لوزة الذكية

استيقظت «لوزة» مبكرة، وأخذت تهز «عاطف» حتى استيقظ هو أيضًا.

فقالت له: يجب أن نخرج فورًا لنرى «تختخ»؛ إنني أحسُّ أنه في مشكلة، وأنا حزينة جدًّا.

قال «عاطف»: لا تكوني غبية فتحزني على شيء لم يحدث، وربما يكون «تختخ» نائمًا الآن في منزله.

وقام «عاطف» و«لوزة» فأفطرا ولبسا ملابسهما، وأخذا ينتظران حضور «محب» و«نوسة» كالاتفاق الذي تم بينهم أمس، ولكن الساعات مضت دون أن يحضر «محب» الذي أرسله والده لشراء بعض الأشياء من السوق.

وفي الحادية عشرة صباحًا حضر «محب» و«نوسة» مسرعَين، فروى «محب» ﻟ «عاطف» و«نوسة» ما حدث أمس، والاتفاق الذي بينه وبين «تختخ» للذهاب إلى القصر المهجور إذا لم يعد «تختخ» في الليل.

وأسرع الأصدقاء إلى منزل «تختخ» وفتحت لهم الطباخة الباب فسألوها عن «تختخ»، فقالت لهم إنه لم يعد ليلة أمس، وإنها شديدة القلق عليه، وستتصل بوالده في القاهرة.

قال «محب»: لا تخشَي شيئًا، إننا ننعرف مكانه، وسوف يعود حالًا، ولا داعي للاتصال بوالده حتى لا تحدث مشاكل لا معنى لها.

خرج الأصدقاء من منزل «تختخ» وقد أحسُّوا بالخوف، فماذا حدث له في الليل؟ وهل هو سجين؟ هل وقع في يد عصابةٍ شريرة؟ وكان الكلب «زنجر» مثلهم؛ فهو يعوي وينبح، ويرفض الطعام؛ فقد غاب سيده الطيب عنه، وهو لا يحب الحياة بدونه.

ترك «محب» بقية الأصدقاء وأخذ يجري في اتجاه القصر المهجور، كانت الأرض موحلة من أثر المطر، فلم يستطع الجري بسرعةٍ كبيرة.

وفي تلك الأثناء كان «تختخ» يحس بقلقٍ كبير؛ ﻓ «محب» قد تأخر كثيرًا عن موعده، والعصابة تنظر إليه كأنه خدعهم.

أما أفراد العصابة فكانوا يُخرجون من تحت الكنبة، ومن أماكن أخرى لفافات من الجواهر، والذهب، والأدوات الثمينة، وكانوا يضعونها في حقائب، استعدادًا للرحيل.

•••

قال «كمال» رئيس العصابة: إننا سنغادر القصر قرب حلول الظلام، فإذا لم يحضر أصدقاؤك حتى ذلك الموعد، فسوف نقضي عليك!

قال «تختخ» محاولًا التظاهر بالهدوء: ولكنك وعدتني بأن أرى الشبح ذا العين الواحدة!

كمال: هل تقول النكتة وأنت في هذا الحال، يا لك من ولدٍ وقح!

وفي هذه اللحظة سمعوا جميعًا صوت صفير عرفه «تختخ» فقال: هذا هو صديقي قد حضر، أرسلوا له الورقة.

ونظر «كمال» من جانب الستارة، فرأى «محب» وهو يدخل الحديقة، ويطلق صفارته، فأخذ يراقبه حتى رآه يقف تحت الغرفة السرية، فرمى الورقة التي طارت في الهواء هابطة إلى الأرض.

شاهد «محب» الورقة فأسرع إليها، وتلقَّاها قبل أن تقع في الوحل، ثم فتحها وقرأ الرسالة المكتوبة بالحبر الظاهر، تدعوهم إلى الحضور جميعًا إلى القصر.

وقف «محب» لحظة يفكر، ثم أسرع عائدًا في الطريق إلى منزل «عاطف» وقلبه يدقُّ بشدة؛ فالرسالة تؤكد أن «تختخ» عثر على سرٍّ هام، وهو يطلبهم جميعًا للحضور؛ فعليه أن يسرع لاستدعاء جميع الأصدقاء.

وصل «محب» إلى منزل «عاطف» وهو غاية في التعب، فلم يتكلم كلمة واحدة، ولكنه أعطى الرسالة ﻟ «عاطف» الذي قرأها في صوتٍ مرتفع:

أصدقائي المغامرين … لقد اكتشفت اكتشافًا هامًّا جدًّا في القصر المهجور، ولكني لا أستطيع ترك المكان لأنني أحرس شيئًا ثمينًا؛ لهذا أريدكم أن تحضروا فورًا، وسوف أفتح لكم باب القصر عندما تدقون عليه ثلاث دقات.

صديقكم
«توفيق»

وقف الأصدقاء جميعًا، واستعدوا لمغادرة منزل «عاطف» إلى القصر المهجور كما طلب «تختخ».

فقالت «لوزة»: هل معنى هذا أن «تختخ» على ما يرام، ولم يقع في مشاكل؟

رد شقيقها «عاطف»: هذا شيءٌ واضح جدًّا من رسالته، بل هو أيضًا عثر على سرٍّ هام، فلا تضيعي الوقت في الأسئلة، وهيا بنا!

وعندما استعد الأصدقاء الأربعة والكلب «زنجر» للخروج، دخلت والدة «عاطف» تخبرهم أن الشاويش «فرقع» يريد مقابلتهم، أحسَّ الأصدقاء بالضيق لأن هذا سيعطلهم عن الذهاب إلى القصر، فاستقبلوا الشاويش بغضبٍ بدا واضحًا في كلماتهم وحركاتهم.

قال الشاويش وهو يمسح أنفه: لقد رأيت «محب» أمس وهو يذهب مع الولد الغريب إلى القصر المهجور، ولكني لم أتمكن من متابعتهما لأنني كنت مريضًا، وأريد أن أعرف الآن ما حدث!

رد «محب»: لم يحدث هذا مطلقًا، وأنا لا أعرف هذا الولد الذي تتحدث عنه منذ أيام، دون أن يراه أحدٌ سواك. إنني أخشى يا حضرة الشاويش، أنك لم تعد ترى الناس جيدًا!

قال الشاويش في هياج: لا تتحدث معي بهذه اللهجة، لقد رأيت الولد ثلاث مرات، وأحضر لي رسالة منكم، لا أدري كيف تغيرت كلماتها ليلًا، إنني لا بد أن أعرف ماذا يجري في القصر المهجور!

أحسَّ الأصدقاء بالخوف، فلو أن الشاويش ذهب الآن إلى القصر، فسوف يجد «تختخ» هناك، وقد يشترك معهم في حل اللغز، ويضيع كل ما فعلوه من أجل معرفة سر الغرفة السرية، والشبح ذي العين الواحدة.

فكر «محب» لحظةً ثم قال: معذرة يا حضرة الشاويش، ولكن لا بد أن أذهب الآن إلى منزلي، فوالدي في انتظاري!

ثم غمز «محب» بعينه إلى الأصدقاء وخرج، جرى «محب» إلى أقرب تليفون ثم اتصل بمنزل «عاطف»، وقال مقلدًا صوت رجل: هل الشاويش «علي» عندكم؟

عاطف: نعم، من الذي يطلبه!

محب: إنه قسم الشرطة، فهناك حادثٌ هام قد وقع ونحن نريده بسرعة!

حضر الشاويش «فرقع» إلى التليفون بعد أن ناداه عاطف، وما كاد يسمع خبر الحادث الهام الذي وقع حتى قال للأصدقاء: سوف أعود إليكم حالًا، سوف أعود لأعرف كل شيء!

وخرج الشاويش، وعاد «محب» إلى البيت، واستعد الأصدقاء للخروج فورًا إلى القصر المهجور، ولكن «لوزة» التي كانت غارقة في التفكير قالت: أريد أن أقول لكم شيئًا، إن خطاب «تختخ» فيه شيءٌ غريب!

عاطف: لا تضيعي الوقت يا «لوزة»، ودعينا نذهب بسرعة إلى القصر؛ فالخطاب واضح جدًّا!

لوزة: ألم تلاحظوا أن «تختخ» قد كتب اسمه «توفيق»، إنه عادة يكتب «تختخ»، فإذا كتب «توفيق» فلا بد أنه يريد أن يلفت نظرنا إلى شيءٍ هام!

عاطف: أنت دائمًا تحاولين استنتاج أشياء غير صحيحة، وإذا كنت خائفة من الذهاب إلى القصر، فسنذهب نحن!

ولكن كلمات «لوزة» شغلت تفكير «محب»، فأعطى الخطاب إلى لوزة قائلًا: خذي الخطاب واقرئيه أنت يا «لوزة» فقد تجدين شيئًا آخر لم نفهمه.

أمسكت «لوزة» بالخطاب في يدها، ثم رفعته إلى أنفها وصاحت: لقد قلت لكم … لقد قلت لكم … إن رائحة الليمون تفوح من الخطاب … شموه!

وأخذ الأصدقاء يشمُّون الخطاب، وكانت رائحة الليمون واضحة.

قالت «نوسة»: إذن …

رددت «لوزة»: إذن هناك رسالة سرية لم تقرأها!

محب: هات المكواة الساخنة بسرعة يا «عاطف»!

أسرع «عاطف» بإحضار المكواة، ومر بها «محب» فوق الرسالة، وكم كانت مفاجأة لهم عندما شاهدوا الحبر السري، وهو يظهر بين سطور الرسالة الأولى.

قال «محب»: يا لك من شيطانةٍ صغيرة يا «لوزة»، إنك أذكى المغامرين!

وقرأ «محب» الرسالة السرية بصوتٍ مرتفع:

أصدقائي المغامرين

أرجوكم لا تهتموا بما كتبته في الرسالة الظاهرة، إنني سجينٌ هنا، هناك شيء خطير يحدث في القصر المهجور، إنني لا أعرف حتى الآن ما هو، ولكني متأكد أنه مخالف للقانون، اتصلوا بالمفتش «سامي» فورًا، وأخبروه بكل شيء، وسيعرف هو ماذا يجب عمله، لا تدخلوا إلى القصر أبدًا، مهما كانت الأسباب.

صديقكم إلى النهاية
«تختخ»

سكت الأصدقاء لحظات، وأخذ كل منهم ينظر إلى الآخر … إذن فإن «تختخ» سجينٌ في القصر المهجور، مع الشبح ذي العين الواحدة، وعصابة تعمل ضد القانون.

كانت الساعة قد تجاوزت الثانية بعد الظهر، وضاع وقتٌ كثير، فأسرع الأصدقاء إلى التليفون للاتصال بالمفتش «سامي» في مكتبه بالقاهرة، وردَّ أحد الضباط قائلًا: لقد خرج المفتش في مهمةٍ الآن، ولا أعرف متى يعود!

أحس الأصدقاء باليأس، وجلسوا صامتين لا يعرفون ماذا يفعلون.

وبعد ساعةٍ عاودوا الاتصال بالمفتش «سامي» مرة أخرى، ولكن المفتش لم يكن قد عاد بعد، فقال «محب» للضابط: أرجوك أن تبحث عنه في كل مكان، وقل له إن المغامرين الخمسة يريدونه في مسألةٍ هامة جدًّا!

ومضت ساعة أخرى، واقترب المساء مسرعًا.

وفي تلك الأثناء كانت العصابة قد استعدت لمغادرة القصر عند هبوط الظلام.

كان «تختخ» في غاية القلق والتعب والجوع، كان يفكر في الرسالة التي أرسلها … هل فهِم الأصدقاء ما يريد؟ هل قرءوا الرسالة السرية، وإذا كانوا قد قرءوها، فلماذا لم يصل المفتش «سامي»، هل حدث شيء؟

كانت العصابة مشغولة بإعداد الحقائب، فلم ينتبهوا إلى اقتراب شخصٍ من القصر، ولكنهم بعد لحظات، أدركوا أن شخصًا يحاول دخول القصر من الباب السري …

قال رئيس العصابة: خذوا هذا الولد بسرعةٍ إلى إحدى الغرف الأخرى وأغلقوا عليه الباب، واستعدوا للقبض على هذا القادم، فنحن سنغادر القصر بعد ساعةٍ بالضبط!

أمسك أحدهم ﺑ «تختخ» ودفعه أمامه بقسوةٍ في ظلام القصر المهجور، وأدخله إحدى الغرف في الدور الثاني، وأغلق الباب.

لم يضيِّع «تختخ» دقيقة واحدة؛ لقد أسرع إلى الباب، وأخرج مصباحه الصغير وأخذ يفحصه.

أدرك «تختخ» أن فرصة الفرار قد أتت؛ فقد ترك الرجل المفتاح في الباب. أخرج «تختخ» الصحيفة من جيبه، ووضعها تحت عقب الباب، ثم مد قطعة السلك الرفيعة ودفع المفتاح فسقط على الصحيفة، وبعد دقيقةٍ واحدة، كان «تختخ» قد فتح الباب، ووقف في الظلام ينظر دون أن يرى شيئًا.

خطا «تختخ» إلى الممر الواقع بين الغرف، وفي تلك اللحظة أحسَّ أن شيئًا يتحرك في الممر، وعندما نظر جيدًا، رأى العين الواحدة البيضاء تتحرك في الظلام.

لقد تقابل «تختخ» مع الشبح، وأحسَّ أن ساقَيه ترتعشان، وأن قلبه سيتوقف عن الدق … ﻓ «عاطف» لم يكن واهمًا، ولم يكن يتخيل أشياء غير حقيقية؛ فهذا هو الشبح أمامه يتحرك في الظلام.

وقبل أن يحدث أي شيء آخر، اختفى الشبح مرةً أخرى، وكأنه طار في الهواء أو اخترق الحائط وتلاشى.

ولم تكن هذه هي المفاجأة الوحيدة التي قابلت «تختخ»؛ ففي تلك اللحظة أحسَّ بشخصٍ يندفع جريًا في الظلام، ثم يصطدم به ويسقط داخل الغرفة التي دخل فيها.

أسرع «تختخ» بإغلاق الباب على الرجل الذي اصطدم به، ووضع المفتاح في جيبه، وأسرع يهبط السلم مسرعًا في طريقه إلى الباب السري، ولكن … كم كانت دهشته عندما شاهد أفراد العصابة الأربعة يقفون وراء باب القصر جميعًا، وهم يمسكون بمسدساتهم، على استعدادٍ لمهاجمة من سيدخل من الباب … من القادم يا ترى؟

وقف «تختخ» يرتعد خوفًا، عندما سمع ثلاث دقات على الباب، إذن فقد حضر الأصدقاء بأقدامهم إلى القصر وسيقعون في يد العصابة … إنهم أغبياء، لم يكتشفوا الرسالة المكتوبة بالحبر السري.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤