الأومينيديس

الصافحات

الأشخاص

  • كاهنة دلف.
  • أبلون.
  • أورستيس.
  • الجوقة: تتالف من آلهة الانتقام.
  • روح كلوتيمنسترا.
  • أثينا.
  • أعضاء الأريوباجيتيس١.
  • وأهل أثينا: نساء وشيوخًا وأطفالًا.

يقع الفصل الأول والثاني من القصة في دلف، ثم تقع بقية القصة في أثينا بمعبد أثينا أولًا ثم على تل أريس.

الفصل الأول

(يمثل المسرح مدخل دلف)

في المنظر الأول تظهر كاهنة أبلون مصلية متقدمة بالدعاء إلى الآلهة جميعًا وإلى أبلون خاصة ذاكرة مزاياه وفضائله، ثم تدخل المعبد لتستشير الإله، ولا تلبث أن تخرج منه فزِعة مضطربة؛ لأنها رأت أورستيس قد لزم المذبح مستجيرًا، ومن حوله آلهة الانتقام في أشكال نساء سود مريعات، قد أخذهنَّ النوم.

المنظر الثاني

(أورستيس وآلهة الانتقام نائمات وأبلون)
أبلون (إلى أورستيس) : لن أتركك أبدًا، لأحمينك، قربت مني أو بعدت، وليشعرن أعداؤك آثار غضبي. أترى إلى هؤلاء الجريئات، قد غلبهنَّ النوم وكَدَّهن الإعياء، هؤلاء النساء المتقدمات في السن بنات بغيضات لا يقربهن الناس ولا الآلهة ولا الحيوان، وُلِدْنَ لِيَكُنَّ مصدر الشر، مقتتهن الأرض والسماء فهن يَسْكُنَّ الظلم وأعماق ترتاد، اهرب وانتهز الفرصة، وإلا طاردتك في كل مكان، في الأرض والسماء، وعلى أمواج البحر، أسرع فاتَّقِ هذا العذاب. أسرع إلى مدينة بلاس٢ والتزم هذه الصورة القديمة، صورة الآلهة. هناك نجد قضاة، وهناك أدافع عنك فأنقذك أبد الدهر من هذه الآلام. عليَّ ذلك فأنا الذي أمرك أن تقتل أمك.
أورستيس : أي أبلون القوي، إنك لتعلم أن يدي حين ضربت لم تكن جائرة، فكِّر إذن في أن لا تتركني، فلي في سلطانك ومعونتك الكفاية.
أبلون : اذكر ما قلت لك ولا تخش شيئًا. وأنت، أيها الأخ، ابن ذوس، فتول حراسته. كن عند ما يدل عليه اسمك، هرمس القائد، وفدِّ هذا الجار الذي لجأ إليَّ. إن ذوس نفسه لَيَعْرِفُ حق المستجيرين، هذا الحق الذي أقامه القدر حماية للناس.

(ثم يخرجون.)

الفصل الثاني

المنظر الأول

ظِل كلوتيمنسترا قد ظهرت فيه آثار الضربات التي نالتها من أورستيس، وآلهة الانتقام نائمات.

الظل : أتنمن، أي آلهة الانتقام؟ أهذا عملكن؟ أَتَنَمْنَ بينما أهيم على وجهي بين الموتى أُعَيَّرُ ما اقترفت من قتلٍ وقد أعرضتن عن الثأر لي. ثِقْنَ بأنهم يعاقبونني على ذلكن عقابًا قاسيًا، أما أنا فقد عوملت أقصى معاملة من أعزِّ الناس عليَّ، فلم أجد من الناس ولا من الآلهة مَن يغضب لي. لتنظر أرواحكم إلى هذه الجراحات؛ فإن الروح مبصرٌ أثناء النوم، أعمى أثناء اليقظة. كم سقيتكن شرابًا لا نبيذ فيه، قربانًا ليس بالفخم، ولكنه مُحَبَّبٌ إليكن؟ ولِمَ دعوتُكن إلى مقاصف ليلية بالقرب من ناري المقدسة حين لا تُدعى آلهة أخرى؟ إنكن لتطؤُنَّ بالأقدام اليوم ما قدمتُ إليكن من كرامة. يفوتكن المجرم هاربًا كما يلفت الظبي من صائده، لقد فرَّ من الشَّرَك وهو الآن يزدريكن. اسمعن إلى هذه الشكاة يرفعها إليكن ظلي، أيتها الآلهة، آلهة الجحيم، استيقظن. إن التي تدعوكن في الحلم هي كلوتيمنسترا … (وهنا يُسمع غطيط) أتنمن؟! … ومع هذا فهو يبتعد. وآلهة كلوتيمنسترا وحدهن لا يصغين إلى جارتهن! (يسمع غطيط من جديد).
آه! ما أكثر ما تَنَمْنَ، وما أقل ما تعطفن عليَّ! أيُفلِت من أيديكن قاتل أمه أورستيس (وهنا تصيح الجوقة صيحات مختلفة).

إنكن لتَصِحْنَ نائمات، أما آنَ لَكُنَّ أن تستيقظن، أَقُضِيَ عليكن ألا تعملن إلا شرًّا (تصيح الجوقة من جديد) إن النوم والإعياء قد اتفقا على أن يُخْمِدَا حياتكن المهلكة.
الجوقة (وهي لا تزال نائمة) : قف! قف! قف! … احذر.
الظل : إنكن لتتبعنه في الحلم، كحيوان الصيد، قد شغلته فريسته، إنكن لَتَصِحْنَ صيحات غير متمايزة. ماذا تعملن؟ اهبُبنَ، واقهرن التعب، واعرفن ما سيكلفكن النوم. ليخترق هذا اللوم العدل إلى أنفسكن؛ فإن اللوم محرض الحكيم … لا تبعثُنَّ في الهواء من غير نفعٍ ولا جدوى أنفاسكن الدموية، وهذه النيران الملتهبة تتصاعد من أحشائكن … اتبعن المجرم، ليستهلكه عذاب جديد.

(تستيقظ الجوقة ويستخفي الظل.)

(ثم تستيقظ الجوقة فتأسف وتندم وتلقي على أبلون تبعة ما كان من إفلات أورستيس، ويأتي أبلون فيطردهن من معبده مدافعًا عن أورستيس، ويشتد بينه وبينهن الحوار حتى ينصرفن.)

الفصل الثالث

يتغير المسرح فيمثل من جهة معبد أثينا ومن الجهة الأخرى الأريوباج وتل أريس.

يظهر أورستيس معانقًا تمثال الآلهة لاجئًا إليها، وتأتي آلهة الانتقام، فتنذره وتهدده، فيدافع عن نفسه ويعتصم بأبلون وأثينا. وتتغنى الجوقة حرصها على الانتقام وقدرتها عليه وأن ليس من الجناة والمجرمين من يستطيع أن يُفلت منها.

الفصل الرابع

الجوقة وأورستيس بحيث كان في الفصل الماضي. وتأتي أثينا على عجلة تمشي في الهواء. فتسأل عن هذا الجمع وهذا الغريب يعانق تمثالها. فتذكر الجوقة لها القصة وأنها تريد الانتقام لكلوتيمنسترا وأنها ترضى بالآلهة حَكَمة فتسأل أثينا أورستيس عن شأنه، فيقصه عليها ويزعم أنه لم يقتل أمه إلا انتقامًا لأبيه، على أنه قد قدم من الضحايا ما يغسل يده من هذا الدم.

فتشعر الآلهة صعوبة القضية، وأنها وحدها لا تستطيع الفصل فيها؛ إذ هي لا تريد أن تسلم جارها إلى من يريد به الشر، ولا أن ترد رجاء المنتقمات، فيملأن الأرض شرًّا ووباء. فتُعلِنُ أنها مؤلَّفة من أهل أثينا مجلسًا يحكم في هذه القضية حكمًا عدلًا. وتطلب إلى كِلَا الخَصمين أن يعد أدلته وشهوده. وتتغنى الجوقة حرصها على الانتقام وخوفها أن يفلت منه المجرمون، فتفسد الأرض وتنقطع الصلات بين الناس.

الفصل الخامس

المسرح على تل أريس حيث كان يجتمع الأريوباج، وتعود أثينا يتبعها الشيوخ الذين يُؤَلِّفُون مجلس الحكم ويتبعها شعب الأثينيين رجالًا ونساء. والصائح الذي يقوم في المجالس العامة.

المنظر الأول

(أثينا – أعضاء الأريوباج – الأومينيديس – أورستيس – الشعب – الصائح العام)

يجلس القضاة وترأسهم أثينا.

تأمر أثينا الصائح أن يحتفظ بالنظام ويد الشعب إلى حضور النجوى، ويأتي أبلون فتسأله الجوقة فيما جاء، فيُنبئ بأنه أقبل يحمي جاره ويطلب إلى أثينا البدء في المقاضاة.

أثينا : عليَّ بالقضية (إلى الأومينيديس) لَكُنَّ الكلمة. فللمدعي أن يبدأ بالكلام وأن يعلن دعواه.
الجوقة : نحن كثيرات، ولكننا سنوجز في القول (إلى أورستيس) أما أنت فأجب على ما يُلقى عليك من مسألة، أحق أنك قتلت أمك؟
أورستيس : قتلتُها، لا أنكر ذلك ولا أجحده.
الجوقة : إنا لننتصر. هذا مُصارِعُنا قد خرَّ لأول مرة.
أورستيس : إنكن لتُسرعن إلى الفخر، قبل أن يدركه الإعياء.
الجوقة : أجب أيضًا! كيف قتلتها؟ …
أورستيس : طعنتْها هذه اليد بخنجرٍ في صدرها.
الجوقة : من نصح لك بذلك؟ ومن الذي حَثَّكَ عليه؟ …
أورستيس : وحي أبلون، هذا الذي أستشهده.
الجوقة : وحي أبلون! … أيأمر الإله النبي قتل الأمهات!
أورستيس : أجل، وما لي أن أَتَّهِمَ في ذلكنَّ الحظ.
الجوقة : لتُغَيِّرَنَّ لهجتك، حين ينالك عدل هؤلاء القضاة.
أورستيس : أنا آمن مطمئن؛ فإن أبي يدافع عني من أعماق قبره.
الجوقة : أي قاتل أمه، أتعتمد على الموتى!
أورستيس : لقد دنستْ نفسها بجريمتين.
الجوقة : كيف أثبتَّ ذلك أمام القضاة.
أورستيس : لقد قتلت زوجها وأبي.
الجوقة : لقد كفَّر موتها عن كل شيء، أما أنت فلا زلت حيًّا.
أورستيس : فهل تبغننها بالانتقام أثناء حياتها؟
الجوقة : إن الذي قتلته لم يكن من دمها.
أورستيس : وهل أنا إذن من دم أمي؟
الجوقة : ماذا؟ ألست من دم تلك التي غذتك أحشاءها أيها المجرم؟! أتجحد دم أمك؟!
أورستيس : أي أبلون، اشهد، وأعلن إلى القضاء، ألم أقتلها عدلًا؟ لا أستطيع أن أنكر أني قاتلها، ولكن أترى هذا عدلًا أم جورًا، أجِبْ فإن جوابك يكون دفاعًا عني.
أبلون : أيها المجلس المقدس، مجلس الحكم، ترأسه أثينا، لَأُعْلِنَنَّ إليك الحق وما كان الإله النبي ليكذب.
ما أوحيت قط من عرشي إلى رجلٍ أو امرأة أو مدينة إلا ما ألهمني إياه كبير الآلهة، فانظروا مقدار شهادتي. أطيعوا إرادة أبي؛ فليس من قَسَم ما يفوقه أو يعلو عليه.
الجوقة : إذن فأنت تزعم أن ذوس قد أوحى إليك أن تأمر أورستيس بأن لا يحفل بحقوق أمه؟
أبلون : من غير شك، وهل يقرن قتل امرأة إلى اغتيال بطل لم يَنَلْ صولجانه إلا من يد ذوس، قد نحرته امرأته، لم تضربه ضربات شريفة كضربات الأمزون — فإن من الحق أن تعرف ذلك أثينا والقضاة الذين اختارتهم — وإنما اغتالته عائدًا من الحرب حيث انتصر أكثر من مرة، اغتالته بعد أن تلتقه لقاءً ملؤه المكر والخديعة، اغتالته في حمامه، متورطًا في هذا الثوب — لا منفذ فيه — الذي كانت أعدته لذلك خصيصًا، هذه آخرة هذا الرجل العظيم الذي قاد ألف سفينة، إنما قصصتها لتمتلئ قلوب القضاة سخطًا على قاتله.
الجوقة : إذن فأنت تزعم أن ذوس يؤثر تشريف الآباء، ومع هذا فقد غل أباه كرتوس. أليست سيرته تناقض قولك؟ أيها القضاة الذين يسمعون لنا، إنما أشهدكم.
أبلون : أيتها الوحوش البغيضة تمقتها الآلهة! … إن من اليسير أن يخرج المرء من أغلاله ألف طريقة تسلك إلى هذا، ولكن الرجل إذا هلك وشربت الأرض دمه، فليس استرجاعه بميسور. إن أبي لم يخلق شيئًا يقي شر الموت، وهو مع هذا كله يملك أمر هذا العالم، فيستطيع أن يقلبه رأسًا على عقب.
الجوقة : انظر إلى جورك حين تدافع عن هذا المجرم.
أيسكن في أرجوس منزل أبيه، بعد أن سفك دم أمه، هذا الدم الذي أحياه؟ من أي معبدٍ عام يستطيع أن يقترب؟ وأي جماعةٍ تسمح له أن يشاركها في التقرُّب إلى الآلهة؟
أبلون : اسمعوا لما سأقول واعرفوا ما فيه من حق. ليست المرأة خالقة ابنها، وإنما هي تغذو الحبة تُبذر في أحشائها.
إن الأب هو الذي يخلق، أما المرأة فإنما تَقبل الثمرة كأنها مؤتمن غريب، وهي تحتفظ بها إن رضي بذلك الآلهة. فأما دليل ما أزعم، فهو أن الرجل يستطيع أن يكون أبًا من غير أن تكون هناك صلة بينه وبين امرأة، وآية هذا ابنة إله ألمبوس، هذه التي لم تنشأ في ظلمة الرحم. وأي إلهة كانت تستطيع أن تأتي بولدٍ يدانيها كمالًا؟ أي بلاس، لأبذلن ما استطعت من قوةٍ في تعظيم شعبك ومدينتك. لقد بعثت إلى معبدك هذا الضارع المستجير ليكون أبد الدهر لمدينتك صديقًا وفيًّا. أيتها الآلهة، اتخذي منه ومن ذريته حلفاء مخلصين … ليكن هذا الاتحاد أبديًّا ولتعرف حقه الأجيال المقبلة.
أثينا : حسب الخصمين كلامًا. ليُعطِ كل قاضٍ صوته بما يوحي به إليه العدل.
الجوقة : لقد استخدمت كل ما أملك من سلاح، فلننظر ما عاقبة المعركة.
أثينا : كيف أستطيع هنا أن أبرأ من كل لوم؟
الجوقة : يا معشر الأثينيين، لقد سمعتم كل شيء، فارعوا أيمانكم حين تقضون.

(ثم تأمر أثينا أن يكون هذا المجلس الذي أنشأته خالدًا في أثينا، يعدل في عقاب المجرمين. ثم تدعو إلى أن يعطي كل صوته، عادلًا منصفًا.)

الجوقة : احذروا أن تخالفوا أمر آلهة الجحيم، هذه نصيحتي لكم.
أبلون : أما أنا فآمركم أن تجلُّوا وحي ذوس وأبلون وألا تجعلوه عبثًا.

(ثم يشتد الحوار بين الجوقة وأبلون، كل ينذر صاحبه حتى تعلن الجوقة أنها تنتظر الحكم؛ فإن لم يرضها فويلٌ للأثينيين من غضبها.)

(فتعلن أثينا أنها لا تحفل بهذا الوعيد وأنها ترى براءة أورستيس فإذا استوت أصوات القضاة رجحت صوت مبرئيه؛ ذلك لأنها ليس لها أم، فهي تؤثر إكرام الآباء ولا تحفل بالأمهات.)

(وتأمر بعدِّ الأصوات، فتتساوى ويبرأ أورستيس، فيعلن شكره للآلهة وشعبها وأن الحرب والعداء لن يسودا بين أثينا وأرجوس، ثم ينصرف.)

(فيطول الحوار بين الجوقة وبين أثينا، تألم الجوقة وتنذر، فتتلطف لها أثينا وترغبها، فلا تزداد إلا سخطًا. هنالك تنصح لها أثينا أن تعدل عمَّا أزمعت من الكيد للأثينيين، على أن تقام لها معابد الإجلال والكرامة فترضى. ويتغنى النساء مجد أثينا واسترضاء آلهة الانتقام.)

١  هي جماعة كان يتألف منها مجلس حاكم القتلة في أول أمره، ثم أصبحت ذات سلطة سياسية، وإنما سُمِّيَتْ كذلك لأنها كان تجتمع في الأريوس باجوس أي تل أريس إله الحرب.
٢  اسم الإلهة أثينا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤