تختخ في الفخ

نام «تختخ» نومًا عميقًا، فأخذ يحلم بأنه أصبح مخبرًا بوليسيًّا مشهورًا تكتب الجرائد عنه، وتُكتب عنه القصص والروايات، وبينما هو نائمٌ يحلم بالمجد كانت هناك سيارة قد اقتربت من القصر في سكون، ثم دخلت من باب الحديقة المفتوح، لم يسمع «تختخ» صوت السيارة، ولم يسمع الأقدام التي دخلت القصر، ولم يسمع باب الغرفة السرية وهو يفتح.

دخل رجلان، أسرع أحدهما إلى النافذة، فجذب الستائر الثقيلة عليها حتى لا يرى أحدٌ ما يحدث فيها، أما الثاني فقد أضاء نور الغرفة، ثم أطلق صيحة دهشة.

نظر الرجل الأول إلى الثاني بسرعة، وأخرج مسدسًا ضخمًا من جيبه، فقد ظن أن هناك خطرًا يهددهما، ولم يكن هذا الخطر إلا «تختخ» الذي كان ينام في سلامٍ دون أن يدرك الخطر الذي يهدده.

كان أحد الرجلين أبيض، قصير القامة، وله عينان بارزتان كالضفدعة، أما الآخر فكان طويلًا، وكان كلاهما يلبسان ملابس سوداء، وأحذية سوداء، فلم يكن يمكن رؤيتهما في الظلام أبدًا.

سأل الرجل القصير: من هذا؟

قال الطويل: لا أعرف!

واقترب الرجلان من «تختخ» وأحسا بالدهشة الشديدة لمظهره الغريب، بشعره المنكوش الخشن، والحاجبين الثقيلين، والأسنان البارزة، ولون وجهه الأصفر.

قال القصير: إن شكله غريبٌ جدًّا!

قال الطويل: إنه يبدو كالذئب!

القصير: أوقظه حالًا لتعرف ماذا أتى به إلى هنا!

ومدَّ الرجل الطويل يده، وزق «تختخ» في صدره بشدة.

فتح «تختخ» عينيه ونظر أمامه، وعرف على الفور أنه ارتكب غلطةً خطيرة؛ فقد نام في الغرفة السرية دون أن يحسَّ، وكأنه ثعلبٌ صغير نام في عرين الأسد.

جلس «تختخ» في مكانه، وأخذ يدير عينيه حوله، وعقله يفكر بسرعةٍ فيما سيقوله.

سأله الرجل القصير: من أنت؟

تختخ: ولدٌ متشرد، لم أجد مكانًا أنام فيه فجئت لأنام هنا!

الرجل: وهل تظن أنني عبيطٌ لأصدق هذا الكلام!

تختخ: ولماذا لا تصدقه، إنه الحقيقة!

اقترب الرجل من «تختخ» ومد يده فأمسكه من أذنه، ثم جذبها بشدة حتى شعر «تختخ» أنه سيخلعها، ثم قال الرجل: من الأفضل لك أن تقول الحقيقة، فنحن لا نتردد في قتل من يفشي أسرارنا!

تختخ: أي أسرار!

الرجل: هل تظن نفسك شجاعًا؟! إنك لن تفلت منا أبدًا إلا إذا قلت الحقيقة، في هذه الحالة سوف نطلق سراحك … وإلا …

تختخ: لقد قلت لك الحقيقة!

الرجل: ومن غيرك يعرف هذا المكان؟

تختخ: بعض أصدقائي الصغار، فنحن مجموعة اسمها المغامرون الخمسة، نقوم بحل الألغاز، وقد رأى أحد أصدقائي شبحًا في هذه الغرفة، فجئت لأقابل هذا الشبح!

الرجل: شبح! أي شبح؟

تختخ: شبحٌ أسود، له عين واحدة!

الرجل: ومتى رآه؟

تختخ: ليلة أمس!

الرجل: وأنت لم تخَف وجئت لمقابلة الشبح!

تختخ: لا، لم أخف!

الرجل ضاحكًا: سوف أجعلك تقابل الشبح، ولكن بعد أن تستدعي أصدقاءك جميعًا إلى هنا، فكيف تتصل بهم؟

تختخ: إن واحدًا منهم سيأتي في الصباح إلى هنا، وسوف يتلقى مني رسالة!

الرجل: إن عليك أن تكتب له في الرسالة أن يُحضر الباقين معه، ويدخلوا القصر، سنفتح لهم الباب، فإذا دخلوا قبضنا عليهم جميعًا، وتركناكم معًا هنا حتى نرحل خارج البلاد.

تختخ: لن أوقع أصدقائي في الفخ!

الرجل: لا داعي لهذه الشجاعة الزائفة، سنتركك تفكر قليلًا، وسنعود بعد ساعة، فإذا لم تكن قد كتبت الرسالة، فستنتهي حياتك في دقائق!

ثم قدَّم الرجل إلى «تختخ» ورقة وقلمًا، وتركه الرجلان وخرجا، ثم سمع صوت أقدامهما ينزلان السلم مسرعين، وصوت محرك العربة وهو يدور ثم انطلقت العربة.

أسرع «تختخ» إلى الباب ليفتحه فوجده مغلقًا وليس به المفتاح، جرب كل المفاتيح التي معه فلم يفتح ولا واحد منها، ذهب إلى النافذة وفتحها فوجد القضبان التي تغطيها ضيقة ولا تسمح بمروره مطلقًا، فعاد إلى الكنبة وجلس.

كان البرد شديدًا، فأحسَّ «تختخ» بجسده يرتعش بردًا وخوفًا. أخذ يحدِّث نفسه قائلًا: إنني مخبر فاشل، لقد أوقعت نفسي في يد هؤلاء الناس بغبائي، فإذا رفضت تنفيذ ما طلبوه، فقد يقضون عليَّ، وإذا نفذت ما طلبوه، أوقعت أصدقائي في أيديهم.

وظل «تختخ» يفكر، وقد بدت له المشكلة بلا حل، وفجأة قفزت إلى رأسه فكرة … فكرةٌ ذكية فعلًا، لو استطاع الأصدقاء أن يفهموها، سيكتب الرسالة التي طلبها الرجل، ولكنه سيكتب على نفس الورقة رسالة سريَّة بعصير الليمون.

مدَّ يده في جيبه وأخرج الليمونة، إنه لم ينسَها، فيا لحسن الحظ!

وجلس تختخ ليكتب الورقة مسطرة، فبدأ من السطر الأول يكتب:

أصدقائي المغامرين، لقد اكتشفت اكتشافًا هامًّا جدًّا في القصر المهجور، ولكني لا أستطيع ترك المكان لأنني أحرس شيئًا ثمينًا؛ لهذا أريدكم أن تحضروا فورًا، وسوف أفتح لكم باب القصر عندما تدقون عليه ثلاث دقات.

صديقكم
«توفيق»

كتب «تختخ» هذه الرسالة بالقلم الذي أعطاه له الرجل، وكتب اسمه الحقيقي، ولم يكتب «تختخ» كالمعتاد؛ لعل أصدقاءه يحسُّون أن هناك شيئًا غير عادي في الرسالة، فيفكرون قبل تنفيذ ما فيها. وبين سطور الرسالة الظاهرة، كتب «تختخ» الرسالة السرية بالحبر السري؛ عصير الليمون.

أصدقائي المغامرين

أرجوكم ألا تهتموا بما كتبته في الرسالة الظاهرة، إنني سجينٌ هنا، هناك شيء خطير يحدث في القصر المهجور؛ إنني لا أعرف حتى الآن ما هو، ولكني متأكد أنه مخالف للقانون، اتصلوا بالمفتش «سامي» فورًا، وأخبروه بكل شيء، وسيعرف هو ماذا يجب عمله. لا تدخلوا إلى القصر أبدًا، مهما كانت الأسباب.

صديقكم إلى النهاية
«تختخ»

وشعر «تختخ» بالارتياح، وتخيَّل المفتش الذكي القوي «سامي» عندما يعرف ما حدث، وكيف سينقذه.

كانت الساعة قد اقتربت من السادسة صباحًا، وأحسَّ «تختخ» بالجوع الشديد، وعندما وقف ليبحث عن شيءٍ يأكله سمع محرك السيارة مرة أخرى، فأسرع يجلس مكانه.

سمع «تختخ» صوت أقدام كثيرة على السلم، ثم دخل الرجلان اللذان رآهما قبلًا، ومعهم رجلٌ ثالث كان يحمل حقيبة ثقيلة.

سأله الرجل القصير: هل كتبت الرسالة؟

ورد «تختخ»: ها هي!

وأخذ الرجل الرسالة وقرأها ثم قال: لقد أصبحت عاقلًا. اقرأ هذه الرسالة يا «منصور»، وقل لي رأيك فيها!

وأخذ الرجل الثاني الرسالة وقرأها ثم قال: معقول جدًّا، المهم أن يأتي صديقه ليأخذها، حتى نمسك هؤلاء الأولاد جميعًا، ونسجنهم هنا حتى نرحل.

الرجل القصير: نستطيع الآن أن نفطر، وهناك «فراج» يراقب في الدور الأسفل، فاذهب له ببعض الطعام.

وأعدَّ الرجل بعض الأطعمة الخفيفة، وجلس الرجال الثلاثة يأكلون ويتحدثون، بينما «تختخ» يرقب الطعام بعينٍ لامعة، وهو … جائع.

وفجأة قال الرجل القصير: إني أشم رائحة ليمون هنا، هل أحضرنا معنا ليمونًا؟

منصور: لا، يا أستاذ كمال!

عرف «تختخ» أن الرجل القصير هو «كمال كامل» الذي اشترى القصر، والذي حدثه بالتليفون. قام «كمال» بالبحث في الغرفة فوجد الليمونة التي عصرها «تختخ»، وعثر على الطبق الذي كان به العصير، فقال: ما هذا؟ من أين أتيت بهذه الليمونة، وماذا تفعل بها؟

أدرك «تختخ» أنه أخطأ مرةً أخرى، ولكن ذكاءه أسعفه، فقال: إني مصابٌ بالبرد الشديد، ولا بد أن أشرب عصير الليمون بين فترةٍ وأخرى.

ثم مدَّ يده فأخذ الطبق، وشرب العصير مرةً واحدة، فنظر إليه الرجال الثلاثة في شك، ثم عادوا إلى طعامهم.

أشرقت الشمس، وأخذ «تختخ» يفكر في أصدقائه الأربعة والكلب «زنجر» … أين هم الآن؟ وماذا يفعلون؟ وهل سيأتي «محب» … في موعده!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤