الغرفة السرية

كالعادة في الشتاء، هبط الظلام مبكرًا. ولبس «تختخ» ملابس التنكر وخرج، وفي نفس الوقت خرج «محب» من مسكنه ليكون قريبًا من القصر المهجور، إذا احتاج «تختخ» إليه، وكان هناك شخصٌ ثالث خرج في نفس التوقيت تقريبًا هو الشاويش «فرقع» الذي كان يراقب منزل «تختخ»، فلما رأى الولد الغريب يخرج من منزل «تختخ» أسرع يتبعه، ليعرف إلى أين يذهب.

التقى الصديقان «تختخ» في ملابس التنكر، و«محب» خارج «المعادي» في طريقهما إلى القصر المهجور، وبعد أن تبادلا التحية قال تختخ: سنراجع الخطة مرة أخرى يا «محب» حتى لا يحدث أي خطأ، إن أبي وأمي متغيبان عن المنزل كما تعرف؛ فهما عند عمِّي في القاهرة؛ لهذا لن يعرف أحدٌ أنني خرجت من المنزل، أما أنت فوالداك موجودان، وعليك العودة بعد أن نتفق على كل شيء.

محب: إنني أخشى أن تبقى وحيدًا!

تختخ: لا تخف، فسوف أختفي في الحديقة في انتظار حضور أي شخص إلى المنزل، وسأظل منتظرًا حتى منتصف الليل، فإذا لم يحضر أحد فسأحاول دخول القصر، وفي الصباح إذا لم أحضر إليكم حتى الساعة العاشرة، فعليك أن تحضر إلى القصر، فقد أكون سجينًا، أو حدث شيء خطير!

محب: لقد فهمت!

وصل الصديقان إلى قرب القصر، فسمعا دويَّ الرعد في السماء، فقال تختخ: أعتقد أنها ستمطر بعد قليل!

ولم يكد «تختخ» ينتهي من جملته، حتى أخذ المطر ينزل بشدة فأسرع الصديقان يحتميان بسور القصر.

أما الشاويش «فرقع» الذي كان ما زال في منتصف الطريق، فقد وجد نفسه تحت رحمة المطر الغزير، وأحسَّ بآلام الأنفلونزا تتزايد عليه، فأخذ يسعل، ويسعل، وأنفه يسيل ويسيل، وهو يتأرجح على الأرض الزلقة، وفجأة فقد توازنه وسقط في الوحل، وأخذ يسب ويلعن الأولاد الذين أوقعوه في هذا المأزق، ولم يكد يقف حتى قرر العودة فورًا إلى منزله ليأخذ الأدوية ويشرب الشاي الساخن، لعل ذلك يساعده على طرد الآلام الفظيعة التي يحس بها، على أن يعود غدًا لمعرفة ما حدث.

وقف «تختخ» و«محب» بجوار سور القصر فترة حتى هدأ المطر، ثم دارا حوله ليختارا مكانًا يقفز منه «تختخ» إلى الداخل، وكم كانت دهشتهما عندما وجدا باب الحديقة مفتوحًا.

قال «تختخ» في صوتٍ هامس: لقد حضر بعض الأشخاص اليوم إلى القصر!

وردَّ «محب»: يبدو ذلك، ولكن هل هم هنا!

تختخ: ليس هناك أي ضوء في القصر، فأين مكان الغرفة التي رأى فيها «عاطف» الشبح؟

محب: عند هذه الشجرة العالية كما قال «عاطف»!

اتجه الصديقان إلى الشجرة، ونظرا إلى فوق، كانت النافذة مغلقة، ولا أثر لأي ضوء فيها.

قال «تختخ»: سأجلس في هذا الكوخ الصغير في الحديقة، وأراقب القصر حتى منتصف الليل، فإذا لم يحضر أحدٌ فسوف أحاول الدخول كما اتفقت، فإلى اللقاء يا «محب»!

انصرف «محب» وبقي «تختخ» وحده داخل الكوخ الصغير، والمطر ينزل وينزل، والظلام يلف كل شيء، وصوت الرعد في السماء يدقُّ بعنف، فأحسَّ «تختخ» بالخوف يسري في قلبه، ولكنه قال لنفسه: من غير المعقول أن أتخلى عن المغامرة الليلة؛ فماذا يقول الأصدقاء عني؟

مضى الوقت ثقيلًا دون أن يظهر أحد، وأخذ «تختخ» يحس بالرغبة في النوم، ولكنه ظل يقاوم، ويشغل نفسه بالتفكير في مختلف الأمور، حتى انتصف الليل — كما بينت ساعته المضيئة — دون أن يظهر أحد.

وقام «تختخ» ودار حول القصر ليحاول أن يجد طريقًا للدخول، ولكن باب القصر كان مغلقًا، ولم تكن هناك وسيلة مطلقًا. وقف «تختخ» أمام باب القصر، وأخرج مصباحه الصغير وسلَّطه على الباب من أسفل، فلاحظ أن الباب لم يُفتح منذ فترةٍ طويلة جدًّا؛ فقد كانت الأعشاب تغطيه، وكان المقبض صدئًا. وفكر «تختخ» فترة، ثم قال: إن الذي يدخل هذا القصر يدخل بطريقةٍ سرية؛ فهو لا يستعمل الباب كما هو واضح، فمن أين يدخل؟

لاحظ «تختخ» أن تحت القصر من الخلف فراغًا كان يُستعمل كمخزن، ولكن إهمال القصر أدى إلى اختفاء هذا الفراغ خلف الشجيرات والأعشاب، فمد يده وأزاح بعضها، وسلط ضوء مصباحه فلاحظ أن الأعشاب مثنية في خطٍّ مستقيم، فأدرك أن دخول القصر يتم من هذا الطريق.

انحنى «تختخ»، ثم دخل إلى المخزن القديم، وأدار ضوء المصباح، فوجد فتحةً مغطاة ببابٍ صغير من الحديد، فدفع الباب بيده، فانزاح فوضع يديه على الحافة، ثم اعتمد على عضلات ساعديه، وصعد إلى داخل القصر.

كان الظلام الشديد يعمُّ المكان، فأضاء المصباح، وسار. وجد «تختخ» نفسه في غرفةٍ مظلمة فاتجه إلى بابها ودفعه بيده فانفتح، ووجد نفسه في غرفةٍ أخرى مهجورة، ونفذ من هذه الغرفة إلى صالةٍ واسعة وجد بها سلَّمًا.

أخذ «تختخ» يصعد السلم بهدوءٍ إلى الدور الثاني، ومرة أخرى أخذ يفتح الغرف فوجدها كلها مهجورة، وليس بها أي أثاث. واصل «تختخ» صعوده في الظلام على ضوء المصباح حتى الدور الثالث، وفتح الغرف فوجدها مثل بقية غرف القصر ليس بها أي شيء إلا التراب.

لم يبقَ إلا غرفة واحدة، أدرك «تختخ» أنها الغرفة السريَّة فاقترب منها في هدوء، ومدَّ يده وفتح الباب بحذرٍ شديد، خوفًا من أن يكون في الغرفة أحد … أو ربما ذلك الشبح الذي رآه «عاطف». ولكن أحدًا لم يكن هناك.

دخل «تختخ» الغرفة، وكانت السماء قد كفَّت عن المطر، وانزاح السحاب عن القمر، فسقط ضوءه في الغرفة، كانت غرفة واسعة جميلة، مفروشة بأفخر الأثاث، وقد بدا واضحًا أنها نُظفت حديثًا، كما كانت هناك بقايا أطعمة وبراد للشاي وأكواب، وفي أحد الجوانب رأى كنبة واسعة ومريحة، وكان واضحًا أنها تُستخدم كفراش فقد كان عليها بعض الأغطية والبطاطين.

كان «تختخ» متعبًا، وقد زاد البرد من إحساسه بالإرهاق فمشى إلى الكنبة، وجلس عليها، وبعد أن ارتاح قليلًا، أخرج مصباحه، وأخذ يفحص الغرفة — ركنًا ركنًا، ولم يكن هناك شيء غير عادي فيها، فقرر أن يغادرها فورًا ويعود إلى منزله، ولكن في اللحظة التي وقف فيها، وقع ضوء المصباح على دولابٍ صغير في الحائط، فقال «تختخ» ربما كان من الأفضل أن أفتح هذا الدولاب، ربما أجد فيه شيئًا يدلُّنا على ساكن هذه الغرفة، وهل هو إنسان، أم شبح، وهل هو شريفٌ أم يفعل شيئًا ضد القانون.

أخرج «تختخ» مجموعة مفاتيحه التي يحملها معه دائمًا، وأخذ يجرب مفتاحًا بعد آخر، ولحسن الحظ لم يجرب طويلًا؛ فقد استطاع المفتاح الرابع أن يفتح باب الدولاب.

مد «تختخ» يده بالمصباح داخل الدولاب، فلم يجد به شيئًا إلا دفترًا صغيرًا له غلاف من الجلد الأسود، فتح «تختخ» الدفتر ونظر فيه على ضوء المصباح، فرأى مجموعةً من العناوين وأرقام التليفونات والأسماء، فقرر أن يعيد الدفتر إلى مكانه، ولكنه فكر قليلًا، ثم أغلق باب الدولاب كما كان، ووضع الدفتر في جيبه، ثم عاد إلى الكنبة فجلس عليها يفكر، وأحس بأصابعه تكاد تتجمد من البرد في حذائه الذي بلله المطر، فخلع الحذاء، وتمدد على الكنبة ليرتاح قليلًا، ثم يغادر المكان.

كانت الساعة قد قاربت الرابعة بعد منتصف الليل، وقد أرهق السهر «تختخ»، فأغمض عينيه وسرعان ما نام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤