الفصل الأول

من أغاني النوبة

ترجمة بالعامية بتصرف عن ترجمة قام بها بعض شباب النوبة بعد الغناء مباشرة.

***

الشعر والأغاني والإيقاع النغمي هي ترجمة حقيقية لحياة ومشاعر المجتمع وممارساته اليومية، وتسجيل لأحداث مهمة كالزواج والمولد والسبوع والنذور والموالد المرعية لبعض الأولياء، فضلًا عن الأعياد الدينية والرسمية وأعياد المحصول الجديد وغير ذلك من شئون الحياة، وعلى رأسها أغاني الحب والعاطفة. وفيما يلي مقتطفات من أغاني المناسبات في النوبة، لعلنا نصل إلى بعض أعماق الإنسان في النوبة آنذاك، فغني عن البيان أن البيئة الطبيعية والمجتمعية في النوبة القديمة قد أصبحت تراثًا في المهجر الجديد في حوض كوم أمبو، وقد لا يجد الشباب الجدد في كوم أمبو معنى للأناشيد القديمة، والأغلب أن أناشيد جديدة ملائمة للبيئة قد ظهرت بين النوبيين بمدخلات لغوية عربية كثيرة، وهذا أمر يحتاج إلى فحص ودرس جديد.

وفي الأصل النوبي للأغاني نلحظ تكرار كلمات ومصطلحات ونداءات وقفلات للأغاني، وفيما يلي نُورد بعض هذه المصطلحات على قدر ما فهمنا من المترجمين:

إس دو يا نوبة = نداء للنوبة فيه شيء من الحسرة. سِكَّرا أو ساه = خسارة. الهوى آي لنج هايلنج = تعبير عن الحب. سِنجر تود اير بوري = يا بنت يا حلوة. زميلاني = رفيقة أو رفيق. صبرينه = اصبري. سمرة = اللون المفضل للبنات الحلوين. دسي لمونة = الليمونة الخضراء، وربما هو تعبير عن الفتاة تبدأ في النضج. الوز الطاير «الإوز» = رمز للفتيات. الموزة = تشبيه شائع عن الرشاقة للبنات ملفوفة القد. الضابط أو العسكري أو السوداني = تطلق على مشية البنات منتصبة القوام. لمبة أو كلوب أو شمس أو قمر= صفات جمال البنت أنها منيرة ومتألقة. الشقة = الطرحة غالبًا من السودان، لكن في كثير من الأغاني هدية الطرحة من قماش مشترى من جدة — السعودية — هي أغلى ويحسن التنويه بها.

يا سلام = بداية ونهاية كوبلية، تشبه وظيفة يا ليل يا عين في الأغاني التراثية.

(١) أغاني العاطفة

أسمر اللونا

تقولي إني ما باصِّلي
مع إني صليت الصبح ويا أبوكي
وقعدنا نتحدت في ظل الجامع
تملي الجرة وتسقي الزرع
وتشيلي السبَت وتمشي تتخايلي
أقول أنتي زي الشمس
ولا القمر المنور
يا فاطمة نورك زي الشعلة
يا سليلة الأنبيا
جمالك يفتن يخلي الكافر مسلم
كم مرة سقيت شجرة المانجة معاكي
يا أسمر اللونا
دا كان زمان
كبرت الشجرة
واستوت المانجة
لكن النيل العالي جه وشال الشجرة

•••

دلوقت أنا مريض
راقد في السرير
الكل جُمْ زاروني
لو كان فيهم واحد يخاف الله
كان راح لأسمر اللونا يقول لها
حرام تسيبي العيان
ما تسأليش عنه!

مقتطفات من أغاني العاطفة

يا حلوة
إنتي كَلتي حاجة حلوة
إنتي طويلة ورشيقة
تمشي زي العسكري ولا الخيال
تعالي نجري نتسابق
يالا ورايا
إنتي ليه زعلانة
ليه بتفكري
الله الرحيم في سماه
إللي خلقنا ما ينسانا
وشك منور
زي القمر
تعالي ورايا الليلة يا حلوه
يا أنعم من النايلون

•••

استغرب وأتعجب
كيف تمشي عالرمله
وتطلعي الدرب الحجر
وإنتي شايله الميه
برشاقة وجمال

•••

تعملي شاي الصباح
وتحطي البراد على جمر النار
والشاي يغلي على مهل
إيه رأيك لو ربطت عمتي بشالك
ولما الشاي يجهز
شدي الشال
آجي على طول

•••

على البر الغربي
حبيت بنت حلوة
وعلى البر الشرقي
حبيت كمان واحدة
عملت مركب
وقعدت أبص شمال ويمين
لحد ما الشمس طلعت

أغنية «دسي لمونة» (أبيات مقتطفة)

الليمونة الخضراء

خدي إيدي يا حلوه
أنا بقيت أعمى
حاستنا لما تخدي إيدي
ونقعد تحت السنطه

•••

أنتي تربيتي عالكريمه
إنتي ما فيكي عضام
كنت أشوفك بين الشجر عند الساقيه
سمرا زي النجم في الليل
دلوقت أروح عند الساقية مالتاكيش
ما خطرش في بالي حيجي يوم تسافري
راسي بتلف تدور عليكي في بيتك العالي

•••

الدرب اللي سكنا فيه
هو والبحر زي بعض
لكن السمك في البحرين مش واحد
فيه سمك هادي
وسمك تاني رعَّاش

•••

الميه وصلت للرُّكب وقفت أفكر
أمشي لحد ما أغرق ولا أرجع
الغريق مش حيخاف من الموج
والجدار اللي يقع ما يرجعش عالي تاني
ما تمشيش متكبرة ومغرورة
إللي يقع ينكسر ما يقفش تاني!

يا وز يا طاير

يا سلام يا وز يا طاير
يا سلام يا جو معاه طاير
أي والله صياد أنا لا
أي والله بُنْدُكَه ما معاه
[بندكه = بندقية]

أسمر اللونا

يا سلام يا اللون
سمرا يا اللونا
قولي تديني
إيَّا
اتكلمي حتديني
إيَّا
تمر ورطب
إيَّا
أنا مسافر
إيَّا
في البوستة السودانية
إيَّا
كل مرة أروح وآجي
إيَّا
يسافر معي زميل
إيَّا

إزاي أتحمل

إزاي أتحمل أنك تمشي من هنا
سوا بعيد أو قريب
ربنا شاهد على حبنا
فاكرة النجع إللي كبرنا فيه
وإنتي مشيتي
وربنا شاهد على حبنا

•••

بعتوني للطبيب
ما لقاش عندي مرض
بعتوني للفقيه
لكنه ما لقاش دوا
كافي البَلا
وربنا يعلم حبنا
قعدت أنادي على الرايح والجاي
أنا مريض لما سافرتي للشمال

•••

مَرِّيتي عليَّ وما ودعتيني
إزاي أتحمل وربنا وحده شاهد حبنا
إنتي البنت إللي طلعت لفوق
ناديت عليكي لما نزلتي شايلة المَيه
ناديت ست مرات
لكن ما جبتيش المَيه
اللي يشرب منها يخف العيان

يا زميلاني

يا زميلاني يا زميلاني يا زميله
يا أول زميله يا أول حبيبه
إنتي ناسياني ولا فاكراني يا إللي زي الحلاوة
يا إللي في جسمك التوب عامل زي قطن المستشفى
لابسة التوب والشبشب بتاع السودان رايحة فين ليكي غيري؟
تقول أنا ما ليش لا فقبلي ولا فبحري غيرك

(٢) من أغاني وأناشيد الأفراح

عيلة كبيرة
يا عريس
عيلة كبيرة
يا سلام
ومين يقدر
على المقدر
يا سلام
وإللي أراده الله يكون
ويفارق العريس أمه
يا سلام

في مدح ضيوف الحفل يذكر الضيوف نجعًا نجعًا — مثلًا:

دايما شبان كورسكو
دايمًا خليل عريس البيت
دايما شبان الريقة
جايين تفرحوا معايا يا خواتي

(… إلخ)

•••

إنشاد باللغة العربية في مناسبة الزواج:

وكمان الورد كان فيه شوك
من بركات النبي فتح
حلالك حلالك حلالك

أنشودة صوفية تقال عند باب بيت العريس

مولاي صلي وسلم دائمًا أبدًا
على حبيبك خير خلق الله كلهمِ
محمد سيد الكونين والثقلـ
ـين والفريقين من عربٍ ومن عجمِ
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته
لكل هول من الأهوال مقتحِمِ
دعا إلى الله فالمستمسكون به
مستمسكون بحبل غير منفَصِمِ
وما حوى الغار من خير ومن كرم
وكل طرف من الكفار عنه عمِ
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على
خير البرية لم تنسج ولم تَحُمِ
يا خير من يمم العافون ساحته
سعيًا وفوق متون الأينق الرُّسمِ
سريت من حرم ليلًا إلى حرم
كما سرى البدر في داجٍ من الظُّلمِ … إلخ

أغنية زفاف عبده سعيد وسميرة

كورسكو يناير ١٩٦٣ (أصل الأغنية بالعربية) وهي كالآتي:

سميرة أن جيتلك الليلة أبارك
وأشاهد الحفل يوم زفافك
عبده سعيد سَد ليكي مالك
وتسعدي بيه ويهنى بالك

•••

من كورسكو عبِّينا السيره
نزف عبده على سميره
فاق النسيم الزهور عبيره
على البلاد عامة على أميره

•••

من كورسكو للدر شَدُّو
لسميرة تزف على عبده
زعيم شباب زي بدر جدو
يوم الزحام ليى بَرَّاه يسدوا

•••

نجف قصور نور الليالي
زي قمر في سماه يلالي
عبده قال رب هني بالي
حلال بقت لي بنت خالي

•••

ليلة محفوفة بالمحبه
والشموع قايده فيها حسنه
فيها أحلام المهنى
عريسنا هام لعروسه حته

•••

سميره ريله حلاتها زينة
الظبية يا جوهر الخزينه
تامة الجمال والعقل رزينه
مع العريس زي قطا أوزينه

•••

الجميلة فلوه وكفلها داخر
حشاها قبضه وصدرها نافر
مهيرة الروض خَيَّالها ماهر
ليها مشتاق تمَلِّي ساهر

•••

عبده سعيد اللي مُناه ناله
الرب كريم هنَّاله باله
أحبابه جُو للزفه شالو
سَيَّروه لبنت خاله

•••

سميره زي بدر نورها غامر
عريسها بالحب قلبه عامر
ليلة كانت زفاف وسامر
إللي ما يصلي قلبه كافر

•••

يا حبيبة الفرح عم
للجميع يوم مُناكي تم
قريب نهنيكي في مَلَمَّه
باللي يقول يا بابا يَمَّه

معاني بعض المصطلحات في هذه الأغنية: سد المال = دفع المهر. عبينا السيره = أعددنا الزفاف. قطا أوزينه = أنواع من الطيور المهاجرة. فلوه = المهر الصغير. حشاها قبضه = خصرها نحيل. مَلَمَّه = جمع من الناس. الشد = موكب العريس لعروسته.

(٣) أغاني وداع النوبة

الوداع يا نوبه
أقولها تاني الوداع يا نوبه
باقولها من قلبي يا نوبه
الزمان بتعنا كان أد إيه جميل في النوبه

•••

بلادنا الطيبة الحنونه
كام مرة دورنا الساقيه
وكام مرة اتشاركنا في زراعة حقلاتنا
وكام مرة شربنا شاي الصباح

•••

إزاي أنسى إزاي
ولما يكبروا ولادنا مش حيلاقوا شيء مهم
مش حيشوفوا صورة تشبه حياتنا

أغنية الأمل في الوطن الجديد

تعيشي يا نوبة بزعيم الثورة يا نوبة
ح نبني السد ح نبني السد بمالنا
وفي النوبة الجديدة بيت ونزرع النخل
الله الله على النوبة الجديدة

•••

يا الله يا مسير الأقدار
يا الله ارزقنا الصحة والعافية
ساعدنا يا رب في كوم أمبو
يا رب أد ايه عشنا الجبل سنوات مع الضباع
وقدامنا شوفنا البحر يعلى ووارانا الجبل
والبحر لم يعطينا رزق يا رب عاقب فاروق وأبوه بما ظلموا
يا رب ناصر جمال منصور دائمًا
في الأول القناة وتاني يبني السد عشان يكتر الزرع
ويودينا كوم أمبو يكون لنا أرض نزرع فيها القطن الأبيض

«كورس» من طلاب معهد معلمين قورتة

خسارة يا نوبة
حانسيبك إزاي
لا إله إلا الله يا نوبة
إزاي ننساك يا نوبة
السما والأرض
بتبكي عليكي
السما حزينة
والجبل كمان
النخل بيبكي
والبلح كمان
سرك وجَهرك
وياكي يا نوبة
حزننا بالسر
وبعد ما نمشي
حنسيبك لوحدك
يا نوبة
يا للونا

(٤) مساجلة أوبرالية في سيالة

في سيالة سجلنا غناء لسيدات وشابات صعب ترجمتها لإلمامهن القليل بالعربية، لكن جوهر الموضوع أنه كان مساجلة بين كبيرات السن وصغيرات السن، فيما يشبه الغناء الكورالي لكل مجموعة على حدة: فالكبيرات متخوفات من الهجرة إلى كوم أمبو، ويصعب عليهم مفارقة سيالة «جنة الدنيا» على حد التعبير الغنائي، والشابات الصغيرات يتطلعن بلهفة إلى الموطن الجديد.

تقول كبيرات السن: في سيالة الأمان والأقارب، ونقاء المجتمع من الغرباء، واتساع الأفق حول محور الحياة بما يجلبه من مفاجئات سارة بقدوم المغتربين … إلخ.

وترد الشابات أن العزلة في النوبة مضنية، بينما في كوم أمبو تسهل الحركة بالقطار والسيارة إلى مهاجر أزواجهن، وتتطلعن إلى معرفة العالم بالراديو والتلفاز والجرائد والمجلات … إلخ.

وتدور المساجلة كما لو كانت عملًا أوبراليًّا، تصدح فيها أصوات الميزوسوبرانو (الكبيرات) والسوبرانو (الشابات) على مصاحبة من الدفوف (وإيقاع على صفائح معدنية وخشبية) بصورة مدهشة من التلقائية والإبداع.

وربما جاز لبعض المؤلفين الموسيقيين تطوير هذه «التيمة» الفطرية في قالب لا يتعدى مُكَوِّن الحضارة البريء للنوبة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤