المستجيرات

في شرق بوليبونيسوس في القسم الذي يُسمى أرجوليس نهر يقال له أيناكوس، كانت له ابنة تسمى أيو، وكانت كاهنة للإلهة هيرا، فكلِف بها ذوس كبير الآلهة، وحنقت لذلك زوجة هيرا، ومسخت كاهنتها بقرة بيضاء، وكلَّفت حراسة هذه البقرة أرجوس بن الأرض، له مائة عين مبصرة، فأرسل ذوس إلى هذا الحارس رسوله هرمس فقتله.

أرسلت هيرا إلى هذه البقرة قمعة١ لزمتها فأضاعت رشدها، وحملتها على أن تهيم في الأرض، فما زالت تطوف الآفاق حتى وصلت إلى مصر، فمسَّها ذوس، فرَدَّ إليها عقلها وصورتها الأولى وأولدها أيبافوس.

كان من نسل أيبافوس هذا إجبتوس له خمسون ابنًا، ودناووس له خمسون ابنة، فخطب الأولون بنات عمهم وأبى دناووس هذا الزواج.

وهذا الإباء هو موضوع قصة المستجيرات. ولسنا نعلم كيف أتم أيسكولوس هذه القصة، ولكن الأساطير تُحَدِّثُنَا بأن دناووس قد رضي هذا الزواج، وأعطى كل واحدة من بناته سِكِّينًا وأمرها أن تقتل زوجها، فكلهن فعلن إلا واحدة هي أيبرنسترا. أشفقت على زوجها فهربت معه. وعاقب الآلهة بنات دناووس على إثمهن بأن يُنفقن حياتهن الخالدة في الجحيم، وقد وكلن بأن يصببن الماء في دنٍّ لا قعر له فلا يمتلئ أبدًا.

أيكبتيديس (المستجيرات)

  • الأشخاص: الجوقة تتألف من بنات دناووس وهن خمسون عذراء – دناووس – ملك أرجوس – حاشية الملك – رسول.

تقع القصة بالقرب من أرجوس على ساحل البحر. ويمثل المسرح غابة وكثيبًا تقوم عليه تماثيل الآلهة الذين كانوا يرأسون تصارُع الشباب.

الفصل الأول

المنظر الأول

الجوقة : أي إله المستجيرين، انظر إلينا نظرة معونة وإشفاق. لقد جرت بنا السفن من تلك المصابِّ الرملية: مصاب النيل بجوار سوريا. هاربات لا يبعثنا على الهرب ذنب اقترفناه. فقُضِيَ علينا بالنفي. وإنما أبينا أن نُذعِنَ لهذه السلسلة الممقوتة، سلسلة الزواج يصل بيننا وبين ابن إجيبتوس.
إن دناووس أبانا لَيَقُومُ مقام المشير الناصح والرئيس المشفق، لقد وزن آلامنا، فرأى الهرب السريع إلى ما وراء البحر أخفَّها وزنًا وأيسرها احتمالًا. وها نحن أُولاء نُقبِل على ساحل أرجوس حيث نزعم مفاخِرَات أن قد نشأت أسرتنا من هذه البقرة الهائمة التي مسحها ذوس ولاطَفَها فجعلها وَلُودًا ناتقًا. في أي بلد أشد علينا إشفاقًا ولنا رحمة نستطيع أن نقدم هذا السلاح؛ سلاح المستجيرات؟ هذه الأغصان المقدسة تزينها الشرائط. أيتها المدينة! أيتها الأرض! أيتها الينابيع الصافية!

أيْ آلهة السماء! أيها الآلهة المخوفة، آلهة الجحيم ولا سيما ذوس إله النجاة هذا الذي يحمي العدل! املَئوا قلوب أهل هذه البلاد عطفًا وحنانًا على نساءٍ مستجيرات! وادفعوا في البحر جماعة أبناء إجيبتوس قد هاجروا من أوطانهم على سفنٍ ما أشد طاعتها للمقاذيف قبل أن تطأ أقدامُهم هذا الساحل الرملي. لتحط بهم الزوبعة العاصفة يملؤها البرق الخاطف، والصواعق المهلكة، والرياح يضطرب لها البحر، فترتفع أمواجه مُرغِيَة مُزبِدَة، ولتوقع بهم قبل أن يغضبوا بنات عمهم ويُكرِهوهن على زواج يحظره القانون.

أي أيبافوس! أيها السليل الإلهي، سليل تلك البقرة كانت ترعى كلأ المروج فما كاد يمسُّها ذوس حتى ولدته. إن اسمك لآية على قوة القضاء! إن اسمك ليدل على شرف مولدك، إنا لندعوك اليوم.

لأُعلِنَنَّ أصلي في هذا المكان الخصب عرفته أمك وأقامت به، ولأُثبتن ما بيني وبينها من صلةٍ ذاكرة ما أَلَمَّ بها من خطب وما لقيت من شقاء، لأملأن نفسَ ساكنِه دهشًا وإنكارًا، ولكنه إن أصغى إليَّ واستمع لي لا بد مقتنع بصحة ما أقول.

رُبَّ كاهن في هذه الغابة قد أثرت فيه شكاتي المحزنة، فخيل إليه أنه يسمع صوت تلك الزوج النكدة زوج الخائن٢ تيرايوس وصوت فيلوميلا يتبعها البازي.

لقد طردت هذه الزوج من تلك الرياض والعيون التي ألفتها واطمأنَّت إليها؛ فهي تتنهد تنهدات ملؤها الحسرة، وتبكي آخرة ابنها الذي تقدم ملاطفًا أمه فلقي الموت الذعاف بين ذراعيها.

كذلك استعير هذا الغناء المحزن — غناء البونيين — أنا التي نشأت على شواطئ النيل، أخمس خدي لأسيلين، وصدري تحتبس فيه الزفرات، وأقطع شعوري حزنًا وولهًا. ولقد لجأت إلى هذا المكان مفارِقةً على كرهٍ هذا الإقليم الصافي — إقليم النيل — ولست آمن مع ذلك أولئك الذين يحنقهم هربي.

أيها الآلهة الذين منحونا الوجود! اسمعوا لنا، وأقروا العدل في نصابه! لا تأذنوا أن يكون هذا الزواج الذي تكرهه القوانين، إنكم لتكرهون الظلم فلا تقدروا لي إلا زواجًا مباحًا، أليس يجد الضعيف الذي أذلته الحرب وتبعته شرورها، مأوى إلى هذه المائدة المقدسة يحميها جلال الآلهة!

أي ذوس! لتكن إرادتك، ولتظهر للناس أن إرادة ذوس لغامضة لا تستكنها البصائر النافذة. إنها لتضيء كل شيء حتى الظلمة الحالكة. ولكن ما قدر للناس يحيط به الخفاء دائمًا.

إن ما قدره ذوس لنافذٌ لا يدركه الفشل، وإن المسالك المتعرجة الخفية التي تسلكها قدرته المنتهية كلها إلى الغاية.

إنه ليرى من أعلى أسواره السماوية مواضع المجرمين الفَجَرة، فيرميهم بصاعقته. لن يترك القوة تطغى ممانعة للآلهة من غير أن ينكل بها وينالها بالعقاب؛ يسهر على هذا كله، علمه الذي لا يعدله علم في قصره المقدس.

فلينظر إلى ظلم الناس، لينظر إلى أين ترمي نفسها، لتكرهنا على هذا الزواج، هذه الشبيبة يملؤها الغضب ويغلي في عروقها الدم، هذا الجيل لا تكبح جماحه شكيمة قد أساءت شهوته النصح له وبعثه على اقتراف الإثم باعث لا قِبَلَ له باتِّقائه، فهو يُذعن للجريمة التي تخلبه وتضطره إلى أن يأتي ما لا بد من أن يندم عليه.

إني لأقترب من الشر الذي ينذرني، فأبعث من أعماق صدري صرخاتٍ عاليات يقطعها الدموع من حينٍ إلى حين … ويلاه! ويلاه! إنَّ نبرات صوتي لتُصوِّر ما أُحِسُّ من ألم. إني لأتغنى على نفسي أغاني الموت، أي أرض أبيس٣ كوني عليَّ مشفقة وبي رفيقة! اعرفي صوتي، وإن كان غريبًا … إني لأدعوك ضارعة إليك عائذة بك، وإني لأقبلك ألف مرة، انظري إلى هذه الثياب والنقب الممزقة.

لئن حسنت آخرتي، لئن نجوت من الموت أي آلهة السماء، ليتضوعن على موائدكم نشر الطِّيبِ، ويلاه! ويلاه! … إني لفي شك مؤلم! …

أي ملجأ يعصمني من الزوبعة؟

أي أرض أبيس كوني عليَّ مشفقة ولي رفيقة! اعرفي صوتي وإن كان غريبًا! … إني لأدعوك ضارعة إليك عائذة بك، وإني لأقبلك ألف مرة، انظري إلى هذه الثياب والنقب الممزقة.

لقد حملتني المقاذيف وهذا البيت من الخشب يجلله النسيج ويقيني عادية الموج إلى هذا المكان من غير أن ألقى شر العاصفة، فلست أتهم الآلهة في شيء، أيها الأب الخالد الذي يرى كل شيء لتصحبْني حمايتك إلى آخر الطريق … قدر (وا حسرتاه! … وا حسرتاه!) أن ينجو بنات نبيلات لأم جليلة من أزواج مجرمين!

أيتها العذراء الطاهرة من بنات ذوس٤ أنت التي لن تحول بين عينها المبصرة وبين العالم غشاوة ما، انظري إليَّ وتقبَّلِي دعائي.

أيتها العذراء الخالدة! تَوَلَّيْ حماية العذراء من الغضب والاضطهاد، قدري (وا حسرتاه! … وا حسرتاه!) أن ينجو بنات نبيلات لأم جليلة من أزواج مجرمين.

لئن تركتني آلهة أولمبوس فليقودنني حبلٌ محتوم إلى طريقٍ واضحة إلى حيث أجد لي مأمنًا في هذا المنزل المُظلم الذي ينزله المردة السود منذ صعقتهم الصاعقة، في هذا المكان أقدم هذه الأغصان إلى هذا الذي يضيف الأشقياء جميعًا إلى إله الموتى.٥

أي ذوس! إن سخط الآلهة ليتبع أيو غير وانٍ ولا مقصِّر، إني لأعرف ضربات زوجك الخالدة، إن نفثاتها التي يملأها السخط والعداء لتبعث الزوبعة ولكن أين تضع عدلك إذا أصممت أذنك، فلم تسمع لصلاتنا مطَّرحًا، هذا الذي أنت أبوه، هذا الذي ينتمي إلى البقرة التي كانت إليك حبيبة وعليك عزيزة. اسمع من أعلى السماء إلى أصواتنا تتضرع إليك.

(ثم يأتي دوناووس، فينصح لهؤلاء العذارى أن يلزمن مائدة الآلهة وتماثيلهم، وأن يطلبن إليهم الحماية لأنه يرى جيشًا يقترب.)

الفصل الثاني

يأتي الملك وحاشيته فيدهش لمكان الجوقة وغرابة أزيائها ويسألها أمرها بعد أن يتعرف إليها فتزعم له أنها أرجية الأصل ويداخله الشك في ذلك فتنبئه بحقيقة الأمر في هذا الحوار.

الجوقة : أليس قد زعموا أنه في هذه الأرض — أرض أرجوس — قد ولدت قديمًا أيو كاهنة هيرا، هذه الكاهنة التي — كما بعد بذلك الصيت …٦
الملك : ضمت ذوس بين ذراعيها مع أنها امرأة فانية.
الجوقة : ولكن ما لبثت هيرا أن استكشفت حبهما.
الملك : من غير شك قد وخزتها الغيرة؛ فماذا فعلت؟
الجوقة : مسخت خصمها بقرة.
الملك : فأصبح ذوس عاجزًا عن أن يقترب منها!
الجوقة : زعموا أن ذوس استحال إلى ثور.
الملك : إذن فزوجه الماكرة العنيدة!
الجوقة : وكلت حراسة البقرة إلى حارس لا يفوته شيء.
الملك : ماذا تسمين هذا الراعي الحذر؟
الجوقة : أرجوس ابن الأرض قتله هرميس.
الملك : ثم ماذا لقيت هذه البقرة التعسة من ألم؟
الجوقة : لزمتها حشرة تُجن للدغتها الثيرة، ونسميها على شواطئ النيل قمعة.
الملك : فأكرهتها على أن تفر من هذا المكان!
الجوقة : لقد صدقت ووافقت روايتك روايتي.
الملك : وبالقرب من ممفيس في كانوب.
الجوقة : مسها ذوس فجعلها أمًّا …
الملك : وكان هذا الطفل الإلهي قد ولدته البقرة …
الجوقة : كان إيبافوس الذي يدل اسمه على مولده ومنه ولدت ليبيا التي كان حظها أعظم أقسام الأرض الثلاثة.
الملك : ومن ذا الذي ولدته ليبيا هذه؟
الجوقة : بيلوس الذي كان له ولدان: أحدهما أبي هذا الذي تراه.
الملك : أبوك؟ ما اسم هذا الرجل الحكيم؟
الجوقة : دناووس؛ لأخيه خمسون ابنًا، يسمى إجبتوس. والآن وقد عرفت قصتي ونسبي فعليك أن تحمي الأرجيين الذين يمتون إليك بسببٍ متين.

(ثم يسأل الملك الجوقة عمَّا أفزعها من مصر فتنبئه به، وعمَّا تريد منه، فتسأله الجوار، ويتردد الملك بين أن يجيرهن فيُعرِّض مدينته للحرب أو يردهن فيغضب إله الجوار، ثم يتم رأيه على أن يستشير الشعب، فيبعث دناووس إلى المدينة ضارعًا مستجيرًا، ويلحق به بعد أن ينصح للجوقة أن تأوي إلى غابة بجوار المسرح فتفعل وتتغنى قصة أيو متضرعة إلى ذوس أن يكون لها نصيرًا.)

الفصل الثالث

يأتي دناووس فيُنبئ بناته بأن الشعب قد انتصر لهن ومنحهن الجوار، فيرتفع غناؤهن بالدعاء لهذا الشعب والثناء عليه.

الفصل الرابع

ينبئ دناووس بناتِه بأنه يرى السفن مُقبِلة، وأنه طائرٌ إلى المدينة فمستنفر أهلها، فتشفق الجوقة وتهلع، ويبذل لها دناووس ما استطاع من تشجيعٍ وتثبيت، ثم ينصرف وتتغنى الجوقة خائفة متولِّهة مستجيرة بالملك تارة وبالآلهة تارة أخرى، وإنها لكذلك إذ ينزل شخص من إحدى السفن ويتقدم إليها فتتلقاه مستنزلة عليه السخط.

الفصل الخامس

يأتي الرسول ومعه بعض الجند، فيأمر الجوقة أن تتبعه إلى السفن حيث تنتظرها سادتها، فتأبى عليه ذلك مُنذِرَةً له مستجيرة منه، وإنها لتُمانِعُه وتُشادُّه إذ يأتي الملك فيعلن عزمه على حمايتها، ويلوم الرسول على ما قدم إليها من إهانة، ثم يأمر أن توضع الجوقة بمأمنٍ داخل المدينة، وينصح دناووس لبناته بإيثار العفة والفضيلة، ثم يتقدم الأسطول، فتتردد الجوقة في أمرها فبعضها يرى الخضوع، وبعضها يرى المقاومة، وتنتهي القصة هنا، ولا شك في أن قصتين أخريين كانتا تمثلان ما تم من أمر بنات دناووس ولكنهما فقدتا.

١  القمعة كما في القاموس: ذبابة تركب الإبل والظباء إذا اشتد الحر.
٢  كان لبنديون خامس ملوك أثينا بنتان بلغتا من الجمال أقصاه فيلوميلا وبروكنا، فزوج بروكنا إلى تيرايوس ملك تراقيا وأهان هذا الملك فيلوميلا فقطع لسانها فغضبت لها أختها وانتقمت من زوجها بأن أطعمته لحم ابنه أيتوس. فلما علم الملك بذلك أراد أن يبطش بهما فهربتا بعد أن استحالت بروكنا إلى قُبَّرَةٍ وفيلوميلا إلى بلبل واستحال هو إلى صقر فهو يتبعهما غير ظافر بهما، وأشفق الآلهة على أيتوس فحولوه إلى حسون.
٣  أحد أبناء أبلون، تعلم الطب عن أبيه وزار أرجوس فطهرها من حيوانات مفترسة كانت تعيث فيها وشفى أهلها من شر هذه الحيوانات فأرضها تنسب إليه.
٤  هذا الحوار يفسر ما ترجمناه آنفًا من قصة البقرة، ونرجو أن يلتفت القراء إلى دقته ومهارة الشاعر في سَوْقِه فنحن نرى أحد المتحاورين يبدأ الجملة فيتمها صاحبه، وإنما أراد الشاعر بهذا أن يثبت من شك أن الصلة التي تزعمها الجوقة بينها وبين أرجوس لا تحتمل الريب.
٥  هو أوديس، منزلته تحت الأرض تعادل منزلة أخيه ذوس فوقها.
٦  تخاطب الجوقة أثينا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤