الفصل الرابع

الطيور تغادر عشها

سألت ويندي: «لماذا أتيت إلى حجرة نومنا يا بيتر؟»

فأجابها: «أتيت لأستمع إلى القصة التي تقصها والدتك.»

شعرت ويندي ببعض الإحباط لأنه لم يأت من أجلها، لكنها سألت: «أي قصة؟»

فأجاب: «قصة السيدة التي فقدت حذاءها الزجاجي. كان علي أن أرحل، لذا فاتني الاستماع إلى نهاية القصة.»

فقالت ويندي: «تقصد قصة سندريلا. أستطيع أن أخبرك كيف تنتهي. الأمير يعثر على سندريلا، ثم يعيشان في سعادة إلى الأبد.»

فاتجه بيتر إلى النافذة.

فسألته ويندي: «انتظر! إلى أين أنت ذاهب؟»

– «سأعود إلى نيفرلاند لأطلع سائر الصبية على نهاية القصة.»

فقالت ويندي متوسلة: «لا تذهب. أنا أعرف الكثير من القصص الأخرى، أفضل حتى من تلك.»

فجذبها بيتر قائلًا: «حسنًا، تعالي. سنطير معًا عودةً إلى هناك. يمكنك أن تقصي القصص على الصبية التائهين.»

فصاحت ويندي: «اتركني!» شعرت بالإطراء طبعًا لأنه دعاها، لكن لم يكن بمقدورها أن تترك والدتها المسكينة، بالإضافة إلى أنها لم تستطع الطيران.

فقال لها بيتر: «سأعلمك الطيران.»

وقد رغبت ويندي منذ زمن في تعلم الطيران.

أضاف بيتر: «فكري كم سيحبك الصبية التائهون. يمكنك أن تكوني أمًّا لهم، بل يمكنك أن تودعيهم الفراش، لم يودعهم أحد الفراش من قبل.»

لم تستطع ويندي مقاومة هذا، فقد تمتعت بغريزة أمومة قوية.

فسألت: «لكن ماذا عن جون ومايكل، إن تركتهما سيصبحان نوعًا ما كالصبية التائهين.»

هنا قفز جون ومايكل من فراشهما. كانا يستمعان طوال الوقت لما يجري في صمت بدون أن يكشفا عن أنهما في الواقع مستيقظان، لكن ما إن طرأت فكرة الطيران، حتى لم يستطيعا البقاء ساكنين.

لكن عندئذ استدار بيتر فجأة ثم قال: «صه!» وضاقت عيناه ثم أضاف: «أنصتوا. ألا تسمعون شيئًا؟»

فقالت ويندي إنها لا تسمع شيئًا.

فرد بيتر قائلًا: «هذا ما أعنيه بالضبط.» كانت نانا تنبح منذ اللحظة التي دلف فيها بيتر إلى الغرفة لأنها شعرت بوجوده، أما الآن فقد صمتت على نحو مريب.

فقال جون: «ثمة تفسير واحد فقط. لقد حطمت السلسلة التي تقيدها وهي تركض إلى هنا الآن. أريد أن أتعلم الطيران، لكن نانا ستفسد كل شيء!»

فقال بيتر: «تظاهروا بالنوم. سأختبئ أنا وتينك.»

وكان التالي: دلفت ليزا طاهية الأسرة إلى الحجرة مع نانا التي غمرتها الحماسة، فوجدت الأطفال ينامون بهدوء. كانت ليزا قد سئمت نباح نانا فارتأت أن أفضل وسيلة تطمئن بها الكلبة هو أن تصعد بها إلى الطابق العلوي وتثبت لها أن الأطفال بخير.

بعدها همست لنانا: «قلت لك هذا. إنهم بخير أيتها الكلبة السخيفة.»

لكن ظل الشك يساور نانا، إلا أن ليزا لم تكن لتحتمل المزيد، من ثم جذبت نانا إلى الطابق السفلي وقيدتها مجددًا.

ما الذي أمكن لنانا فعله بخلاف هذا؟ أخذت نانا تجذب السلسلة التي قيدتها مرة وأخرى إلى أن انكسرت أخيرًا، ثم ركضت إلى المنزل الذي كان السيد والسيدة دارلينج يتناولان فيه العشاء، واقتحمته وهي تنبح طلبًا للمساعدة.

عندئذ حتى السيد دارلينج فطن على الفور إلى أن هناك أمرًا خطيرًا يجري في المنزل، فشكر هو والسيدة دارلينج مضيفهما وغادرا مسرعين، لكن كانت عشر دقائق قد مرت على مغادرة نانا حجرة نوم الأطفال، وبيتر بان يمكنه عمل الكثير في عشر دقائق ….

•••

قال بيتر للأطفال: «كل ما في الأمر هو أنكم تفكرون أفكارًا جميلة، وهي تحملكم إلى السماء.»

فأخذ الأطفال يعتصرون أذهانهم ويتصورون أكثر فكرة سارة يمكن أن تنبتها أذهانهم، لكن لا شك أن بيتر لم يخبرهم بالحقيقة كاملة؛ فلا يستطيع أحد أن يطير بدون أن يُنفخ عليه بعض غبار الجنيات، ظلت تينكر بيل ترفض مساعدة بيتر، لكنه حمل في يده بعض الغبار من الإمساك بها في وقت سابق، فنفخ بعضه على كل منهم و — كما لك أن تتخيل — طاروا!

كم ضحكوا وهم يسبحون في هواء الغرفة على نحو مضحك!

صاح مايكل وهو يفلت بأعجوبة من الاصطدام بجون بالقرب من الحمام: «حاذر!»

وقال جون: «لنذهب إلى الخارج.»

قال مايكل: «سأطير لألف ألف ميل!»

لكن هنا تجهمت ويندي، إذ بدا لها الأمر جسيمًا وخطيرًا بعدما شمل أخويها.

لكن بيتر الماكر علم كيف يقنعها بالمجيء؛ فقال لها: «هل حدثتك عن حوريات الماء؟»

فتمتمت ويندي: «حوريات ماء؟» هذا مشوق أكثر من الجنيات!

فأضاف بيتر: «وهل حدثتك عن القراصنة؟»

فقال جون: «لنذهب فورًا!»

كان السيد والسيدة دارلينج موشكين على الوصول إلى المنزل. لم يكونا على مقربة شديدة منه، لكنهما شهقا في منتصف الطريق وهما ينظران إلى أعلى صوب نافذة حجرة نوم الأطفال؛ فخلف ستار النافذة، توهجت الغرفة بالضوء وداخلها، دارت ثلاثة ظلال صغيرة على نحو لا يصدقه عقل … لا على أرض الغرفة، بل في الهواء!

لا لم يكن هناك ثلاثة ظلال بل أربعة.

كانت النجوم إلى تلك اللحظة تشاهد ما يجري في السماء؛ فصاحت محذرة: «بيتر! الكبار عائدون!»

لم يكن أمام بيتر والأطفال وقت ليضيعوه، من ثم فتح بيتر نافذة الغرفة على مصراعيها، وصاح: «هيا» وحلق في سماء الليل يتبعه جون ومايكل وويندي.

وفي الشارع المؤدي إلى المنزل، شاهد السيد والسيدة دارلينج ونانا في ارتياع الأطفال الثلاثة يغادرون عشهم ويختفون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤