الفصل التاسع

أهدي هذا الفصل إلى كامبَس بوكس/شركة بوكس المحدودة، أقدم متجر كتب مستقل في غرب الولايات المتحدة. أفرعه منتشرة بجميع أرجاء كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، وبرلينجيم، وماونتن فيو، وبالو ألتو، لكن الأفضل على الإطلاق هو فرعه الرائع وسط متنزه «داون تاون ديزني» في أناهايم. لديَّ ولع شديد بمتنزه ديزني لاند (عليك الاطلاع على روايتي الأولى «هائم في المملكة الساحرة» لتصدق ما أقوله). وفي كل مرة أقطن في كاليفورنيا، أبتاع لنفسي بطاقة سنوية لدخول ديزني لاند. وفي كل مرة أزوره فيها، أمرُّ على فرع كامبَس بوكس في «داون تاون ديزني». يزخر هذا المتجر بمجموعة رائعة من الكتب المحظورة (بل والخطيرة) عن ديزني، وكذلك بمجموعة رائعة من كتب الأطفال والخيال العلمي، هذا فضلًا عن الكابتشينو الرائع الذي يعده المقهى المجاور له.

***

تملَّك الغضب من والدي حتى ظننت أنه سينفجر. سبق أن قلت إنني لم أره يفقد رباطة جأشه إلا فيما نَدر، لكن في تلك الليلة، استشاط غضبًا كما لم يفعل من قبل.

«لن تصدق ما حدث. ذلك الشرطي، الذي لم يتجاوز عمره ثمانية عشر عامًا، أخذ يردد: «لكن، يا سيدي، لماذا كنت في بيركلي البارحة إذا كان عميلك في ماونتن فيو؟» ظللت أشرح له أنني أُدرِّس في بيركلي، فيقول لي: «ظننت أنك تعمل مستشارًا»، ثم نعيد الكرَّة. كان الأمر أشبه بمسلسل كوميدي أصاب فيه شعاع الغباء رجال الشرطة.»

أضاف: «والأسوأ من ذلك أنه أصر على أنني كنت في بيركلي اليوم أيضًا، وظللت أنكر، وهو مُصِر. وبعد ذلك أظهر لي بيان استخدام بطاقة «فاستراك» الخاص بي، والذي أشار إلى أنني قُدتُ سيارتي على جسر سان ماتيو ثلاث مرات في ذلك اليوم!»

أضاف أبي وهو يأخذ نفسًا عميقًا جعلني أعلم أنه يتميز من الغيظ: «لا يقتصر الأمر على ذلك فحسب؛ فلديهم معلومات عن الأماكن التي ذهبت إليها، وهي أماكن ليس بها ساحات لدفع رسوم على السيارات. إنهم يراقبون بطاقة المرور خاصتي في الشارع عشوائيًّا. والنتيجة خاطئة! يا للهول، إنهم يتجسسون علينا جميعًا، ولا يفعلون ذلك حتى بكفاءة!»

كنت قد دخلت إلى المطبخ حيث أخذ أبي يدين بحدة ما حدث له، وصرت الآن أشاهده من المدخل. التقت نظراتي مع نظرات والدتي، ورفع كلانا حاجبيه كما لو كنَّا نقول: «من سيقول له عبارة «سبق أن أخبرتك بذلك»؟» فأومأت برأسي لها. يمكن لأمي استخدام قدراتها كزوجة لامتصاص غضبه على نحو لا أتمتع به كابن.

هتفت أمي باسمه، وأمسكت بذراعه ليتوقف عن السير جيئة وذهابًا في المطبخ ملوحًا بذراعيه كوعَّاظ الشوارع.

أجابها بحدَّة: «ماذا؟»

قالت مع الحفاظ على هدوء صوتها واتزانه: «أظن أنك مدين باعتذار لماركوس.» كنت أنا وأبي الأخرقين في المنزل، أما أمي فاتسمت بالرزانة.

نظر والدي إليَّ وقد ضاقت عيناه لتفكيره دقيقة، ثم قال أخيرًا: «حسنًا، أنتَ على حق. كنت أتحدث عن الرقابة الفعالة، لكن أولئك ليسوا سوى هواة. أنا آسف يا بُني، كنتَ مُحقًّا. كان ذلك سخفًا.» مدَّ والدي يده وصافحني، ثم عانقني عناقًا قويًّا غير متوقع.

«يا إلهي! ما الذي نفعله في هذه البلاد يا ماركوس؟ يستحق جيلك أن يرث ما هو أفضل من ذلك.» عندما انتهى من عناقي، تمكنت من رؤية التجاعيد العميقة في وجهه؛ خطوط لم أرها من قبل قط.

عُدت إلى غرفتي بالدور العلوي، ومارست بعض الألعاب على شبكة «إكس نت». تضمنت الشبكة لعبة قراصنة آليين جيدة متعددة اللاعبين؛ حيث تتلقى طلبًا كل يوم أو يومين لتنشيط جميع أعضاء طاقم سفينتك قبل أن تتمكن من السلب والنهب ثانيةً. كانت من الألعاب التي أمقتها، لكن لا يسعني التوقف عن لعبها؛ إذ تنطوي على طلباتٍ متكررة لا تتحقق من خلالها أية متعة في إكمالها، ونزاعٍ بين اللاعبين (أي شجار لمعرفة مَن سيصير قبطان السفينة). هذا فضلًا عن عدم تضمنها الكثير من الألغاز الرائعة التي يلزم عليك حلُّها. وممارسة هذه اللعبة في الغالب تجعلني أشعر بالحنين للعبة «هاراجوكو فان مادنس» التي تعني الركض بأرجاء العالم الفعلي، وحل الألغاز على الإنترنت، وإعداد الخطط لفريقك.

أما في ذلك اليوم، فكانت لعبة القراصنة هي كل ما احتجت إليه … ترفيه بدون تفكير.

مسكين والدي!

أنا المُلام فيما حدث له. كان سعيدًا من قبل، واثقًا في أن ما يدفعه من ضرائب يُنفَق للحفاظ على أمنه، وقد دمرت هذه الثقة. لا ريب أنها كانت ثقة في غير محلها، لكنها ساعدته في مواصلة حياته. عند رؤيتي له الآن بائسًا مُحطمًا، أتساءل أيهما أفضل: وضوح الرؤية مع العيش في يأس، أم العيش في عالم الأوهام؟ عاودني الشعور بالخزي — ذلك الشعور الذي ظل يراودني منذ إفصاحي عن كلمات المرور، وإخضاعهم لي — ما أصابني بالفتور والرغبة في الهروب من نفسي فقط.

كنت أؤدي في تلك اللعبة دور ملاح على سفينة القراصنة «زومبي تشارجر»، وقد فقد ذلك الملاح نشاطه بينما كنت غير متصل بالإنترنت؛ ومن ثم، لزم عليَّ الاتصال بباقي اللاعبين على سفينتي بالمراسلة الفورية إلى أن عثرت على مَن لديه استعداد لتجديد نشاطي. ألهتني اللعبة، وراقت لي في الواقع. فثمة شيء رائع بشأن تلقي خدمة من شخص لا تعرفه على الإطلاق. ولما كانت اللعبة على شبكة «إكس نت»، فقد علمت أن جميع الغرباء هم في الواقع أصدقاء، بصورة ما.

«حدد موقعك!»

كانت الشخصية التي جددت نشاطي هي ليزانيتور، وهي أنثى، وإن لم يعنِ ذلك أنها فتاة؛ فالفتيان لديهم ميل غريب للعب أدوار الفتيات.

أجبت على السؤال قائلًا:

«سان فرانسيسكو.»

«لا أيها الغبي! أعني أين أنت في سان فرانسيسكو؟»

«لماذا، هل أنتِ منحرفة جنسيًّا؟»

هذا السؤال من شأنه عادةً إنهاء أية محادثة؛ فأية لعبة تمتلئ، بالطبع، بالمنحرفين جنسيًّا والمائلين جنسيًّا للأطفال، بالإضافة إلى أفراد الشرطة الذين يتظاهرون بأنهم ضحايا لهؤلاء المنحرفين (وإن كنت أطمح — بلا شك — في ألا يكون هناك أي شرطيين على شبكة «إكس نت»!) وأي اتهام كهذا كافٍ لتغيير الموضوع بنسبة تسعين في المائة.

«ميشن؟ بتريرو هيل؟ نوي؟ إيست باي؟»

«أيمكنكِ تجديد نشاطي فحسب؟ شكرًا.»

توقفتْ عن تجديد النشاط، وسألت:

«هل أنت خائف؟»

«وما شأنكِ؟»

«مجرد فضول.»

ارتبت في أمرها، من الواضح أن دافعها لم يكن الفضول فقط. اعتبرني مجنونًا بالارتياب، لكنني سجلت الخروج من اللعبة وأوقفت تشغيل جهاز «إكس بوكس».

•••

نظر إليَّ والدي صبيحة اليوم التالي أثناء جلوسنا على المائدة، وقال: «على الأقل، يبدو أن الأمور في طريقها للتحسن.» وأعطاني صحيفة «كرونيكل» مفتوحة على الصفحة الثالثة.

«صرح أحد المتحدثين باسم وزارة الأمن الوطني أن مكتب سان فرانسيسكو قد طلب زيادة في الميزانية والموظفين بنسبة ٣٠٠ في المائة من مكتب العاصمة.»

ماذا؟

«أكد اللواء جرايام ساذرلاند، قائد العمليات بوحدة وزارة الأمن الوطني في شمال كاليفورنيا، الطلب في مؤتمر صحفي أمسِ، مشيرًا إلى أن تزايدًا في الأنشطة المشبوهة بمنطقة الخليج هو الدافع وراء الطلب، وجاء على لسانه: «نتابع ارتفاعًا في الأنشطة والمحادثات السرية، ونعتقد أن المخربين يصممون إنذارات أمنية زائفة لإحباط جهودنا.»»

حدقت في الصحيفة مشدوهًا؛ هذا محال.

«هذه الإنذارات الزائفة هي في الغالب بمثابة تشويش على أجهزة الكشف والتي تهدف لإخفاء الهجمات الحقيقية، والسبيل الوحيد للتغلب عليها هو زيادة أعداد العاملين والمُحلِّلين لنتمكن من التحقيق في كل دليل تحقيقًا شاملًا.»

«أشار ساذرلاند إلى أنه يأسف للتأخيرات التي تشهدها المدينة، ويتعهد بالقضاء عليها.»

تخيلت المدينة وقد زاد عدد ضباط وزارة الأمن الوطني فيها أربعة أو خمسة أضعاف، ضباط دفعت بهم الوزارة لتعويض ما تسببت فيه أفكاري الغبية. كانت فان على حق. كلما زادت مقاومتي لهم، ازدادت الأحوال سوءًا.

أشار أبي إلى الصحيفة، وقال: «قد يكون هؤلاء الناس حمقى، لكنهم حمقى منهجيون. لن يكفوا عن الدفع بالموارد المتاحة لحل هذه المشكلة حتى ينجحوا في ذلك. بالتنقيب عن جميع البيانات الخاصة بالمدينة مع تتبع كل دليل، سيلقون القبض على الإرهابيين.»

جن جنوني، وصحت في أبي: «أبي! هل تسمع ما تقوله؟! إنهم يتحدثون عن التحقق من كل فرد في مدينة سان فرانسيسكو!»

فأجابني: «نعم، هذا صحيح، وسيقبضون على كل زوج خائن يحتال في نفقة زوجته، وكل تاجر مخدرات، وكل مجرم حقير، وكل إرهابي. اصبر فقط، وقد يكون هذا أفضل ما يحدث على الإطلاق في هذه البلاد.»

«قل إنك تمزح، أرجوك. هل تعتقد أن ذلك ما وضِع الدستور من أجله؟ ماذا عن ميثاق الحقوق؟»

«ميثاق الحقوق وضِع قبل أن يظهر التنقيب عن البيانات.»

كان هادئًا للغاية ومقتنعًا بأنه على حق. استطرد حديثه قائلًا: «الحق في حرية التجمع أمر جيد، لكن لماذا لا يُسمَح للشرطة بالتنقيب في شبكتك الاجتماعية للكشف عما إذا كانت لك علاقة بإرهابيين أو مرتكبي جرائم اغتصاب جماعي؟»

فأجبته: «لأن في ذلك انتهاكًا لخصوصيتي!»

«وما المشكلة في ذلك؟ هل تفضل الخصوصية على القبض على الإرهابيين؟»

يا إلهي! كم كرهت الجدال مع أبي على هذا النحو! كنت بحاجة لشرب القهوة في تلك اللحظة. قلت له: «بالله عليك يا أبي! سلبُنا خصوصيتنا لن يجعلنا نقبض على الإرهابيين، بل كل ما سيسفر عنه هو إزعاج الناس الأبرياء.»

«كيف لك أن تعرف أنه لن يؤدي للقبض على الإرهابيين؟»

«أين الإرهابيون الذين قُبِض عليهم بفضله؟»

«أنا موقن بأننا سنشهد اعتقالات قريبًا. انتظر وسترى!»

«أبي! ما الذي حلَّ بك منذ ليلة أمس؟ لقد أغضبك بشدة إيقاف رجال الشرطة لك البارحة …»

«لا تخاطبني بهذه اللهجة يا ماركوس. ما حلَّ بي منذ ليلة أمس هو أن الفرصة قد سنحت لي لإعادة التفكير في الأمر، وقراءة هذا.» وهزَّ الصحيفة، ثم واصل الحديث: «السبب في إيقافهم لي هو أن المجرمين يشوشون على عملهم بفعالية، وهم بحاجة لتعديل أساليبهم في التغلب على هذا التشويش، لكنهم سينجحون، وإلى أن يحدث ذلك، الإيقاف على الطريق بين الحين والآخر ثمن بسيط. ليس الآن بالوقت المناسب للدفاع عن ميثاق الحقوق، وإنما لإجراء بعض التضحيات للحفاظ على أمن مدينتنا.»

لم أتمكن من الانتهاء من تناول الخبز المحمص. وضعت الطبق في غسَّالة الأطباق، وغادرت المنزل متوجهًا إلى المدرسة؛ لزم عليَّ الخروج من هنا.

•••

لم يسعد مستخدمو شبكة «إكس نت» بزيادة رقابة الشرطة، لكنهم ما كانوا ليذعنوا لذلك. اتصل شخص ما بأحد البرامج، التي تسمح بالمداخلات الهاتفية، على محطة «كيه كيو إي دي» التليفزيونية، وقال إن الشرطة تضيع وقتها هدرًا، وإنه بوسعنا إفساد النظام أسرع مما يمكنهم حلُّه. وتصدر تسجيل هذه المداخلة عمليات التنزيل بشبكة «إكس نت» في تلك الليلة.

«تشاهدون الآن برنامج «كاليفورنيا لايف»، ومعنا متصل مجهول يتحدث من هاتف عمومي في سان فرانسيسكو، ولديه معلومات عن حالات التأخير التي شهدناها هذا الأسبوع بجميع أنحاء المدينة. تفضل، أنت على الهواء.»

«ليست هذه سوى البداية فقط، لا يزال عملنا في مهده. ليعينوا ملايين الخنازير، ويقيموا نقطة تفتيش عند كل زاوية. سنشوش على عملهم جميعًا! وما كل هذا الحديث الفارغ عن الإرهابيين؟ لسنا إرهابيين! بالله عليكم! نحن نشوش على النظام لأننا نكره وزارة الأمن الوطني، ونحب هذه المدينة. إرهابيون؟ لا يمكنني حتى تهجئة كلمة «جهاد» … سلام.»

بدا أحمق، ليس فقط لعدم اتساق كلماته، وإنما للهجته الشامتة أيضًا. بدا كطفل يفخر بنفسه على نحو غير لائق، وقد كان كذلك بالفعل.

احتدم الجدل حول ذلك على شبكة «إكس نت»؛ فرأى كثيرون أن مداخلته عملًا أحمق، في حين وجده آخرون بطلًا. أقلقني احتمال أن تكون كاميرا ما قد صورته أثناء استخدامه للهاتف العمومي، أو مرت بطاقة «فاست باس» الخاصة به على قارئ لشرائح تحديد الهوية باستخدام الموجات اللاسلكية، وتمنيت أن يكون بالذكاء الكافي لمسح بصمات أصابعه من على عملة ربع الدولار، وإبقاء القلنسوة على رأسه، وترك كل ما يحتوي على شرائح تحديد الهوية في المنزل. لكنني شككت في ذلك، وفكرت في تلقيه زيارة قريبًا في المنزل من الشرطة للقبض عليه.

كنت أعلم بوقوع حدث مهم على شبكة «إكس نت» عندما أتلقى فجأة الملايين من رسائل البريد الإلكتروني من أشخاص يريدون إطلاع «مايكي» على أحدث المستجدات. كنت لا أزال أقرأ بشأن ذلك الفتى — الذي لا يعرف تهجئة كلمة جهاد — عندما تلقى صندوق بريدي وابلًا من الرسائل. حمل الجميع رسالة لي — رابط للايف جورنال على شبكة «إكس نت» — إحدى المدونات مجهولة الاسم العديدة التي قامت على نظام نشر الوثائق على برنامج «فري نت» الذي استخدمه أيضًا أنصار الديمقراطية الصينيون.

«كادوا يمسكون بنا.»

«عمدنا الليلة إلى إحداث تشويش في منطقة إمباركديرو. تسكعنا في الأنحاء مانحين الجميع كود بطاقة «فاستراك» أو «فاست باس» أو مفتاح باب أو مفتاح سيارة جديدًا، ونثرنا بعض مسحوق البارود الزائف في الهواء. ملأ رجال الشرطة المكان، لكننا كنا أمكر منهم؛ كنا نتردد على ذلك المكان كل ليلة، ولم يُلقَ القبض علينا من قبل.»

«لكنهم أمسكوا بنا الليلة، أخطأنا خطأً أحمق أوقعنا في أيديهم، وهو أن ملابسنا كانت متسخة بمسحوق البارود. ألقى عميل سري القبض على صديقي، ثم علينا جميعًا. كانوا يراقبون مجموعتنا منذ فترة طويلة، وكانت معهم واحدة من تلك الشاحنات بالقرب من المكان. أدخلوا أربعة منا فيها، وفلت الباقون.»

«ازدحمت الشاحنة كعلبة السردين بكافة صنوف البشر: شباب، شيوخ، سود، بيض، أغنياء، فقراء، كلهم مشتبه فيهم، وكان هناك شرطيان يحاولان طرح أسئلة علينا، في حين واصل العملاء السريون جلب المزيد منا إلى الشاحنة. حاول معظم الناس الوصول إلى أول الصف للانتهاء من التحقيق، ومن ثم أخذنا نتراجع للخلف. استغرق بقاؤنا داخل الشاحنة ساعات، كان الجو شديد الحرارة، والازدحام في ازدياد، وليس العكس.»

«نحو الساعة الثامنة مساءً، تبدلت المناوبة، ودخل شرطيان جديدان الشاحنة ليعنفا الاثنين الآخرين اللذين مرَّ على بقائهما داخل الشاحنة وقت طويل. احتدم الشجار بينهم، ثم رحل الشرطيان القديمان، وجلس الاثنان الجديدان خلف مكتبيهما، وأخذا يتهامسان لبعض الوقت.»

«ثم وقف أحدهما، وأخذ يصيح في الجميع: «لتعودوا جميعكم إلى منازلكم، بإمكاننا فعل ما هو أهم من إزعاجكم بمزيد من الأسئلة. إن كنتم قد ارتكبتم خطأً ما، فلا تكرروه، وليكن ذلك تحذيرًا لكم جميعًا».»

«أثار ذلك استياء شديدًا من عدد من الرجال داخل الشاحنة، فيما يعد موقفًا مضحكًا للغاية؛ إذ إنهم منذ عشر دقائق كانوا يتذمرون من احتجازهم، والآن هم غاضبون من إطلاق سراحهم، كما لو كان لسان حالهم يقول: «فليحدد هؤلاء الضباط موقفهم»!»

«لكننا تفرقنا سريعًا، وخرجنا من الشاحنة، وعدنا إلى منازلنا لنكتب هذه الكلمات: العملاء السريون في كل مكان بحق، إذا كنت تعمل على إحداث تشويش، فتوخَّ الحذر، وتأهب للهروب عند وقوع أية مشكلات. وإذا أُلقي القبض عليك، فتحلَّ بالصبر؛ فهم مشغولون للغاية، وقد يطلقون سراحك على الفور.»

«نحن السبب وراء انشغالهم إلى هذا الحد! كل من كانوا داخل تلك الشاحنة كانوا هناك لأننا تسببنا في التشويش عليهم؛ لذا، لنواصل المسيرة!»

شعرت برغبة في التقيؤ. هؤلاء الأربعة — الشباب الذين لم ألتقِ بهم قط — كادوا يقضون ما تبقى لهم من العمر معتقلين بسبب شيء بدأته.

بسبب شيء أخبرتهم أن يفعلوه. لم أختلف كثيرًا عن الإرهابيين.

•••

حصلت وزارة الأمن الوطني على الموافقة على زيادة الميزانية، وظهر الرئيس على شاشة التليفزيون مع حاكم الولاية ليخبرنا بأن الأمن لا يُقدَّر بثمن. أُجبِرنا على مشاهدة ذلك في اجتماع باليوم التالي في المدرسة. ابتهج أبي، لقد كره الرئيس منذ يوم انتخابه، وكان رأيه أنه لا يختلف عن الرئيس السابق الذي كان بدوره كارثة محققة. أما الآن، فلا يكف عن الحديث عن مدى حزم ذلك الرئيس الجديد ونشاطه.

قالت لي أمي في إحدى الليالي بعد عودتي من المدرسة: «لتخفف من حدتك في التعامل مع والدك.» عملت أمي من المنزل قدر استطاعتها؛ فهي إخصائية حرة في مجال «تبديل محل الإقامة» تساعد البريطانيين على الاستقرار في سان فرانسيسكو، وكانت المفوضية العليا البريطانية تدفع لها المال مقابل الرد على رسائل البريد الإلكتروني المرسَلة من بريطانيين من جميع أنحاء البلاد حيرتهم طباع الأمريكيين الغريبة. جنت رزقها من تفسير طباع الأمريكيين، وقالت إنه من الأفضل فعل ذلك في الوقت الراهن من المنزل، حيث لا تضطر لرؤية أي أمريكيين أو التحدث معهم.

لست متوهمًا بشأن بريطانيا، ربما تكون أمريكا على استعداد لتجاهل دستورها في كل مرة يهدد فيها أحد الجهاديين البلاد، لكنني تعلمت من مشروعي المستقل في مادة الدراسات الاجتماعية في الصف التاسع أن البريطانيين ليس لديهم دستور، ولكن لديهم قوانين يشيب لها شعر رأسك؛ إذ يمكنهم وضعك في السجن لمدة عام كامل إذا كانوا متأكدين تمامًا من أنك إرهابي، لكنهم لا يملكون أدلة كافية لإثبات ذلك. والسؤال هنا هو كيف يكونون متأكدين إذا لم تكن لديهم أدلة كافية للإثبات؟ كيف وصلوا إلى هذا اليقين؟ هل شهدوا ارتكابك جرائم الإرهاب في حلم أقرب للواقع؟

هذا فضلًا عن أن المراقبة في أمريكا تبدو عمل هواة بجانب نظيرتها في بريطانيا؛ فقاطن لندن العادي تلتقط الكاميرات صورته ٥٠٠ مرة يوميًّا فقط أثناء سيره في الشوارع، وكذلك كل لوحة أرقام تحملها أية سيارة في أي مكان بالدولة. الجميع — بدءًا من البنوك ووصولًا لشركة النقل العام — متحمس لتتبع خطواتك، والوشاية بك إذا ظنوا أنك محل أية شبهة، مهما صغرت.

لكن هذه لم تكن وجهة نظر أمي؛ فقد رحلت عن بريطانيا وهي في المرحلة الثانوية، ولم تشعر قط أن أمريكا وطنها، رغم زواجها من شاب من مدينة بيتلوما وتربيتها ابنًا هنا. ظلت هذه دومًا في نظرها أرض الهمجيين، وبريطانيا هي الوطن.

«أبي مخطئ يا أمي، من المفترض أن تكوني أكثر الناس علمًا بذلك. كل ما يجعل لهذا البلد شأنًا عظيمًا ضُرِب به عرض الحائط، وأبي يوافق على ذلك. هل لاحظتِ أنهم لم يلقوا القبض على أي إرهابيين؟ وكل ما يفكر فيه أبي هو: «نحن بحاجة لأن نتمتع بالأمان»، لكنه يجب أن يعلم أن معظمنا لا يشعر بالأمان، وأن ما يغلب علينا هو الشعور الدائم بالخطر.»

«أعلم كل ذلك يا ماركوس، وصدقني، أنا لا يعجبني ما يحدث لهذا البلد، لكن والدك …» ثم توقفت لحظات، وتابعت: «عندما لم تعد إلى المنزل بعد الهجمات، ظن …»

ثم نهضت، وأعدت لنفسها كوبًا من الشاي. كانت هذه عادتها عند شعورها بالانزعاج أو الاضطراب.

استطردت حديثها قائلةً: «ظننا أنك قد لقيت حتفك يا ماركوس. هل تعي ما أقوله؟ أخذنا نبكيك أيامًا. تخيلنا أنك صرت أشلاء في قاع المحيط جراء الانفجار، وأنك قُتِلت لأن حقيرًا ما قرر قتل المئات من الغرباء لإثبات وجهة نظر ما.»

استوعبت ما قالته ببطء، أعني أنني كنت أعي شعورهما بالقلق؛ فقد مات كثيرون في الانفجارات، وتشير التقديرات الحالية أنهم أربعة آلاف. وما من شخص لا يعرف أحدًا لم يعد إلى منزله في ذلك اليوم. في مدرستي، اختفى اثنان.

«كان والدك على استعداد للقتل … قتل أي أحد. لقد جن جنونه. لم تره من قبل بهذا الحال، وأنا كذلك. فقد صوابه تمامًا. كان يجلس على هذه المائدة، ويستمر في السباب، والنطق بألفاظ سيئة لم أسمعها منه من قبل قط. وفي أحد الأيام — ثالث يوم بعد الأحداث — رنَّ الهاتف، وظن أنك من يتحدث، لكنه كان شخصًا أخطأ في الرقم؛ فألقى والدك بالهاتف بقوة ليتحطم إلى آلاف القطع.» كنت أتساءل بالفعل عن هاتف المطبخ الجديد.

«ثمة شيء انكسر داخل والدك. إنه يحبك، كلانا يحبك. أنت أهم شيء في حياتنا، ولا أعتقد أنك تدرك ذلك. هل تذكر عندما كنت في العاشرة من عمرك، ورحلت أنا إلى لندن فترة طويلة؟ هل تذكر ذلك؟»

أومأت برأسي في صمت.

«كنا نستعد للطلاق يا ماركوس. لا يهم السبب في ذلك الآن. كانت مرحلة سيئة في حياتنا، كتلك التي يمر بها أي اثنين يحبان أحدهما الآخر عندما يتوقف كلٌّ منهما عن الاهتمام بالآخر لبضع سنوات، لكن والدك جاء إلي، وأقنعني بالعودة من أجلك. لم نحتمل فكرة أن نفعل ذلك بك. وعاد الحب بيننا مجددًا، ويرجع السبب إليك في بقائنا معًا اليوم.»

شعرت بغُصَّة في حلقي؛ فهذه أول مرة أعرف فيها ذلك. لم يخبرني أحد بهذا الأمر من قبل.

«لذا، فإن والدك يمر بمرحلة عصيبة الآن، فهو ليس في حالته الذهنية الطبيعية. سيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يتعافى ويعود الرجل الذي أحببته، ونحن بحاجة لتفهمه حتى ذلك الحين.»

عانقتني بعد ذلك عناقًا طويلًا، ولاحظت حينها كم نحل ذراعاها، وارتخى جلد رقبتها. طالما كانت صورة والدتي في نظري صورة امرأة شابة بشوشة ذات بشرة شاحبة ووجنتين ورديتين، ترمق من أمامها بنظرة حادة من وراء نظارتها ذات الإطار المعدني. أما الآن، فبدت أشبه بسيدة عجوز. أنا من فعلت ذلك بها، وكذلك الإرهابيون، ووزارة الأمن الوطني. كنا جميعًا في جانب، وأمي وأبي وكل من تعرضوا لخداعنا في الجانب الآخر.

•••

لم أستطع النوم في تلك الليلة. ظلت كلمات أمي تتردد في ذهني. كان أبي متوترًا وصامتًا على العشاء، ولم نتحدث تقريبًا؛ إذ لم أثق في ألا يزلَّ لساني، بالإضافة إلى انزعاج أبي بشأن آخر الأخبار؛ وهي أن تنظيم القاعدة هو المسئول دون شك عن التفجيرات. كانت قد أعلنت ست جماعات إرهابية مختلفة مسئوليتها عن الهجوم، غير أن الفيديو الذي نُشِر للقاعدة على الإنترنت هو الوحيد الذي كشف عن معلومات تقول وزارة الأمن الوطني إنها لم تكشف عنها لأحد قط.

استلقيت في السرير، واستمعت لأحد البرامج الإذاعية التي تُبَث في وقت متأخر من الليل وتسمح بالمداخلات الهاتفية. دار موضوع الحلقة حول المشكلات الجنسية، ومقدم البرنامج رجل مثليٌّ أحببت الاستماع إليه. كان يقدم نصائح فجة لكنها جيدة، وكان مضحكًا للغاية.

لكنني في تلك الليلة لم يمكنِّي الضحك. معظم المتصلين أرادوا استشارته في مشكلة عجزهم عن إقامة علاقة مع زوجاتهم منذ وقوع الهجمات. طاردني ذلك الموضوع حتى في البرامج الإذاعية التي تدور حول الجنس.

أوقفت تشغيل الراديو، وسمعت صوت مُحرِّك في الشارع.

تقع غرفتي في الطابق العلوي بمنزلنا، وهو أحد المنازل ذات الطلاء الصارخ. سقف الغرفة سقف عليَّة مائل، وتوجد نافذة بكل جانب من جانبي الغرفة؛ إحداهما تطل على حي ميشن بالكامل، والأخرى تطل على الشارع الموجود أمام منزلنا. كانت السيارات تمر في هذا الشارع طوال الليل، لكن ثمة شيئًا مختلفًا في صوت ذلك المحرك الذي سمعته.

ذهبت إلى النافذة المطلة على الشارع، وسحبت الستائر. رأيت بالأسفل شاحنة بيضاء لا تحمل أية علامات مميزة، ويعلو سقفها أجهزة هوائي لاسلكية فاق عددها أي عدد أجهزة هوائي سبق لي رؤيتها على أية سيارة. أخذت تسير ببطء شديد في الشارع، وطبق صغير أعلاها يدور.

أثناء مشاهدتي للشاحنة، توقفتْ وفُتِح فجأة أحد الأبواب الخلفية بها. خرج منها رجل يرتدي زي وزارة الأمن الوطني؛ صار بوسعي التعرف عليهم على بعد مئات الأمتار. حمل معه جهازًا عكس ضوءًا أزرق على وجهه. أخذ يسير جيئة وذهابًا، مستكشفًا الجيران أولًا مع تسجيل ملاحظات على جهازه، ثم توجه إلينا. كان هناك شيء مألوف في طريقة مشيته وبالنظر لأسفل …

اكتشفت أنه كان يستخدم جهازًا للعثور على إشارات الواي فاي! وزارة الأمن الوطني تبحث عن عُقَد شبكة «إكس نت». أفلتُّ الستائر من يدي، وبحثت في الغرفة عن جهاز الإكس بوكس. تركته قيد التشغيل أثناء تنزيلي لبعض أفلام الصور المتحركة الرائعة التي صممها مستخدمو شبكة «إكس نت» لخطاب الرئيس الذي تحدث فيه عن أن تحقيق الأمن لا يُقدَّر بثمن. جذبت القابس من الحائط، ثم أسرعت عائدًا إلى النافذة، وأحدثت فتحة صغيرة في الستائر.

أخذ الرجل ينظر في جهاز العثور على إشارات الواي فاي مجددًا، وهو يسير جيئة وذهابًا أمام منزلنا. وبعد لحظات، عاد إلى الشاحنة وقادها مبتعدًا.

أخرجت الكاميرا، والتقطت أكثر عدد ممكن من الصور للشاحنة وما عليها من أجهزة هوائي. وبعد ذلك، فتحت هذه الصور باستخدام برنامج مجاني لتحرير الصور يُسمَّى «جيمب»، وحذفت كل ما في الصور فيما عدا الشاحنة، فمسحت الشارع وأي شيء يمكن أن يحدد هويتي.

ومن ثم، نشرتها على شبكة «إكس نت»، وكتبت كل ما يمكنني كتابته عن الشاحنة. كانوا يبحثون بلا شك عن شبكة «إكس نت»، بوسعي تخمين ذلك.

وبذلك جفاني النوم تمامًا.

ولا علاج لذلك سوى ممارسة لعبة القراصنة. كنت موقنًا بوجود العديد من اللاعبين رغم الساعة المتأخرة من الليل. الاسم الحقيقي لهذه اللعبة هو «كلوك وورك بلاندر»، وكانت مشروع هواة صممه مراهقون من فنلندا مهووسون بموسيقى الديث ميتال. «كلوك وورك بلاندر» مجانية تمامًا، وتقدم من المتعة ما يماثل ما تقدمه أية لعبة أخرى يبلغ اشتراكها ١٥ دولارًا في الشهر، مثل «إندرز يونيفيرس» و«ميدل إيرث كويست» و«ديسكوورلد دانجِنز».

سجلت الدخول مرة أخرى في اللعبة. كنت لا أزال على ظهر سفينة «زومبي تشارجر» في انتظار من يجدد نشاطي. كرهت هذا الجزء من اللعبة.

كتبت مخاطبًا أحد القراصنة:

«يا صاح! هلا تجدد نشاطي؟»

فصمت لحظات، وهو ينظر إلي، ثم قال:

«ولماذا أفعل ذلك؟»

«نحن أعضاء فريق واحد، بالإضافة إلى أنك ستجني نقاط خبرة.»

يا له من أحمق!

«حدد موقعك!»

«سان فرانسيسكو.»

بدأ الأمر يبدو مألوفًا.

«أين في سان فرانسيسكو؟»

سجلت الخروج من اللعبة. ثمة شيء غريب يجري فيها. انتقلت إلى مدونات لايف جورنال، وأخذت أتصفحها. تصفحت نحو ست مدونات قبل أن أعثر على شيء جمَّد الدماء في عروقي.

يحب مدونو شبكة لايف جورنال الاختبارات: ما الشخصية الخيالية التي تشبهك؟ هل أنت محب رائع؟ أي الكواكب أكثر شبهًا بك؟ من الشخصية السينمائية التي تظن أنها تشبهك؟ ما طبيعتك العاطفية؟ فيجيبون عن هذه الأسئلة، وكذلك يفعل أصدقاؤهم، ويقارن الجميع النتائج. هذه متعة لا ضرر فيها.

لكن الاختبار الذي انتشر بجميع المدونات على شبكة «إكس نت» في تلك الليلة هو ما أخافني؛ فقد كان أبعد ما يكون عن «المتعة التي لا ضرر فيها»:
  • ما نوعك؟

  • ما صفك الدراسي؟

  • ما المدرسة التي تذهب إليها؟

  • أين تعيش في المدينة؟

عيَّنت الاختبارات النتائج على خريطة عليها دبابيس ملونة للإشارة إلى المدارس والأحياء، مع توصيات تافهة لأماكن شراء البيتزا وغيرها.

لكن انظر إلى تلك الأسئلة، وفكر في إجاباتي عليها:
  • ذكر.

  • ١٢.

  • شافيز الثانوية.

  • بتريرو هيل.

لم يكن في مدرستي بأسرها سوى اثنين فقط تتماشى بياناتهما مع هذه البيانات، وينطبق الأمر نفسه على أغلب المدارس. إذا أردت التوصل إلى هوية مستخدمي شبكة «إكس نت»، يمكنك استخدام هذه الاختبارات للعثور عليهم جميعًا.

كان هذا سيئًا بما فيه الكفاية، لكن الأسوأ هو أنه عنى ضمنًا أن شخصًا ما من وزارة الأمن الوطني كان يستخدم شبكة «إكس نت» للوصول إلينا. تعرضت الشبكة لاختراق من جانب وزارة الأمن الوطني.

كان هناك جواسيس بيننا.

•••

أعطيت أقراص «إكس نت» للمئات من الأفراد الذين أعطوها بدورهم لآخرين. عرفت مَن أعطيتهم الأقراص معرفة جيدة، وبعضهم كنت على علاقة وطيدة به؛ فقد عشت في المنزل ذاته طوال عمري، وكوَّنت صداقات مع المئات من الناس على مر السنين، بدءًا بزملائي في الحضانة، وحتى من لعبت معهم كرة القدم، وألعاب تقمص الأدوار في إطار طبيعي، ومن التقيت بهم في النادي، ومن عرفتهم من المدرسة. أعضاء فريقي في ألعاب الواقع البديل كانوا الأقرب لي، لكنني عرفت الكثير من الناس ووثقت فيهم بما فيه الكفاية لإعطائهم أقراص «إكس نت».

كنت بحاجة إليهم الآن.

أيقظت خولو من النوم بأن طلبته على هاتفه المحمول، وأغلقت السماعة بعد الرنة الأولى ثلاث مرات متتالية. بعد دقيقة، كان على شبكة «إكس نت» وتمكنَّا من إجراء محادثة آمنة. جعلته يقرأ ما نشرته في مدونتي عن الشاحنات ذات الهوائي اللاسلكي، وعاد لمحادثتي بعد دقيقة مذعورًا.

«هل أنت متأكد من أنهم يبحثون عنا؟»

ولأجيبه عن سؤاله، وجهته للاختبار.

«يا إلهي! لقد قُضي علينا!»

«كلا، ليس الأمر بهذا السوء، لكننا بحاجة لمعرفة من يمكننا الوثوق به.»

«كيف؟»

«هذا ما أردت سؤالك عنه … كم من الناس يمكنك أن تثق بهم ثقة عمياء؟»

«نحو ٢٠ أو ٣٠.»

«أريد الجمع بين عدد من الأفراد الجديرين بالثقة حقًّا، وإعداد شبكة ثقة لتبادل المفاتيح.»

شبكة الثقة هي إحدى أدوات التشفير الرائعة التي قرأت عنها، لكنني لم أجربها من قبل، وهي وسيلة واقية من الخداع تجعلك تتأكد من أنك تتحدث مع أفراد تثق بهم، ولكن دون أن يتمكن أحد من الاستماع إليكم. المشكلة هي أنها تتطلب منك الالتقاء فعليًّا بالأفراد الموجودين في الشبكة مرة واحدة على الأقل لكي تبدأ.

«فهمت ما تعنيه بالتأكيد. ليست فكرة سيئة، لكن كيف ستجمع الجميع للتوقيع على الشهادات الخاصة بالمفاتيح؟»

«هذا ما أردت سؤالك عنه … كيف يمكننا فعل ذلك دون أن يُلقَى القبض علينا؟»

كتب خولو شيئًا ما، ثم مسحه، وكتب ثم مسح.

فكتبت:
«داريل كان سيعرف.»
«يا إلهي، كان هذا ما يبرع فيه حقًّا.»
لم يكتب خولو أي شيء، ثم:

«ما رأيك في إعداد حفلة؟»

واستطرد:

«نلتقي جميعًا في مكان ما كما لو كانت حفلة مراهقين، وبذلك يكون لدينا عذر جاهز إذا ظهر أحد يسأل عما نفعله.»

«هذا حل رائع! أنت عبقري يا خولو.»

«أعرف ذلك، وما سيسعدك أكثر أنني أعلم أيضًا أين يمكننا إقامة هذه الحفلة.»

«أين؟»

«مسابح سوترو!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤