جواب الزهرة الذابلة

«وتلقى منها ذات يوم كتابًا، فلما فض غلافه لم يجد فيه إلا زهرة ذابلة، فكتب إليها»:

قرأت يا حبيبتي هذا الكتاب الذي لم تكتبيه … ونسمت شفتاي ذلك السر الذي فيه، وكدت أقول إنها هي نسمات عطرها سحرتها في هذه الأوراق بسحرها، ولكني تأملت الأوراق الذابلة فخُيل إليّ من ذواها وطيبها، أنها أجسام قبلات حارة احترقت على شفتي حبيبها …!

وفهمت من العطر أن الرسالة مكاشفة بالحب أو مناسمة: ولكني فهمت من الذبول أنها معاتبة في الحب أو مخاصمة!

•••

وقالت لي الزهرة يا حبيبي:

«بلى أنا كوكب عطر من يدها الجميلة في فلك زهري غض، ثم انتثرت من فلكي وذبلت؛ لأني انتثرت من فلكي …!

وقد نشأت في روضتي على أملود ناعم ريان، فلما صرت في أناملها على أغصان اللحم والدم في روضة الجمال، أحسست أني بت قلبًا يحب ويعشق، ومرضت لأني بت قلبًا يحب ويعشق …!

«وكنت أنفح بالعطر والشذى الفياح، فلما لمستني شفتاها لمسة عدت أفوح بالحب، وهجرتني لأني عدت أفوح بالحب …

«وكنت تمثال النشوة والفرح: فلما رفت بي على خدها رفتين، صرت تمثال السكر والعربدة، واطرحتني لأني تمثال السكر والعربدة.

«وكنت بملء النضرة أفيض منها على الكون، فلما وضعتني ساعة على صدرها التهبت كشعلة هوى، ونبذتني لما أحست بي على صدرها كشعلة هوى …».

•••

وقلت للزهرة يا حبيبتي:

إنما أنت كلمة أيتها الزهرة الذابلة، وما ذبولك إلا سحابة على نور معنى من المعاني.

أفمن لغة القبلة أنت، وقد جئت رسالة من شفتيها إليّ فانكمشت من حياء وخفر؟

أم من لغة الابتسام، وقد جئت تحية من وجهها وفيك ذلك المعنى من غموض الدلال، فأنت موجهة إليَّ ولست موجهة إليَّ؟

أم أنت من لغة اللمس، وقد جئت سلامًا من يدها، وهذا التجعيد فيك شدة حب وضغطة شوق؟

أم أنت من لغة النظر، وقد جئت ذابلة متناعسة؛ لأن فيك نظرة من غرامها تنظر ولا تنظر؟

أم أنت من مادة العناق، وقد جئت هالكة ضمًا من انطباق صدرين تحتها زلزلتا قلبين ترجفان؟

أم أنت …! آه! أم أنت من لغة النسيان، وجئت رسالة هجر منها، وهذا الذبول الذي فيك هو مرض الجفاء ترسله إلى قلبي؟

•••

ولكن ماذا قلت أنت للزهرة يا حبيبتي؟

أما إنك قلت لها: إن كتابة العطر لا تقرأ …؟

إن كلام النية لا يتكلم …!

إني أضن عليه بكلمة …!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤