الصورة الممزقة (٦)

محمود يبتعد عنها مذعورًا.

يسقط إلى الأرض في إعياء.

سعاد تنتبه بعد لحظة. تنهض. تنظر إلى محمود الراقد على الأرض في ذعر. تجري بسرعة وتلف ابنها في بطانية من الصوف. تحمله على كتفها وتمشي على أطراف أصابعها. محمود ينتبه لها. يهم بالقيام.

محمود : استني! إنتي رايحة للدكتور شكري! ها! ها! ها!

(يضحك بجنون.)

(سعاد تجري خارج الحجرة. يحاول أن يمسكها. لا يلحق بها. يتركها تهرب من الباب. يجلس على المكتب في اضطراب. تبدو عليه الثورة. يُخرج الحقن ويأخذ حقنة.)

(يمسك رأسه بيدَيه وينشج كالأطفال في أسًى وحزن ويأس.)

(صوت نشيج رجل.)

تصوير داخلي:

سعاد تحمل طفلها على كتفها. تجري على السلم هابطة.

لا تنظر خلفها.

تصوير خارجي:

تحمل سعاد طفلها. تجري في الشارع خائفة مذعورة. تتلفت خلفها في ذعر. الشارع مظلمٌ خالٍ من الناس. تجري بأقصى سرعتها.

موسيقى مناسبة.

نهاية الفلاش باك.

تصوير داخلي:

يظهر منظر سعاد وهي جالسة في حجرة نومها في منزل أبيها بالعروسة في يدها. وهي شاردة. تضع العروسة جانبًا. تقف وتتطلَّع إلى نفسها في المرآة.

تدخل الدادة. تعانق سعاد.

الدادة : أهلًا ست سعاد! يا مرحبًا! أتاري الدنيا منورة!
سعاد : أهلًا دادة. ازيك يادادة وازي صحتك؟
الدادة : صحتي؟! هو انت من بعد ما سيبتي البيت حد فيه صحة! وابوكي يا عيني رقد فيها شهر وبقى ما حدش عارف يكلمه. وامك ليل ونهار عياط. ده احنا شوفنا أيام سودة سواد! بركة يا بنتي اللي رجعتي بركة!

(يدخل الأب في خطواتٍ ثقيلة حزينة. ينظر إلى سعاد وهي جالسة حزينة. يجلس على كرسي بعيد عنها. تمر لحظة صمت.)

الأب : يعني لو كنت سمعت كلامي من الأول؟
الدادة : معلهش يا سي زغلول. هي كانت عارفة ان ده حيحصل. كل واحد بيغلط!

(سعاد صامتة تفكِّر في شرود. تدخل الأم وهي تقاوم دموعها.)

الأم : بس دي غلطة كبيرة قوي ما تصلحش أبدًا؟
الدادة : كل شيء يتصلَّح يا ست سنية!
الأم : يتصلَّح ازاي بس؟ دي الناس كلها اتكلمت وشبعت كلام. ما خلوش حاجة إلا قالوها، وشرف العيلة بقى في الأرض!
الدادة : ناس إيه يا ست سنية. الناس بتتكلم عن كل حاجة بالحق والباطل.
الأم : اهم اتكلموا وبس! وكلامهم ملا الجو! ودلوقت نقولهم إيه بس!

(سعاد تقف وتقول في غضب):

سعاد : الناس ما لهاش عندي حاجة خالص. أنا اخترت بنفسي الرجل اللي اتجوزته وانا اخترت بنفسي اني اسيبه. دي حياتي انا وانا حرة فيها؟
الأب : وانتي قررت خلاص انك تسيبيه؟
سعاد : أيوه يا بابا.
الأم : وافرضي يا شاطرة حب يعاندك ومارضاش يسيبك. تعملي إيه بقه؟!
سعاد : لا. هو إنسان نبيل ومش ممكن يعمل كده!
الأم : إنتي لسة بتقولي عليه نبيل؟ آه يا مرارتي اللي حتنفقع!
سعاد : أنا مقدرش احاسبه على أخطاؤه يا ماما. لأنه كان عيان.
الأب : وكنت بس رايحة تتجوزي العيان ليه؟ والا كنت عاوزة تبقي دكتورة في البيت والشغل؟!

(الأب يخرج غاضبًا.)

(الأم تنظر إلى الطفل النائم وتمصمص شفتَيها في ألم.)

الأم : والعيل ده حتعملي فيه ايه؟
سعاد : حاعمل فيه إيه ازاي؟ ده ابني! حربيه واديله حياتي كلها!
الأم : تمصمص شفتَيها في حسرة.
الأم : أهو ده اللي نابنا من الجواز يا حسرة!
الدادة : يا حسرة ليه يا ست سنية؟ ربنا يبارك فيه ويخليه لها يا رب!

(يدخل الأخ ماجد.)

ماجد : أهلًا سعاد. حمد لله على السلامة.
سعاد : الله يسلمك يا ماجد.

(تمر لحظة صمتٍ طويلة.)

الدادة : وحدوه! ما لكم قعدتم كده؟ ياللا يا جماعة ياللا! الفطور جاهز على السفرة! ياللا يا دكتورة سعاد ياللا يا سي ماجد!
الأم : سي ماجد ده إيه يا أم علي؟ أستاذ ماجد! ما تعرفيش انه محامي أد الدنيا وصيت المكتب بتاعه واصل لغاية مصر؟!

(سعاد جالسة تفكر.)

الدادة : عارفة يا ست سنية عارفة … اتفضل يا أستاذ ماجد … اتفضلي يا دكتورة.

(الدادة تضحك في مرح.)

والنبي كلمة دكتورة حلوة قوي! تشرح النفس وتساوي الدنيا بما فيها! بلا جواز بلا غم! دي الرجالة توجع القلب وتقصر العمر. يالله يا دكتورة سعاد يالله. ولا يهمك. صحتك بالدنيا؟

(يخرجون من الحجرة.)

(الطفل يبكي. الدادة تذهب إليه وتحمله وتدلِّلُه.)

الدادة : ما تعيطش يا حبيبي. صلاة النبي أحسن صلاة النبي. اللهم صلي على النبي!
بس! بس! يا حبيبي! بس!
تصوير داخلي:

منظر يافطةٍ كبيرة مكتوب عليها الدكتورة «سعاد زغلول» في ميدان كبير من ميادين القاهرة.

يظهر باب العيادة مفتوحًا. وقد علق على الباب يافطة مكتوب عليها.

«مواعيد العيادة: من ٥–٨ مساء».

تظهر العيادة من الداخل مزدحمة بالرجال والنساء يجلسون منتظرين كشف الدكتورة.

تمورجي بملابس بيضاء يستقبل المرضى ويجلسةم ويأخذ منهم أجر الكشف ويعطيهم نمرًا.

تظهر حجرة الكشف ومريض نائم على سرير الكشف.

سعاد بالبالطو الأبيض تجلس على كرسي صغير إلى جواره وتكشف على المريض بالسماعة. ينتهي الكشف. تذهب سعاد إلى المكتب وتجلس وتكتب الروشتة وتعطيها للمريض وتشرح له طريقة استعمال الدواء.

يخرج المريض. يدخل مريض آخر. يتكرر الكشف. يخرج.

تدخل مريضة سيدة … وهكذا.

سعاد تجلس على المكتب وقد بدا عليها الإعياء. العرق يتصبب من جبهتها. تمسك رأسها بيديها وتفكر في شرود.

درج المكتب يظهر تحت يدها مليئًا بأوراق البنكنوت … تنظر إلى الأوراق شذرًا في إعياء …

تخلع البالطو وتمسك حقيبة يدها وتغادر العيادة …

تصوير خارجي:

سعاد تمشي في الشارع وعلى عينيها نظارة سوداء …

تنظر إلى الناس بفتور.

تظهر من بعيد أجزاخانة … يظهر داخل هذه الأجزاخانة محمود وهو يشتري الحقن … محمود يبدو عليه الإعياء … ملابسه مهملة جدًّا …

محمود يهم بالخروج من الأجزاخانة فيرى سعاد وهي تمر من أمامه … يتوارى داخل الأجزاخانة حتى تمر … سعاد لا تراه …

يخرج من الأجزاخانة ويجري مندفعًا في طريق آخر غير الذي تمشي فيه سعاد.

تصوير داخلي:

حجرة نوم أبو سعاد. الأب راقد في الفراش مريض جدًّا. ومن حوله الأم والدادة وماجد … القلق يبدو على وجوههم …

الدادة : هي الست سعاد أتأخرت كده ليه؟
ماجد : زمانها جاية. أنا كلمتها في العيادة التمورجي قالي انها نزلت.

(الأب يئن في ألم ومرض.)

الدادة : تبقى جاية في السكة!
الأم : يا ماجد روح كلم حد من الدكاترة! مش لازم نستنى سعاد! روح هات دكتور راجل!

(سعاد تدخل. تبدو عليها الدهشة والقلق حين ترى أباها.)

سعاد : إيه؟ بابا ما له؟
ما لك يا بابا؟
الأم : كان قاعد معانا كويس في أمانة الله وبعدين بصينا لقيناه وقع كده مرة واحدة وماسك في قوالة آه … آه …

(سعاد تفتح حقيبتها بسرعة. تخرج السماعة وأدوات الكشف. تكشف على صدر أبيها. صورة مكبرة لوجه أبيها وهو ينظر إليها في إعياء وعتاب وحب. صورةٌ مكبَّرة لوجه سعاد وهي تكشف عليه في ألم وحزن.)

(سعاد تنتهي من الكشف وتضع أدواتها في الحقيبة ببطء وهي شاردة. تبتعد عن أبيها في وجوم. تقف تفكر وهي شاردة. الأم والدادة وماجد يقتربون منها في قلق.)

الأم (في قلق) : لقيتي إيه عنده يا سعاد؟
سعاد : ولا حاجة. مجرد إرهاق من التعب.
الدادة : تعب المحل طول النهار!
الأم : لكن الدور ده جاله قبل كده ورقد في السرير شهر بحاله. فاكرة يا أم علي؟
الدادة : ماهو من دوخته في المحل طول النهار.
مش هتكتبيله الدوا يا ست سعاد؟
سعاد : طبعًا … أنا حكون جنبه على طول.
الدادة : ربنا يطعمك يا بنتي!

(سعاد تخرج من الحجرة في أسًى. يخرج وراءها ماجد.)

الأم : اسكتي يا أم علي ما هي السبب في كل اللي بيجرى له!
الدادة : ما تقوليش كده يا ست سنية. ده انتي مؤمنة وموحدة بالله. كل شيء قسمة ونصيب والعيا ده من عند ربنا. ربنا يشفيك يا سي زغلول يا رب!
الأم : من يوم الحادثة بتاعتها وخروجها من البيت وجوازها وهو ما فيش فيه صحة خالص! ربنا يجازيكي يا سعاد! أنا عارفه كنت بتعملي كده ليه بس!

(الأم تبكي في صمت. الدادة تهدِّئها.)

الدادة : ما تزعليش نفسك يا ست سنية … سي زغلول ربنا حيشفيه ويبقى عال … هدي نفسك هدي!
تصوير داخلي:

سعاد تدخل حجرتها … تجلس على الكرسي إلى جوار السرير وتضع رأسها بين يديها في ألم وحزن …

يدخل ماجد أخوها …

ماجد : هو بابا عيان بإيه يا سعاد؟

(سعاد لا ترُد. ترفع رأسها شاردة والدموع في عينَيها.)

ماجد : اتكلمي يا سعاد!
سعاد : ولا حاجة … إرهاق شديد.
ماجد (غاضبًا) : لا … انت بتخبي الحقيقة! لازم تقوليلي هو عيان بإيه لازم! حاتجنن لو ما عرفتش!
سعاد : حالته خطيرة قوي يا ماجد … كفاية تعرف كده!
ماجد (في خوف) : يعني إيه؟ مش حيخف!

(سعاد والدموع في عينَيها.)

سعاد : إن شاء الله يخف!

(ماجد ينظر إليها في ألم وعتاب.)

ماجد : أصله زعل قوي يا سعاد بعد الفصل اللي عملتيه! أنت السبب في مرضه ده!

(سعاد تقف ثائرة.)

سعاد : مش عاوزه اسمع! كفاية! كفاية عذابي!

(تجلس وتضع رأسها بين يدَيها وتجهش بالبكاء. ماجد يخرج. سعاد تهدأ قليلًا. تقف وتدور في الحجرة في قلق. تفتح مكتبها. تخرج صورة محمود. تنظر إليها في ألم. تمزقها بأصابعها إلى نصفَين.)

(موسيقى مناسبة.)

(صورةٌ مكبرة ليدَيها وهي تمزق الصورة بالطول إلى نصفَين. صورة مكبرة لنصفي الصورة وأصابع سعاد تقربهما وتبعدهما عن بعض.)

(صورةٌ مكبرة ليدَي محمود أيضًا وهي تمزق صورة سعاد بالطول إلى نصفَين. صورةٌ مكبرة لنصفَي الصورة وأصابع محمود تقربهما وتبعدهما عن بعض.)

(يظهر محمود جالسا على مكتبه. يتأمل صورة سعاد التي مزقها ثم يضعها في الدرج. يمسك القلم ويكتب على الورق. يرسم بعض الحروف. يرسم بعض الحيوانات والطيور.)

(يتصبب العرق من جبهته. يضع القلم ويمسك رأسه بيدَيه. يقوم ويدور في الحجرة كالمجنون. يفتح أدراج مكتبه. يبحث عن الحقن. لا يجد. يبحث في الدولاب عن نقود لا يجد.)

(يدخل حجرة أمه متلصصًا على أطراف أصابعه. تظهر أمه راقدة في السرير نائمة وإلى جوارها الأخت الخرساء. يفتح الدولاب ليأخذ نقودًا من حقيبة أمه. الأخت الخرساء تفتح عينَيها. يراها فيشير إليها بيدَيه أن تسكت. الأخت تغطِّي رأسها في خوف وتتظاهر بالنوم. محمود يحاول إخراج النقود من الحقيبة. صورةٌ مكبرة ليديه ترتعشان. الحقيبة تقع على الأرض محدثة صوتًا. الأم تصحو من نومها. ترى محمود واقفًا عند الدولاب. تهب من فراشها مذعورة.)

(تجري نحوه. محمود يمسك الحقيبة.)

(الأم تحاول تخليص الحقيبة من يده.)

الأم : هو انت اللي مشطب على الفلوس أول بأول! هاات الشنطة هات!
محمود : حاخد الفلوس يعني حاخد الفلوس. سواء بالذوق أو بالعافية!

(الأم تشد الحقيبة.)

الأم : لا والله ما انت واخد حاجة!

(محمود يشُدها منها في غيظٍ شديد.)

محمود : لا حاخدها! بالعافية حاخدها!

(الأخت تجري لتخلِّص الموقف. يشتد الصراع بين محمود وأمه. وأخيرًا يغتصب محمود الحقيبة. أخته تتعلق به فيلقي بها على الأرض في غضب. ويأخذ النقود من الحقيبة ثم يلقي بها في الحجرة. ويخرج مندفعًا كالمجنون. الأم تجلس على السرير وتئن من الإعياء والتعب والحزن. الأخت تزحف إليها وتربتُ عليها.)

(الأم تبكي. الأخت تقبِّلها وتبكي معها.)

تصوير داخلي:

صالة منزل سعاد. أم سعاد تجلس وإلى جوارها الدادة يبكيان معًا في حزن. ماجد يجلس مطرقًا يمسك رأسه بيدَيه.

تظهر حجرة نوم الأب. الأب نائم على السرير يُحتضر. سعاد إلى جواره تسعفه بحقنة في ذراعه.

الأب يفتح عينَيه. سعاد تمسك يده وتقبِّلها. الدموع في عينَيها. الأب يفتح فمه في إعياء.

الأب : سعاد!
سعاد : أيوه يا بابا! أنا سعاد!
الأب : خلي بالك من نفسك يا بنتي، وخلي بالك من أمك. أنا عارف انك قوية وتقدري على أي حاجة.
سعاد : حاضر يا بابا. حاضر.

(سعاد تبكي.)

سعاد : سامحني يا بابا! سامحني!
الأب : أنا مسامحك يا سعاد! عمري ما غضبت عليكي. إنتي كنت معذورة.
سعاد : بابا! يا حبيبي يا بابا!
سعاد : تقبِّله في حنان. الأب يبتسم. ثم يغلق عينَيه ويموت.

(وجه سعاد مُكبَّرًا ينمُّ عن الفزع.)

سعاد (صارخة) : بابا! بابا!

(سعاد تلقي رأسها على صدره وتجهش بالبكاء. تستمر في النشيج لحظة. ثم تظهر يدٌ كبيرة تشُد سعاد من فوق الجسم الميت وتغطيه بالملاءة.)

(لحظة صمت رهيبة، ثم يُسمع صوت بكاء الطفل خالد.)

(ثم يظهر الطفل خالد وهو جالس على السرير في حجرة سعاد يبكي بحرقة ويهز ذراعَيه. الحجرة خالية إلا منه.)

(الطفل عمره سنة ونصف.)

(يواصل البكاء الشديد.)

(تدخل الدادة وهي ترتدي الملابس السوداء. تحمله وتُهدِّئه.)

الدادة : بس يا حبيبي بس! بس يا حبيبي بس!

(الدادة تبكي وتمسح دموعها في صمت.)

تصوير داخلي:

عيادة الدكتورة سعاد ممتلئة بالمرضى الرجال والنساء منتظرين. التمورجي يستقبل المرضى ويأخذ منهم الأجر ويعطي لكل منهم نمرة من بين المرضى. تجلس فوزية محمد التي كانت زميلة سعاد في المدرسة الداخلية ومعها طفلان صغيران؛ طفل تحمله، وطفل في يدها.

يبدو على فوزية التعب. ملابسها مهملة.

التمورجي ينادي بصوتٍ عالٍ:

التمورجي : نمرة ٨.

(فوزية محمد تحمل طفلها وتمسك بذراع الآخر وتدخل إلى حجرة الكشف.)

(سعاد تظهر داخل الحجرة مرتدية البالطو الأبيض.)

(سعاد تنظر إلى فوزية في دهشة.)

سعاد : مين؟ فوزية؟
فوزية : أيوه يا دكتورة سعاد. أنا قلت انك نستيني!

(سعاد تصافح فوزية في حرارة وتعانقها.)

سعاد : أنساكي؟ ازاي؟
سعاد : إيه اللي غيَّرك كده يا فوزية؟
فوزية : الدنيا! وانتي ازيك يا سعاد. مبروك العيادة والنجاح. انا بسمع عنك من كل الناس. كلهم بيشكروا فيكي. وانتي تستاهلي يا سعاد. كنت شاطرة قوي؟
سعاد : إنت فاكرة يا فوزية؟
فوزية : طبعًا. فاكرة كل حاجة.
سعاد : وانتي يا فوزية عملتي إيه؟ اتجوزتي الراجل اللي كان واخد عقلك؟
فوزية : اسكتي يا سعاد يا ريتني ما تجوزته. ما هو أبو العيلين دول.
سعاد : ليه؟ جرى حاجة!
فوزية : مش عارفة إيه اللي جرى له! كان كويس وبعدين راح مقلوب قلبة! وسمعت من الناس انه ماشي مع واحدة ست. وقعدت اراقبه لما ظبطته هو وهي في بيتها. ورجعت قلت له طلقني. وأخدت ولادي منه.
سعاد : ليه كده يا فوزية كنت طولي بالك شوية. يمكن كان سابها لوحده.
فوزية : معقول يا سعاد؟ ده راجل خاين. كل الرجالة خاينين. ما فيش واحد يستاهل إن واحدة تضيع مستقبلها عشانه.
سعاد : فاكرة يا فوزية لما قلت لك ان الجواز مش لازم يكون هدف البنت في حياتها.
فوزية : يا ريتني سمعت كلامك يا سعاد. ما كنتش ضيعت مستقبلي وكان زماني لي شغلة اكسب منها ووكِّل ولادي.

(فوزية تشرع في البكاء. سعاد تهدِّئها.)

سعاد : معلهش يا فوزية. مش بتاخدي نفقة منه؟
فوزية : نفقة زي قلِّتها!
سعاد : ما تحمليش هم حاجة يا فوزية. أنا لازم أفكر لك في شغلة كويسة.
فوزية : أنا عيانة كمان يا سعاد.
سعاد : حاضر حاكشف عليكي واشوف إيه اللي تاعبك. تعالي على سرير الكشف.

(فوزية تترك ولدَيها وتذهب وتنام على سرير الكشف.)

(سعاد تكشف صدرها وتكشف عليها.)

تصوير داخلي:

سعاد في منزلها الجديد وقد انتقلت هي وأمها وابنها والدادة إلى بيتٍ جديد بعد وفاة الأب.

تظهر الصالة فاخرة جدًّا والأثاث جديد أنيق. الأم تجلس والدادة تُلاعب الطفل خالد (عمره سنتان).

الأم تجلس وتلبس الملابس السوداء تبدو عليها الشيخوخة.

الدادة : والنبي انا صعبانة عليا قوي ست سعاد. ليل ونهار شغل يا عيني! حقها تريح نفسها شوية. الحمد لله الخير بقى كتير قوي والناس كلها حاسدانا على النعمة اللي احنا فيها.
الأم : نعمة إيه يا أم علي؟ مش كفاية اللي جرى لنا!
الدادة : كل الناس بتموت يا ست سنية. طبعًا نعمة. نعمة قوي والبركة في الدكتورة سعاد. لولا هي ما كناش نقدر نعيش العيشة دي. القرشين اللي جم من المحل يدوبك سددوا اللي علينا.
ربنا يخلي لنا الدكتورة يا رب. فتحت لنا بيتها على آخره.

(الدادة تُلاعب الطفل.)

الأم : واجب عليها يا أم علي. مش احنا اللي ربيناها وصرفنا عليها وعملناها دكتورة؟
الدادة : والأستاذ ماجد؟ ما انتو برضه ربيتوه وصرفتم عليه وعملتوه محامي أد الدنيا.
الأم : ما له ماجد؟ اتجوز واحدة ست وعايش معاها.
الدادة : عرفتِ تقعدي عنده ليلة واحدة؟
الأم : وهو ما له؟ دي مراته اللي مش بتحب حد من عيلته يزوره. بكرة سعاد لما تتجوز رخره نطلع ونعيش وحدنا يا أم علي.

(تدخل سعاد وتسمع هذه الجملة الأخيرة.)

سعاد : إيه الكلام ده يا ماما؟ إنت مش حتعيشي لوحدك أبدًا طول ما انا عايشة. ولا داده أم علي. ثم إني مش حتجوز تاني أبدًا.

(سعاد تحمل خالد وتقبِّله في حنان.)

الدادة : يسلم فمك يا ست سعاد! أهي دي البنات والا بلاش! والنبي دي البنت تساوي عشر رجالة! أحضر لك العشا يا ست سعاد؟
سعاد : لا يا دادة. خالد كَل كويس؟
الدادة : طبعًا. خالد ده متحمليش هم أكله ولا شربه طول ماني عايشة.
سعاد : كتر خيرك يا دادة.

(سعاد تتجه إلى حجرتها.)

الأم : إنت حتنامي دلوقت؟ لسة بدري. ما تقعدي معانا شوية يا سعاد.
الدادة : سيبيها تستريح شوية يا ست سنية طول النهار بتشتغل يا عيني! ربنا ما يقلق نومها بجرس التليفون والعيانين.

(سعاد تدخل حجرة نومها. حجرة أنيقة بها أثاثٌ أنيق.)

(في ركن الحجرة مكتبٌ أنيق.)

(سعاد تجلس إلى المكتب وهي تفكِّر شاردة. تفتح درج المكتب. ترى صورة محمود الممزقة. تنظر إليها في ألم. تقوم وتخلع ملابسها وتدخل في السرير. عيناها مفتوحتان في أرق. تتقلَّب في الفراش في سُهد.)

تصوير خارجي:

محمود يسير في الشارع ليلًا. بدلته مهملة. دقنه طويلة. عيناه زائغتان. يقف بأحد البيوت ويدق الجرس.

تخرج له الخدامة وتقوله له:

الخادمة : الأستاذ مش موجود.

(وتغلق الباب في وجهه بشدة.)

(تتكرر هذه الحادثة مع ثلاثةِ بيوتٍ أخرى من بيوت أصدقائه. الكل أصبح يهرب من محمود ويطرده.)

(يظهر محمود وهو يسير في الشارع جائعًا. يقف أمام محل للأكل يشم رائحة الطعام في جوع. البرد قارص. يرتجف من البرد.)

(يتطلع إلى ملابس الناس الثقيلة الأنيقة. حذاؤه ممزَّقٌ بالٍ. المطر بدأ ينهمر عليه. اختفى تحت ظله وراح يتطلع إلى الناس الذين يركبون العربات الفاخرة. يمر من أمامه زوج وزوجته وهما يسيران. الرجل يحمل ابنه. محمود يتطلع إلى الابن في أسًى. والدموع في عينَيه. يبدو عليه الاضطراب. يتصبَّب العرق من وجهه رغم برودة الجو. يتحرك في قلق. يبحث في جيوبه عن نقود. يتحسس ذراعه في أسًى. يُخرج جيوبه من آخرها. أخيرًا يعثر في جيب قميصه على نصف ريال. يمسكه في يده متهللًا. يجري في الشارع مسرعًا إلى الأجزاخانة. بجوار الأجزاخانة يرى بائع فول وطعمية وخبز وسندويتشات. يقف أمام المطعم لحظة يتشمم الأكل في جوع. ينظر إلى قطعة الفضة في يده ثم ينظر إلى الأجزاخانة. يتحسس ذراعه في ألم. يتحرك نحو الأجزاخانة. ثم يقف مترددًا. ينظر إلى الأكل المعروض في المحل في جوع. يظهر وجهه مُكبَّرًا يعبِّر عن الاضطراب والقلق والألم. تتغير نظرته بسرعة وتعبِّر عن جنون الإدمان والرغبة في الحقنة. يندفع كالمجنون داخل الأجزاخانة.)

تصوير داخلي:

يعود النظر إلى سعاد وهي تنقلب في فراشها مؤرَّقة. تمسك رأسها بيدَيها. تقوم وتذهب إلى مكتبها وتأخذ من زجاجةٍ صغيرة حبةً منوِّمة. وتشرب بعض الماء. تعود إلى السرير. عيناها مفتوحتان في أرق وتفكير.

تصوير خارجي:

يعود منظر محمود وهو يجري في الشارع بسرعة ثم يجلس على حجر بالقرب من النيل ويكشف ذراعه الأيسر ويحاول أن يعطي نفسه الحقنة. يداه ترتعشان. الحقنة تقع من يده على الأرض وتنكسر.

صورةٌ مكبَّرة لوجه محمود تنم عن الفزع والذهول.

يصرخ صرخةً عالية في ألم وجنون.

آه!

تظهر صورةٌ مكبَّرة لوجه الطفل خالد وهو يصرخ صرخةً عالية ويهب من نومه مذعورًا.

واء!

سعاد تجري إليه وتحمله وتقبِّله وتضمُّه في خوف وحنان.

يعود منظر محمود وهو جالس على الحجر ينظر إلى الحقنة المكسورة في حزن وألم. الدموع في عينَيه. يضع رأسه بين يدَيه يفكر. يرفع رأسه وينظر إلى الجاكتة التي يلبسها. جاءته فكرة. يقوم مسرعًا ويمشي في الشارع. يتحسس الجاكتة التي يلبسها في حزن وألم. يخلعها وينظر إليها كأنه يودِّعها. صورةٌ مكبَّرة لوجهه ينم عن اليأس والضياع. يحمل الجاكتة على ذراعه ويمشي كالتائه. يدخل محلًّا من المحلات الصغيرة ويخرج بدون الجاكتة وفي يده نصف ريال.

صورةٌ مكبَّرة ليده تمسك بالنصف ريال. يبتسم لنفسه في أسًى.

يقف مرةً أخرى أمام الأجزاخانة وإلى جوارها مطعم الفول والطعمية نفسه.

موسيقى مناسبة تبدأ هادئة ثم تعلو.

وتعلو لتشتد حين يدخل المطعم.

يتحرك نحو الأجزاخانة ثم يرجع ناحية المطعم. تتكرر هذه الحركة ثلاث مرات مع الموسيقى العنيفة. أخيرًا يدخل المطعم ويبدو وجهه مُكبَّرًا مُعبِّرًا عن الإجهاد والإعياء والجوع. يشتري خبزًا وطعمية في ورقة.

يخرج من المطعم ومعه ورقة الأكل. يذهب إلى الحجر الذي بجوار النيل ويجلس عليه يأكل.

يكلم نفسه وهو يأكل في شرود.

آمنت بيك يا رب! صحيح الحياة أقوى من الموت. والجوع أقوى من الإدمان.

يظهر وجهه مُكبَّرًا يعبِّر عن الأمل. يسترجع في خياله الماضي.

موسيقى مناسبة مستمرة مع صور الماضي.

تظهر أمامه صورة سعاد وعينَيها. وجه ابنه خالد مُكبَّرًا. وجه أمه مُكبَّرًا. وجه أخته الخرساء مُكبَّرًا.

موسيقى مناسبة.

وجه خالد مُكبَّر وهو يبكي على السرير بعد ولادته مباشرة.

واء! واء! تتوقف الموسيقى.

يعود مشهد محمود وهو جالس على الحجر بجوار النيل يسمع صوت بكاء طفلٍ حديث الولادة.

واء! واء!

محمود يتلفت في دهشة وقد ظن أن الصوت من خياله وليس من الواقع.

يعود بكاء الطفل من جديد.

واء! واء!

محمود يرفع رأسه في ذعر! يُرهف أذنَيه في ذهول!

يعود بكاء الطفل.

واء! واء!

محمود يقف مبهوتًا! ويمشي كالمذهول إلى مصدر الصوت.

يرى طفلًا مولودًا في خرقة من القماش البالية يرتعد من البرد في الشارع ويبكي ويرفس بقدمَيه الصغيرتَين.

محمود يقف مبهوتًا أمام الطفل. يقترب منه في حذر. يلمسه بأصابعه ليتأكد أنه طفل حي. يتلفَّت حواليه لعله يجد أحدًا. الشارع مظلمٌ خالٍ من الناس. يقف ويهم بأن يتركه ويعود إلى حاله. الطفل يبكي. يعود إليه. يركع إلى جواره. يتأمل وجهه.

موسيقى مناسبة.

تتراءى له صورة وجه ابنه خالد حين وُلِد.

صورةٌ مُكبَّرة لوجه محمود وهو ينظر إلى الطفل في حنان وحب.

صورةٌ مكبَّرة لوجه الطفل اللقيط. محمود يرتجف.

موسيقى عنيفة.

يصمِّم على حمل الطفل. يلفُّه في الخرقة ويحمله بين ذراعَيه. يُدخِله في قميصه ليدفئه ويجري به في الشارع كالمجنون ليُنقذه. يتوقف لاهثًا عند باب مستشفى.

يدخل إلى المستشفى ويقدِّمه للطبيب والحكيمة. الطبيب يسعف الطفل بسرعة والحكيمة تمسك دفترًا وقلمًا.

الحكيمة تسأل محمود:

الحكيمة : إنت لقيته فين؟
محمود : في الشارع.
الحكيمة : ما تعرفش أهله طبعًا؟
محمود : لا.
الحكيمة : لقيط يعني؟

(الطبيب يسعف الطفل.)

محمود : أظن انتم بتسموه كده.
الحكيمة : طيب نسميه إيه دلوقت؟
الطبيب : أنا رأيي نسميه باسم الإنسان اللي أنقذه.
الحكيمة : نسميه باسمك؟ موافق؟
محمود : أيوه. ده شيء يسعدني.
الحكيمة : اسمك ايه؟
محمود : محمود زكي.

(الحكيمة تكتب اسم الطفل في الدفتر.)

(الطبيب يناول الطفل للحكيمة. التي تلفُّه في ملابسَ نظيفة وتضعه في سريرٍ نظيف. محمود ينظر إلى الطفل في سعادة يقترب منه وهو نائم في سريره ويقبِّله.)

(الطفل يبتسم له في سعادة.)

(صورةٌ مكبَّرة لوجه محمود والدموع في عينَيه. يهم بالخروج من الحجرة وترك الطفل لكنه يعود إليه ثانيًا وينظر في وجهه.)

(الطفل ينظر إليه أيضًا. كأنما يقول له لا تتركني. ليس لي أحد غيرك. محمود يبكي في صمت ويمسك يدَي الطفل الصغير في يده. ويكلمه بصوتٍ هادئ.)

محمود : مسكين يا محمود! إنت ذنبك إيه عشان يسيبوك لوحدك في الدنيا القاسية دي؟!
منهم لله! منهم لله! لكن ما تزعلش يا محمود خليك قوي واوع حاجة في الدنيا تضعفك. اوع تهرب من حياتك مهما كانت سيئة يا محمود! واجهها وكون شجاع يا محمود! يا ابني!

(يقبِّل الطفل قبلة وداعٍ ويبكي في صمت.)

محمود : ربنا معاك يا محمود! ربنا معاك!

(محمود يترك الطفل وحده في السرير.)

تصوير خارجي:

محمود يخرج من المستشفى. يمشي في الشارع بهدوء. تبدو عليه الراحة لأول مرة. يفكِّر في هدوء وهو يسير.

يكلم نفسه وهو يسير في الشارع:

كانت أكتر حاجة تاعباني اني حاسس اني مش قادر اعمل حاجة. حاجة لها قيمة. كنت حاسس اني فاشل مش قادر احقق الشي اللي جوَّه نفسي. كنت حاسس اني ابن فاشل وأخ فاشل وطالب فاشل وإنسان فاشل وكاتب فاشل. حتى الحب حسيت اني فاشل فيه. كنت زوج فاشل وأب فاشل. ما كنتش حاسس ان وجودي له قيمة أو أهمية. ما كنتش قادر اعمل حاجة لحد. لكن. دلوقت لأول مرة في حياتي أحس اني عملت حاجة. أنقذت روح إنسان. يا سلام! يا محمود يا ابني! أنا أنقذت حياتك من الموت وانت كمان أنقذت روحي من الضياع اللي كنت فيه. اللي كان أقسى من الموت! أشكرك يا محمود يا ابني! أشكرك!

تصوير داخلي:

محمود يقف أمام بيت أمه. يدق الجرس. تفتح أخته الخرساء. صورةٌ مكبَّرة لوجهها يعبِّر عن الدهشة والفرح. تعانقه وتقبِّله. توضِّح له بإشارات يدَيها أن أمه تُحتضر.

يندفع محمود إلى حجرة أمه متلهفًا! يرى أمه راقدة في الفراش تُحتضر. لا تستطيع الكلام.

يعانقها ويقبِّلها.

محمود : ماما! ماما!

(الدموع تملأ عينَي الأم وملامحها تعبِّر عن الفرحة بعودته.)

(تظهر الدموع في عينَي محمود.)

محمود : ماما! ماما! أنا الحمد لله خلاص خفيت وحبقى كويس. حابقى كويس خالص. مش حخليكي تحملي هم حاجة أبدًا. ماما! ماما! إنت سامعاني؟
الأم : تفتح شفتَيها في إعياء. تربتُ عليه في حنان! تشير إلى أخته وتهمس بصوتٍ ضعيف جدًّا.
الأم : سامعاك يا محمود. بركة اللي رجعت بالسلامة. خلي بالك من اختك. ما لهاش حد غيرك.
محمود : أختي عزيزة في عيني يا ماما. اطمني عليها قوي.

(الأم تبتسم. ثم تلفظ أنفاسها وتموت.)

(محمود يلقي رأسه على صدرها وينشج كالأطفال. أخته عزيزة تبكي معه في حزن.)

محمود : ماما! ماما!

(محمود ينتبه إلى واقعه. يرفع رأسه. يتوقف عن النشيج. يمسك الملاءة ويغطي جثة أمه.)

(ينظر إلى أخته في حنان وحب.)

(يعانقها بقوة ويكلِّمها.)

محمود (يكلِّم نفسه) : لأول مرة في حياتي أحس ان فيه حد محتاج لي. محتاج لوجودي. ما يقدرش يعيش من غيري!
(يكلم أخته): عزيزة أختي حبيبتي! آه لو كنت بتسمعي! ما تحمليش هم يا عزيزة أنا خلاص خفيت وبقيت كويس. حاشتغل يا عزيزة وحعيشك أحسن عيشة. حعوضك عن كل اللي فات. فاهماني يا عزيزة؟ سامعاني؟! آه لو كنت بتسمعي!

(يعانقها ويقبِّلها من جبهتها في حبٍّ وحنانٍ أخوي.)

(الأخت تعانقه وتبكي معه.)

تصوير داخلي:

صورةٌ مكبَّرة ليافطة مكتوب عليها «دار الفكر». يظهر باب عليه هذه اليافطة. الباب يقود إلى حجرة فسيحة يجلس فيها رجال يجلسون على الكراسي ينتظرون. في نهاية الحجرة بابٌ مغلق مكتوب عليه رئيس التحرير. السكرتير في حركةٍ دائمة. يدخل ويخرج من حجرة رئيس التحرير محملًا بالأوراق والدوسيهات.

أحد الرجال المنتظرين يتقدم من السكرتير في أدبٍ شديد.

الرجل : هو الأستاذ رئيس التحرير مش حيقابلنا؟
السكرتير (في شدة) : لا. قلت لك ميت مرة انه مش فاضي يقابل حد. حضرتك تشرف بكرة.
الرجل : لكن أنا …
السكرتير (في شدة) : يا أستاذ ما تضيعش وقتك ووقتي.
الأستاذ : مش حيقابل حد النهارده خالص. مش فاضي؟

(الرجل ينظر إليه في يأس ويأخذ زملاءه ويخرج.)

(السكرتير يحمل بعض الأوراق ويدخل إلى حجرة رئيس التحرير.)

(يدخل محمود. يجلس حتى يخرج السكرتير. السكرتير ينظر إليه شَزْرًا!)

السكرتير : أيوه يا أستاذ؟
محمود : أنا عاوز اقابل الأستاذ عزيز.
السكرتير : الأستاذ عزيز مش فاضي يقابل حد النهارده.

(السكرتير يتركه ويدخل بأوراقه إلى حجرة رئيس التحرير.)

(محمود يأخذ ورقة من فوق المكتب ويكتب فيها اسمه):

(محمود زكي.)

(يخرج السكرتير. يرى محمود واقفًا.)

السكرتير : يا أستاذ قلت لك ان رئيس التحرير مش فاضي ومش حيقابل حد النهارده!
محمود : طيب دخلُّه الورقة دي؟

(السكرتير يأخذ الورقة من محمود في كبرياء وغطرسة، ويدخل إلى حجرة رئيس التحرير.)

(تمر لحظة قصيرة. محمود يتمشَّى في الحجرة مطرقًا.)

(ينفتح باب رئيس التحرير ويظهر منه عزيز (زميل محمود في لجنة الطلبة). عزيز يرحِّب بمحمود مهلِّلًا ويعانقه في شوق.)

عزيز : أهلًا أهلًا محمود!
محمود : أهلًا عزيز!
عزيز : اتفضل يا محمود. تعالى. إنت يا أخي تدخل أودتي على طول. ازاي تقعد برة كده؟

(السكرتير ينظر إلى محمود في احترام وينحني له وهو يسير مع عزيز إلى داخل الحجرة. عزيز ومحمود يجلسان على كنبة في حجرة مكتب عزيز الأنيقة جدًّا.)

عزيز : أهلًا محمود أهلًا. ازيك يا راجل. كده ما نشوفكش من أيام لجنة الطلبة! من كام سنة يا محمود؟
محمود : متهيأ لي ميت سنة!
عزيز (يضحك) : ها! ها! برضه ما تغيرتش يا محمود. فاكر أيام زمان؟!

(محمود يشرُد طويلًا.)

محمود : فاكر يا عزيز.
عزيز : لكن انت عملت إيه بعد ما رجعت من القنال؟ أخبارك كده انقطعت مرة واحدة!
محمود : مسكوني وانا نازل من القطر وخدوني على المعتقل.
عزيز : والله احنا قلنا برضه كده. وعملت إيه بعد ما خرجت، رجعت الكلية؟
محمود : أبدًا. مش معقول ارجع الكلية تاني بعد كل الوقت اللي فاتني. زائد إني عمري ما كنت عاوز ابقى دكتور.
عزيز : أنا أعرف كده يا محمود. فاكر لما كنت تقعد تكتب مقالات مجلة الكلية وتقول أنا مش عارف دخلت الطب ازاي، وانا اقولك انا مش عارف دخلت الآداب ازاي، وانا كان نفسي ابقى دكتور وفكرنا نبادل بعض؟!

(يضحكان.)

(يدخل فرَّاش يحمل القهوة.)

(كلٌّ منهما يأخذ فنجان قهوة ليشربه.)

محمود : فاكر يا عزيز. وانت عملت إيه؟
عزيز : خدت الليسانس طبعًا ومش عارف ازاي طلعت من الأوائل وخدوني معيد في الكلية. ومش عارف ازاي برضه سيبت الكلية واشتغلت في الصحافة.
محمود : إنت طول عمرك يا عزيز نفسك تبقى صحفي.
عزيز : فاكر لما كنت اجيبلك مقالاتي تصلحها لي يا محمود وتقولي يا أخي بطل كتابة وادخل الطب!

(يضحكان.)

(محمود يتوقف عن الضحك فجأة ويشرد قليلًا. عزيز ينظر إليه في دهشة.)

عزيز : إيه ما لك يا محمود؟ باين عليك تعبان شوي!
محمود : شوية!

(لحظة صمت. عزيز يفكِّر.)

عزيز : لكن انت بتعمل إيه دلوقت يا محمود؟
محمود : ولا حاجة.
عزيز : مش معقول! مش معقول! واحد زيك ما يعملش حاجة؟
محمود : حاعمل ايه؟ الكلية سيبتها. ومش معقول اشتغل أي حاجة.

(عزيز يُطرِق إلى الأرض ويفكِّر لحظة.)

(محمود يفكِّر شاردًا.)

عزيز : أنا عندي فكرة يا محمود.
محمود : إيه هي؟
عزيز : تيجي تشتغل معانا في المجلة. ده يبقى مكسب كبير لنا. إن قلم زي قلمك يكتب فيها.

(محمود يفكِّر تفكيرًا عميقًا.)

محمود : لكن حاشتغل ايه؟
عزيز : زي ما انت عاوز. حتكون محرر عندنا. والمجلة مفتوحة قدامك. تكتب مقالات. تكتب قصص. تعمل موضوعات أو تحقيقات صحفية. هو انا معقول اقولك تعمل إيه يا محمود؟ ده انت اللي علمتني الصحافة والكتابة! عندك مانع يا عزيزي؟
عزيز : اتفقنا؟
محمود : اتفقنا.

(يقفان. عزيز يصافح محمود بقوة ومحمود يصافحه.)

(عزيز يوصل محمود إلى باب الحجرة.)

عزيز : حشوفك بكرة يا محمود؟
محمود : إن شاء الله يا عزيز.

(يتصافحان عند الباب. محمود يخرج.)

عزيز : مع السلامة يا محمود.
محمود : الله يسلمك يا عزيز.
تصوير داخلي:

الدكتورة سعاد تقف أمام بيت أم محمود متردِّدة. تضع يدها على الجرس بعد تردُّد.

يفتح البابَ رجلٌ عجوز. سعاد تنظر إليه في دهشة!

الرجل : حضرتك عاوزة مين؟
سعاد : الست أم محمود.
الرجل : أم محمود مين؟
سعاد : أم محمود زكي. ساكنة هنا في الشقة دي.
الرجل : لا يا ستي. الشقة دي أنا ساكنها. أنا وبنتي لوحدنا.
ما فيش واحدة اسمها أم محمود هنا. لازم عزلت.
سعاد : حضرتك سكنت قريب؟
الرجل : أول الشهر اللي فات.
سعاد : وما تعرفش الست أم محمود عزلت فين؟
الرجل : لا والله يا ستي. أنا أجَّرت الشقة فاضية من صاحب البيت.

(سعاد تقف أمام الرجل حائرة لحظة.)

الرجل : يلزم خدمة؟
سعاد : لا. أشكرك.

(سعاد تتركه وتمشي. الرجل يغلق الباب.)

تصوير خارجي:

سعاد تمشي في الشارع حائرة. الدموع في عينَيها.

تفكِّر.

موسيقى تصويرية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤