النحو والنحاة

قد تقدم أن أدباء هذا العصر يجوز عدُّهم من النحاة؛ لأنهم اشتغلوا في النحو، وإنما جعلنا أكثرهم من الأدباء واللغويين؛ لأنهم اكتفوا من النحو بكتاب سيبويه ولم يتصدوا لتأليف كتاب يقوم مقامه، فانصرفت قرائحهم إلى ما دعت إليه المدنية من الاشتغال في الأدب واللغة، وأصبح تأليفهم في النحو من قبيل الكماليات، وإن كان قد ألف بعضهم فيه بين مختصر فيه أو في بعض أبوابه أو تعليقًا على كتاب سيبويه — فإن أصحاب هذه المختصرات أو التعليقات وغيرهم من الأدباء صرفوا عنايتهم إلى الأدب واللغة.

على أن بعضهم غلب عليه الاشتغال في النحو، فنتكلم عنهم في هذا الباب ونذكر ما وصل إلينا من مؤلفاتهم، وهم:

(١) أشهر النحاة في هذا العصر

(١-١) أبو عثمان المازني (توفي سنة ٢٤٩ﻫ)

هو أبو عثمان بكر بن محمد بن بقية المازني من أهل البصرة، أخذ عن أبي عبيدة والأصمعي، وإليه انتهى النحو في عصره، فكان هو شيخ أهله، وله مؤلفات كثيرة في النحو والعروض لم يصلنا منها شيء، وهو الذي امتنع عن تعليم الذمي كتاب سيبويه مع ما بذله له من المال؛ لئلا يمكنه مما حواه من الآيات، وقد عاصر الواثق بالله والمتوكل على الله وجالسهما، ونال جوائزهما، ومن جملتها جائزة على إعراب:

أظلوم إن مصابكم رجلًا
أهدى السلام تحية ظلمُ

في حديث طويل. وكان المازني معاصرًا لأبي عمر الجرمي المتوفى سنة ٢٢٥ﻫ، وهما عمدة النحو في البصرة يومئذ، والمازني أول من دوَّن علم التصريف، وكان قبل ذلك مندرجًا في علم النحو.

وترجمته في ابن خلكان ٩٢ ج١، ومعجم الأدباء ٣٨٠ ج٢، وطبقات الأدباء ٢٤٢.

(١-٢) أبو العباس ثعلب (توفي سنة ٢٩١ﻫ)

هو أبو العباس أحمد بن زيد بن سيار النحوي مولى بني شيبان، ويعرف بثعلب. ولد سنة ٢٠٠ﻫ، وتلقى العلم على ابن الأعرابي، وكان حجة مشهورًا بالحفظ وصدق اللهجة والمعرفة بالعربية ورواية الشعر القديم، فضلًا عن النحو واللغة، وكان إمام الكوفيين والبصريين في زمانه. أقام في بغداد، وتوفي فيها سنة ٢٩١ﻫ، وألف في أكثر فنون الأدب نحو ٢٢ كتابًا ذهب معظمها، وإليك ما وصل إلينا خبره منها:
  • (١)

    كتاب الفصيح: ويعرف بفصيح ثعلب. اختار فيه الفصيح من كلام العرب مما يجري في كلام الناس، طبع ليبسك سنة ١٨٧٦ في نحو ٧٠ صفحة، وقد ألف انتقادًا عليه أبو القاسم علي بن حمزة البصري، سماه كتاب التنبيه على ما في الفصيح من الغلط، منه نسخة خطية في الإسكوريال، وللشيخ أبي سهل الهروي شرح على الفصيح سماه التلويح في شرح الفصيح، طبع بمصر سنة ١٢٨٩، ومعه ذيل على الفصيح لموفق الدين البغدادي المتوفى سنة ٦٢٩، وشرحه أيضًا أبو العباس الترمذي شرحًا سماه شرح غريب الفصيح، منه نسخة خطية في مكتبة نور عثمانية بالآستانة، وقد كتب الزجاج نقدًا عليه، منه نسخة في كتب الشنقيطي بالمكتبة الخديوية.

  • (٢)

    كتاب قواعد الشعر: جاء في أوله أن قواعد الشعر أربع: أمر ونهي وخبر واستخبار، وأتى بأمثلة عليها من أقوال الشعراء الفحول، منه نسخة خطية في الفاتيكان، وقد طبع في ليدن سنة ١٨٩٠ في ٤٢ صفحة.

  • (٣)

    شرح ديوان زهير: منه نسخة خطية في مكتبة الإسكوريال.

  • (٤)

    شرح ديوان الأعشى: في تلك المكتبة أيضًا.

  • (٥)

    كتاب الأمالي: ذكره صاحب المزهر وخزانة الأدب، منه نسخة خطية في مكتبة برلين، وفي المكتبة الخديوية نسخة منه باسم مجالس ثعلب في ١٣٢ ورقة.

أخباره في ابن خلكان ٣٠ ج١، وطبقات الأدباء ٢٩٣، ومعجم الأدباء ١٣٣ ج٢، والفهرست ٧٤.

(١-٣) أبو إسحاق الزجاج (توفي سنة ٣١١ﻫ)

هو أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج؛ سمي بذلك لأنه كان يخرط الزجاج، تلقى العلم على المبرد، وكان يدفع له الأجرة بمشقة لقلة ذات يده، ثم طلب بعضهم معلمًا من المبرد فدلهم عليه وصار مؤدبًا للقاسم بن عبيد الله بن سليمان، فكان ذلك سبب غناه، وله مؤلفات كثيرة هاك ما بقي منها:
  • (١)

    كتاب سر النحو: منه نسخة خطية في المكتبة الخديوية بخط قديم جدًّا تشتمل على باب ما ينصرف وما لا ينصرف، وفي آخره ما نصه: «قرأه علي أبو جعفر أحمد بن محمد مسمار في صفر سنة ٣٥١ إلخ …» ولم يرد ذكر هذا الكتاب بين مؤلفات الزجاج في الفهرست.

  • (٢)

    كتاب الإبانة والتفهيم عن معنى بسم الله الرحمن الرحيم: منه نسخة في غوطا.

  • (٣)

    كتاب خلق الإنسان في اللغة: وفيه أسماء أعضاء الإنسان، ومنه نسخ خطية في المتحف البريطاني وفي المكتبة الخديوية.

  • (٤)

    كتاب معاني القرآن: منه نسخ في نور عثمانية بالآستانة وفي المكتبة الخديوية.

وتجد أخبار الزجاج في ابن خلكان ١١ ج١، ومعجم الأدباء ٤٧ ج١، وطبقات الأدباء ٣٠٨، والفهرست ٦٠.

(١-٤) ابن الأنباري (توفي سنة ٣٢٨ﻫ)

هو أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري من أهل الأنبار، وهو غير كمال الدين الأنباري المتوفى سنة ٥٧٧ﻫ، كان أبوه أبو محمد الأنباري من أهل الأخبار والنحو فتلقى ابنه العلم عنه وعن ثعلب، وكان يضرب به المثل بسرعة الخاطر وحضور البديهة، وكان قوي الذاكرة يملي علمه مما حفظه في ناحية وأبوه في ناحية أخرى من المسجد في بغداد، وكان ابن الأنباري يحفظ ٣٠٠٠٠٠ بيت شعر وشاهد في القرآن، وقيل: كان يحفظ ١٢٠ تفسيرًا للقرآن بأسانيدها، وذلك من غرائب الحفظ، وألَّف في النحو واللغة والأدب والقرآن والحديث، وكان يطيل التأليف فمن كتبه كتاب غريب الحديث قالوا: إنه ٤٥٠٠٠ ورقة، وشرح الكافي ١٠٠٠ ورقة، وقس عليهما، وإليك ما وصلنا من كتبه:
  • (١)

    كتاب الأضداد في النحو: طبع في ليدن سنة ١٨٨١، وفي مصر سنة ١٩٠٧.

  • (٢)

    كتاب الزاهر: في معاني كلمات الناس، منه نسخة خطية في مكتبة كوبرلي بالآستانة، وسيأتي ذكره في كلامنا عن الزاهر للزجاجي.

  • (٣)

    شرح المفضليات: منه نسخ خطية في أيا صوفيا ويني جامع والمكتبة الخديوية.

  • (٤)

    كتاب الإيضاح في الوقف والابتداء: منه نسخة في المتحف البريطاني وكوبرلي.

  • (٥)

    كتاب الهاءات في كتاب الله: منه نسخة في باريس.

وترجمته في ابن خلكان ٥٠٣ ج١، والفهرست ٧٥.

(١-٥) ابن ولاد (توفي سنة ٣٣٢ﻫ)

هو من تلاميذ الزجَّاج واسمه أبو العباس أحمد بن محمد بن ولَّاد، من أهل مصر، وقد توفي فيها، وخلف كتابًا في النحو اسمه المقصور والممدود، منه نسخ خطية في برلين وباريس، وقد طبع بمصر سنة ١٩٠٨، وهو جزيل الفائدة مرتب على حروف الهجاء.

(١-٦) أبو جعفر النحاس (توفي سنة ٣٣٨ﻫ)

هو أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس، من تلاميذ الزجاج، وقد يسمى الصفار، وهو غير ابن النحاس النحوي المتوفى سنة ٦٩٨ﻫ، أصله من مصر، ورحل إلى بغداد فأخذ عن المبرد والأخفش والزجاج وغيرهم، ثم عاد إلى مصر فأقام بها حتى مات، وكان صاحب فضل كثير وعلم واسع، وخلف مؤلفات كثيرة في اللغة والأدب والقرآن لم يصلنا منها إلا:
  • (١)

    شرح المعلقات السبع: منها نسخة خطية في المكتبة الخديوية.

  • (٢)

    كتاب إعراب القرآن: منه نسخة خطية في المكتبة الخديوية بخط جميل في ٢٧٧ ورقة كبيرة الحجم.

  • (٣)

    كتاب معاني القرآن: منه الجزء الأول فيها أيضًا.

  • (٤)

    ناسخ القرآن ومنسوخه: في المتحف البريطاني.

وتجد ترجمة النحاس في معجم الأدباء ٧٢ ج٢، وابن خلكان ٢٩ ج١، وطبقات الأدباء ٣٦٣.

(١-٧) أبو القاسم الزجاجي (توفي سنة ٣٣٩ﻫ)

هو عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، من أفاضل النحاة من أهل نهاوند، أخذ عن الزجاج فنسب إليه، وتولى التعليم في دمشق وطبرية، ومات فيها، ولم يذكر له الفهرست إلا كتابًا في القوافي لم نقف عليه، وقد وصل إلينا مما ينسب إليه:
  • (١)

    كتاب الجمل في النحو: هو أهم مؤلفاته منه نسخ خطية في أكثر مكاتب أوروبا، وله شروح منها شرح ابن العريف منه نسخة في المكتبة الخديوية، وقد شرحه البطليوسي وانتقده هو وغيره، ومنها شرح لابن الضائع منه نسخة في المكتبة الخديوية قديمة الخط.

  • (٢)

    الزاهر: جمع فيه ألفاظ الزاهر للأنباري المتقدم ذكره والفاخر للمفضل بن سلمة الآتي ذكره مع تنقيح وتهذيب، منه نسخة خطية بالمكتبة الخديوية في ١٧٩ ورقة.

  • (٣)

    الأمالي في اللغة: طبع بمصر سنة ١٣٢٤.

وترجمته في ابن خلكان ٢٧٨ ج١، وطبقات الأدباء ٣٧٩، والفهرست ٨٠.

وهناك طائفة من النحاة نبغوا في هذا العصر أغضينا عن تراجمهم؛ لأنهم لم يصلنا من كتبهم ما يستحق الذكر، كابن الحائل وأبي عمرو الزاهد والحامض واليزيدي وابن السراج ونفطويه والمنذري والأخفش الأصغر وابن المرزبان وعمر الجرمي وغيرهم.

(٢) مذاهب البصريين والكوفيين في النحو

وفي هذا العصر وما بعده احتدم الجدال بين البصريين والكوفيين في قواعد النحو، واختلفوا في كثير من أحكامه وشروطه، وقد ألف في ذلك الاختلاف كثيرون أشهرهم كمال الدين الأنباري المتوفى سنة ٥٧٧ﻫ، ألف كتابًا في «الإنصاف في مسائل الخلاف»، وأبو البقاء العكبري ألف كتاب «التبيين في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين»، وقد لخص جلال الدين السيوطي ذلك عن هذين الكتابين في الجزء الثاني من كتابه الأشباه والنظائر، وهو مطبوع في حيدر أباد الهند سنة ١٣١٧ﻫ في أربعة مجلدات، وبلغ ما جمعه من مسائل الخلاف فيه مائة مسألة ومسألتين — هذه أمثلة منها:
عند البصريين عند الكوفيين
الاسم مشتق من السمو الاسم مشتق من الوسم
الأسماء الستة معربة في مكان واحد معربة في مكانين
الفعل مشتق من المصدر المصدر مشتق من الفعل
الاسم المنتهي بتاء التأنيث كطلحة لا يجمع بالواو والنون يجمع
فعل الأمر مبني معرب
المبتدأ مرتفع بالابتداء المبتدأ يرفعه الخبر
الخبر إذا كان اسمًا مختصًّا لا يتضمن ضميرًا يتضمن
يجوز تقديم الخبر على المبتدأ لا يجوز
لا يقام مقام الفاعل الظرف والمجرور مع وجود المفعول يقام
نعم وبئس فعلان مبنيان اسمان
لا يبنى فعل التعجب من الألوان يبنى من السواد والبياض
يجوز تقديم خبر ليس عليها لا يجوز
لا يجوز دخول نون التوكيد على خبر لكن يجوز
لا يجوز تقديم الاستثناء في أول الكلام يجوز
يقال: قبضت الخمسة عشر درهمًا، ولا يقال: الخمسة العشر درهمًا يجوز

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤