الثروة العباسية

من القضايا البديهية أن مثل هذه الثروة لا يتأتى إلا إذا كان الدخل كثيرًا وكانت النفقة قليلة، والثروة المشار إليها عبارة عن الباقي من إسقاط الخرج وهي سبل النفقة ونرى الفرق بينهما، ونبين أسباب كثرة الأولى وقلة الثانية.

(١) مصادر الجباية

كانت الجباية في أوائل الهجرة قاصرة على الزكاة، ثم حدثت الغنائم بعد واقعة بدر الكبرى ثم الجزية لمن صالح على نفسه من نصارى جزيرة العرب ويهودها، وتوفي النبي ومصادر الجباية الزكاة والغنائم والجزية، فلما كانت الفتوح في الشام والعراق ومصر وضعوا الخراج والعشور على الأرض والمكس على التجارة، وانقضت دولة الراشدين وهذه مصادر الجباية، وما زال الحال على ذلك في أيام بني أمية مع ما فرضوه من الضرائب غير القانونية واستخدموه من العنف في تحصيلها كما تقدم، ومما وضعوه في أيامهم ضرائب الأسماك، وضعها محمد بن مروان في أثناء ولايته أرمينيا سنة ٧٢ﻫ١ ونظنهم وضعوا أيضًا أعشار السفن وهي العشور التي تؤخذ من المراكب المارة في البحار، وأخماس المناجم التي تحفر لاستخراج المعادن منها، وما زالت مصادر الجباية تزداد وتتفرع حتى أصبحت في أيام العباسيين عديدة ترجع إلى أحد عشر وهي:
  • (١)

    الصدقة أو الزكاة.

  • (٢)

    الجزية.

  • (٣)

    الخراج.

  • (٤)

    المكوس (الفردة).

  • (٥)

    الملاحات والأسماك.

  • (٦)

    أعشار السفن.

  • (٧)

    أخماس المعادن (أي المناجم).

  • (٨)

    المراصد (الجمارك).

  • (٩)

    غلة دار الضرب.

  • (١٠)

    المستغلات.

  • (١١)

    ضرائب الصناعة وغيرها.

على أن العمدة في زيادة الثروة إنما هي على الخراج، حتى إنهم سموا مجموع الجباية خراجًا بإطلاق البعض على الكل، فإذا قالوا خراج فارس مقداره كذا وكذا أرادوا مجموع جبايتها من كل الضرائب، وعليه فلنبحث أولًا في الخراج وسبب كثرته في العصر العباسي الأول، ثم نلم بالضرائب الأخرى على وجه الاختصار.

(١-١) أسباب كثرة الخراج

الخراج ما يوضع من الضرائب على الأرض أو محصولاتها، ولكثرته في الدولة العباسية أسباب أهمها أربعة، وهي:

سعة المملكة العباسية

لما كان المعول في مقدار الجباية على الخراج، فجباية المملكة تتعاظم بزيادة مساحة أرضها وخصب تربتها، والمملكة الإسلامية في العصر العباسي الأول كانت عظيمة الاتساع جدًّا، بل هي أوسع ممالك التمدن القديم (وخصوصًا إذا اعتبرنا إسبانيا منها) إلا مملكة الإسكندر فربما قاربتها.

أما مساحة المملكة العباسية فتقديرها إنما يعرف من مساحات الممالك التي قامت مقامها اليوم، وهي:
مساحة المملكة العباسية (في القرن الثالث للهجرة)
أسماء البلاد الدولة التابعة لها سنة ١٩٠٣ مساحتها بالأميال
المجموع ٣٣٢٨٠١٤
إيران كلها شاه العجم ٦٢٨٠٠٠
أفغانستان مستقلة ٢١٥٠٠٠
بلوجستان إنجلترا ١٣٠٠٠٠
السند إنجلترا ٤٨٠٠٠
تركستان روسيا فقط روسيا ٢٥٧٠٠٠
بلاد القوقاز «تفليس» روسيا ١٥٣٠٠
أرمينية وكردستان تركيا ٧٢٥٠٠
العراق، الجزيرة تركيا ١٠٠٢٠٥
سوريا، فلسطين تركيا ١٠٩٥٠٩
جزيرة العرب «منها» تركيا ٢٠٠٠٠٠
القطر المصري تركيا ٤٠٠٠٠٠
النوبة وبعض السودان السودان ٣٠٠٠٠٠
طرابلس الغرب تركيا ٣٩٨٠٠٠
جزائر الغرب فرنسا ١٨٤٥٠٠
تونس فرنسا ٥١٠٠٠
مراكش مستقلة ٢١٩٠٠٠

فمجموع مساحة هذه المملكة ٣٣٢٨٠١٤ ميلًا مربعًا، وذلك نحو مساحة أوربا كلها، فخراج ممالك أوربا لو جباه المسلمون لم يزد على خراج مملكتهم، فاعتبر عدد تلك الممالك وفيها أعظم دول الأرض اليوم، فلو كان اعتماد تلك الدول في جبايتها على الخراج لما استقام أمرها، وإنما عمدتها على ضرائب المشروبات الروحية والجمارك كما تقدم.

على أن سعة المملكة العباسية لا تكفي وحدها لتعليل ثروتها؛ لأن المملكة العثمانية بلغت من السعة في أيام السلطان سليمان القانوني ما يقرب من سعة مملكة بني العباس، ومع ذلك فإن الجباية في أيامه لم تزد على ٢٨٤٣٧٥٠ جنيهًا مصريًّا كما رأيت، وإنما ساعد الدولة العباسية على ذلك اهتمام الناس بالزراعة ونقل الضرائب وخصب الأرض وغير ذلك.

اشتغال الناس بالزراعة

قلنا في كلامنا عن بيت المال في عصر الأمويين إن عمالهم كانوا يسيئون إلى أصحاب الخراج من الرعايا، بما يستعملونه من العنف والعسف في تحصيلها، فتشاغل الناس عن الزرع فأهملت الأرض، وزادها إهمالًا انتشاب الفتن والحروب في العراق وفارس وسائر أنحاء المملكة الإسلامية، ونقم الناس على حكومتهم وأبطلوا الزراعة نكاية فيها، ولقلة انتفاعهم بها، فأصبح معظم البلاد خرابًا من الإهمال٢ وفيها الضياع والمزارع، فلما تولى العباسيون، ونشروا لواء العدل، وأحسنوا معاملة أهل الذمة والموالي، وأمنوهم على حقوقهم وأموالهم وأرواحهم، عاد الناس إلى الاشتغال بالزرع وغيره.
وكان للخلفاء الأولين من بني العباس عناية كبرى بتأييد الأمن وتعمير البلاد، ورعاية أهلها من الذميين والموالي، فالمنصور كان يتتبع العمال الظالمين ويأخذ أموالهم، ويستبدل بهم سواهم، ويضع ما يأخذه من أموالهم في بيت مال مفرد سماه بيت مال المظالم٣ وكان يبعث إلى الأطراف يسأل عن أسعار الغلة لئلا يظلم الناس بعضهم بعضًا، ويبحث عن كل ما يقضي به القضاة أو يعمل به الولاة، وعما يرد إلى بيت المال وعن كل ما يحدث، فإذا رأى الأسعار تغيرت سأل عن السبب، وإذا شك في شيء مما قضى به القاضي سأله ووبخه،٤ وبعد أن كان الموالي كالأرقاء في أيام بني أمية أصبحوا في أيام العباسيين هم أهل الدولة وحماة الخلافة، يوصي الخلفاء بعضهم بعضًا برعايتهم وخصوصًا آل خراسان، فقد أوصى المنصور ابنه المهدي قائلًا: «انظر إلى مواليك، فأحسن إليهم وقربهم، واستكثر منهم، فإنهم مادتك لشدتك إذا نزلت بك، وأوصيك بأهل خراسان خيرًا، فإنهم أنصارك وشيعتك الذين بذلوا أموالهم ودماءهم في دولتك.٥ وكذلك فعل المأمون وغيره، وكان المنصور يشغل نهاره في النظر في الخراج والنفقات، ومصلحة معاش الرعية والتلطف معهم مما يؤدي إلى اطمئنانهم وهدوئهم، ومن وصاياه لابنه المذكور: «يا بني لا يصلح السلطان إلا بالتقوى، ولا تصلح رعيته إلا بالطاعة، ولا تعمر البلاد بمثل العدل.»

وأدلة عدل الخلفاء العباسيين الأولين وتقواهم ورفقهم كثيرة، فقد كان المهدي يجلس للمظالم فينصف الناس من عماله وقضاته وأهله، وأخبار الرشيد في العدل أكثر من أن تحصى، وكان إذا ذكروا الظلم بين يديه بكى، من أمثلة ذلك أنه كان قد حبس أبا العتاهية وجعل عليه عينًا يأتيه بما يقول، فرأوه يومًا قد كتب على الحائط:

أما والله إن الظلم لؤم
وما زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي
وعند الله تجتمع الخصوم

فأخبر بذلك الرشيد، فبكى وأحضره واستحله وأعطاه ألف دينار.

وله مع أبي العتاهية حديث أغرب من هذا، وهو أن الرشيد أولم وليمة ووضع طعامًا، وطلب إلى أبي العتاهية أن يصف ما هم فيه من النعيم، فقال:

عِشْ ما بدا لك سالمًا
في ظل شاهقة القصور
يسعى عليك بما اشتهيـ
ـت لدى الرواح وفي البكور
فإذا النفوس تقعقعت
في ظل حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنًا
ما كنت إلا في غرور
فبكى الرشيد، فقال الفضل بن يحيى: «بعث إليك أمير المؤمنين لتسره فحزنته!» فقال الرشيد: «دعه، رآنا في عمى فكره أن يزيدنا.»٦
وأمثلة ذلك كثيرة عن الرشيد والمأمون مما لا يستوعبه كتاب، فكيف لا يستتب الأمن في ظل هؤلاء؟! ولماذا لا تخصب الزراعة وتتسع التجارة في حمايتهم؟! وكيف لا يتقاطر الناس إلى جوارهم والاستهلاك في خدمتهم؟! وكيف لا تعمر البلاد في ظل العدل وهو ميزان نصبه الله بين عباده، فلا عمران إلا في ظله، ولا حياة إلا به؟! ولا يتم عز للسلطان إلا بالعدل، إذ لا عز للملك إلا بالرجال، ولا قِوام للرجال إلا بالمال، ولا سبيل إلى المال إلا بالعمارة، ولا سبيل إلى العمارة إلا بالعدل٧ والعدل أساس الملك.
ومما ساعد على عمران المملكة العباسية أن الخلفاء كانوا يبذلون جهدهم في تعمير ما تركه الأمويون خرابًا من الضياع والمزارع، بتسليمها إلى من يصلحها ويعمرها٨ فضلًا عما كانوا يبذلونه من العناية في شق الأنهر وإنشاء السدود وغيرها مما يسهل الري.

السواد

فعمرت بذلك البلاد وكثرت غلتها، وخصوصًا السواد (أو العراق)، فإنه من أخصب بقاع الأرض، وإذا راجعت ما ذكرناه من جبايته رأيت خراجه ١٢٠٠٠٠٠٠٠ درهم، وذلك نحو ثلث خراج المملكة كلها، والسواد كثير الجباية من أيام الفرس، فقد جباه قباذ بن فيروز ١٥٠٠٠٠٠٠٠ درهم٩ وجباه كسرى بن قباذ ٢٨٧٠٠٠٠٠٠ درهم١٠ وجباه غيرهما من ملوك الفرس ١٢٠٠٠٠٠٠٠ درهم، سوى ٣٠٠٠٠٠٠ من الوضائع لموائد الأكاسرة١١ كانوا يجبون ذلك على غير ظلم ولا عسف، ولكنهم كانوا يعتنون بالري فيحفرون الترع ويبنون السدود والجسور، ووادي الفرات — كما لا يخفى — كثير الشبه بوادي النيل من جملة وجوه لخصب تربته، وغزارة مائه، وهو يفيض مثله كل سنة ولكن الفرات ودجلة يجريان من الشمال إلى الجنوب ويفيضان في الشتاء، والنيل يجري من الجنوب إلى الشمال ويفيض في الصيف، ويحتاج السواد بعد كل فيضان إلى إصلاح ما تخرَّب من الجسور ونحوها بطغيان الماء.

وكان ماء دجلة يجري قديمًا عبر مجراه اليوم، أي أنه كان يجري مثل مجراه اليوم من بغداد جنوبًا إلى المدائن فالدير فالعاقول فجرجرايا فجابول إلى ماذرايا، ومن هناك ينعطف غربًا حتى يسير سيرًا عموديًّا إلى فم الصلح فواسط، حتى يصب في البطائح حيث يلتقي بالفرات ومنها إلى دجلة العوراء بقرب البصرة، ومنها إلى خليج فارس قرب عبادان، ثم يجري بعد ذلك من ماذرايا شرقًا، ثم ينعطف جنوبًا شرقيًّا على ما هو عليه اليوم، وكان الفرات فرعين: أحدهما بجانب الكوفة، والآخر شرقيها، وكلاهما يصب في البطائح.

البطائح

والبطائح مستنقعات أو أرض كان يغمرها الماء في أسفل العراق بين البصرة والكوفة، وسببها أن دجلة انبثق في أيام قباذ بثقًا كبيرًا بقرب كسكر، فأغفل أمره حتى غلب ماؤه وأغرق كثيرًا من الأرض العامرة التي كانت تليه وتقرب منه، فلما ولي أنوشروان العادل الشهير أمر بذلك الماء فزحم بالمسنيات (أي أقام الجسور على جانبي المجرى القديم) حتى عاد بعض تلك الأرض إلى العمارة، ثم خلفه ابنه برويز، وفي أيامه زاد الفرات ودجلة زيادة عظيمة (في السنة السادسة للهجرة) لم يُرَ مثلُها وانبثقت بثوق كبار، فجهد برويز أن يسكرها حتى ضرب أربعين سكرًا في يوم واحد فلم يقدر على رد الماء، فظلت الحال على ذلك حتى جاء المسلمون لفتح العراق وشغل الفرس بالحرب، فكانت البثوق تنفجر ولا يلتفت إليها أحد ويعجز الدهاقين عن سدها، فعظم ماؤها واتسعت البطيحة وعظمت١٢ ومع ذلك فقد كان خراج هذه الأرض المستنقعة كبيرًا؛ فإن عبد الله بن دراج استغل منها ٥٠٠٠٠٠٠٠ درهم في خلافة معاوية بن أبي سفيان،١٣ لكنهم قلما عُنُوا بإصلاحها والانتفاع بالأرض المغمورة، فلما تولى الحجاج بن يوسف اشتغل بالحروب عن إصلاح الري، وفي أيامه انبثقت بثوق أخرى وكبرت البطائح، فكتب إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك بخبرها وأنه قدر للنفقة على سدها ٣٠٠٠٠٠٠ درهم، فاستكثرها الوليد، فقال له أخوه مسلمة بن عبد الملك: «أنا أنفق على سدها من مالي على أن تعطيني خراج الأرض المنخفضة التي يبقى فيها الماء بعد إنفاق المال على أيدي ثقاتك.» فرضي الوليد بذلك فحصلت للوليد أرض وطساسيج كثيرة، فحفر نهرين سماهما السيبين وتألف الأكرة (أي عمال الأرض) والمزارعين وعمر تلك الأرض، واستخرج للوليد أيضًا من البطائح ثم لهشام بعده مالًا كثيرًا، ثم جرى الناس على ذلك إلى أواخر بني أمية.١٤
ولما أفضت الخلافة إلى العباسيين واتخذوا السواد مقر ملكهم، جعلوا همهم إحياء أرضه باحتفار الأنهر وإنشاء الجسور، حتى تشابكت الترع في السواد، وأصبح ما بين دجلة والفرات سوادًا مشتبكًا غير مميز، تخترق إليه أنهار من الفرات،١٥ وقس على ذلك سائر أنحاء العراق، وهو لم يَصِرْ إلى هذا الخصب والرخاء إلا في أيام العباسيين لارتياح الناس إلى العمل، ورغبة الخلفاء في تعمير البلاد، مع قابلية الأرض لذلك.

خراسان

ومن البلاد التي زاد بها الخراج زيادة كبرى خراسان، فقد كانت أرضًا خصبة بالإضافة إلى سعتها، ورغبة أهلها في نصرة الدولة العباسية وخراج خراسان نحو ٤٠٠٠٠٠٠٠ درهم، إذا أضيف إلى خراج العراق بلغ المجموع نحو نصف جباية المملكة كلها ولذلك كانت عناية بني العباس في إبان دولتهم مبذولة في هذين البلدين وفي الحجاز، وكان يقال: أما العراق فللمال، وأما خراسان فللمال والرجال، وأما الحجاز فهو مصدر الثقة في الخلافة وتثبيت البيعة، وعمران خراسان في ذلك الوقت مما لا ريب فيه، قال المقدسي في عرض كلامه عن مدائن العراق، وقد أطنب في عمرانها: «فهذه مدن بغداد، وبخراسان قرى كثيرة أجل من أكثر هذه المدن.»١٦ وكثيرًا ما كان الخلفاء العباسيون يعدون خراسان المملكة كلها.١٧
ويدخل في ولاية خراسان بلاد ما وراء النهر، وهي كثيرة الخصب جدًّا، قال ابن حوقل: «ولم أَرَ ولم أسمع في الإسلام بظاهر بلد أحسن من ظاهر بلد بخارى؛ لأنك إذا علوت قندهار لم يقع بصرك من جميع النواحي إلا على مغارسَ تتصل خضرتُها بلون السماء، وكأن السماء قبة زرقاء على بساط أخضر، تلوح القصور ما بين ذلك كالتراس اللمطية أو كالكواكب العلوية بياضًا ونورًا من أراضي ضياع مقومة بالاستواء كوجه المرآة.» قال: «والمشار إليه من متنزهات الأرض: صفد سمرقند ونهر الأبلة وغوطة دمشق.»١٨ ناهيك بعمران سائر المدن الإسلامية في ذلك العصر الزاهر.

مصر

ولا غرابة فيما تقدم من عمران البلاد في ظل الدولة العباسية، فإن العدالة توطد دعائم الأمن، وإذا أمن الناس على أرواحهم وحقوقهم تفرغوا للعمل، فتعمر البلاد، ويرفه أهلها، ويكثر خراجها، اعتبر ذلك بمصر وتاريخ جبايتها، فقد كان عدد سكانها عند الفتح الإسلامي نحو ٢٠٠٠٠٠٠٠ نفس على ما أجمع عليه مؤرخو العرب، ويستبعد أهل زماننا إمكان هذا.

وأكثر منهم استغرابًا أهل أوائل القرن الماضي، فقد ذكر الدكتور كلوت (بك) تقدير العرب لسكان وادي النيل أنه عشرون مليونًا، وعقب عليه بأنه «بعيد الاحتمال؛ لأن طبيعة الأرض لا تحتمل أن يزيد عدد سكانها على ثلث هذا القدر»،١٩ وقد رأينا اليوم أنه زاد على نصفه، ولا يزال آخذًا في الزيادة.

أما كلوت (بك) فإنه أعظم ذلك؛ لأن إحصاء هذا القطر كان على عهد كتابه (سنة ١٨٤٠) ٣٠٠٠٠٠٠ نفس فقط، على أنه لما ذكر هذا الإحصاء أظهر إعجابه بزيادة سكان وادي النيل في عهد محمد علي عما كانوا عليه في أيام المماليك.

أما في أيام الأمراء المماليك قبله فلم يكن يزيد عدد سكان مصر على ٢٠٠٠٠٠٠ نسمة، ولا نظن الأرض المزروعة فيها كانت تزيد على مليون فدان وبعض المليون بالنظر إلى ما كان يقاسيه المصريون من استبداد الأمراء المماليك، فلما استقرت الأحوال في العصر الحديث تزايد السكان واتسعت مساحة الأرض المزروعة حتى بلغت الآن ٥٥٠٠٠٠٠ فدان (سنة ١٩٠٣) وسكانها نحو عشرة ملايين وهم آخذون في الزيادة، وبالطبع إن مقدار الجباية يزداد بزيادة العمران وكثرة السكان، وهما لا يكونان إلا في ظل العدل الصحيح، اعتبر ذلك في جباية مصر بالنظر إلى الدول والعصور فترى أنها تمشت على هذه القاعدة تمامًا:

كانت جباية مصر في زمن الراشدين أعلى ما بلغت إليه في الإسلام، فقد جباها عمرو بن العاص في زمن عمر بن الخطاب ١٢٠٠٠٠٠٠ دينار ومساحة الأرض للزراعة على تقديرهم ٣٠٠٠٠٠٠٠ فدان، وجباها عبد الله بن سعد في أيام عثمان ١٤٠٠٠٠٠٠ دينار، ولكنه استعمل العنف في تحصيلها،٢٠ فلما كانت أيام بني أمية وكان ما كان من ظلم العمال وعنفهم انحطت الجباية، ولم تزد في أيامهم على ٣٠٠٠٠٠٠ دينار إلا في أيام ابن الحبحاب على عهد هشام بن عبد الملك فبلغت ٤٠٠٠٠٠٠ دينار؛ لأنه بذل الجهد في تحصيلها وتعديلها وزاد الخراج، فلما كانت الدولة العباسية لم تزد الجباية كثيرًا لبعد مصر من دار الخلافة يومئذ فظلت على نحو ما كانت عليه في أيام بني أمية، ولما أخذت الدولة العباسية في التقهقر زاد انحطاط الجباية في مصر حتى أصبح في بعض سِنِي القرن الثالث للهجرة ٨٠٠٠٠٠ دينار، فلما تولاها ابن طولون سنة ٢٥٧ﻫ استقصى عمارتها فبلغت جبايتها في أيامه ٤٠٠٠٠٠٠ دينار مع رخاء الأسعار، وكان القمح كل عشرة أرادب بدينار٢١ فلما انقضت دولة بني طولون والدولة الإخشيدية ودخلت مصر في حوزة الفاطميين سنة ٣٦٣ﻫ جباها جوهر القائد ٧٠٠٠٠٠٠ دينار٢٢ لكنه لم يستطع ذلك إلا بزيادة الخراج على الأفدنة، ثم عادت الجباية فانحطت وارتقت تبعًا لما تناوب عليها من الدول مما يطول شرحه.
وآخر عهدنا بانحطاطها على أيام الأمراء المماليك في أواخر القرن الثامن عشر — كما تقدم — إذ كانت جبايتها قليلة جدًّا مع كثرة الضرائب والتشديد في تحصيلها، وإليك ميزانية الحكومة المصرية سنة ١٢١٣ﻫ/١٧٩٨م:
ميدة أو نصف
١٦٧٧٣٤٥١ الباقي
الوارد
٨٠٤٦٠٠٦٨ مال الميري على القرى والأوقاف
١٠٨٧٠٧٧٣ مال الميري على الإيراد
٢٢٨١١٨٠٥ مال الميري على الصنائع والمأكولات
٢٥٠٩٠٨١ مال الميري على الرؤوس
١١٦٦٥١٧٢٧ مجموع الوارد
الخارج
٢٩٣٩٢٤٧ نفقات كبار الموظفين
٢٩٧٧٢٦٥٧ نفقات الجند
٢٦٥٣٥٨٥ نفقات مختلفة
٨٤٣٨٩٩٤ نفقات العلماء والتعليم ووقفيات
١٣٨٩٢١٣٩ نفقات رجال الدين والجوامع ونحوها
٤٢٠٧١٦٥٤ نفقات الحج
٩٩٨٦٨٢٧٦ مجموع الخارج يستخرج من مجموع الوارد أعلاه
والباقي المشار إليه كانوا يسمونه الخزنة، وكانوا يحملونها إلى الأستانة كل سنة، ولما تمرد حكام مصر، حاول بعضهم إسقاطها، والبعض الآخر تخفيضها، ثم انتهت أخيرًا إلى أن يقتطعوا منها ٩٢٨٣٤٥١ نصفًا في مقابل نفقات فوق العادة على هذه الصورة:
ميدة أو نصف
٩٢٨٣٤٥١ الجملة
٣٠٠٠٠٠٠ ترميم قلاع القاهرة
١٥٠٠٠٠٠ ترميم قلاع سائر القطر
٢٠٠٠٠٠٠ أثمان سكر وخلافه
٢٧٨٣٤٥١ نفقات أخرى يأمر بها شيخ البلد
فإذا أسقط هذا المال من الخزانة المذكورة كان الباقي ٧٥٠٠٠٠٠ ميدة.٢٣
وخلاصة ما يهمنا في هذا المقام أن مجموع الإيراد في عصر المماليك بلغ ١١٦٦٥١٧٢٧ نصفًا، أو ميدةً، والميدة في تلك الأيام كانت تساوي أربعة سنتيمات تقريبًا٢٤ أو كل ٢٨ نصفًا تساوي ٤ قروش و٣٧٥ من ألف من القرش، فجباية مصر يومئذ قيمتها بالقروش نحو ١٨١٥٦٢٥٠ قرشًا.
غير أن قيمة نقود تلك الأيام كانت تختلف عن قيمتها اليوم، وقياس ذلك الاختلاف أسعار المأكولات؛ فقد كان ثمن الرطل من اللحم الضاني سبعة أنصاف وثمن إردب القمح ٢٤٠ نصفًا٢٥ فإذا قسنا ذلك بأثمانها في هذه الأيام رأينا الميدة أو النصف يقابل نصف القرش المصري تقريبًا، فتكون جباية مصر في عصر المماليك تساوي نحو ٥٨٠٠٠٠٠٠ قرش مصري أو ٥٨٠٠٠٠ جنيه، فلما تولتها العائلة الخديوية أخذت جبايتها في الزيادة حتى بلغت في العام الماضي (١٩٠٧) ١١٨٥٠٠٠٠ جنيه، أي أكثر من عشرين مرة من جبايتها في أيام المماليك، والتربة واحدة، والنيل واحد، والفصول على حالها.

ثقل الخراج المضروب

كان الخراج المضروب على الأرض في المملكة العباسية يختلف نوعه باختلاف البلاد، فبعضها بالمساحة، أي أن يضربوا على المساحة المعلومة من الأرض مالًا معينًا في العام، سواء زرعت تلك الأرض أم لم تزرع، والبعض الآخر بالمقاسمة، أي أن يكون الخراج جزءًا من حاصل الأرض بعد زرعها واستغلالها، فما لم يزرع لا يطالب بخراجه، وكلٌّ من خراج المساحة والمقاسمة درجات وفئات سيأتي بيانها، ولما كان السواد (أو العراق) أهم أقاليم المملكة العباسية بالنظر إلى الخراج بدأنا به.

السواد

كان السواد لما فتحه المسلمون يُجبَى بالمساحة باعتبار «الجريب»، وهو قطعة من الأرض مساحتها ستون ذراعًا في ستين أي ٣٦٠٠ ذراع مربع، فكل ما كانت مساحته جريبًا كان الفرس يأخذون عليه قفيزًا (أي محصول قفيز من الأرض عينًا) ودرهمًا٢٦ والقفيز عشر الجريب (أي ٣٦٠ ذراعًا بلديًّا مربعًا، وهم يقولون القفيز ويريدون غلته، أي أنهم كانوا يأخذون عشر المحصول كله عينًا؛ لأن القفيز عشر الجريب وزيادة على ذلك درهمًا نقدًا عن الجريب) ويعبرون عن القفيز وزنًا بثمانية أرطال، ويقدرون قيمته ثلاثة دراهم٢٧ وكانت ضريبة الخراج بالقفيز معروفة في الجاهلية، ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
تُغِلُّ لكم ما لا تُغِلُّ لأهلها
قُرًى بالعراق من قفيز ودرهم

فإذا اعتبرنا القفيز بثلاثة دراهم كان الجريب بثلاثين درهمًا، يؤخذ عليه أربعة دراهم أي نحو ١٣ وثلث في المئة، وهو خراج خفيف جدًّا، لولا أن كثيرًا من الأجربة تبقى بلا زرع ويدفع أصحابها الخراج عنها.

فلما فُتِح السواد على عهد عمر بن الخطاب، وعلم بما كان الفرس يجبونه، أمر بمساحته فمسحوه وعدلوه باعتبار نوع الغرس، وخلاصة ذلك: أنه أبقى الخراج على الحنطة كما كان في أيام الفرس، أي على الجريب قفيز ودرهم أو أربعة دراهم، وجعل على الجريب من الكرم عشرة دراهم، ومن النخيل ثمانية دراهم، ومن القصب ستة دراهم، والرطبة خمسة دراهم، وعلى الشعير درهمين، وعلى الرأس من الناس ١٢ درهمًا أو ٢٤ أو ٤٨ درهمًا، وأخرج من ذلك النساءَ والصبيانَ٢٨ وكان العمال يجبون السواد لعُمَرَ ١٢٠٠٠٠٠٠ درهم باعتبار أنه ٣٠٠٠٠٠٠٠ جريب، وظل السواد في أيام الراشدين عامرًا وأكثره مزروعًا، فلما كانت الفتنة بعد مقتل عثمان، واشتغل المسلمون بالحروب إلى أيام بني أمية، واستصفاء الأموال في أيام معاوية والحجاج وغيرهما، اشتغل أهل السواد عن الزرع كما تقدم، ومع ذلك فإن الحجاج جباه نحو جبايته في أيام عمر، ولا بد أنه استخدم العسف والشدة في ذلك؛ لأن صاحب الأرض كان يُطالَب بالخراج عن أرض لم يزرعها، فإذا لم يؤدِّ ما عليها ظل عليه الخراج دينًا عامًا بعد عام، فيتراكم ذلك على أصحاب الأرض وهم يزدادون ضنكًا، فخربت البلاد وهجرها أهلها، وجرى على ذلك معظم عمال العراق بعده حتى اضطر أصحاب الأرض إلى الإلجاء كما سيأتي، ناهيك بما كان في نفوس أهل السواد وغيرهم من كره بني أمية لتعصبهم للعرب، واحتقارهم لغير العرب ولو كانوا مسلمين.
فلما أفضت الخلافة إلى العباسيين سنة ١٣٢ﻫ، وجهوا عنايتهم إلى السواد، بنوع خاص، وأول من فعل ذلك منهم المنصور، فإنه نظر في السواد فإذا هو يكاد يكون خرابًا للأسباب التي قدمناها، فرأى أن من الظلم استبقاء الخراج عليه بالمساحة على تلك الصورة، فجعل خراج الحنطة والشعير مقاسمة (وهما أكثر غلات العراق) أي أن يؤخذ خراج الأرض من غلتها إذا زرعت، فإذا لم تزرع لا يؤخذ منها شيء، وأبقى اليسير من الحبوب والنخل والشجر من الخراج بالمساحة،٢٩ ولا ندري كم جعل حصة بيت المال من المقاسمة المذكورة، ولكننا نعلم أن ابنه المهدي (من سنة ١٥٦–١٦٩) عين ذلك وحدده فجعل المقاسمة بالنصف في الأرض التي تُسقَى سيحًا أي بدون تعب، وبالثلث في الأرض التي تُسقَى بالدوالي وبالربع في الأرض التي تُسقَى بالدواليب، وأبقى خراج النخل والكرم والشجر على المساحة (أي تركه يحسب على أساس المساحة المزروعة) وفضل بعضه على بعض باعتبار قربه من الأسواق والعرض، أشار عليه بذلك وزيره معاوية بن يسار،٣٠ فكان خراج العراق عبارة عن نصف غلته تقريبًا؛ لأن أكثره يسقى سيحًا، وهو خراج ثقيل، ولكن الناس عدوه يومئذ فرجًا ورحمة.
ويظهر أن الهادي أو الرشيد زاد على ذلك الخراج العشر، فصار خراج العراق نصف غلته وعشرها أي ستة أعشارها، وظل ذلك شأنها إلى سنة ١٩٢ﻫ فأسقط الرشيد العشر وأبقى النصف فقط٣١ وما زال أهل السواد يدفعون نصف غلتهم خراجًا إلى سنة ٢٠٤ﻫ فجعلها المأمون خمسين٣٢ فكأنه أسقط عشرين في المائة من مقدار الخراج، وخفض خراج بعض البلاد الأخرى غير السواد كالري، فإنه جاءها سنة ٢١٠ﻫ فأقام فيها مدة، وأمر بتخفيف الخراج عنها، فلما انصرف وبلغ أهل (قم) ذلك طلبوا إليه أن يحط خراجهم كما فعل بالري فأبى، فتمردوا وامتنعوا عن أداء الخراج وكان مقداره ٢٠٠٠٠٠٠ درهم فحاربهم المأمون وجباه في ذلك العام ٧٠٠٠٠٠٠ درهم تأديبًا لهم.٣٣

فترى مما تقدم أن خراج السواد كان ثقيلًا بالنظر إلى ما كان عليه في أيام الراشدين على المساحة؛ لأنهم كانوا يأخذون على الجريب أربعة دراهم ونسبة الجريب إلى الفدان كنسبة ١٢٦٠ : ٤٢٠٠ أو نسبة ١٠٠ : ٣٣٣ وثلث، فإذا كان على الجريب ٤ دراهم كان على الفدان ١٣ وثلث، وهو خراج زهيد بالنظر إلى ما يبقى بورًا فهو كثير، وربما كان المعدل في الحالين واحدًا، يدلك على ذلك أن الفرق في ارتفاع الخراج بين المساحة في أيام الراشدين والمقاسمة في إبان كثرتها لا يعتد به، أما بالنظر إلى هذه الأيام (سنة ١٩٠٣م) فإن ضرائب السواد ما زالت حتى في أيام المأمون تعتبر ثقيلة بالنسبة إليها؛ إذ ليس في العراق الآن أرض يزيد خراجها على خمس غلتها، وفيها جانب كبير يؤخذ منه العشر فقط، وفي لبنان ظاهر الخراج على المساحة ولكنه مؤسس على المقاسمة؛ لأنهم مسحوا الأرض وقسموها باعتبار ما يحصل من غلتها باختلاف المغروسات، فالأرض التي غلتها كيل زيتون أو حمل ورق توت أو بذار مد قمح أو ما تساوي قيمته ٣٦٠ قرشًا سموها سهمًا، وفرضوا على السهم ٢١ قرشًا إلا ربع قرش، فيكون الخراج ٦ في المائة فقط.

مصر

ويلي العراقَ في الخصبِ مصرُ، وكان خراجها على المساحة باعتبار الفدان وهو قطعة من الأرض كانت مساحتها عندهم ٤٠٠ قصبة، والقصبة خمسة أذرع بذراع النَّجَّار وستة أذرع وثلثَا ذراع بذراع القَمَّاش.٣٤
وفي تعريف الحكومة المصرية اليوم الفدان قصبة، والقصبة ٣٫٥٥ من المتر المربع، وبتحويله إلى أمتار مربعة يكون الفدان نحو ٤٢٠٠ متر مربع، وقد تزيد أو تنقص قليلًا.٣٥
وقد تقدم ما كان يقاسيه المصريون في عهد بني أمية من العسف وزيادة الضرائب، فدخلت الدولة العباسية مصر وأكثرها خراب لما كان يسوم أهلَها عمالُ بني أمية من زيادة الخراج، وأشهر من فعل ذلك منهم عبيد الله بن الحبحاب في أيام هشام بن عبد الملك، فإنه زاد على القبط قيراطًا في كل دينار كما تقدم، فآل ذلك إلى ثورة كبرى، على أن الثورات كانت تتوالى في مصر بسبب ضغط العمال، فلما تولى العباسيون بعثوا إليها العمال، ولكنهم لم يكونوا يستطيعون رعاية أعمالهم، وملاحظة سيرهم، كما كانوا يلاحظون سير عمال العراق؛ لبعد وادي النيل عن مركز خلافتهم، فكان العمال حتى في صدر الدولة العباسية يضاعفون الخراج، ويشددون في تحصيله، كما فعل موسى بن علي سنة ١٥٦ﻫ في أواخر أيام المنصور، وموسى بن صعب في أيام المهدي، فإنه ضاعف الخراج وشدد في استخراجه٣٦ وربما كان ذلك بإيعاز الخليفة؛ لأن المهدي زاد الخراج على أهل العراق كما رأيت.
أما في أيام المأمون أي في إبان الثروة الإسلامية فقد كان الخراج المضروب على مصر دينارين عن كل فدان،٣٧ وذلك كثير بالنظر إلى ما يؤخذ منها الآن، إذا اعتبرنا الفرق في السعر بين تلك الأيام واليوم؛ لأن الخراج المضروب على أطيان مصر الخراجية (وهي الجانب الأكبر) يختلف مقداره اليوم باختلاف خصبها، وهو وإن كان على المساحة فأساسه المقاسمة؛ لأنهم قسموا القطر المصري إلى نواحٍ يختلف خراجُها باختلاف خصبِها.
وأخصب النواحي لا يزيد خراج الفدان فيها على ١٨٠ قرشًا،٣٨ وأمثال هذه الفدادين قليل جدًّا، وأما الأكثر فخراجه حوالي مائة قرش، وفيها ما خراجه عشرون قرشًا، أو عشرة قروش، وإذا اعتبرنا غلة الأرض بالنظر إلى خراجها، رأينا الخراج لا يزيد على خمس الغلة بوجه التقريب؛ لأن الفدان الذي تقدير خراجه مائة قرش مثلًا يضمن بخمسة جنيهات أو ستة.
وإذا استخرجنا معدل خراج مصر على كل الفدادين، رأينا معدل خراج الفدان لا يزيد على ٨٥ قرشًا؛ لأن في القطر المصري نحو ٥٥٠٠٠٠٠ فدان زراعي بلغ مقدار خراجها للسنة الماضية (١٩٠٢) ٤٦٥٢٥٧٠ جنيهًا٣٩ فيلحق الفدان الواحد نحو ٨٥ قرشًا، وقد تقدم في غير هذا المكان أن القرش اليوم يساوي ثلث قرش تلك الأيام، فالديناران خراج الفدان في أيام المأمون يساويان ستة دنانير في هذه الأيام أو ثلاثة جنيهات، فيكون خراج مصر في أيام المأمون يزيد على ثلاثة أضعافه في هذه الأيام (سنة ١٩٠٣).
ولكن يظهر أن الخراج في مصر زاد بعد المأمون، حتى بلغ في أواسط القرن الرابع للهجرة لما جاءها القائد جوهر وفتحها باسم الخلفاء الفاطميين ثلاثة دنانير ونصفًا، فجعلها هو سبعة دنانير٤٠ وذلك شيء كثير.

وقد رأينا في كتاب أحسن التقاسيم للمقدسي أنه: «ليس على مصر خراج، ولكن يعمد الفلاح إلى الأرض فيأخذها من السلطان ويزرعها، فإذا حصد ودرس وجمع رُشِمَت بالعرام وتُرِكت، ثم يخرج الخازن وأمين السلطان فيقطعان (أي يأخذان) كرى الأرض ويعطيان ما بقي للفلاح»، ولكن ذلك كان خاصًّا بالأرض التي كانت الحكومة تقبلها أي تضمنها وليس لها مالك، وقد تكون في الأصل لبعض القواد أو العمال من الروم الذين قتلوا في الحرب أو هربوا، فبقيت حلالًا لبيت المال كما تقدم، فيضمنها الحاكم ويأخذ ضمانتها عينًا أو نقدًا.

بلاد أخرى

وهناك بلاد بعضها كان يجبى بالمساحة، والبعض الآخر بالمقاسمة، فبلاد فارس مثلًا كان خراجها على ثلاثة أصناف: (١) المقاسمة، (٢) المساحة، (٣) القوانين، وهي المقاطعات (أي الإقطاعات)، على أن أكثر بلاد فارس على المساحة، وتختلف الأخرجة فيها باختلاف البلاد فأثقلها في شيراز٤١ فإن خراج الجريب حنطة أو شعيرًا ١٩٠ درهمًا والجريب من الأرطاب والمباطخ ٢٣٧ ونصف درهم، ومن القطن ٢٥٦ درهمًا وأربعة دوانق، ومن الكرم ١٤٢٥ درهمًا، ولكن الجريب عندهم كبير أي سبعون ذراعًا بذراع الملك، وهو تسع قبضات٤٢ فإذا فرضنا أن الجريب جريبان من أجربة العراق فالخراج مع ذلك لا يزال ثقيلًا جدًّا، وهو خراج تلك البلاد في أواسط القرن الرابع، ولم نقف على مقداره في أيام المأمون.
ومن هذا القبيل خراج المغرب في أيام الأغالبة، فقد بلغ خراج الفدان في أيام عباس بن إبراهيم بن الأغلب ١٨ دينارًا٤٣ ولا نظن مثل هذا المال يطول اقتضاؤه من أصحاب الأرض، وإنما هو يختلف باختلاف الأعوام والأحوال.
وجملة القول أن الخراج كان في العصر العباسي الأول ثقيلًا، ومع ذلك لم يكن يعسر اقتضاؤه، وقلما شكا الناس ثقله، وربما استطاع العامل أن يجمع الملايين من الدراهم بسهولة في بضعة أيام، كما اتفق للمأمون لما مر بدمشق وكان أخوه المعتصم عاملًا له عليها، وقد قل المال مع المأمون فشكا ذلك إلى المعتصم فقال: «يا أمير المؤمنين كأنك بالمال وقد وافاك بعد جمعة.» فجاءه بثلاثين ألف ألف درهم (٣٠٠٠٠٠٠٠) من خراج ما يتولاه له ففرق معظمه وهو واقف.٤٤

(٢) سائر مصادر الجباية

على أننا لا نرى بأسًا من الإشارة إلى ما بقي من مصادر الجباية في العصر العباسي الأول لتتمة الموضوع — منها:
  • (١)
    أعشار السفن: هي ضريبة ذات بال، كان يرد منها إلى بيت المال مبالغ وافرة، لم نعثر على تفصيلها ولا وقفنا على مقدار ما كان يجبى منها في العصر العباسي، ولكن يؤخذ مما نعلمه من اتساع التجارة في تلك الأيام، بين العراق وسائر أقطار الدنيا حتى الهند والصين، أن السفن كانت كثيرة وأحمالها ثمينة، وقد ذكروا تاجرًا واحدًا من تجار البصرة في القرن السادس للهجرة اسمه حسن بن العباس، له مراكب تسافر إلى أقصى بلاد الهند والصين، بلغ مقدار ما يتحصل من ضرائبها ١٠٠٠٠٠ دينار في العام٤٥ فاعتبر ذلك وقس عليه غيره في البصرة وغيرها من ثغور الإسلام، وفيها ما يكون أكثر دخله من أعشار السفن، فقد كان ضمان أعشار المراكب في عدن في القرن الرابع ٢٠٠٠٠٠ دينار،٤٦ وضمانها في القرن السادس ١١٤٠٠٠ دينار٤٧ والظاهر أن جباية تلك الأعشار كانت في العصر العباسي أقل مما صارت إليه بعد ذلك؛ لأننا نرى في جريدة علي بن عيسى التي كتبها للخليفة المقتدر سنة ٣٠٦ﻫ أن ضرائب المراكب في البصرة بلغت ٢٢٥٧٥ دينارًا، وقد تقدم أن أضعاف ذلك كان يتحصل من أحد تجارها بعد قرنين.
  • (٢)
    أخماس المعادن: كانت المعادن عندهم ضربين: ظاهرة، وباطنة، فالمعادن الظاهرة ما كان جوهرها المستودع فيها بارزًا، كمعادن الكحل والملح والقار والنفط، فهذه لا يجوز إقطاعها؛ لأنها كالماء والناس فيه سواء يأخذه من ورد إليه (ومن قبيل ذلك أراضي المراعي والكلأ والآجام)، وأما المعادن التي في باطن الأرض فهي ما كان جوهرها مستكنًّا فيها، فهذه كانت الحكومة تقطعها لمن يستخرجها، ولها الخمس مما يخرج منها،٤٨ ونظرًا لسعة المملكة العباسية فقد كانت المناجم فيها عديدة، ومنها الذهب والفضة والنحاس والزئبق والفيروز والزبرجد وغيرها، وهاكَ أمثلةً منها ومن أماكن وجودها:
    كانت في خراسان معادن الذهب والفضة والفيروز والرخام وطين الختم والنوشادر والزئبق٤٩ وفي ما وراء النهر معادن الذهب والفضة والزئبق لا يكاثره معدن في الغزارة والكثرة٥٠ وفي بلاد فارس عامة المعادن: الفضة والحديد والأنُك والكبريت والنفط والصفر والزئبق، وبغربي أصبهان معدن الكحل٥١ وفي كرمان مدينة اسمها دمندان كان فيها أكثر معادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والنوشادر والصفر٥٢ ومن هذا القبيل مغاوص المرجان بسواحل إفريقيا الشمالية، وهو شيء كثير كانوا يوسقون من منجم واحد منه خمسين قاربًا أو أكثر، وفي كل قارب عشرون رطلًا٥٣ وفي سوريا معادن الحديد، كانت بجوار بيروت، والمغرة الجيدة في حلب وجبال الحمر في مكان آخر، ومعدن الرخام في فلسطين، ومعدن الكبريت في الأغوار٥٤ وفي مصر معادن الشب بالصعيد، وكانت العربان تحضره من مناجمه إلى ساحل أخميم وأسيوط والبهنسا، ويحمل منه إلى الإسكندرية أيام النيل، وكانوا يبيعون منه تجار الروم نحو ١٢٠٠٠ قنطار بسعر أربعة دنانير لكل قنطار إلى ستة، وكذلك النطرون في البر الغربي للنيل وفي غيره كان يستخرج منه كل سنة ١٠٠٠٠ قنطار، وكان يضمن في بعض الأحوال ضمانًا تبلغ قيمته ١٥٥٠٠ دينار.٥٥
    وفي النوبة مما يحاذي أسوان معدن الذهب المشهور، قال ابن حوقل: «والمعدن ليس من أرض مصر، ولكنه في أرض البجة وينتهي إلى عيذاب، والمعدن أرض مبسوطة لا جبل فيها وهي رمال ورضراض ومجمع تجارهم العلاقي.»٥٦ وفي بلاد الغرب مما يلي سجلماسة معادن الذهب والفضة، وكذلك في ما وراء ذلك إلى بلاد السودان،٥٧ وكان في صعيد مصر جنوبي النيل (كذا) معدن الزبرجد في برية منقطعة عن العمارة،٥٨ وفي البحرين بخليج فارس مغاوص اللؤلؤ، وفي صنعاء مناجم العقيق وبين ينبع والمروة معادن الذهب، وعلى شواطئ عدن ومخا (في اليمن) العنبر.٥٩
    هذه أمثلة مما كان في المملكة العباسية من المعادن تمثيلًا لما كان يجبى من أخماسها إلى بيت المال، وكانوا يقطعون هذه المعادن إقطاعًا أو يضمنونها تضمينًا بمال معين، وقد يكون ذلك المال كثيرًا، من أمثلة ذلك أن معادن الفيروز في نيسابور بلغت ضمانتها في أواسط القرن الرابع للهجرة ٧٥٨٧٢٠ درهمًا.٦٠
  • (٣)
    الجزية والزكاة: كانت الجزية في صدر الإسلام كثيرة، ثم تناقصت بدخول الناس في الإسلام، والزكاة كان لها شأن كبير في أول الإسلام، ثم قلَّتْ أهميتُها، وسيأتي بيان ذلك.
  • (٤)
    المكوس والمراصد: وهما تقابلان الجمارك والعوائد في هذه الأيام، وكانوا يأخذون ضريبة من كل تجارة واردة في البحر أو البر، مهما يكن نوعها من الأنسجة أو المحصولات أو المصنوعات أو الرقيق أو غيره، وكان يحصل لهم من ذلك مال كثير، ولا نعلم مقدار ما كان يجمع منه، ولكن يظهر أنها كانت تختلف باختلاف الزمان والمكان، وربما اختلفت في البلد الواحد باختلاف الزمان، وفي الزمن الواحد باختلاف البلاد مما لا يمكن حصره، وإنما نأتي بما شاهده شمس الدين المقدسي بنفسه في مصر في أواسط القرن الرابع للهجرة من الضرائب التي كانت تؤخذ في تنيس ودمياط، قال: «وأما الضرائب فثقيلة بخاصة تنيس ودمياط وعلى ساحل النيل، وأما الثياب الشطوية فلا يمكن القبطي أن ينسج شيئًا منها إلا بعد ما يختم عليها بخاتم السلطان، ولا أن تباع إلا على يد سماسرة قد عقدت عليها، وصاحب السلطان يثبت ما يباع في جريدته، ثم تحمل إلى من يطويها، ثم إلى من يشدها بالقشر ثم إلى من يشدها في السفط، وإلى من يحزمها، وكل واحد منهم له رسم يأخذه، ثم على باب الفرضة (أي الميناء) يؤخذ شيء، وكل واحد يكتب على السفط علامته، ثم تفتش المراكب عند إقلاعها، ويؤخذ بتنيس على زق الزيت دينار ومثل هذا وأشباهه، ثم على شط النيل بالفسطاط ضرائب ثقال، رأيت بساحل تنيس ضرائبيًّا جالسًا قبل قبالة هذا الموضع (يجمع) في كل يوم ألف دينار، ومثله عدة على سواحل البحر في الصعيد وساحل الإسكندرية، وبالإسكندرية أيضًا على مراكب الغرب، وبالفرما على مراكب الشام، ويؤخذ بالقلزم من كل حمل درهم.»٦١
    وذكر ابن حوقل: أنه كان يتحصل مما يخرج من أذربيجان إلى نواحي الري ولوازم على الرقيق والدواب، وأسباب التجارات والأبقار والأغنام ١٠٠٠٠٠٠ درهم في السنة.٦٢

    على أن هذه الضرائب وأمثالها لم يكن لها رواج في أوائل الدولة العباسية، ولا كانت غلتها تستحق الذكر، ولكن دخلها تعاظم في عصر الاضمحلال.

  • (٥)
    المستغلات وغلة دار الضرب: يراد بالمستغلات ما يجبى لبيت المال من أسواقٍ أو منازلَ أو طواحينَ، ابتناها الناس في أرض تربتها للسلطان (أي يملكها السلطان) فيؤدي عنها أجرة٦٣ وذكر ابن خرداذبة مبلغ غلات الأسواق والأرحاء ودور الضرب في مدينة السلام بغداد ١٥٠٠٠٠٠ درهم في السنة،٦٤ وبلغت غلات ومستغلات سامرا وأسواقها ١٠٠٠٠٠٠٠ درهم في السنة.٦٥

فالدولة العباسية في إبان زهوها كانت تجبي من هذه الضرائب شيئًا كثيرًا، ولكن العمدة كانت على الخراج كما تقدم.

(٢-١) صدق العمال في إرسال المال المجموع

قد رأيت مما ذكرناه من جور عمال بني أمية أنهم كثيرًا ما كانوا يستأثرون بالخراج لأنفسهم، إما بإذن الخلفاء كما فعل عمرو بن العاص بمصر إذ جعلها معاوية طعمة له في مقابل نصرته على علي، أو بحجة الحاجة إلى المال في الحروب كما حصل في أيام الحجاج، أو استرضاء لعامل متمرد التماسًا لقعوده (أي سكوته وطاعته)،٦٦ أو أن يعصي العامل بالخراج لغير سبب كما فعل مسلمة بن عبد الملك في ولايته على العراق في أيام أخيه يزيد٦٧ فإن «يزيدَ» استحيى أن يطالبه بالخراج؛ ولعله خاف عصيانه، ناهيك بما كان يكتمه العمال عن خلفائهم من أموال الفيء والغنائم وهي من حق بيت المال، وقد يذكرونها ويطمعون فيها كما فعل يزيد بن المهلب بعد فتحه جرجان سنة ٩٨ﻫ، فإنه أصاب مالًا كثيرًا بقي منه لبيت المال ٦٠٠٠٠٠٠ درهم، كتب عنها للخليفة لكنه استبقاها لنفسه،٦٨ ذلك ونحوه دعا الخلفاء في بعض الأحوال إلى أن يستخرجوا المال من عمالهم بالقوة كما تقدم.
أما بنو العباس، فقد كان معظم عمالهم في أوائل الدولة من أهلهم الأقربين، ثم استعملوا أنصارهم الفرس، وهم أكثر الناس رغبة في قيام دولتهم، وكان الخلفاء من الجهة الأخرى لا يقصرون في زيادة رواتبهم حتى بلغت في أيام المأمون ثلاثة ملايين درهم٦٩ وهي عِمالة (بكسر العين وهي المرتب) الفضل بن سهل على المشرق، ولم يدرك مثلها أحد من عمال بني أمية؛ لأن أكبر راتب اقتضاه عمالهم لم يزد على ٦٠٠٠٠٠ درهم، وهي عمالة يزيد بن عمر بن هبيرة على العراق.٧٠

ومما ساعد بني العباس في أوائل دولتهم على حفظ نظام أعمالهم، وإجماع العمال على ولائهم سدادُ رأي وزرائهم، وخصوصًا البرامكة، فإنهم كانوا واسطة عقد تلك الدولة، وزهرة تمدنها، وكذلك كان الفرس على الإجمال؛ لأنهم كانوا يعدون استيلاء بني العباس عليهم رحمة من الله كانوا يتوقعونها منذ أعوام للتخلص من بني أمية واحتقارهم إياهم.

وهناك أسباب أخرى لكثرة جباية الدولة في أيام المأمون؛ كقلة الحروب والفتن، فإنها مذهبة للأموال، مضيعة للخراج، مفسدة للأعمال، لاشتغال الناس عن الزراعة والتجارة وإنفاق الأموال في الجند.

(٣) أسباب قلة النفقة

فرغنا من الكلام عن أسباب كثرة الخراج في الدولة العباسية بالقياس على أيام بني أمية، وهذه الأيام (سنة ١٩٠٣) وهي القسم الأول من أسباب الثروة العباسية، فلنأتِ إلى القسم الثاني وهو قلة النفقة، وأهم أسبابها ثلاثة:

(٣-١) قلة الموظفين

يختلف عدد الموظفين في مصالح الحكومة باختلاف نمط تنظيمها، ويقال بالإجمال: إنهم أقل عددًا في الحكومات الاستبدادية منهم في الحكومات المقيدة؛ لاستغناء الحكم المطلق عن تدوين كل شيء وضبطه لمراجعة النظر فيه، اعتبر ذلك في المحاكم القضائية، ومقدار الفرق بين عدد موظفيها في عهد الأحكام العرفية، وبينهم في عهد الأحكام القانونية، وقس عليه سائر مصالح الحكومة والسبب فيها متشابه، ويكفي لبيان هذا الفرق مقابلة عدد موظفي الحكومة المصرية قبل نظامها الحالي بعددهم اليوم.

كانت حكومة مصر قبل دخول الفرنسيين إليها (في أواخر القرن الثامن عشر) لا تزال على نحو ما رتبها عليه السلطان سليم الفاتح وابنه السلطان سليمان.

وخلاصة ذلك أن رئيسها (الباشا) وهو الوالي المرسل من الأستانة يليه ٢٤ بيكًا (طلبه خانه) منهم ١٢ يتولون المصالح الكبرى في القطر؛ وهم:
  • (١)

    الكخيا: وهو نائب (الباشا) وكاتم سره.

  • (٢)

    الدفتردار: وهو ينظم في الخراج ويقابل ناظر المالية عندنا.

  • (٣)

    أمير الخزنة: وهو يحمل إلى الأستانة ما يخصها من خراج مصر.

  • (٤)

    أمير الحج: وهو يتولى قيادة الحج إلى الحجاز.

  • (٥)

    ثلاثة قباطين لقيادة ثغور السويس ودمياط والإسكندرية.

  • (٦)

    خمسة مديرين لأقاليم جرجا والبحيرة والمنوفية والغربية والشرقية.

وهناك أربعة كشاف لأقاليم القليوبية والمنصورة والجيزة والفيوم، وأعمالهم مثل أعمال البكوات مديري الأقاليم الأخرى.

ومن المصالح الأخرى القاضي وأمير الضربخانة والمحتسب.

وكان الجند عبارة عن ست فرق تسمى وجاقات وهي:

  • (١)

    وجاق المتفرقة: وهو مؤلف من نخبة الحرس السلطاني.

  • (٢)

    وجاق الجاويشية: وهو مؤلف في الأصل من صف ضابطان جيش السلطان سليم فعهد إليهم جباية الخراج.

  • (٣)

    وجاق الهجانة.

  • (٤)

    وجاق التفقجية: وهم ناقلو البنادق.

  • (٥)

    وجاق الانكشارية: وهم أخلاط من نخبة القبائل الخاضعة للدولة العثمانية، وكانوا يعرفون أيضًا بالمستحفظين لإناطة محافظة البلاد بهم.

  • (٦)

    وجاق العزب.

وكان كل من هذه الوجاقات مؤلَّفًا من أفراد يقال لهم «وجاقلية» واحدهم «وجاقلي» على كل وجاق منها ضابط، يلقب بالآغا، يصحبه الكخيا والباش اختيار والدفتردار والخزندار والروزنامجي،٧١ ومن اجتماع هؤلاء الضباط من سائر الوجاقات يتألف مجلس شورى الباشا فلا يقضي أمرًا إلا بمصادقتهم.

هذه خلاصة نظام الحكومة المصرية المركزي، ولا ترى عدد الموظفين فيه يزيد على خمسين (ما عدا الجيش)، فإذا اعتبرنا ما يلحقه من الكتَّاب والنوَّاب وغيرهم ربما بلغ إلى ٢٠٠ أو قل ٣٠٠ أو ٤٠٠، وهو يقابل في هذه الأيام نظارات الحكومة ومجلس النظار والمعية ومصلحة الصحة والبوليس وسائر المصالح، مما يربو عدد موظفيها على ألفين كما يأتي:

الموظفون في الحكومة المصرية الآن فئتان: الفئة الأولى: العمال، وهم الذين يتولون أعمالها وإدارة شؤونها، ومنهم النظار، ورؤساء الأقلام، والكتاب والحسَّاب، والفئة الثانية: الخدمة، ومنهم الفراشون، والبوابون، ونحوهم، وإليك عدد الموظفين من طبقة العمال فقط مرتبة باعتبار النظارات والمصالح والأقلام.٧٢
عدد موظفي الحكومة المصرية لسنة ١٩٠٢ من طبقة العمال
عدد
٢٢٤٥٤ (الجملة)
١١٢١ المعية وتوابعها
١٨ مجلس النظار
٢٦ مجلس الشورى
٢٤ نظارة الخارجية
٤١٩ نظارة المالية
٤٢٤ نظارة المعارف
١٨٦ نظارة الداخلية
٢٧٦٠ نظارة الحقانية
٦٢٩ نظارة الأشغال
٣٣٠٦ نظارة الحربية
١٧١٥ مصالح إدارة الأقاليم وماليتها
٦٦٤٤ مصلحة البوليس
٥٢٦ مصلحة الصحة
١٠٥ مصلحة السجون
١٥ مصلحة منع الرقيق
٣٦ مصلحة الدفترخانة
٥١٠ مصلحة الجمارك
٢١٨ خفر السواحل
١٤٠ الدخوليات (الجمارك)
٤ مصايد الأسماك
١٣ الرسالة
١٩٣٨ السكة الحديدية
٣٢٧ التلغرافات
٢٩ ميناء الإسكندرية
٥٥٠ البوستة
١٠٣ الفنارات
٦ الليمانات
١٥ التمغة للمصاغات
٣٠١ مكاتب تابعة للمعارف
١١ الكتبخانة الخديوية
٤ الأنتكخانة
١٤ المطبعة الأهلية
٩٠ أملاك الميري الحرة والمشتركة
٢٢٧ القومسيون البلدي
فجملة موظفي الحكومة المصرية من العمال ٢٢٤٥٤، فإذا أخرجنا منهم المصالح ذات الإيراد إذ لا دخل لها في إدارة شؤون الحكومة وهي:
عدد
٢٩٦٨ (الجملة)
١٩٣٨ السكك الحديدية
٣٢٧ التلغرافات
٢٩ ميناء الإسكندرية
٥٥٠ مصلحة البوستة
١٠٣ الفنارات
٦ الليمانات
١٥ قلم التمغة

ومصالح إدارة الأقاليم وعدد موظفيها ١٧١٥، كان المجموع ٤٦٨٣، وبإخراجه من العدد الأصلي يبقى ١٧٧٧١ وهو عدد موظفي الحكومة المصرية في نظاراتها ومصالحها ما عدا الجيش، فاعتبر الفرق العظيم بين هذا العدد وبين ما كان عليه في أيام المماليك، وقس عليه عدد موظفي الحكومة في الدولة العباسية.

على أن ذلك يتضح من مراجعة قائمة نفقات الدولة العباسية، فإنك ترى معظم أصحاب الرواتب هناك من الجند، وخَدَمَةِ البلاطِ، والحرس الخاص، والغلمان، والحشم، والفراشين، وأصحاب الصيد، ونحوهم، وليس من عمال الحكومة الحقيقيين إلا جزء صغير وهم المعبر عنهم «بأكابر الكتاب»، وأصحاب الدواوين، والخزان، والبوابين … إلخ، وعبد الله بن سليمان (الوزير)، وإسحق بن إبراهيم القاضي، والفرسان، ونفقات السجون، والعلوفة، ونحو ذلك، ولا نظن نفقات الحكومة على مصالحها الحقيقية تزيد على نصف ذلك المال (أي ١٢٥٠٠٠٠ دينار) مع أن نفقات الحكومة المصرية الآن على مصالح الإدارة والتحصيلات وحفظ النظام فقط تزيد على ٣٢٥٠٠٠٠ جنيه، وما مصر بالنظر إلى المملكة العباسية إلا جزء صغير، وأما سبب هذه الزيادة فمن كثرة الموظفين لما اقتضاه النظام الحديث من الضبط والتحرير كما تقدم.

على أن السبب في قلة نفقات الدولة العباسية من حيث الموظفين ليس قلة عددهم فقط، ولكنَّ هناك سببًا آخر ذا بال، أعني تسديد أرزاق بعض العمال من مال يوفرونه ولا يدخل في باب الوارد؛ فقد رأيت أن أرزاق أكابر الكتاب وأصحاب الدواوين والخزان … إلخ ١٥٦ وثلثا دينار في اليوم، غير أن هؤلاء ليسوا كل موظفي الدواوين بل هم الكبراء فقط، ويتضح ذلك من قوله هناك: «سوى كُتَّاب دواوين الإعطاء وخلفائهم على مجالس التفرقة، وأصحابهم وأعوانهم، وخزان بيت المال، فإنهم يأخذون أرزاقهم مما يوفرون من أموال الساقطين، وغرم المخلين بدوابهم.» ويدل ذلك أيضًا على اختصار الحسابات مما لا يرتكبه في هذه الأيام أصغر الباعة إذا أراد ضبط حسابه فضلًا عن دوائر الحكومة، فإن أموال الساقطين وغرم المخلين كان يجب أن تدون في أبواب الوارد، وتدون رواتب أولئك الموظفين في باب النفقات، وعلى أننا نستبعد أن لا يكون لهذه القيود محل في دفاتر الحكومة العباسية، وأنها أسقطت من هذه القائمة حبًّا في الاختصار أو لأسباب أخرى.

(٣-٢) عدم وجود الدين على الحكومة

من أدران التمدن الحديث، انغماس الحكومات الأوربية في الديون، وما من دولة إلا وهي مدينة بمال لا بد لها من تأدية فوائده، أو تسديد بعضه من دخلها كل عام، فهو عبء ثقيل على ماليتها وسبب كبير في قلة ما يفضل من دخلها، مع كثرة أبواب الدخل عندها مما فرضته من الضرائب المختلفة التي لم تكن معروفة في الدولة العباسية، أو كانت معروفة على صورة خفيفة جدًّا، فقد تقدم أن دخل إنجلترا ١٢٠٠٠٠٠٠٠ جنيه يجتمع نحو أربعة أخماسها من ضرائب أكثرها حديثة العهد، وأن نفقات الدولة تستغرقها كلها، فمن أسباب ذلك أن ربع هذا الدخل تقريبًا يذهب في وفاء فائدة ما على هذه الدولة من الديون، ولولا ذلك لبقي في خزينة الحكومة الإنجليزية كل عام حوالي ٣٠٠٠٠٠٠٠ جنيه أي نحو ثروة الدولة العباسية كلها، وليست إنجلترا وحدها غارقة في الديون، فإن معظم دول أوربا مثلها، وإن تفاوتت ديونها، وهاك بيانًا بديون أشهر دول العالم في آخر القرن التاسع عشر، بقطع النظر عن كسور المليون، وقد رتبناها في الجدول الآتي باعتبار الأكثرية:
ديون أشهر دول العالم (Statesman’s year book)
جنيه
٣٠٣٠٠٠٠٠٠٠ (الجملة)
١٢٥٠٠٠٠٠٠٠ فرنسا
٧٠٠٠٠٠٠٠٠ إنجلترا
٢٠٠٠٠٠٠٠٠ روسيا
٢٠٠٠٠٠٠٠٠ الولايات المتحدة
١٢٨٠٠٠٠٠٠ الدولة العثمانية
١٢٠٠٠٠٠٠٠ النمسا
١٠٣٠٠٠٠٠٠ مصر
١٠٠٠٠٠٠٠٠ ألمانيا
٩٣٠٠٠٠٠٠ هولندا
٥٤٠٠٠٠٠٠ الصين
٤٨٠٠٠٠٠٠ اليابان
٢٢٠٠٠٠٠٠ إيطاليا
١٢٠٠٠٠٠٠ إسبانيا

وقد تراكمت هذه الديون على تلك الدول بتوالي الأجيال، بما احتاجت إليه من النفقة في الحروب، أو في إنشاء المشروعات الكبرى، أو نحو ذلك مما لم تكن الدولة العباسية في غنى عنه، ولكنها كانت في أيام زهوها تنفق مما تدخره من فضلات الجباية كما تقدم. فلما قلت الجباية وكثرت أسباب النفقة في طور الاضمحلال، ولم يبق في بيت مالها ما تنفقه في الحروب عمدت إلى استخراج الأموال من أهل الثروة، وخصوصًا من كبار موظفيها كالوزراء، والعمال، والكتاب الذين أثروا من مالها بالاختلاس ونحوه، وسموا ذلك مصادرة كما سيأتي.

على أن الدولة العباسية كانت في بعض الأحيان تستسلف المال من بعض التجار في مقابل أوراق لم يحل أجلها، وأكثر ما كانوا يفعلون ذلك مع اليهود، وهم أقدر الناس على المرأباة كما لا يخفى، وبلغ مقدار الربا الذي كانوا يأخذونه على تلك القروض نحو ٢٠ في المائة، فقد كان علي بن عيسى وزير المقتدر في أوائل القرن الرابع الهجري إذا احتاج إلى المال، وليس له وجه استسلف من التجار على سفاتج وردت من الأطراف، ولم تحل بعد.

وكان مقدار ما يدفعه عليها من الربا دانقًا ونصفًا على كل دينار في الشهر، فإذا استدان عشرة آلاف دينار بلغ رباها في الشهر ٢٥٠٠ درهم، وأشهر من كان يتعامل معهم من صيارف اليهود في بغداد رجل كان يعرف بيوسف بن فنحاس، وهو من تجار الأهواز أيضًا، وآخر اسمه هرون بن عمران أو من قام مقامهما مدة ست عشرة سنة،٧٣ غير أن ذلك لا يعد من قبيل الدين الأهلي الشائع في هذه الأيام.

(٣-٣) اقتصاد الخلفاء الأولين وتدبيرهم

من الأمور المقررة في التاريخ السياسي أن مؤسسي الدول ومن يتلوهم من الأمراء الأولين يغلب فيهم الاقتصاد والتدبير، ولولا ذلك لم يَتَأَتَّ لهم إنشاء الدول أو تثبيت دعائمها، ويعبر فلاسفة التاريخ عن ذلك بصبوة الدولة، والصبوة تدعو إلى النمو بالادخار، فإذا بلغت الدولةُ شبابَها وتَمَّ نموُّها عادت ناكصة على عقبيها، كما يتقهقر المرء إلى الكهولة فالشيخوخة، فالدولة العباسية نشأت في حوزة السفاح طفلةً، فتناولها المنصور صبية فغذاها وأنماها حتى أدركت شبابها في أيام الرشيد والمأمون، ثم تقهقرت إلى الكهولة فالشيخوخة فالهرم في أيام الخلفاء الذين أتوا بعد ذلك.

توفي السفاح وقد ملك أربع سنوات، ولم يخلف سوى بعض الثياب٧٤ ولو كان طماعًا لجمع مالًا كثيرًا؛ لكثرة ما وقع له من غنائم بني أمية فضلًا عن الجبايات وغيرها.
وخلَفَه المنصور فتولاها بضعًا وعشرين سنة ادَّخر في أثنائها نحو ٨١٠٠٠٠٠٠ درهم كما تقدم، وكان لفرط حرصه متهمًا بالبخل، ولم يكن بخيلًا ولكنه كان لا يضع الكرم في غير موضعه، لم يكن يبذل المال إلا إذا رأى في بذله منفعة في تأييد دولته، وفضل المنصور في تأييد الدولة العباسية بالحزم والشدة والعدل مثل فضل عمر بن الخطاب في تأييد الإسلام، يكفيك من دلائل اقتصاده وتدبيره وحسن نظره ما أوصى به ابنه المهدي عند وفاته، من ذلك قوله: «قد جمعت لك من الأموال ما إن كسر عليك الخراج عشر سنين كفاك لأرزاق الجند والنفقات والذرية ومصلحة البعوث، وإياك أن تدخل النساء في أمرك، وإياك والأثرة والتبذير لأموال الرعية، واشحن الثغور، واضبط الأطراف، وأَمِّنِ السبلَ العامة، وأدخل المرافق عليهم، وادفع المكاره عنهم، وأعد الأموال واخزنها، فإن النوائب غير مأمونة، وهي من شيم الزمان، وأعد الكراع والرجال والجند ما استطعت وإياك وتأخير عمل اليوم إلى الغد فتتدارك عليك الأمور وتضيع، وأعد رجالًا في الليل لمعرفة ما يكون في النهار، ورجالًا في النهار لمعرفة ما يكون في الليل، وباشر الأمور بنفسك، ولا تضجر، ولا تكسل، واستعمل حسن الظن، وأسئ الظن بعمالك وكتَّابك، وخذ نفسك بالتيقظ.»٧٥

•••

قضى المنصور مدة خلافته، ولم يُرَ في داره لهو ولا شيء يشبه اللهو أو اللعب، أو العبث، إلا مرة، كان في مجلسه فسمع جلبة فأمر حمادًا التركي وكان واقفًا على رأسه أن يبحث عن سبب ذلك، فمضى فرأى خادمًا من خدم المنصور وقد جلس وحوله الجواري وهو يضرب لهن بالطنبور، وهن يضحكن، فعاد حماد وأخبر المنصور فقال: «وأي شيء هو الطنبور؟» فوصفه له فقال: «وما يدريك أنت ما الطنبور؟!» فقال: «رأيته بخراسان»، فقام المنصور ومشى إلى الجواري فلما رأينه تفرقن خوفًا منه، فأمر بالخادم فضرب رأسه بالطنبور حتى تكسَّرَ الطنبورُ، وأخرج الخادم فباعه.

•••

وكان المنصور بخيلًا على نفسه باللباس، كان يرتدي جبة هروية ويرقع قميصه، وإذا استجداه أحدٌ بخل إلا إذا رأى الجود لازمًا، فربما سأله أحدهم درهمًا فلا يعطيه، ويعطي الآخر ألفًا بلا سؤال، من أمثلة ذلك أن أحد معارفه القدماء لقيه بعد الخلافة وكان فقيرًا فسأله المنصور: «ما عيالك؟» قال: «ثلاث بنات والمرأة وخادم لهن.» فقال له: «أنت أيسر العرب، أربعة مغازل يدرن في بيتك!» ولم يعطه شيئًا، ولما توفي عيسى بن نهيك سأل المنصور خادمه عما خلَّفه من المال فقال الخادم: «خلف ألف دينار أنفقته امرأته على مأتمه.» فقال: «كم خلَّف من البنات؟» قال: «ستًّا»، فأطرق المنصور ثم أمر لكل من البنات بثلاثين ألف دينار وسعى في تزويجهن، وفرق المنصور في أهل بيته في يوم واحد ١٠٠٠٠٠٠٠ درهم.٧٦
ولما توفي المنصور خلفه ابنه المهدي، وكان شبيهًا بأبيه من عدة وجوه؛ ومن جملتها النظر في دقائق الأمور، وفي أيامه ترتبت الدواوين وتنظمت إدارة الحكومة، وتقررت القواعد على يد وزيره معاوية بن يسار٧٧ وكان يجلس للمظالم بنفسه، وكان تقيًّا ورعًا، ولكنه لم يكن في مثل ما كان عليه أبوه من الاقتصاد، وتولى بعده الهادي زمنًا قصيرًا، ثم الرشيد وكان تدبير المملكة قد أفضى إلى الوزراء من آل برمك، وقد اتسعت الأرزاق وكثرت الأموال، وكان البرامكة أهل كرم وسخاء، فزادوا الخلفاء كرمًا وكانوا يحرضونهم على ذلك منذ صغرهم، كما فعل يحيى البرمكي مع الرشيد وكان يسايره يومًا فقام رجل فقال: «يا أمير المؤمنين عطبت دابتي.» فقال الرشيد: «يُعطَى خمسمائة درهم.» فغمزه يحيى، فلما نزل الرجل قال الرشيد ليحيى: «يا أبتاه أومأت إليَّ بشيء وقتما أمرت بالدراهم فما هو؟» فقال: «مثلك لا يجري هذا المقدار على لسانه، إنما يذكر مثلك خمسة آلاف ألف، وعشرة آلاف ألف.» قال: «فإذا سئلت مثل هذا كيف أقول؟» فقال: «تقول: يُشترَى له دابة ويفعل به فعل نظرائه.»٧٨
وكان الرشيد ميالًا للجود من فطرته، فنشطه ذلك حتى صار إلى أبعد مما أرادوه، واضطروا إلى إيقافه عند حده،٧٩ وأوغل الخلفاء بعد ذلك في البذخ والإسراف، وهما من أسباب سقوط دولتهم على ما سيجيء.
وجملة القول أن أسباب الثروة العباسية في عصرها الأول كثرة الدخل وقلة النفقة، وأسباب كثرة الدخل:
  • (١)

    سعة المملكة.

  • (٢)

    اشتغال الناس بالزراعة والتجارة لاطمئنان خواطرهم.

  • (٣)

    ثقل الخراج المضروب على الأرض.

  • (٤)

    صدق العمال في إرسالهم المال المجموع إلى بغداد.

وأسباب قلة النفقة:
  • (١)

    قلة الموظفين.

  • (٢)

    عدم وجود الدَّيْنِ.

  • (٣)

    اقتصاد الخلفاء الأولين.

هوامش

(١) ابن الأثير ١٩٦ ج٤.
(٢) الفخري ١٥٧.
(٣) ابن الأثير ١٣ ج٦.
(٤) الطبري ٤٣٥ ج٣.
(٥) ابن الأثير ٨ ج٦.
(٦) ابن الأثير ٨٨ ج٦.
(٧) ابن خلدون ٢٤٠ ج١.
(٨) الفخري ١٥٧.
(٩) ابن خرداذبة ١٤.
(١٠) الماوردي ١٦٥.
(١١) ابن الفقيه ٢٠٥.
(١٢) قدامة ٢٤٠.
(١٣) الماوردي ١٧١.
(١٤) قدامة ٢٤١.
(١٥) الإصطخري ٨٣.
(١٦) المقدسي ١٢٢.
(١٧) اليعقوبي ٥٥٥ ج٢.
(١٨) ابن حوقل ٣٤٥.
(١٩) Aperҫu gén. sur I’Egypte 1–165.
(٢٠) ابن حوقل ٨٨.
(٢١) المقريزي ٩٩ ج١.
(٢٢) ابن حوقل ١٠٨.
(٢٣) Descrip. d’Egypte Xll.
(٢٤) الخطط التوفيقية ١٥٥ ج٢٠.
(٢٥) الخطط التوفيقية ١٥٥ ج٢٠.
(٢٦) الماوردي ١٦٥.
(٢٧) الماوردي ١٤١.
(٢٨) كتاب الخراج لأبي يوسف ٢٠.
(٢٩) الماوردي ٧٧ و١٦٨.
(٣٠) الماوردي ١٦٨ والفخري ٦٤ والبلاذري ٢٦١.
(٣١) الطبري ٦٠٧ ج٣ وابن الأثير ٤٨ ج٦.
(٣٢) الفخري ١٩٨ وابن الأثير ١٤٧ ج٦ والطبري ١٠٣٩ ج٣.
(٣٣) الطبري ١٠٩٣ ج٣.
(٣٤) المقريزي ١٠٣ ج١.
(٣٥) القوانين العقارية ١٦١.
(٣٦) المقريزي ٣٠٨ ج١.
(٣٧) المقريزي ٩٩ ج١.
(٣٨) القوانين العقارية ١٦٤ وما بعدها.
(٣٩) ميزانية مصر لسنه ١٩٠٢ صفحة ١٢.
(٤٠) ابن حوقل ١٠٨.
(٤١) الإصطخري ١٥٧.
(٤٢) المقدسي ٤٥١.
(٤٣) ابن الأثير ١٣٥ ج٦.
(٤٤) الطبري ١١٤٣ ج٣ — وفي ابن الأثير وأبي الفداء والفخري أن مقدار ذلك المال ثلاثون ألف ألف ألف درهم «٣٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠» وهذا خطأ من النساخ.
(٤٥) ابن حوقل «في الذيل».
(٤٦) ابن حوقل ٢٠.
(٤٧) ابن حوقل «في الذيل».
(٤٨) الماوردي ١٨٧.
(٤٩) المقدسي ٢٢٦.
(٥٠) ابن حوقل ٣٣٧.
(٥١) الإصطخري ١١٥ و٢٠٢.
(٥٢) ابن الفقيه ٢٠٦.
(٥٣) ابن حوقل ٥١.
(٥٤) المقدسي ١٨٤.
(٥٥) المقريزي ١٠٩ ج١.
(٥٦) ابن حوقل ١٠٧.
(٥٧) المقدسي ٢٣١.
(٥٨) الإصطخري.
(٥٩) المقدسي ١٠١.
(٦٠) المقدسي ٣٤١.
(٦١) المقدسي ٢١٣.
(٦٢) ابن حوقل ٣٥٣.
(٦٣) ابن حوقل ٢١٧.
(٦٤) ابن خرداذبة ١٢٥.
(٦٥) اليعقوبي (كتاب البلدان) ٣٨.
(٦٦) ابن الأثير ١٤٣ ج٢.
(٦٧) ابن الأثير ٤٧ ج٥.
(٦٨) الطبري ١٣٣٤ و١٣٥٠ ج٢.
(٦٩) الطبري ٨٤١ ج٣.
(٧٠) ابن خلكان ٢٨١ ج٢.
(٧١) جرجي زيدان: تاريخ مصر الحديث ١١ ج٢ (طبعة ثالثة).
(٧٢) ميزانية الحكومة المصرية لسنة ١٩٠٢.
(٧٣) Einnahmebudget des Abbasiden Reiches 63.
(٧٤) ابن الأثير ٢١٩ ج٥.
(٧٥) ابن الأثير ٨ ج٦.
(٧٦) ابن الأثير ١٣ ج٦.
(٧٧) الفخري ١٦٣.
(٧٨) سير الملوك ٧٨.
(٧٩) الطبري ١٣٣٢ ج٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤