الفصل الأول

(مكتب مفتش صحة بالأرياف … سالم التمرجي يحمل الطشت الصاج الموضوع على الحامل تحت حنفية الفنطاس المعلق بالحائط ويتجه به إلى النافذة، ويُلقي ما فيه من ماء في الشارع … يدخل الدكتور صبحي المفتش ويراه.)

الدكتور : ما شاء الله … كده تدلق الطشت من الشباك؟ احنا غجر؟ … احنا الصحة!
سالم : حصل عندي سهو.
الدكتور (يتجه إلى مكتبه) : مرقس أفندي ناظر المحطة ما جاش النهارده؟
سالم : ما أخدتش بالي!
الدكتور : وإمتى بقى رايح تاخد بالك وتلتفت للشغل؟ روح نادي لي عبد المطلب أفندي يورد البوستة، وشوف أنفار الكشف الواردة من المنطقة!
سالم : بالك يا دكتور؟ … عبد المطلب أفندي حضر النهارده الساعة كام؟
الدكتور : آدي اللي انت فالح فيه! … حضر الساعة كام يا سيدي؟
سالم : لسة داخل دلوقت!
الدكتور : ازاي؟
سالم : وشرفك حصل.
الدكتور : كان سهران فين راخر؟
سالم : القمار!
الدكتور : قمار إيه؟!
سالم : كلام في السر، ينجمع هو وكاتب ضبط النقطة، ومعاون راحات المحطة وعبد الموجود أفندي مخزنجي السباخ الكيماوي، ويقعدوا طول الليل يلعبوا القمار في المخزن تحت نور اللمبة نمرة خمسة.
الدكتور (مُقاطعًا في استنكار) : قمار! … إخص! … كله إلا القمار! … أعوذ بالله … كُبرى الكبائر … أستغفر الله! … نادِيه لي حالًا!

(ويخرج سالم، ويتجه الدكتور إلى حنفية الفنطاس ويغسل يديه … يدخل مرقس أفندي.)

مرقس : سعيدة يا دكتور!
الدكتور (ملتفتًا) : أهلًا وسهلًا سي مرقس! … أنا لسة سائل عنك دلوقت … كنت فين؟
مرقس : أخرني المحروق قطر ١١، وصل متأخر عشرين دقيقة، فيه تصليح عند الكيلو ٩٨ … على فكرة يا دكتور … فاكر المحامي صاحبك اللي من طنطا؟ … إختيلت دلوقت بواحد أفندي زيه تمام، نازل من الدرجة الثالثة، والمفتش سلمه للمعاون يكتب له محضر مخالفة.
الدكتور : بقى انت كل ما تشوف أفندي راكباه قِلة القيمة تقول لي دا المحامي صاحبك؟
مرقس : أنا مش قصدي … أنا بقول واحد زيه … يجوز أنا غلطان.
الدكتور : إنت لازم غلطان، لأن شاهين كان هنا الشهر اللي فات.
مرقس : أيوه صحيح … متذكر … شفته هنا، وعرضت عليه ورقة مبايعة الجاموسة الشركة.
الدكتور : أظن ما يجيش النهارده … ييجي يعمل إيه؟ … هو لحق يشتاق لابنه؟
مرقس : لا يا دكتور … لا … من الجهة دي انت غلطان … إنت ما تعرفش معزَّة الأولاد، ولا محبة الأولاد، لأنك لسة ما خلفتش أولاد.
الدكتور : أنا باتكلم عن شاهين … شاهين ده راجل في دنيا غير الدنيا.
مرقس : راجل حظه وحش.
الدكتور : مش مسألة حظ بس.
مرقس : اعذره يا دكتور، واحد زي ده كان متزوج واحدة ست زي القمر؛ جمال … ومال … وتربية …
الدكتور : إنت شُفتها؟
مرقس : في المحطة … كانت في يوم مسافرة مصر في الفطر، وكان وراها الخواجة ديمتري وكيل الدايرة، ومستخدمين الدايرة وبقية الحاشية، وعرفت في الحال أنها …
الدكتور : أنها حرم عيسوي بك.
مرقس (في نبرةٍ ذات معنى) : أيوه يا سيدي!
الدكتور : أيوه يا سيدي دي فيها معنى تاني! … مش عاجبك عيسوي بك ولَّا … ليلة امبارح لسة تاركة عندك أثر!
مرقس : اسكت اعمل معروف يا دكتور صبحي … مفيش لزوم.
الدكتور : تصدق كلامي يا مرقس أفندي … أنا أقسم لك.
مرقس : قلت لك مفيش لزوم يا دكتور، أنا أقسم لك أنا … إني ما ألعب معاكم بوكر بعد ليلة امبارح … دا مش اسمه بوكر … دي اسمها سرقة!
الدكتور (ملتفتًا إلى الباب) : هس … هس … وطي صوتك … (في صوتٍ خافت) أنا سرقتك؟
مرقس : أنتم الاتنين متفقين مع بعض.
الدكتور : سبحان الله في طبعك يا معلم مرقس … لكن انت معذور! … رجل مقتصد زيك يخسر عشرة جنيه في ليلة … عشرة جنيه ثمن جاموسة شركة … جاموسة عشر ووراها بنتها!
مرقس : لا … أنا مش زعلان على الفلوس.
الدكتور : أمال زعلان على إيه؟
مرقس : على كل حال أنا مش زعلان منك انت …
الدكتور : زعلان من عيسوي بك؟
مرقس : واحد زي ده عشرة جنيه عنده في مقام عشرة مليم، ومع ذلك …
(سالم يدخل.)
الدكتور (لسالم منتهرًا) : جاي ليه؟ … أنا قلت لك نادي عبد المطلب أفندي.
سالم : عبد المطلب أفندي بيفاصل الولية على جوز فراخ!
الدكتور : ولية مين؟
سالم : واحدة فايتة تحت الشباك، أصل عبد المطلب أفندي بلا قافية له عادة يشتري كل لوازم بيته من تحت الشباك.
الدكتور : كويس خالص! … وجاي تقول لي الكلام ده؟ … امشي انجَر بلا قلة طهي!
سالم : سهى عليَّ أقول لك يا دكتور إن التليفون ضرب في غيابك وبلغتْنا النقطة عن حادثة ضرب نار.
الدكتور : عارف … وكشفت على المُصاب.

(سالم يخرج.)

مرقس : على ذِكر ضرب النار … فيه إشاعة جامدة في البلد.
الدكتور : إشاعة إيه؟
مرقس : إشاعة بأن عيسوي بك مهدَّد بالقتل الليلة … ناس كتير شافت هنا في … في داير الناحية صديق الكردي اللومانجي … اللي بيتأجر على قتل الناس.
الدكتور : صديق الكردي متأجر على قتل عيسوي بك الليلة؟
مرقس : مش بعيد! … عيسوي بك مشهي الناس الأطيان!
الدكتور : يا راجل حرام عليك! … علشان عشرة جنيه عايز رجل زي ده ينقتل؟
مرقس : مش أنا اللي عايز … إنت مش فاهمني!
الدكتور : فاهمك قوي.
مرقس : عيسوي بك له ناس كتير تكرهه.
الدكتور : واخد بالي.
مرقس : أعضاء النقابة الزراعية في المركز مش قادرين يقولوا له تِلت التلاتة كام … بالِعهم في بطنه … هو منه رئيس النقابة، وهو أمين الصندوق، وهو الأعضاء، وهو الكل في الكل، والباقي طراطير ترتجف قُدَّامه.
الدكتور : وما له! … رجُل سَبع!
مرقس (مستمرًّا) : راح جاب له واحد رومي حماية عمَله وكيل الدايرة، وعينه أمين صندوق النقابة، وكتبوا دفاتر النقابة بالأفرنجي علشان الأعضاء ما يفهموش، واستلف على أطيان الأعضاء آلاف الجنيهات، والبنك نازل حجز عليهم، ولازم هو طبعًا برده اللي راح يرسي عليه المزاد كالمعتاد!
الدكتور : بلاش تشنيع يا رجل!
مرقس : أنا مش قاعد أشنع … أنت عارف الحكاية أحسن مني.
الدكتور : وما له؟ … عيسوي بك ده رجل تمام يعجبني … بس هي أصل نار العشَرة جنيه.
مرقس : أبدًا وشرفك.
الدكتور : إيش عجب … أول امبارح كنت نازل مسح جوخ في عيسوي بك، تترجاه يكلم لك المدير والوزير علشان ينقلوك على الخط الطوَّالي … إنت مش عارف إن له صلة بالحكام، وكلمة منه تنزلك كمساري.
مرقس : وأنا قلت حاجة؟
الدكتور : غير كده؟
مرقس : أنا قلت بس إنه زي كل الناس … له اللي يحبه واللي يكرهه.
الدكتور : وإنه جايب واحد أفرنجي حماية ونازل سف في أموال النقابة.
مرقس : أنا قلت سف أموال النقابة؟
الدكتور : وبعدين بقى؟ … حاترجع تلحس اللي قلته؟!
مرقس : لا يا دكتور … إنت مش فاهم قصدي … عيسوي بك فضله علينا برده.

(يُسمَع صوت ولولة نساء في الخارج.)

الدكتور : اسمع! … صوات!
مرقس (في اندفاعٍ) : عيسوي بك انضرب!
الدكتور (ينادي) : يا سالم!

(يدخل معاون المحطة.)

المعاون : نهارك سعيد يا دكتور!
الدكتور : نهارك سعيد يا حضرة المعاون.
المعاون : حضرتك تعرف الأفندي ده؟ … تعال يا …

(يلتفت خلفه نحو الباب.)

شاهين (يدخل) : الصوات ده كله علشاني أنا؟! … يظهر إني أنا محل عطف الجمهور! … مع أن المسألة مش محتاجة أبدًا.
الدكتور : شاهين!
شاهين : المسألة بسيطة حضرة المعاون عمل الواجب اللي عليه لكن كله من كمساري الوابور.
المعاون (موجهًا الكلام لمرقس) : اضطرينا يا حضرة الناظر نعمل له مخالفة.
شاهين : محضر بسيط من قسيمة واحدة!
الدكتور : ركبت القطر من غير تذكرة؟
شاهين : حصل!
المعاون : طلبْنا من حضرته الأجرة كاملة والغرامة، عرَّف بأن مفيش نقدية.
شاهين : طبعًا!
الدكتور : ركبتَ القطر من غير تذكرة؟!
شاهين : أنا ركبت القطر من غير تذكرة، ومعترف في المحضر في أمان الله … إيه بقى اللي تشوفوه؟
مرقس : حكاية بسيطة! … اترك لي الموضوع يا حضرة المعاون، مفيش لزوم تعطَّل نفسك.
شاهين : أيوه اتفضل أنت يا حضرة المعاون، ما نعطلكش!

(المعاون يسلِّم المحضر لمرقس ويخرج.)

الدكتور : أنا مش قلت لك يا مرقس أفندي أن الأستاذ شاهين له أعمالٌ غريبة وإنه دايمًا في دنيا غير الدنيا؟ … أنا أعرفه طيِّب، هو من غير شك نسي محفظة فلوسه في البيت قبل ما ينزل زي عادته … يا خسارة … دأبه عدم الانتظام والنسيان.
شاهين : أما صحيح العقل نور … عرفتش أقول أنا كده في المحضر؟!
الدكتور : أمال قلت إيه في المحضر؟
شاهين : نهايته …
مرقس (للدكتور) : على كل حال اتركوا لي الموضوع أنا اتصرف.
شاهين : تركْنا لك الموضوع يا حضرة الناظر، تصرَّف فيه بحكمتك، وهات سيجارة.
الدكتور (لشاهين، بصوتٍ خافت) : البدلة اللي عليك دي يا شاهين مش قادر تمسحها بشوية بنزين؟
شاهين : البنزين خلص من الأتومبيل «الباكار» بتاعي.
الدكتور : آه من السكْر والخمارات اللي ضيعْت فيها حياتك وفلوسك بعد طلاق مراتك! … آه … بس لو مكنتش أهملْت مكتبك بعد الصدمة وتركْت قضاياك وسِبت نفسك تغرق في الشرب والمخدرات!
شاهين : خلاص يا سيدي بطَّلْنا السكر والخمارات وتُبنا وأنبنا والحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروهٍ سواه!
الدكتور : تُبت لمَّا بِعت هدومك وعفش مكتبك … لكن بعد إيه؟ … بعد إيه؟ … بعد ما بقيت مش انتَ؟ … خلاص!

(سالم يدخل.)

سالم : يا دكتور … المصاب اللي كشفْت عليه حضرتك جابوه أهله برة، وبيصوتوا عليه!
الدكتور : قل لهم يبطلوا صوات، وإلا ما فيش تصريح بالدفن.
سالم : دا لسة حي ما ماتش.
الدكتور : زي بعضه.
سالم (يخرج، ويسمع صياحًا في الخارج) : هُس بطلوا صوات يا مواشي!
شاهين : إخص! طبعًا الصوات ما يخصنيش! … (في صوتٍ خافت كالمخاطب نفسه) مفيش حاجة تخصني أبدًا! … شوية عطف لله في لله مفيش!
مرقس (مقتربًا من شاهين) : قل لي يا أستاذ! … بمناسبة المواشي بدي أستشيرك في مسألةٍ قانونية.
شاهين : بمناسبة المواشي؟ … هي جات مناسبة للمواشي؟!
مرقس : قصدي يعني …
شاهين : على كل حال … أفندم …
مرقس : أيوه … المسألة إني مشارك واحد فلَّاح على شاب بقر، وبلغني إنه باعه في سوق السبت من غير علمي وقبض ثمنه … و…

(سالم يُطِل برأسه من الباب.)

سالم (للدكتور) : خمسة جنيه! … كويس؟
الدكتور : إيه هو؟
سالم : الورقة في إيدي آهيه! … (يلوح بورقةٍ مالية)!
الدكتور : إيه الحكاية؟
سالم : ما تكسفنيش يا دكتور! … والله ما انت كاسفْني!
الدكتور : تعالَ بس فهمني.
سالم : ناس غلبانين على قدِّ حالهم … خُد بس يا دكتور الورقة حطها في جيبك … (يناوله الورقة المالية.)
الدكتور (يتناول الورقة) : علشان إيه؟
سالم (يتركه ويعود إلى الباب ويصيح منه في الخارج) : الدكتور قبِل يداويه علشان خاطركم … رُوحوا على العيادة الخصوصية من الباب التاني.
الدكتور : أداوي مين؟ … تعالَ هنا فهِّمني يا ابن اﻟ…
سالم (يعود إليه) : نكتب لهم تذكرة … احنا خايس علينا حاجة؟ الراجل ميت ميت … أمال العيادة تشتغل ازاي؟

(سالم يخرج على عجَلٍ.)

شاهين : الواد التمرجي بتاعك ده باين عليه ملحلح!
الدكتور : أهو احنا برده علشان كده مستحملين بلاويه ورزايله … قل لي يا شاهين … إنت قاعد عندنا يومين تلاتة؟
شاهين : يوم واحد فقط.
الدكتور : جاي تشوف ابنك طبعًا.
شاهين : البيك ابني … طبعًا … يا سلام، المرة اللي فاتت دخلت السراية أشوفه قابلني واحد بيك معتبَر احترمته قوي وقدَّمْت له السيجارة اللي كانت معايه وظهر أخيرًا إنه سواق الأتومبيل بتاع ابني اللي بيوصله ويجيبه من المدرسة.
مرقس : معلوم … الولد في عز كبير.
شاهين : الحقيقة … مش ناقصُه حاجة أبدًا من نعيم الدنيا … الحمد الله!
الدكتور : مش ناقصُه إلا انت!
شاهين : البركة في عيسوي بك … أهو زي أبوه واحسن مليون مرة من أبوه!
مرقس : مهما كان ما يجيش زي حنان الأب الحقيقي.
شاهين : الأب الحقيقي اللي هو أنا! … الله ما يحكم به على عدو ولا حبيب.
الدكتور (ينظر في ساعته) : الساعة كم عندك يا شاهين؟
شاهين : معايه كل حاجة إلا الساعة والمحفظة … لأن ما عنديش وقت ينخاف عليه ولا فلوس ينخاف عليها!
الدكتور : آه … صحيح.
مرقس (يُخرج ساعته) : الساعة دلوقت يا سيدي، دهده … دِي ۱۱ و٤٥ (يتحرك بسرعة) عن إذنكم الوقت سرقني هنا وقطر البضاعة لازم يكون خالِص مناورة وشحن وقايم … (يُسمَع صفير قطار) أهو تمام في المحطة … سعيدة!

(يخرج مسرعًا.)

الدكتور : أُقعد يا شاهين! … لي معاك كلام طويل.
شاهين : لأ … اعمل معروف بلاش محاضرات طبية!
الدكتور : اتركني بس أعالجك.
شاهين : أنا مش عيان!
الدكتور : إنت عيان بمرض نفساني خطير!
شاهين : وبعدين معاك في الكلام ده!
الدكتور : أنا غرضي مصلحتك … تعرف مرضك اسمه إيه؟
شاهين : اسمه إيه؟
الدكتور : مركَّب نقْص خطير معقَّد Conplex of Inferiority.
شاهين : إيه؟!
الدكتور : اسمع يا شاهين … إنت ارتكبت في حياتك غلطة واحدة …
شاهين : غلطة واحدة بس؟
الدكتور : غلطة هي اللي هدمت حياتك!
شاهين : هدمت حياتي؟ … جبت الكلام ده منين؟
الدكتور : ما تقاوحش وما تزعلش، أنا متعهد بإصلاح غلطتك … وإصلاحها من حُسن الحظ في الإمكان، لو ساعدتني وصارَحتني!
شاهين : بس فهمني أولًا إيه غلطتي؟ … إني اتولدت في الدنيا؟
الدكتور : لا … إنت فاهم قصتي كويس … تعرف طبعًا زيزا؟
شاهين : زيزا مين؟!
الدكتور : زوجتك سابقًا، اللي ضيَّعتْ فلوسك كلها في كلونياتها الفيوليت.
شاهين : احنا خرجنا عن الموضوع.
الدكتور : بالعكس … احنا في قلب الموضوع، تعرفها ولا لأ؟ … كلمة ورَد غطاها!
شاهين : أنا ما ليش معرفة بستات، ولا أعرف النهارده غير ست نبوية العطارة صاحبة الملك اللي أنا ساكن عندها في كفرة ملِّيم بطنطا، ومن يومين حصل بيننا سوء تفاهم بخصوص متجمد الإيجار، وكان حايصير رمي عزالي من الشباك، لولا تدخُّل صاحب القهوة المعلم حسانين، الله يستره.
الدكتور : سيبنا من كده … أنا بسألك عن زيزا هانم، حرم عيسوي بك، جاوبني!
شاهين : وإيه المناسبة اعرف حرم عيسوي بك؟
الدكتور : المناسبة أن ابنكم عز الدين في حضانتها … و…
شاهين : أنا علاقتي اليوم بالست المذكورة زي علاقتي بامبراطورة روسيا!
الدكتور : شوف ازاي، انت واضع لها في نفسك ومخيلتك صورة امبراطورة! … إنت شُفتها آخر مرة إمتى؟
شاهين : الشهر اللي فات … كانت خارجة من السراية طالعة الغيط راكبة حصان ووراها السيَّاس والمستخدَمين والحاشية …
الدكتور : شايف الناس! … أهي دي واحدة عايشة في الدنيا … ليه انت من جهتك ما كنتش تعمل كده؟
شاهين : أَركب حصان؟
الدكتور : تركب أي حاجة!
شاهين : وأنا عارف اركب الوابور؟
الدكتور (في أسفٍ) : إنت فعلًا دلوقت زي الوابور … العالم كله راكبك! … ويا ريت بفلوس … من غير تذكرة!
شاهين : أنا راخر باركب من غير تذكرة!
الدكتور : درجة تالتة!
شاهين : زي بعضه … اللي أطولها!
الدكتور : اسمع بقى يا شاهين الجد … كفاية كلام فارغ!
شاهين : أرجوك ما تكلمنيش جد … أنا ما أحبش الجد أبدًا … أنا موصوف لي عدم الكلام الجد! … أنا مبسوط كده أربعة وعشرين قيراط.
الدكتور : مستحيل تكون مبسوط أربعة وعشرين قيراط.
شاهين : طيب عشرين قيراط بس!
الدكتور : ولا عشرة ولا سبعة ولا خمسة ونص!
شاهين : أمال يطلع كام؟ … ومع ذلك انت كان حد قال لك انصُب ميزان واقعد اوزن في انبساطي بالقيراط والدرهم؟!
الدكتور (ينظر إليه مليًّا في صمت) : المصيبة يا شاهين انك بتحبها دايمًا!
شاهين : هي مين؟
الدكتور : إلى درجة المرض …
شاهين : أنا مش فاهم انت قاعد تقول إيه؟!
الدكتور : إلى درجة انك أصبحْت تقدس عيسوي بك لأنها فضَّلته عليك وتطلقت منك علشانه … مرضك كله يتلخص في كلمتين … إنك فقدْت التقدير المظبوط للأشياء، وبالغْت في النِّسب والمقاييس … إنت دلوقت في نظر نفسك طولك شبر واحد وعيسوي بك مارد طوله عشر أمتار … إنت تعتبر نفسك عبد من العبيد الأذلاء، وتعتبر عيسوي بك وزوجته آلهة من آلهة اليونان!
شاهين : اسكت بقى … بلا آلهة اليونان … بلا آلهة اللومان!
الدكتور : نظرتك له يجب تتغير … احتقِره … اعتقِد إنك أحسن منه اكرهه … اقتله!
شاهين : اقتله؟!
الدكتور : طبيعي إنك تقتله «لكن مش طبيعي إنك تقدسه».
شاهين (كالمخاطب نفسه) : أقتله؟!
الدكتور : مثلًا … طبعًا ما تعملهاش … دا مجرد كلام … المهم نظرتك له يجب تتغير أولًا … وبعدين نبدأ في العلاج الفعلي.
شاهين : العلاج الفعلي … تعرف هو إيه؟
الدكتور : إيه؟
شاهين : إنك تدبح لي وزة على طبق ملوخية، إلا أنا من زمان نفسي في غدوة تكون نضيفة!
الدكتور : آه يا شاهين! … لو كنت تثق شوية في نفسك وفي مستقبلك!
شاهين : أنا لسة لي مستقبل؟!
الدكتور : إيه المانع؟ … إنت رجل كان لك ماضي مجيد وكنت محامي معروف … ليه ما ترجعش لمركزك القديم؟ … اللي قدر يعمل لنفسه ماضي يقدر يعمل لنفسه مستقبل!
شاهين : اسكت يا صبحي وحياة أبوك بلاش هجص!
الدكتور : ليه؟ … مش جايز تكسب قضية كبيرة تُظهر اسمك من جديد!
شاهين : وهو مين المغفل الكبير صاحب القضية الكبيرة، اللي بحث وداخ لغاية ما عتر على حضرتي في حَواري كَفر ملِّيم شياخة الحاج مرزوق الأودن بطنطا؟!
الدكتور : كل شيء جايز، وكل شيء ممكن … المهم يكون عندك ثقة بنفسك وأمل في الحياة.
شاهين : وإيه الفايدة؟
الدكتور (يائسًا) : شوف ازاي؟!
شاهين : أنا ما ليش مصالح خصوصية في الحياة.
الدكتور : اخلق مصالح من تحت الأرض … تشبَّه بعيسوي بك، الرجل اللي انت ناظر له بعين كبيرة قوي … بنضارة معظمة.
شاهين : مفيش محل للتشبه ولا للمقارنة.
الدكتور : صدقت … هو في السما وانت في الأرض … دا رأيك، ومع ذلك لو بحثت عن الحقيقة تجد انك النهارده أحسن منه في جانب من الجوانب.
شاهين : أستغفر الله!
الدكتور : عيسوي بك له ناس كتير تكرهه.
شاهين : وأنا ما ليش حد يكرهني … ولا حد يحبني.
الدكتور : عيسوي بك مهدَّد الليلة بالقتل.
شاهين : بتقول إيه؟!
الدكتور : صديق الكردي اللومانجي المشهور متأجر على قتله.
شاهين : والبك عنده خبر؟
الدكتور : عيسوي بك؟ … ما أظنش عنده خبر.
شاهين : وانت ليه ما رحتش تبلغه علشان يأخذ حذره؟
الدكتور : جايز الإشاعة غير صحيحة، ليه أزعجه من غير مناسبة!
شاهين (ينهض مسرعًا) : عن إذنك!
الدكتور : على فين يا شاهين؟
شاهين : راجع لك بعد ربع ساعة.
الدكتور (في دهشة) : رايح تبلغه؟
شاهين : ضروري أبلغ سعادته … حياته غالية علينا قوي … حياة عيسوي بك كله … عيسوي بك سيد الناحية كلها … الآمر الناهي في أطيانه وأملاكه وفلاحيه ومواشيه وبهايمه وناظر زراعته وناظر محطته وعمدته والمعاون والمأمور وأنا وانت!

(يصفق بيديه كما يفعلون في الزفة البلدي.)

(شاهين يخرج سريعًا.)

الدكتور (كالمخاطب لنفسه) : نسمي الحالة دي إيه؟ … خوف … مسْح جوخ … ضعف؟
سالم (يُطل برأسه من الباب) : شاهين أفندي ما له طالع يجري كده زي المجانين ناحية السراية؟!
الدكتور (كالمخاطب لنفسه) : مسكين عنده «إنفريوريتي كومبليكس»!
سالم : مظبوط … أنا برضه بقول كده … عنده أنفار في كومبيل لوكس!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤