الفصل الأول

مسألة الأردن

بعد نقل مواقع الحدث التوراتي إلى غرب العربية، واجهت الصليبي مشكلة شائكة هي مشكلة «نهر الأردن» الذي تَرتبِط به جلُّ أحداث التوراة الرئيسة. فكيف توصَّل إلى حلِّها؟ نقرأ في فصله المعنون «مسألة الأردن» ما يلي:

[الأردن (ﻫ - يردن) لم يكن في التوراة العربية نهرًا. وأكثر من ذلك فإنَّ أهل الاختصاص يعرفون تمامًا أنه ما من مكان وردت فيه الكلمة في النصوص التوراتية مُعرَّفةً على أنها نهر. فكيف صار النهر الفلسطيني الشهير يُعرف بهذا الاسم فهي مسألة تستحق التمحيص بحد ذاتها، ولكنها ليست المسألة التي سنتطرَّق إليها هنا. والمسألة المباشرة والآنية هي التالية: إذا كان أردن التوراة العبرية ليس نهرًا، فماذا يمكن أن يكون؟ … في الاستعمال التوراتي، تُؤخذ كلمة (ﻫ - يردن) تقليديًّا على أنها اسم النهر المعروف في فلسطين، ولكنها ليست دومًا اسمًا بل تعبير طوبوغرافي يعني «جرف» أو «قمة» أو «مرتفع». وفي المبنى «عَبر ﻫ - يردن» (عَبْرْ أو ما بعد الأردن) الذي أخذ حتى الآن على أنه يعني «عبر الأردن» (أي شرق الأردن) تُشير «ﻫ - يردن» بلا استثناء إلى الجرف الرئيسي لسراة عسير الجغرافية، الذي يمتد من الطائف في جنوب الحجاز إلى منطقة ظهران الجنوب قرب الحدود اليمنية. وفي مُعظم الحالات تُشير (عبر ﻫ - يردن) إلى أراضي عسير الداخلية تفريقًا لها عن عسير الساحلية التي كانت أرض يهوذا الإسرائيلية. وعلى العموم فإن «ﻫ - يردن» من دون «عبر» يمكنها أن تُشير إلى أي جزء من جرف عسير، وكثيرًا ما تشير أيضًا إلى أي من القمم والمرتفعات التي لا تُحصى في الجانب البحري من عسير وجنوب الحجاز] (ص١٣٣–١٣٤).

والنقطة المصيبة في مقدمة الصليبي عن مسألة الأردن هي أنه فعلًا لم تَرد الكلمة في التوراة معرفة على أنَّها نهر في كل المواضع التي ورَدَت فيها، ولكن السياق الذي ورَدت فيه دومًا، لا يدع مكانًا للشك بأنَّ المقصود بالكلام هو نهر بعينه يُدعى نهر الأردن وسنُقدم فيما يلي بضعة أمثلة تكفي لتوضيح ذلك.

نقرأ في سِفر الملوك الثاني ٦: ١–٦: [وقال بنو الأنبياء ﻟ «إليشع» هو ذا الموضع الذي نحن مُقيمون فيه أمامك، ضيق علينا. فلنَذهب إلى الأردن ونأخُذ من هناك كل واحد خشبة ونعمل لأنفسنا هناك موضعًا لنُقيم فيه. فقال اذهبوا … وإذا كان واحد يقطع خشبه وقع الحديد في الماء، فصرخ وقال آه يا سيدي؛ لأنها عارية (أي إن الفأس كانت مُستعارة). فقال رجل الله أين سقط؟ فأراه الموضع فقطع عودًا وألقاه هناك فطفا الحديد …] في قصة مُعجزة النبي «إليشع» هذه، هنالك تتابُع منطقي في الأحداث لا يمكن أن يشير إلى أن المقصود بالأردن جرف صخري من أي نوع كان، فالجماعة تذهب لتحتطب خشبًا من ضفاف الأردن لا من ذرا الجرف الصخري حيث لا توجد الأخشاب، وهناك تقع رأس الفأس الحديدية من أحد الرجال في الماء، الذي هو ماء نهر الأردن؛ لأن مجمعات المياه عادةً لا توجد في الجروف الصخرية.

ونقرأ في سِفر يشوع عن معجزة فلق مياه الأردن أمام الإسرائيليين: [فقال الرب ليشوع … وأما أنت فأمُر الكهنة حاملي تابوت العهد قائلًا: عندما تأتون إلى ضفة مياه الأردن تقفون في الأردن … ويكون حينما تستقر بطون أقدام الكهنة حاملي تابوت الرب، سيد الأرض كلها، في مياه الأردن، إن مياه الأردن المنحدرة من فوق تنفلق وتقف ندًّا واحدًا. ولما ارتحل الشعب من خيامهم لكي يعبروا الأردن، والكهنة حاملو تابوت العهد أمام الشعب، عند إتيان حاملي التابوت إلى الأردن وانغماس أرجل الكهنة حاملي التابوت أمام الشعب، فعند إتيان حاملي التابوت إلى الأردن وانغماس أرجل الكهنة حاملي التابوت في ضفة المياه، والأردن مُمتلئ إلى جميع شطوطه كل أيام الحصاد، وقفت المياه المنحدرة من فوق وقامت ندًّا واحدًا … وعبر الشعب مقابل أريحا] يشوع ٣: ١٣–١٧.

من هذا الوصف الملحمي الحي لعبور الأردن، يتَّضح دون لبسٍ أو إبهام أن المقصود بالأردن هو نهر وليس جرفًا صخريًّا. ذلك أنَّ الحديث يدور حول «مياه الأردن» و«ضفة مياه الأردن» و«الأرجل التي تنغمس في ضفة المياه» و«شطوط الأردن»، ونحن إذا استبدلنا كلمة «الجرف» بكلمة «الأردن» في المقاطع أعلاه لحصلنا على مقطع لا معنى له.

وفي تعليقه على كلمة «شاطئ الأردن» أو «شطوط الأردن» يقول الصليبي: إن تعبير «شاطئ الأردن» الذي يرد في ترجمات التوراة كترجمة لتعبير «سفت ﻫ - يردن» بالعبرية، لا يعني «شاطئ الأردن» بل «شفا الجرف» (ويستشهد على ذلك بسِفر الملوك الثاني ٢: ١٣ دون أن يورد الشاهد). فلتنظر الآن إلى تعبير «شاطئ الأردن» في سِفر الملوك الثاني ٢: ٧–١٣ في سياقه العام لنَعرف ما هو المقصود فعلًا ﺑ «سفت ﻫ - يردن». يروي الموضع من السِّفر معجزة قيام النبي إيليا بفلق مياه الأردن بردائه، فقبل أن يصعد إليا إلى السماء بمركبة نارية يأخذ بيد «إليشع» إلى الأردن حيث يُسلمه النبوة هناك: [ووقف كلاهما بجانب الأردن، وأخذ إيليا رداءه ولفه وضرب الماء فانفلق إلى هنا وهناك فعبرا كلاهما في اليبس، ولما عبرا، قال إيليا ﻟ «إليشع»: اطلب ماذا أفعل لك قبل أن أؤخذ منك. فقال ليَكن نصيب اثنين من روحك علي … وفيما هما يَسيران ويتكلَّمان إذ مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما، فصعد إيليا في العاصمة إلى السماء. وكان «إليشع» يرى وهو يصرخ … ولم يره بعد. فأمسك ثيابه ومزقها قطعتين، ورفع رداء إيليا الذي سقط عنه ورجع ووقف على شاطئ الأردن، فأخذ رداء إيليا الذي سقط عنه وضرب الماء وقال أين هو الرب إله إيليا، ثم ضرب الماء أيضًا فانفلق إلى هنا وهناك فعبر «إليشع»].

من الواضح في المقطع أعلاه أن الحديث يجري عن نهر وليس عن جرف صخري؛ فالنبيان يقفان أولًا «بجانب الأردن»، ولا معنى لقولنا أنهما وقفا «بجانب الجرف». وهناك يأخذ إيليا رداءه ويضرب الماء فيفلقه ويعبر كلاهما في اليابسة. وبعد صعود إيليا إلى السماء، يستبدل النص تعبير «جانب الأردن» بتعبير «شاطئ الأردن» حيث يقف إليشع في الموضع نفسه على الضفة الأخرى التي عبرا إليها، ويُكرر المعجزة بعد أن حلت عليه روح إيليا. ولا مكان هنا لاستبدال «شاطي الأردن». ويُكرِّر المعجزة بعد أن حلَّت عليه روح إيليا. ولا مكان هنا لاستبدال «شاطئ الأردن» ﺑ «شفا الجرف» لسببين؛ الأول أنه ما مِن مُسوِّغ يدعو النبيِّين إلى الصعود إلى أعلى الجرف؛ والثاني أن شفا الجرف لا يحتوي على المياه.

غير أنَّ الصليبي يتقدم بتفسير لوجود الماء على الجرف الصخري، وذلك في تعليقه على رواية عبور يشوع لنهر الأردن الواردة أعلاه، عندما عبَرَت قوات يشوع الأردن، «وهو مُمتلئ إلى شطآنه»، فيقول: إنهم [انطلقوا إلى عبورهم في وقتِ الحصاد، عندما كانت الوديان على جانبي الجرف مُمتلئةً بمياه السيول. وعندما وصلوا إلى النقطة التي يمكنهم عبورها، تراجَعَت المياه، أو هي جُعِلت تتراجع ببناء سدود لتحويل مجراها، لتَسمح لهم بالعبور. فنهر الأردن لا يفيض في وقت الحصاد، وهو آخر الربيع. وعلى العموم فإنَّ هذا موسم الأمطار الغزيرة في عسير الجغرافية، وهي الأمطار التي يُمكنها أن تتسبَّب في سيول هائلة أحيانًا].

وهذا التفسير لا يَنطبِق على رواية العبور بتاتًا فصياغة تعبير «والأردن مُمتلئ إلى جميع شطوطه كل أيام الحصاد» دقيقة وواضحة ولا تَحتمِل استبدال كلمة الأردن كنهر بالجرف الصخري، وإلا لتحدَّثت الرواية التوراتية عن سيول ووديان الجرف، ثمَّ إنه مِن الواضح أن الحديث هنا يجري عن عقبة مائية دائمة يتوجَّب اجتيازها، لا عن سبل مؤقَّت يُمكن انتظار تراجعه خلال فترة قصيرة. أما عن قول الصليبي بأن نهر الأردن لا يَفيض في وقت الحصاد وهو آخر الربيع، فإنَّ النص التوراتي لم يتحدَّث عن فيضان بل عن امتلاء، والفرق كبير بين المعنيَين؛ ذلك أن الأردن لا يفيض فعلًا في أي فصل من فصول السنة، ولا يجب أن نخلط هنا بين ظاهرة الفيضان التي تتميَّز بها بعض الأنهار كالنيل مثلًا حيث يغمر الماء الأراضي الزراعية المحاذية لضفتيه، وظاهرة الامتلاء الطبيعي للنهر حيث يَزداد منسوب المياه دون حدوث الفيض. فمياه الأردن ترتفع في الربيع بسبب ذوبان الثلوج على جبل حرمون، وقد تصلُ فعلًا إلى شطوطه في بعض السنين، وهذه ظاهرة تَشترك بها كل الأنهار التي تُعززها مياه الثلوج الجبلية.

وفي سِفر صموئيل الثاني ١٩: ١٥–١٨، نجد أن الأردن يُعبَر بواسطة القوارب وخوضًا على الأرجل: [فرجع الملك وأتى إلى الأردن، وأتى يهوذا (أي جمع سبط يهوذا) إلى الجلجال سائرًا لملاقاة الملك، ليعبر الملك الأردن. فبادَر شمعي بن جيرا البنياميني الذي من بحوريم ونزل مع رجال يهوذا للقاء الملك داود، ومعه ألف رجل من بنيامين وصبي، غلام بيت شاءول وبنوه الخمسة عشر وعبيده العشرون معه. فخاضوا الأردن أمام الملك، وعبر القارب لتعبير بيت الملك وعمل ما يحسن في عينيه].

في هذا المقطع، لا نستطيع التصديق أيضًا بأن السيول على جانبي الجرف هي التي قطَعها الرجال خوضًا على الأرجل، ثم جاءوا بقارب ليعبر عليه الملك وأهله مياه الأردن؛ فالتعبير اللغوي «خاضوا الأردن» لا يمكن أن ينطبق إلا على مياه النهر. فنحن نستطيع أن نقول مثلًا «خاض نهر بردي» أو «خاض بردي» لتأدية المعنى نفسه، ولكن من الخطأ أن نقول: «خاض الجرف» بمعنى خاض سيولًا على جانبَي الجرف. أما عن خوض مياه نهر الأردن على الأرجل فأمر معروف، حيي يتسع سرير النهر في مواضع تُدعى مُعابر أو مخاضات، وتكثر خصوصًا في الشمال.

وفي سِفر الملوك الثاني ٥: ٩–١٤، يأتي «نعمان» القائد الآرامي إلى النبي إليشع أملًا أن يشفيَه مِن برَصِه، فيطلب منه النبي أن يغتسل في نهر الأردن ليُشفى: [فجاء نعمان بخيله ومركباته ووقف عند باب إليشع، فأرسل إليه إليشع رسولًا يقول اذهب واغتسل سبع مرات في الأردن، فيرجع إليك لحمك وتطهر. فغضب نعمان ومضى وقال: هو ذا قلت أنه يخرج إليَّ ويقف ويدعو باسم الرب إلهه ويرُد يده فوق الموضع فيُشفى الأبرص. أليس إبانة وفرفر نهرًا دمشق أحسن من جميع مياه إسرائيل، أما كنت أغتسل بهما فأطهر؟ ورجع ومضى بغيظ فتقدَّم عبيده وكلموه وقالوا: يا أبانا لو قال لك النبي أمرًا عظيمًا أما كنت تعمله؟ فكم بالحري إذا قال لك اغتسل واطهر. فنزل وغطس في الأردن سبع مرات حسب قول رجل الله، فرجع لحمُه كلحم صبيٍّ صغير وطهر].

وتعقيبًا على هذه الرواية، لا يجد الصليبي مناصًا من الاعتراف بأنَّ كلمة الأردن هنا تَعني جدول ماء، فيقول [وعلى العموم فإن تعبير «يردن» يظهر في بعض الحالات في التوراة بمعنى جدول أو بركة، وبهذا المعنى تكون الكلمة مشتقَّة من «يرد» بمعنى ذهب إلى الماء. وهكذا فإن «ﻫ - يردن» التي غطس فيها نعمان الآرامي سبع مرات ليُعالج نفسه من الجذام كانت بالتأكيد بركة ماء أو نبعًا أو جدولًا. وإذا أخذ في الاعتبار أنها كانت قرب السامرة («شمرون» التي هي «شمران») في جنوب القنفذة، فإن «يردن» نعمان كانت بلا شك تشير إلى مجمع مياه وادي «نعص» الذي يجري هناك]. وهكذا يُضيف الصليبي دلالة جديدة تضاف إلى الدلالات التي أعطاها لكلمة الأردن. فهي الجرف الرئيسي لسراة عسير، أو أي جزء من هذا الجرف، أو أي من القِمم والمُرتفعات التي لا تحصى في الجانب البحري من عسير وجنوب الحجاز، أو أي جدول أو بركة ماء. وهذه، لعمري، خيارات واسعة جدًّا للتعامل مع كلمة بسيطة واحدة، ورَدَت في صيغة واحدة عبر الكتاب بأكمله. ولا ندري لماذا اختار مُحرِّرو التوراة استعمال هذا التعبير الفضفاض للدلالة عن عدد متنوع من المعالم الجغرافية، وهم المعروفون بتسميتهم الدقيقة للأماكن والمعالم والأشخاص المهمين منهم والثانويين، إلى درجة تبعث على السأم أحيانًا.

ويتوقف الصليبي عند صيغتين تكررتا مرات قليلة في التوراة هما «هذا الأردن» و«أردن أريحا» فيقول: [«يردن يرحو» لا يعني «أردن أريحا»، بل «جرف يرحو» ويرحو هنا تشير إلى مرتفع من جبل «عيسان» في بلاد زهران، حيث يبدأ وادي «وراخ»، وفيه أيضًا قرية اسمها وراخ. وحقيقة أن هنالك أكثر من «يردن» واحدة، تظهر أيضًا في التعبير «ﻫ - يردن هزة» أي «هذا الجرف» أو «هذا المرتفع»، وليس «هذا الأردن» الذي يَرِد ما لا يقل عن ست مرات في أسفار مختلفة من التوراة. ولو كان «ﻫ - يردن» اسمًا لنهر معين، أو في هذه الحالة اسمًا لجرف أو مرتفع معين، لكان يصعب التفكير بسبب يقضي بالإشارة إليه بهذه الكثرة بالتعبير «هذا الأردن»] (ص١٣٥).

والحقيقة، أنه لدينا أكثر من مثال يثبت أن المقصود بأردن أريحا هو ذلك المقطع من نَهر الأردن المقابل لمدينة أريحا، ففي سِفر العدد ٣٣: ٤٨–٥٠ [ثم ارتحلوا من جبال عباريم ونزلوا في عربات موآب على أردن أريحا. نزلوا على الأردن من بيت بشموت إلى آبل شطيم في عربات موآب. وكلم الربُّ موسى في عربات موآب على أردن أريحا قائلًا …] فالنصُّ هنا يستخدم «أردن أريحا» بالترادف مع «الأردن» فبعد القول بأن القوم نزلوا في منطقة عربات موآب على «أردن أريحا»، يحدد بدقة المناطق التي نزلوا فيها على «الأردن» فهي تمتد من بشموت إلى آيل شطيم. ومن ناحية أخرى فنحن لا نرى في استخدام تعبير «أردن أريحا» خروجًا عن المألوف، ففي العربية يمكن أن نقول مثلًا «إن فرات جرابلس أضيق مجرى من فرات الرقة»؛ أي إن الفرات في منطقة جرابلس أضيق مجرى من الفرات في منطقة الرقة. وأهل المنطقة الوسطى في سورية حيث يمر نهر العاصي، يُسمُّون مقطع النهر باسم المكان القريب منه، فيقولون «عاصي الخراب» و«عاصي الجديدة» و«عاصي الميماس».

أما تعبير «هذا الأردن» الذي قال الصليبي أنه يَرِد ما لا يقل عن ست مرات في أسفار مختلفة من التوراة، وأن وروده بهذه الكثرة يشير إلى دلالته على مرتفعات مختلفة عن بعضها، فإننا أيضًا لا نرى في هذا الاستخدام خروجًا عن المألوف فقد نقول بالعربية «أُعبر هذا الفرات» بديلًا عن قولنا أُعبر نهر الفرات هذا. أما كثرة ورود التعبير في أسفار التوراة، التي يُؤكد عليها الصليبي، فلا أساس لها من الصحة، فمن بين مائة وأربعين مرةً تقريبًا ورد فيها اسم الأردن، لم يرد تعبير «هذا الأردن» سوى ست مرات.

ولا بدَّ من الإشارة أخيرًا إلى السؤال الذي طرحه كمال الصليبي في مطلع مقدمتِه دون أن يُلمح إلى إجابة شافية عنه عندما قال: [أما كيف أصبح النهر الفلسطيني الشهير يُعرَف بهذا الاسم، فهي مسألة تستحق التمحيص بحد ذاتها، ولكنها ليست المسألة التي سنتطرق إليها هنا …]. والواقع أن تسمية نهر الأردن في فلسطين قديمة قدم كنعان، ولا نخال الصليبي قادرًا على عزوها للإسرائيليِّين الذين سموا المواقع والهيئات الجغرافية في فلسطين بأسماء مواقع وهيئات ألفوها في غرب العربية؛ ذلك أن نهر الأردن قد ورَد باسمه الكنعاني في السجلات المصرية قبل وقتٍ طويل من ظهور الإسرائيليين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤