الفصل الثاني

(صالون أنيق في سراي عيسوي بك بالأرياف … زيزا تحمل في يديها مجوهرات تُريها لزائرتها دُرية.)

درية : كل ده شارِيه لك؟
زيزا : وانت لسة شفتي حاجة يا درية!
درية : كفاية بس العقد ده لواحده يا اختي!
زيزا : بلا قرف … أنا ألبس عقد زي ده؟ … صحيح لولي حر ما قلتش حاجة … لكن أنا ما احبش اللولي.
درية : أمال تحبي إيه بقى؟
زيزا : شوفي الحلق ده …
درية : يا دهوتي! … كل ده ألماز …
زيزا : تعرفي الفص ده وزنه طلع قد إيه يا درية؟
درية : ما هو باين يا اختي من شكله … قد عين الجمل … أنا عمري شفت فص قد كده! … يطلع بكام ألف ده يا ادلعدي؟
زيزا : تلات آلاف جنيه وحياتك … دفعهم عيسوي للجواهرجي قدامي … ولسة الأسورة عنده بيصلحها.
درية : تلات آلاف جنيه! … طب شيلي بقى … والنبي شيلي ينوبك ثواب … إلا ده شيء يلحس العقل … إنتِ يا زيزا هانم عايزة تجنني عقلي زي ما جننتِ عقل جوزك!
زيزا (باسمة) : جوزي مين؟
درية : عجايب يا اختي عليكِ! … بقى مش عارفة؟
زيزا (ضاحكة) : لأ!
درية : الله على ضحكتك دي! … بقى مش عارفة مين فيهم؟ أقول لك … الاتنين يا اختي … حتى عيسوي بك الواعي اللي ما حد يضحك عليه … راخر ضحكتِ على عقله … الراجل اللي بيشتري لامراته ألماز بألوف الجنيهات مش يبقى عقله رايح؟
زيزا : الرايح أحسن من الجاي يا ستي … أنا عايزة من عقله إيه؟
درية : صدقت … عقبال ما جوزي راخر عقله يضيع ولا أعرف له طريق.
زيزا : حرام عليك يا درية … الدكتور مش مانع عنك حاجة!
درية : النبي تسكتي يا زيزا هانم!
زيزا : أهو انتم كده يا ستات … ما يعجبكم العجب ولا الصيام في رجب!
درية : أنا اللي ما يعجبنيش العجب؟!
زيزا (ناهضة) : أف، ريحة الجو يا درية في الأرياف ما تنطاقش … أنا إن ما كنتش أرش البيت بالكولونيا كل يوم مرتين ما اقدرش اقعد … فاطمة! … عيشة!
فاطمة : أفندم!
زيزا : شيلي صندوق الصيغة ده … وقولي لعيشة تجيب قزازة الكولنيا الفيوليت من أودة التواليت.
فاطمة : أنهي قزازة يا ستي؟ … فوق التواليت قزايز ريحة كتير.
زيزا : قزارة الفيوليت البنفسج الكبيرة أم غطا مدهب.
فاطمة : حاضر.
زيزا : اسمعي يا فاطمة … فين أم يوسف الدادة!
فاطمة : بتطبق هدوم سيدي عز الدين.
زيزا : وفين عز الدين؟ … ييجي يسلم على تيزته.
فاطمة : سيدي عز الدين مع الشيخ بيقرِّيه الدرس في السلاملك … (تخرج.)
درية : إنت اتجننتِ يا زيزا هانم! تخلي الخدامة تشيل ألوف الجنيهات دي؟
زيزا : وإيه يعني؟ … هي حاتروح بهم فين؟ قولي لي يا درية!
درية : قولي لي انت الأول … عز الدين شاف أبوه النهارده ولَّا لسة؟
زيزا : والله مش عارفة … دايمًا مع دادته.
درية : أفتكر أيوه ما شافوش لسة … لأنه جه اتغدَّى عندنا مع الدكتور … وفضلوا قاعدين في البيت لحد ما خرجْت وجيت هنا عندك.
زيزا : قصدك أبوه مين؟
درية : أبوه مين؟! … أبوه المحامي!
زيزا : هو هنا؟
درية : إنت مش عارفة إنه هنا؟
زيزا : أبدًا ما حدش قال لي.
درية : دا جه هنا قابل عيسوي بك الضُّهر، قبل ما ييجي يتغدى عندنا.
زيزا : ما عنديش خبر.
درية : يا حلاوة!
زيزا : مستعجبة قوي ليه؟ … شيء مهم قوي ده يا ست درية؟!
درية : صدقت … هو بسلامته كان مين في زمانه لما تتنازلي وتسمعي بوجوده وغيابه … أنا بس بسأل … كنت فاكرة إنهم بيقولوا لك نهار ما ييجي (لحظة) أظن مستحيل تقابليه دلوقت!
زيزا : أقابله! … إنت مجنونة؟
درية : عيسوي بك ما يرضاش.
زيزا : مش بس عيسوي بك.
درية (كمن فهمَت) : آه.
زيزا : أف!
درية : ما لك؟
زيزا : زهقت من الأرياف يا درية … عايزة أروح مصر بقى!١
درية : إنتِ لحقتِ؟ … إنتِ لسة جاية من مصر!
زيزا : اتضايقت من هنا بقى … روحي حاتطلع!
درية : من إيه يا اختي تتضايقي؟ … إنتِ كل يوم فسحة على الحصان من عزبة الوقف لعزبة بشتيل، ومن أرض تفهنا العزب لعزبة الحنا … الدكتور حكى لي وقال لي إن عيسوي بك علمك ركوب الحصان وبقيتِ فشر الخيَّال اللي مرسوم فوق علبة الكبريت!
زيزا : بلاش نأورة يا درية!
درية : والنبي بقول جد، يا ما احلى طلعتكم في الغيطان كده انت وجوزك راكبين الخيل، والناظر والخولي والفلاحين حواليكم بيسندوا فيكم، زي هارون الرشيد ومراته في زمانهم!
زيزا : وما له! … وانت ما تعمليش كده ليه؟
درية : يا دهوتي … ما بقاش إلا كده … علشان يقولوا أهل البلد شوفوا مراة حكيم الصحة اتجنِّت في عقلها وطالعة في السكك راكبة حصان!
زيزا : ما عجبتنيش يا درية! … اشمعنا أنا بقى؟
درية : إنتِ شكل تاني، انت اسمك صاحبة ملك، جاية تتفسحي يومين … لكن احنا ناس متوظفين وقاعدين على طول ونخاف من كلام الأهالي!
زيزا : تعرفي إيه اللي مقعدني هنا وخلَّاني ركبت الحصان؟ … صحتي … أنا خايفة أسمن … وابقى تخينة وحشة.
درية : جمالك بالدنيا يا اختي!
زيزا (ضاحكة) : مش كده؟!
درية : معلوم.
زيزا : برضه بتتنأوري عليَّ … أنا فاهمة … مش مخلصك ركوب الحصان أبدًا والرياضة … إنتِ مش عاجباني أبدًا يا درية … إنتِ ما كنتيش كده أيام المدرسة ولا أيام ما كنت في مصر … الفلاحين والأرياف خسرت أفكارك!
درية : معلهش … الحقي ارجعي قوام على مصر انت كمان قبل أفكارك ما تخسر!
زيزا : أنا ما تخافيش عليَّ!
درية : ويعني ركوب الحصان نفع! … آدي أنتِ زهقتِ من كم يوم!
زيزا : معلوم ازهق … هي دي بلد تتسكن … أقعد طول النهار ما أشوف إلا خضرة لا لها أول ولا آخر، وما أسمع إلا جاموسة تنعر، وساقية تزيَّق، وكلب يقول هو هو … وضفادع تقول با با … وخرفان تقول ماء ماء … وصفارة القطر في المحطة … مش كده يا درية؟ … فيه حاجة عندكم هنا غير كده؟
درية : أمال انت عايزة إيه؟
زيزا : عايزة إيه؟ … عايزة أعيش على وش الدنيا وامتع شبابي!
درية : عايزة التياترات والدكاكين والسينما وبعزقة الفلوس!
زيزا : وما له!
درية : يحق لك يا اختي!
عيشة (تدخل حاملةً زجاجاتٍ مختلفة) : ستي! … آدي القزايز!
زيزا : إيه ده كله يا بنت؟ … جرى في عقلك إيه!
عيشة : سيدي البك شيلهم لي وقال لي ستك تختار.
زيزا : وسيدك بيعمل إيه في أودة التواليت؟
عيشة : بيحلق ذقنه يا ستي.
زيزا : شوفي يا درية معاكسة عيسوي! … باعت لي مخصوص الروايح اللي استتقل دمها … أنا قايلة له ألف مرة ما احبش الهليوتروب! … روحي يا بنت بشيلتك قولي له مش عايزة والنبي تقيل … مش كده يا درية؟
درية (تشير إلى زجاجة) : وريني القزازة الغريبة الشكل دي يا اختي!
زيزا : دي كوني … تعجبك؟
درية : الله! … لازم غالية!
زيزا : مش قوي … أظن بعشرة جنيه من عند …
درية : بتقولي إيه؟ … عشرة جنيه! … يا دهوتي! … خدي يا بنت الَّا تنكسر من إيدي … يالله السلامة.
زيزا : خدي يا عيشة القزازة من الست.
درية (بعد لحظة) : اللي يا اختي ما عزمتِ عليَّ وقلت اتفضلي … عيسوي بك علمك البخل ولَّا إيه؟
زيزا : إخص! … شوفي يا درية سَهى عليَّ ازاي! … تعالي يا بنت يا عيشة!
درية : لا والنبي ما تصدقي … أنا قصدي أهزر!
زيزا : وحياتك تاخديها «سوفنير».
درية : أعمل بها إيه يا زيزا هانم في بلاد الفلاحين!
زيزا : إنتِ ما اخدتيش مني حاجة أبدًا يا درية.
درية : مفيش تكليف … روحي يا عيشة روحي.
زيزا (في تراخٍ) : ما لكيش حق!
درية (تنظر إلى النافذة) : الشباك ده يطل على إيه يا زيزا هانم؟
زيزا (ناهضة وتتجه مع درِّية إلى النافذة) : أظن يطل على الجنينة والسكة اللي رايحة الإسطبل.
درية : إسطبل! … قصدك الزريبة؟
زيزا : آه.
درية : شايفة؟ … آدي البهايم مروحة … احنا بقينا المغرب يا زيزا!
زيزا : درية … شوفي … شوفي يا درية الخرفان بتوعي … أهُم دول كلهم الخرفان بتوعي! مش حلوين والنبي؟ … شوفي الخروف الأبيض النونو ده بيجري ورا أمه الخروفة الكبيرة.
درية : الخروفة! خروفة دي إيه يا اختي؟ … قولي الحَولية ولَّا النعجة … أحسن الفلاحين هنا تضحك عليكِ!
زيزا : طب والصفرا دي اسمها إيه يا درية؟ … مش اسمها بقرة … قلت كده لعيسوي ضحك عليَّ.
درية : معلوم يضحك عليكِ … بقى يا اختي مش عارفة البقرة من الثور؟ … دا ثور … واسمه في الفلاحين «شاب» …
زيزا : «شاب» … أيوه برافو عليكِ … عيسوي برده قال لي الكلمة دي … وايش عرفك أنت يا درية بالشاب كمان؟
درية : إيش عرفني؟ … مش بقى لي في الفلاحين سنتين وشوية … من أيام ما كان الدكتور في صحة السيدة زينب وكنت أنتي مع جوزك القديم في بيتكم اللي في جنينة نميش، من بعدها وأنا بلد تشيلني وبلد تحطني … رُحنا أشمون ورُحنا ههْيا، وقريبًا جينا تلا.
زيزا : الله يكون في عونك يا درية … إمتى تنتقلوا وتيجوا مصر تاني، علشان كمان تزورينا في بيتنا الجديد اللي في الزمالك.
درية : مصر! … يستحيل! … ما نرضاش نروح مصر!
زيزا : ما ترضوش ليه بقى؟
درية : بلاد الأرياف هنا أكسَب لنا … هو فيه حكيم صحة يسيب مكسب الأرياف ويروح مصر؟
زيزا : يا اختي! … بلا مكسب بلا قرف!
درية : إنتِ تقولي كده معلهش … إنتِ خاسس عليكِ إيه!
زيزا : فُضِّك يا درية … إنتِ منكدة على روحك من غير مناسبة … أنا عارفة وَفْر إيه وتدبير إيه! … على فكرة الأمانة اللي لكِ عندي …
درية : ما لها! … خليها عندك دايمًا.
زيزا : جوزك ما يعرفش انك محوشة عندي فلوس يا درية؟
درية : يعرف ازاي! … دانا كلام في سرِّك سرقاهم منه.
زيزا : سرقاهم؟!
درية : أمال يعني فكرك كنت أقدر أحوش ٥٠٠ جنيه من مصروف البيت؟
زيزا (مستنكرة) : سرْقاهم ازاي يا درية؟!
درية : زي ما بتعملي … بقى انت رخرة مش كده؟!
زيزا (مستنكرة) : أنا! … أنا أسرق؟!
درية : اطلعي من دول … حاتعملي عليَّ عبيطة؟!
زيزا : إخص عليكِ يا درية … أحلف لك بتربة بابا …
درية : مفيش لزوم تحلفي ببابا ولا ماما … أنا مصدقة.
زيزا : لا يا درية … إنتِ لازم تفهمي …
درية : أنا فاهمة كويس … إنتِ عندك جواهر تجيب تلات أباعِد …
زيزا : وما له!
درية : وأنا قلت حاجة؟ … أنا رخرة أعرف ازاي أخرَّر من جيب جوزي الفلوس … هو ما يعرفش حاجة اسمها جواهر يجيبها لي … لكن أنا أعرف ازاي استلف له من التمرجي، وأزود عليه المصروف وأبيع له أبو قرش بقرشين … امبارح أخذت منه ٣ جنيه تمن صفيحة سمن … وأنا لا شتريت ولا بِعت … أسيَّح لي شوية زبدة بريال واخزنهم في صفيحة قديمة … وكان الله يحب المحسنين!
زيزا : حقًّا … المحسنين اللي زي جوزك.
درية : الرجالة ما لهمش أمان يا زيزا هانم.
زيزا : بعد كده يا اختي!
درية : والنبي تسكتي، هو احنا يا ستات عارفين الفلوس اللي بيدخلوها علينا اجوازنا دي حلال ولَّا سُحت؟
زيزا : قولي على جوزك انتِ معلهش … عيسوي أمواله حلال بنت حلال!
درية : إيش عرفك؟
زيزا : لا يا درية … أنا لا أسمح لك أبدًا تتعدي الحدود!
درية : طيب … طيب ما تزعليش … أنا عرفة برده انك تحبي دايمًا يكون فيه حدود.
زيزا : مش كل شيء ينقال!
درية : طبعًا يا اختي … (لحظة) أنا عارفة إنك غويطة طول عمرك … ولا تهتمي بالكلام الطاير … إنتِ بقى اتطلقتِ واتجوزتِ وضحيتِ ابنك علشان إيه أمال؟
زيزا : بتقولي إيه؟ … ضحيت إيه؟
درية : ولا حاجة … يعني …
زيزا : اسكتي بقى … عيشة جاية … جرى إيه يا عيشة؟
عيشة : ستي! … جبت القزازة اللي حضرتك طلباها.
زيزا : أيوه دي … افتحيها ورشي الصالة.
عيشة (وهي ترش الصالة) : سيدي البك عطاها لي، وقال لي قولي لستك هو ما يقدرش على زعلك أبدًا.
درية (باسمة) : صلاة النبي أحسن!
زيزا : معلوم! … مش رديتِ يا عيشة وقلتِ له زعل ستي غالي؟
درية : غالي قوي … يساوي لولي وألماز!
زيزا (تتناول الزجاجة من عيشة التي تخرج) : خدي شوية فيوليت يا درية.
درية : هاتي يا اختي … ربنا يزيد خيرك … عقبال ما نتدهن في طهور عز الدين … الله! … ريحته حلوة! … طول عمرك تحبي البنفسج يا زيزا هانم، لكن أظن ده صنفه أحسن طبعًا من اللي كنت أشوفه عندك زمان … وانت في بيتكم اللي في جنينة نميش، ولو انك كنت تحلفي لي إنه أحسن صنف خلقه ربنا، علشان شاهين بك هو اللي … جايبه لك!
زيزا : مين قال كده؟
درية : إنتِ يا اختي نسيتِ! … مش جوزك القديم ده اللي ضيع القرشين اللي حيلته من ميراث أمه في الكلونيات البنفسج بتاعتك … وكان بيده يرش لك السرير كله بنفسج كل يوم؟
زيزا : مين قال كلام زي ده؟!
درية : الكلام اللي زي ده مين كان حايقوله إلا انت؟ … ياما كنتِ بتقولي «أنا ما شُفتش في الدنيا والآخرة عواطف رقيقة زي عواطفه» …
زيزا : أنا قلت كده؟!
درية : وقلتِ إن له قلب مصنوع من الألماز.
زيزا : أرجوكِ يا درية تسكتي بلاش كلام فارغ!
درية : دا كان برده رأيي أنا رخرة أيامها … القلب الألماز ما دام ميجبش فلوس في الصاغة يبقى كلام فارغ.
زيزا : إنتِ دايمًا يا درية تعملي أهمية للفلوس.
درية : وانت لا أظن؟!
زيزا : طبعًا.
درية : ألطم لك؟ … عايزاني ألطم؟
زيزا (تنصت إلى النافذة) : اسمعي … الكلب نبح … لازم حد جاي.
درية : لازم ده الدكتور هو وشاهين بك!
صوت (من الخارج) : يا زيزا!
درية (تغطي وجهها بسرعة) : يا ندامة! … البِك بتاعك داخل علينا!
زيزا : لأ … ما تخافيش … خليك عندك شوية يا عيسوي … انتظري لما أشوف عايز إيه؟
درية : أنا أستأذن بقى يا زيزا هانم …
زيزا : بدري يا درية … اقعدي معايه شوية سلِّيني … دلوقت عيسوي يروح السلاملك يقابل ضيوفه زي كل ليلة.
درية : معلش … أستأذن دلوقت … ألا ما فيش حد في البيت، والتمرجي شاري زبدة النهارده من سوق السبت عايزة أسيحها وأخزنها قبل ما يرجع الدكتور … بكرة إن شاء الله أقعد زي ما تقولي.
زيزا : إخص عليكِ يا درية (سلام قبلات وتخرج من باب السلم … زيزا تجلس على مقعد طويل) ادخل بقى يا عيسوي.
عيسوي (يدخل بالبنطلون والشبشب وفوطة الحلاقة على كتفه) : ما شاء الله ما شاء الله … قاعدة كده مجعوصة أربعة وعشرين قيراط!
زيزا (بدون أن تتحرك من جلستها) : عاجبك ولَّا مش عاجبك؟
عيسوي : عاجبني.
زيزا : خلاص … ولا كلمة!
عيسوي : ولا نص كلمة!
زيزا : ولا فتفوتة كلمة!
عيسوي : ولا ربع فتفوتة كلمة!
زيزا : أيوه كده.
عيسوي : أيوه … قولي لي يا ستي … خرجت مراة الدكتور صبحي؟
زيزا : راحت تسيح زبدة وتخزن سمن.
عيسوي : شوفي ازاي مقتصدة لجوزها؟
زيزا : لجوزها؟ … ياما انتم مغفلين يا رجالة!
عيسوي : ازاي؟
زيزا (ضاحكة) : مقتصدة لجوزها؟ … ها … هاي …
عيسوي : أمال فاكرة كل الناس زيك وزيي … علشان تعرفي إني مدلعك ومخليك كده زي العروسة … لا شغلة ولا مشغلة.
زيزا : شوف برده أفكارك زي أفكار العُمَد!
عيسوي : ازاي؟
زيزا : عايزني أنا كمان أسيح سمن؟
عيسوي : سيحي أي حاجة!
زيزا : أسيح دمك!
عيسوي : برده كده؟ … آدي اللي انتِ فالحة فيه!
زيزا : زعلت؟
عيسوي : اسكتي بقى!
زيزا : ومع ذلك اللي سيح دمك صحيح الموس … إنت جرحت دقنك وانت بتحلق … شوف … قرب وأنا أوريك …
عيسوي : لا … مش عايز أقرب!
زيزا : إنت حر!
عيسوي : إنتِ اللي زيك يستحيل تهتم لو جرى لي حاجة الليلة!
زيزا : الليلة؟ … اشمعنا الليلة لا سمح الله؟
عيسوي : ما دمتِ انت وابنك سالمين مبسوطين …
زيزا : إنت كل ساعة تقعد تقول لي ابنك! … بقى اسمع يا عيسوي أنا ما أحبش تقول لي ابنك أبدًا!
عيسوي : طيب …

(صمت.)

زيزا (بعد لحظة) : ما لك النهارده؟ … أنا ملاحظة انك متغير شوية من ساعة الضهر … حد قال لك حاجة؟ … مين اللي كان معاك في السلاملك قبل الغدا؟
عيسوي : مفيش حد!
زيزا : بلاش كدب … كان معاك واحد!
عيسوي : أيوه يا ستي … كان معاي المحامي إياه الخمورجي السكري!
زيزا : حرام عليك … عمره ما عرف السكْر والخمرة إلا بعد ما سبتُه … نهايتُه هو عايز إيه؟
عيسوي : ولا حاجة.
زيزا : مش معقول ييجي من طنطا علشان ولا حاجة!
عيسوي : أنا مندهش … الجدع ده إما مغفَّل … أو لئيم!
زيزا : إيه اللي حصل؟
عيسوي : والأرجح عندي إنه مغفل.
زيزا : ليه؟ … عايز ياخد ابنه؟
عيسوي : يا سلام! … شوفي انت بالك في إيه؟
زيزا (تقترب منه) : أؤكد لك يا عيسوي أنا عندي زي بعضه … لو كنت أعرف إنه يقدر يعيِّش ابنه ويصرف عليه كنت رميته له من زمان … ومع ذلك هو الولد مش ديما مرمي مع دادته أنا بشوفه يا عيسوي إلا نادر؟
الخادم (يدخل) : سيدي البك … الدكتور صبحي والمحامي موجودين في السلاملك.
عيسوي : طيب.
زيزا : رجع تاني؟
عيسوي : أهو ده يثبت تغفيله؟
زيزا : هو قال لك إيه بالحرف؟
عيسوي : كلام فارغ … هو ده يعرف يقول كلام مفيد … اسمعي يا زيزا، أنا مش عايز انزل السلاملك الليلة … إيه رأيك … اللي عايز يقابلني يطلع لي هنا؟
زيزا : اشمعنا الليلة؟
عيسوي : لأن الليلة برد شوية … والسلاملك منفرد برة ورطوبة … العمدة كمان سبق قال لي كده!
زيزا : على كيفك.
عيسوي : يا مرجان!
مرجان (يدخل) : أفندم!
عيسوي : قل للدكتور يتفضل هنا، ولما العمدة وناظر المحطة والمأمور ييجوا هاتهم على هنا.
مرجان : حاضر.
عيسوي : اسمع لما أقول لك يا مرجان اقفل السلاملك بالمفتاح ولا تطفيش النور اللي فيه … فاهم!

(يخرج مرجان.)

زيزا : علشان إيه ما يطفيش النور اللي فيه؟
عيسوي : علشان … علشان بس الناس تعرف إني في السلاملك زي العادة، ألا يفتكروا اني سافرت …
زيزا : وإيه يعني؟
عيسوي : إيه يعني ازاي؟ … أنا أحب الأنوار تبقى في البيت … حد شريكي!
زيزا : كده من غير مناسبة!
عيسوي : أيوه يا ستي … مش عايز أوفر في النور … تعالي بقى اعملي معروف خليني أكمل لبس … الناس زمانها جاية … (يخرجان.)
مرجان (يظهر وخلفه الدكتور وشاهين) : اتفضلوا هنا.
الدكتور (بخبث) : اشمعنى هنا الليلة؟
شاهين : لازم علشاني … لأني من البيت … طبعًا منهم وعليهم … مش كده يا سي مرجان؟ ازاي صحتك يا سي مرجان … فين عز الدين بك؟
مرجان : البك الصغير كان في السلاملك مع سي الشيخ وخرجوا راحوا المصلَّى اللي على جسر الترعة.
شاهين : المصلَّى اللي على جسر الترعة؟ … ما شاء الله! … الله يفتح عليه … شايف يا دكتور؟ … الدين حلو …
مرجان : نِجيب قهوة ولَّا شاي؟
شاهين : الموجود … ما فيش تكليف يا سي مرجان … احنا مش ضيوف.

(مرجان يخرج.)

الدكتور (يشم رائحةً حوله) : الله على الروايح الجميلة!
شاهين (شاردًا) : فين؟
الدكتور : ريحة الفيوليت اللي ملْو الصالون.
شاهين : طبعًا.
الدكتور (يشم بقوة) : شم وتمتع … ريحة الذكريات!
شاهين (يشم مثله ويغرق في مقعده الكبير) : آدحنا بنتمتع!
الدكتور : بس حاسب … اوعَى تنجعص قوي كده في الكرسي … الَّا دي موبيليه رقيقة وغالية مش واخدة على البهدلة.
شاهين : مش بتقول لي اتمتع؟
الدكتور : يعني بذوق.
شاهين : حاضر (بعد لحظة في إعجاب) يا سلام! … أنا وشرفك ما يلزمني غير كرسيين اتنين من دول … أكسب بهم أتخن قضية!
الدكتور : دا بس اللي ناقصك؟
شاهين : بس … لأن الزبون متى قعد على كرسي زي ده وانجعص، احترم نفسه، ومتى احترم نفسه احترم المحامي … أهو أنا مثلًا دلوقت محترم نفسي قوي.
الدكتور : إنت فاهم كده؟
شاهين : وأكتر من كده … أؤكد لك اني شاعر كذلك بعاطفة احترام غريبة نحو …
الدكتور : مفهوم، لأنك يظهر لسة فاهم إنه رايح يكبش من خيراته ويعطيك!
شاهين : يعطيني؟ … وأنا أقبل؟ … إنت مش فاهمني أبدًا!
الدكتور (مستمرًّا) : مع إنه على غناه الفاحش ده ما يعطيش صاحبه علبة سجاير بخمسة صاغ! … مش مسألة بُخل … لا … إنما فيه ناس انخلقوا كده، ما يعرفوش غير نفسهم … يمتعوا نفسهم صحيح، ويصرفوا على نفسهم كويس قوي … لدرجة التبذير الجنوني … لكن على غيرهم لا … تصور اني أنا صاحبه وكل ليلة أسهر معاه ولا يستغناش عني … ومع ذلك عمره ما أهداني هدية أو تذكار … دا حدث مرة كان في يده عصا تساوي بالكتير خمسة جنيه مسكتها شويه راح ساحبها مني بذوق من غير ما يقول لي اتفضل … آه … فين دول من أعيان زمان، أهل الجود والكرم والنفس السمحة، دول خلاص هجروا الريف وعاشوا في مصر، وتخلقوا بأخلاق الأفرنج … تدخل بيت الواحد منهم في ساعة غدا ما يعزم عليك بلقمة … أهو انت النهارده مثلًا جيت تزوره قبل الضهر، عزمش عليك تتغدَّى؟
شاهين : أنا رفضت … وأرفض آكل من هنا لقمة!
الدكتور : لو كان مسك فيك …
شاهين : مسك فيَّ كتير!
الدكتور : مش معقول … يمسك فيك انت ليه؟ … ويضايق مزاجه ويحرم نفسه من الغدا مع مراته! … هو جايز يعزم مدير أو كبير لما تكون له مصلحة … هو مصاحبني ليه إلا لأني أنا مفتش الصحة أسهل له أعماله، ومصاحب مرقس أفندي لأنه ناظر المحطة ويحتاج له في شحن المحاصيل … وكذلك العمدة والملاحظ والمأمور …
شاهين : دا عزم علي بسجار هافانا تساوي لها مبلغ، حافظها في جيبي تذكار!
الدكتور : لكن كسفك ووبخك!
شاهين : ما حصلش … هو بس شاف إن مسألة الإشاعة دي على غير أساس.
الدكتور : مش بتقول إنه قال لك «انت مغفل تيجي تبلغني كلام فارغ زي ده»؟
شاهين : ما قالش «مغفل»!
الدكتور : أمال قال إيه؟
شاهين : هو بس قال «انت عبيط».
الدكتور : دا بدل ما يشكرك … آه … لكن الحق مش عليه … ومع ذلك تأكد إنه اهتم بكلامك! … بس ما رضاش يظهر لك أي خوف أو اهتمام أو ضعف؛ لأنه متكبر، والدليل إنه جعل المقابلة الليلة داخل السراية، مش في السلاملك كالمعتاد؛ لأن السلاملك منفرد وقريب من الطريق ومعروف للناس إنه يسهر فيه، ومن السهل السطو عليه … لكن داخل السراية يبقى محصَّن أكتر … فهمت؟
شاهين : معقول … (لحظة إطراق وتفكير) أيوه برده على رأيك … ما رضاش يُظهر أي خوف … دا حتى لما بيلعب طاولة إن ما كانش هو اللي يغلب تبقى مصيبة … أنا مرة سمعته بيقول إنه ما تعودش يكون مغلوب في حاجة أبدًا … (يسمع صوت فتح باب، فيقف شاهين في الحال ويزرر الجاكتة) البك جه!
عيسوي (يدخل ويتجه إلى الدكتور) : ازيك يا صبحي تأخرت ليه النهارده؟
الدكتور : راحت علينا نومة بعد الغدا!
عيسوي (يجلس أولًا) : اتفضلوا … (يلتفت إلى شاهين) وانت يا أستاذ بطَّلْت تقول كلام فارغ؟
شاهين : صدقت والله يا بك … كلامي فارغ زي كل شيء عندي!
عيسوي : ما علينا … قل لي يا صبحي … إنت ناوي تلعب جامد الليلة؟
الدكتور : أمرك.
عيسوي : أنا شايف عمك مرقس تأخر.
الدكتور : يمكن راح يبيع له جاموسة!
عيسوي : احنا ناخده الأول خفيف ألا يفقسها!
الدكتور : مفيش مانع … (بعد لحظة) يا ترى قعدتنا في السلاملك مش كانت أحسن؟
عيسوي : السلاملك … لا لا لا …
الدكتور : ليه بقى؟
عيسوي : رطوبة … السلاملك رطوبة!
الدكتور : بالعكس … دا صحي جدًّا … لأنه في الجهة الشرقية والقبلية و…
عيسوي : قلت لك رطوبة!
الدكتور : مش رطوبة يا بك!
عيسوي : إذا كنت أنا بقول لك رطوبة!
الدكتور : دا شيء تاني …
شاهين : هو صحيح السلاملك رطوبة قوي … بس أصل الدكتور ما شافش السلاملك!
الدكتور : ازاي … أنا كل ليلة هناك … اسكت انت اعمل معروف!
شاهين : جايز دخلته كتير؛ لكن ما خدتش بالك من نشع المية اللي ضاربة في الجدران من الرطوبة!
عيسوي : لا يا أستاذ … مفيش نشع ولا مية ضاربة في الجدران أبدًا … للدرجة دي …
شاهين : أيوه برده ما فيش مية أبدًا …

(تُسمَع همهمة ونحنحة وصوت: إحم إحم …)

الدكتور : مين ده؟ … على الله يكون مرقس.
عيسوي : ما اظنش … دي نحنحة حنبلي!

(الشيخ قطب يظهر.)

قطب : السلام عليكم!
عيسوي : مش قلت لكم!
الجميع : سلام ورحمة الله وبركاته!
قطب (يشم رائحة الفيوليت) : الله … الله … الله … رائحة البنفسج!
عيسوي : إنت جاي منين يا شيخ قطب؟
قطب (يحدق ببصره الضعيف إلى جهة الصوت) : سعادة البك الكبير هنا؟ حصلت البركة! … (يذهب إليه ويسلم عليه في احترام) والله أنه جاي من المصلَّى … بعد أن أديت فريضة المغرب، ولله الحمد من قبل ومن بعد.
شاهين : و… عز الدين بك فين أمال!
قطب : أنا والله أعلم تركته عند المصلَّى على الجسر مع الولد الكلَّاف سعداوي، يقطعوا بوص ويعملوا صفافير …

(يجلس ويستخرج سبحته ويتمتم …)

عيسوي : صفافير بوص! … مع إن عنده لعب غالية من جميع الأصناف! … إخص … أنا مش عارف الولد ده طالع لمين؟!
شاهين (يبلع ريقه) : كل الأولاد كده يا بك!
عيسوي : أبدًا!
شاهين : برده احنا يا كبار الواحد منا لما ياكل كل يوم ديك رومي، ساعات تهفه نفسه على طبق بصارة وشرش بصل!
عيسوي : دا بقى اللي يكون أصله واخد على البصل والبصارة … إنما الناس المعتبرين …
شاهين : لا يا بك …
عيسوي : أنا بقول لك كده!
شاهين : مظبوط.
الدكتور (لشاهين همسًا) : إنت تستحق أكتر من كل ده!
عيسوي : بتقول إيه يا صبحي؟
الدكتور : ولا حاجة … بقول يعني … حقنا نجهز الكوتشينة والترابيزة قبل الوقت ما يروح!
عيسوي : صدقت (ينادي) يا مرجان!
مرجان (يظهر) : أفندم!
عيسوي : الكتاشين والترابيزة بسرعة!
الدكتور (لقطب) : إنت بتسبح بتقول إيه يا شيخ قطب؟

(قطب يستمر في تسبيحه لا يجيب.)

(مرجان يدخل مع سفرجي آخر حاملين مائدة البوكر الخضراء وعليها صندوق طاولة وكتاشين.)

عيسوي : مرجان … هات قزازة الوسكي … أنا شاعر ببرودة الليلة.
الدكتور (يتأمل الحاضرين) : الله! … احنا دلوقت أربعة يعني في إمكاننا نلعب حالًا!
عيسوي : ازاي؟
الدكتور : أنا والبك وشاهين تلاتة، والرابع … قم يا شيخ قطب … شيخ قطرميز … قم كمل «الكارية»!
قطب : أستغفر الله العلي العظيم!
الدكتور : دا بوكر يا سي الشيخ!
قطب : البوكر ميسر، والميسر منكر والعياذ بالله!
الدكتور : طيب بلاش بوكر … قم معانا «بارتيتة» كنكان … كمان رايح تقول الكنكان منكر؟
قطب : وما هو الكنكان؟
الدكتور : اطلع من دول! … بقى كمان ما تعرفش الكنكان؟
قطب : إنا لله وإنا إليه راجعون!
شاهين : يا سلام! … والله الدين حلو!
قطب : إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ …
شاهين : الله … الله … أحسنت يا سي الشيخ!
عيسوي : وبعدين بقى … إنتم رايحين تقلبوها «ختمة»!
الدكتور : اسمع يا شيخ قطرميز! … كلمة ورد غطاها … قايم تلعب معنا ولَّا لأ؟
قطب : اللهم اغفر لعبادك!
الدكتور : معلوم رايح يغفر لنا … لإننا بنعرض أموالنا للمكسب والخسارة … لكن انت لا تعرض أموالك إلا للفايدة المضمونة مِية في المِية!
قطب : أستغفر الله العلي العظيم!
الدكتور : أيوه اطلب من الله يغفر لك … لأنك انت طفِّشت من البلد دي المرابين اليهود والأورام … بذمتك وشرفك يا شيخ قطب بتطلع فلوسك بالفايظ ولَّا لأ؟ … البلد كلها عارفة … ما تكدبش!
قطب : دا سلف لله تعالى!
الدكتور : سلف لله تعالى؟ … هو المدين مش بيرد لك المبلغ الأصلي، وفوقه علاوة؟
قطب : دي هدية الحبيب لحبيبه!
الدكتور (ضاحكًا) : شيء جميل خالص!
عيسوي (مقهقهًا) : فتاوى يا افندم زي الهوا!

(مرقس أفندي يدخل خلف خادم من خدَم السراي يقوده إلى الصالون.)

الدكتور : أهو مرقس حضر، ولا الحوجة للشيخ قطرميز!
مرقس : ليلتكم سعيدة!
عيسوي : تعال يا سي مرقس … احنا في انتظارك من زمان لأنك رجل خسران!
مرقس : خسران؟
عيسوي (مستمرًّا) : وغرضنا الليلة نعوض لك خسارتك … يالله اقعد حالًا على الترابيزة كده من غير سلام ولا كلام!
الدكتور : وانت يا شاهين قم اقعد جنبه!
عيسوي : افتح كوتشينة جديدة يا صبحي، الا انت عارفني يستحيل ألعب بورق قديم!

(يجلسون جميعًا حول المائدة الخضراء ما عدا الشيخ قطب الذي يظل في مكانه يسبح.)

الدكتور : من فضلكم كل واحد يطلع فلوسه قدامه.
شاهين (في ارتباك) : بس … أنا …
عيسوي : ما لك؟
شاهين : ولا حاجة يا بك … بس … أصل …
الدكتور : ما لك يا شاهين؟
شاهين : حالتي تعبانة شوية …
الدكتور (وهو يفنط الكوتشينة) : تعبانة إيه؟ … إنت قاعد اهو زي الجن!
شاهين (في تردد) : حاسس إن عندي فقر … دم … عمومي!
الدكتور : لا أبدًا … دلوقت لما تشرب لك واحد ويسكي بالصودا دمك يجري وتبقى عال!
شاهين (في شبه همس) : شيء بارد!
الدكتور : ما تبص في ورقك يا شاهين … وانت قاعد مبحلق في كده!
شاهين : والنتيجة بس؟ … افرض إني خسرت؟ … أخسر إيه بس؟ … إيه اللي أنا رايح أخسره!
الدكتور : دا صحيح … إنت ما فيش فايدة من لعبك … قم … قم!

(شاهين يقوم عن المائدة.)

عيسوي (يرفع عينيه عن ورقه) : قايم ليه ده؟
شاهين : أصلي يا بك نسيت الفلوس في البيت …
عيسوي : قصدك في بيت صبحي … ابعت مرجان حالًا يجبها!
شاهين : لا … قصدي البيت اللي في طنطا!
عيسوي : طنطا؟ … وجيت ازاي أمال من هناك لغاية هنا؟
شاهين : جيت في السكة الحديد.
عيسوي : مفهوم … أمال يعني حاتيجي في البوستة!
شاهين : إنت الصادق برده يا بك … أنا برده جيت تقريبًا طرد مغرَّم!
عيسوي : إيه؟
شاهين : الغرض … اسمحوا لي أنا أقعد الشيخ (يتجه إلى الشيخ قطب) خلِّينا احنا من حزب الآخرة!
عيسوي : نلعب تلاتة ولَّا ننتظر المأمور؟
مرقس : أنا ما العبش تلاتة أبدًا!
الدكتور : يا سلام على المعلم لما يحط العُقدة قصاد المنشار!
مرقس : ما العبش تلاتة … أنا رجل خسران فلوسي!
الدكتور : بقى انت خايف على فلوسك واحنا مش خايفين … ولَّا يعني إيه المسألة؟!
عيسوي : بلاش … اتركه على راحته … تعال لاعبني عشرة طاولة لغاية ما ييجي المأمور.

(يفتح عيسوي وصبحي الطاولة ويلعبان، ويجلس مرقس بينهما مشاهدًا.)

شاهين (لقطب) : أما اقعد جنبك يا سي الشيخ علشان تحصل لنا البركة.
قطب : بارك الله فيك.
شاهين : قل لي يا سي الشيخ … سمعت انك بتعطي دروس لعز الدين … على الله يكون بقى يعرف يطالع في الكتب والجرائد!
قطب (يتنحنح) : أنا أعطيه دروس في الديانة.
شاهين : ونِعمَ بالديانة! … على أن تكون مبسوط منه.
قطب : لا بأس به … حصلنا اليوم فرائض الوضوء وأركان الدين التي يجب على كل مسلم أن يعرفها أتم معرفة، والتي إن جهلها جاهل كفر والعياذ بالله، وكانت جهنم والنار مثواه!
شاهين : يا ساتر! … ده اللي يجهلها … اللهم احفظنا!
قطب : أي نعم! … من جهلها كانت جهنم مقرَّه ومثواه!
شاهين : مفهوم! … و… و… وهي إيه بقى الأركان دي يا سي الشيخ؟
قطب (رافعًا رأسه مستنكرًا) : عجبًا … عجبًا … ألا تعرف أركان دينك يا حضرة؟! … أستغفر الله … أستغفر الله!
شاهين (في وهمٍ وخوف) : عارفها يا سي الشيخ طبعًا … وحياتك عندي … أجهلها ازاي … دي بس جات مني فَرط حِرص!
قطب : كل مسلم ينبغي عليه أن يكون عارفًا أركان دينه.
شاهين : طبعًا … ودي عايزة كلام!
قطب : أركان الدين الخمسة …
شاهين : هم خمسة بس؟! … والله مش كتير!
قطب : أما كنت تعرف هذا من قبل؟
شاهين : مين ده؟ … أنا يا سي الشيخ؟ … عارف وشرفك!
قطب (يخرج ساعته) : الساعة عندك كم عربي دلوقت؟
شاهين : عربي ولَّا أفرنجي؟
قطب : عربي.
شاهين : والله يا سي الشيخ أنا ساعتي مش ماشية عربي.
قطب : طيب الساعة كم عندك أفرنجي؟
شاهين : والله يا سي الشيخ ساعتي … مش ماشية أفرنجي!
قطب (يرفع رأسه نحوه صائحًا) : عجايب! … لا عربي ولا أفرنجي؟ … أمال ماشية إيه؟!
الدكتور (يتنبه ويلتفت) : ما تسألش الأستاذ شاهين عن الساعة يا شيخ قطب … عندك مرقس أفندي معه ساعة وابور مضبوطة.
مرقس (ينظر في ساعته) : الساعة دلوقت يا شيخ قطب إلا ١٣.
قطب (ينهض) : عن إذنكم … أقوم اتوضَّا واصلِّي العشا … (يخلع جُبَّته ويضعها على مقعد، ويصفِّق وينادي) مرجان … هات القبقاب!

(ثم يخرج.)

شاهين (يدنو من الدكتور صبحي ويشاهد لعبة الطاولة قليلًا ثم يقول) : يا دكتور صبحي …
الدكتور : يا نعم!
شاهين : أركان دينك كام؟
عيسوي (يرفع رأسه) : جرى له إيه ده كمان؟!
الدكتور : لازم أخد عهد على الشيخ قطرميز!
شاهين (لصبحي) : قول ما تهربش! … أركان دينك كام؟
الدكتور : أركان ديني خمسة …
شاهين (في دهشة) : الله! … إيش عرفك؟!
الدكتور : إيش عرفني ازاي! … ودي حسبة! صوابع إيديك كام … مش خمسة؟
شاهين : آه … صحيح! … شوف الراجل استغفلني وخلاني اتوهمت!
الدكتور (رافعًا بصره نحوه ويقول في شبه همس) : حتى الشيخ قطرميز يضحك عليك!
عيسوي : العب أمال يا صبحي … فضك منه.

(يُسمَع صوت طلق عيار في الخارج.)

الدكتور (وكذلك مرقس في اضطراب) : إيه ده؟
عيسوي (بدون أن يتحرك) : العب يا صبحي شيش جهار … ده لازم خفير الجرن بيطلق على ديب! … ومع ذلك إن كانوا حرامية ناويين على السطو احنا كلنا مسلحين!
شاهين : أنا مش مسلح!
عيسوي (بدون أن يرفع رأسه من الطاولة) : عندك مسدس قديم في درج الترابيزة اللي جنبك!

(شاهين يجري إلى الترابيزة ويخرج منها مسدسًا.)

شاهين : معمَّر؟!
عيسوي : فيه طلقة واحدة.
شاهين : بس؟ … وتنفع بإيه الطلقة الواحدة؟
عيسوي : كفاية عليك!
شاهين : يعني أطلقها وارفع الراية البيضة!
عيسوي (يرفع رأسه فجأةً وينظر إلى صبحي ومرقس) : سارح في إيه يا دكتور انت ومرقس؟ … آدي مارس! … اطمئنوا وافهموا كويس إني عمري ما كنت مغلوب في حاجة أبدًا!

(يغلق الطاولة بقوة.)

شاهين (يضع المسدس على أذنه ويصيح وهو ينظر إلى عيسوي) : الرصاصة هنا بتكلمني! … تعرفوا بتقول لي إيه؟ … بتقول إنها عرفت القلب اللي حاتنطلق فيه!
١  عند التمثيل يمكن حذف بقية الحوار حتى العلامة الموجودة فيما بعد في صفحة ١٠٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤