خاتمة

نحن من المؤمنين بأنَّ دور الكتاب المتميز، لا يتمثل فيما يقدمه من أفكارٍ جاهزة تعفي من التفكير بأخذ اليسير الذي يعطيه، بل في الحث على التأميل والبحث والنقد والتجاوز، وبهذا المعنى، فإن كتاب «التوراة جاءت من جزيرة العرب»، قد أخذ مكانه كأحد المباحث الجديدة، دون أن ينال منه، كما نعتقد، تقصير نتائجه عن خلق قناعات ترتكز إلى سندٍ موضوعيٍّ مكينٍ.

لقد قلنا في فاتحة الكتاب، بأنَّنا ننطلق من موقفٍ منفتح راغب في تقبُّل الجديد وإن حمل في طياته هدمًا للقديم، ووعدنا بتمحيصٍ علمي دافعه اهتمامنا بتاريخ وحضارة الشرق القديم، لا عنايتنا بمسألة التوراة وأهلها، ممن لا شأن لهم بذكر في ذلك التاريخ، ولا مكانًا متميزًا في تلك الحضارة. وقلنا بأنَّنا مستعدون لتقبُّل ما يصمد من أطروحات الصليبي بعد وضعها على المحك العلمي، بل ولتبنيه فماذا تبقَّى مما قدَّمه لنا كمال الصليبي بعد هذا الحوار الهادئ الطويل؟ جوابنا على ذلك أنَّه قد بقيت المحاولة العلمية، والموقف الجريء، وسابقة محرضة على النقد في أقصى حدوده الممكنة.

إنَّ مَن لم يطلع على خفايا كتاب الصليبي وأدق تفاصيله وأفكاره كما فعلنا، لا يستطيع أن يدرك مدى الجهد المبذول لإكماله، ومبلغ ما رُصد له من تحقيقٍ وصبرٍ وأناةٍ، وما وراءه من ذخيرةٍ علمية وفكرٍ مرتب، ونحن نزجي الشكر للدكتور كمال الصليبي على الأوقات الممتعة والمضنية التي قضيناها في مقابل جهده الكبير، وعلى الفرصة التي أتاحتها لنا مبادرته لوضع كثير من الأمور في نصابها، مما أردنا منذ زمن أن ننبري له، فكان حوارنا هذا بمثابة المدخل لما أردناه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤