الفصل السابع

الجمعيات والمنظمات السرية العربية ونشاطها

رأى العرب أن الدولة العثمانية وزعماءها الجدد — الاتحاديين — لن يغيروا خطتهم في محاربة الأماني القومية العربية، وأن السياسة المركزية التي اتبعوها في إدارة الدولة قد حطمت كلَّ الآمال التي كان العرب الأحرار يصْبون إليها؛ فلذلك عزموا على محاربة الدولة سرًّا وجهرًا، وكان إغلاق الدولة لجريدة ونوادي «جمعية الإخاء العربي-العثماني» التي أسست في سنة ١٩٠٨م، كانت تهدف إلى توثيق عرى الصداقة العربية التركية، بعد إعلان الدستور هي الشرارة الأولى؛ فقد اتقدت نيران العداوة بين أحرار العرب والدولة، وأخذ الأحرار يعملون في الخفاء ويؤلفون المنظمات والجمعيات السرية لنشر الأفكار القومية، وتهديم نظام الحكم التركي في البلاد العربية وإقامة دولة عربية.

إليك موجزًا عن نشاط بعض هذه الجمعيات والمنظمات السرية:

(١) الجمعية القحطانية

قام بتأليفها نخبة من الشبان العرب في الآستانة أواخر سنة ١٩٠٩م لإيجاد كيان عربي مستقل ضمن الدولة العثمانية يناوئ المركزية التي يعمل الاتحاديون بموجبها، وذلك بأن تتكوَّن من الولايات العربية التابعة للدولة العثمانية وحدة إدارية مستقلة، لها برلمان خاص وإدارة خاصة، على أن يكون الخليفة العثماني هو الرأس الأعلى لهذه الدولة العربية.

وكان رأس هذه الجمعية الضابط العربي عزيز علي المصري، يعاونه السادة: سليم الجزائري، وأمين وعادل أرسلان، وخليل حمادة، وأمين كوزما، وأحمد صفوة العوا، وعلي النشاشيبي، وشكري العسلي، وعبد القادر الخرسا، وعلي الأرمنازي، ومحمود العجم، وسليم عبد الهادي، ونور الدين القاضي.

ولم تبق هذه الجمعية أكثر من سنة لاكتشاف أمرها.

(٢) جمعية «العربية الفتاة»

هي جمعية أسسها في باريس نفرٌ من الطلاب العرب في سنة ١٩١١م، وكانت تهدف إلى تحقيق استقلال البلاد العربية الخاضعة للسيطرة العثمانية استقلالًا تامًّا، ثم انتقلت إلى بيروت في سنة ١٩١٣م، ثم إلى دمشق في سنة ١٩١٤م، وقوي أمرها بعد أن تحررت البلاد العربية من الحكم التركي وظهرت باسم «حزب الاستقلال».

ومن زعماء هذه الجمعية السادة: شكري القوتلي، وصالح حيدر، وجميل مردم بك، ومحمد المحمصاني، ورستم حيدر، وتوفيق الناطور، وعبد الحميد الزهراوي، وجلال البخاري، وعلي الحاج عمر، ورفيق التميمي، وعبد الغني العريسي، وعوني عبد الهادي، وعارف الشهابي، وأحمد قدري، وفؤاد حنتس، وعمر حمد، ونسيب البكري، وفخري البارودي.

(٣) المنتدى الأدبي

قام بتأسيسه في الآستانة نفر من النواب الموظفين والطلاب العرب في صيف سنة ١٩٠٩م؛ ليكون مركزًا أدبيًّا يلتقي فيه أحرار العرب وزوار العاصمة التركية، ويتذاكرون في أمور بلادهم وقضاياهم القومية. ولم يكن هذا المنتدى سريًّا، فقد كانت الدولة العثمانية تعرف نشاط مؤسسيه؛ لأن أهدافه في الظاهر لم تكن أهدافًا سياسية، وقد كان عدد أعضائه كبيرًا جدًّا، وقد أقاموا له فروعًا في أكثر مدن الشام والعراق.

ومن أبرز رجالاته السادة: عبد الكريم قاسم الخليل، ويوسف مخيبر حيدر، وصالح حيدر، ورقيق سلوم، وجميل الحسيني، وسيف الدين الخطيب، وعبد الوهاب الزويتيني، وعبد الوهاب الإنكليزي، وتوفيق البساط، وسليم الجزائري، وأمين لطفي الحافظ، ومحمد الشنطي، وأحمد طباره، ورشدي الشمعة، وجرجي حداد، وسعيد عقل، وباترو باولي.

(٤) جمعية العهد

أسسها رجال الجمعية القحطانية سنة ١٩١٠م بعد أن افتضح أمر القحطانية، وكانت أهدافها هي أهداف جمعيتهم الأولى، ولكن لم يسمح هذه المرة إلا للعسكريين الموثوق بهم للدخول فيها، ما عدا مدنيًّا واحدًا هو الأمير أمين أرسلان، وكان زعيم هذه الجمعية هو الضابط عزيز علي المصري، وقد كان فيها عدد كبير من الضباط العراقيين، وكان لها فرعان أحدهما في بغداد والآخر في الموصل. وقد لعبت هذه الجمعية بين العسكريين الدور الذي لعبته «جمعية العربية الفتاة» بين المدنيين على الرغم من أن كل واحدة منهما كانت تجهل وجود زميلتها، حتى كانت سنة ١٩١٥م فاتصلتا ووحدتا مواردهما لإعداد الثورة العربية.

ومن رجالات هذه الجمعية الضباط: ياسين الهاشمي، وجعفر العسكري، وطه الهاشمي، وعبد الله الدليمي، وجميل المدفعي، وعلى جودت الأيوبي، وخالد الحكيم، ومصطفى وصفي، وأمين لطفي الحافظ، ومولود مخلص، ومحمد إسماعيل الطباخ، وعارف التوام، وسليم الجزائري.

(٥) حزب اللامركزية الإدارية العثمانية

وهو حزب سياسي أسسه نفر من المثقفين والأحرار العرب في القاهرة سنة ١٩١٢م، وكان يهدف إلى إقامة حكم لامركزي في الولايات العربية التابعة للدولة العثمانية، وقد شكلوا له فروعًا في مدن الشام والعراق والجزيرة العربية.

ومن أبرز زعمائه السادة: رفيق العظم، ومحمد رشيد رضا، وإسكندر عمُّون، وفؤاد الخطيب، وسليم عبد الهادي، وحافظ السعيد، ونايف تللو.

(٦) جمعية الإصلاح

هي جمعية اجتماعية سياسية، أسسها ستة وثلاثون شخصًا يمثلون كافة الطوائف والأحزاب في لبنان سنة ١٩١٢م، لإيجاد كيان عربي مستقل على غرار حزب اللامركزية الذي أُسس في القاهرة، وكانت الروابط وثيقة بينهم وبين أحرار القاهرة.١

(٧) الجمعية الخيرية

هي جمعية إصلاحية أُسست في دمشق أيام ولاية الوزير المصلح مدحت باشا، وكان هدفها أدبيًّا اجتماعيًّا في الظاهر وسياسيًّا في الباطن لإعادة العمل بالدستور المعطل، وجعل الحكم في البلاد العثمانية عامة، والعربية خاصة حكمًا شوريًّا.

وكان رجال هذه الجمعية على اتصال برجال «جمعية تركية الفتاة»، ومن أبرز زعمائها السادة: الشيخ طاهر الجزائري، ورفيق العظم، وسليم البخاري، وجمال القاسمي، وعطا الكيلاني، وشكيب أرسلان، ومحمد كرد علي، وعبد الوهاب الإنكليزي، وسليم الجزائري، وفارس الخوري، وغيرهم من الأحرار العرب، وحسين عوني بك، وبدري بك، وهما موظفان تركيان كانا في دمشق.

هذه هي أكثر الجمعيات العربية نشاطًا إذ ذاك، وهناك جمعيات ومنظمات سرية أخرى كانت تنشط بين الحين والحين، وتعمل على تقويض الحكم التركي واستبداده، ولكن معلوماتنا عنها ضئيلة.

ومهما يكن من أمر، فإن المنظمات — سواء أكانت جهرية أم سرية — أخذت تنشط في مطلع العقد الثاني من القرن العشرين، وتعمل بحزم للتخلص من النير التركي، حتى كان إعلان الثورة العربية الكبرى.

١  انظر: كتاب «محاضرات في الاستعمار» للأمير مصطفى الشهابي، طبع معهد الدراسات العربية العالية في القاهرة سنة ١٩٥٧م، ٢: ٣٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤