الفصل الثالث

ساعة أخرى مع لبيد١

قال صاحبي وهو يبتسم: لقد أخطأتَ حين اتَّخَذْتَني مثلًا للمُثقفين الذين يَضِيقُون بالشِّعر القَديم، أو للكثرة من هؤلاء المثقفين؛ فقد حمدتُ لك حين تحدثت إلي عن قصيدة لبيد، أنَّك وقفتَ بي عند المعاني التي أراد إليها هذا الشاعر، ولم تجشمني ألفاظه الضَّخْمَة، وقَوافيه الغِلاظ، ولم تُكلفني تعمق هذه المعاني ولا الدخول في تفصيلها، ولكن غيري من خصوم هذا الشعر، فضلًا عن أصدقائه وأنصاره، لم يحمدوا لك هذا القصد، ولم يرضوا منك بهذا الإجمال.

وقد حدثني غير واحد من خصوم الشعر القديم وأنصاره، أنهم يُحبون حديثك الآخر، لولا أنه خلا من الشعر، تَروي منه البيت أو البيتين، لتدلَّ على ما تَزْعُم، ولتُصَدِّق ما تُنْبِئ بِهِ، ولتُزَيِّن به حديثك من حينٍ إلى حين، وهم لا يقبلون أن تتحدث عن الشعرِ والشُّعراء حَديثًا طَويلًا، ثم لا تَرْوِي لهم في هذا الحديث من الشعر شيئًا.

ولقد دافعت عنك ما وَسِعَني الدفاع، وزَعَمْتُ لِهَؤُلاء الذين كَانُوا يعتبون عليك في إعراضك عن رواية الشعر، أنَّك إنَّما فعلت ذلك رِفقًا بهم، وإِشْفَاقًا عليهم، فكانَ كلُّ واحد منهم يرد عليَّ بأنَّه ليس في حاجةٍ إلى هذا الرِّفق، وليس في حاجة إلى هذا الإشفاق، وبأنَّك تستطيعُ أنْ تَرْفُق بي أنا، وأن تُشْفِق عليَّ أنا، فيما يكون بينك وبيني من حديث، فإذا تحدثت إلى قرائك في «الجهاد» فلا تأخذهم كلهم بِذَنْبي، ولا تعبهم كلهم بضَعْفِي، ولا تتخذني لهم مَثلًا، فهم عند أنفسهم، وهم يُحبون أن يكونوا عندك خيرًا مني، واصبر على الشعر القديم وإن كرهوه، وإن عَرَفوا أنَّ أَبْيَاته أشبه شيء بالصخور، وهم يَرَوْنَ أنَّ الخَيْرَ لهم في أن يستقبلوا هذا الشعر، ويستمعوا له، ويقضوا فيه بأنفسهم، وأن في موقفك هذا مِنْهُم ازدِرَاء لهم، وشكًّا فيهم، وتعاليًا عليهم.

فارْوِ لهم إذن من الشعر ما هم في حاجة إليه، واعفني أنا من هذه الرِّوَاية حين يكون الحديث خاصًّا بينك وبيني، قُلتُ: فإنك تعلم يا سيدي أني لا أتهيأ للحديث مرتين، وأني إذا تحدثت إليك بشيءٍ فهو الذي أُذيعه في الناس، وما رغبت في إذاعة أحاديثنا لولا أنك قد ألحَحْتَ عليَّ فيها؛ فأنت بين اثنتين: إمَّا أنْ تَقْبَل ما يُريده الناسُ فتَصْبِرَ لرِوَايَةِ الشِّعْر حين نتحدث، كما أنهم سيصبرون لها حين يقرءون، وإما أن تُعْرِضَ عمَّا رَغِبْتَ فيه إليَّ من إذاعة هذا الحديث.

قال: فإنك ظالم وإنهم ظالمون، ولقد صبرنا للظلم مُنذ أعوام، فما يضرُّنا أنْ نصبر لهذا الظلم الأدنى، الذي إنْ كلفنا بعض الجهد فلن يُؤذينا في أنفسنا، ولا في أموالنا، ولا في مَرَافِقِنا، فهاتِ مِنْ شِعْرِكَ القَديم ما ترى أنَّ في روايته إقامة لحجتك، وتصديقًا لمَذْهبك؛ فإني ما زلتُ في شك مما تزعم، وما زلتُ بعيدًا عن الإيمان بأنَّ في شعرك القديم هذا لنا نفعًا وغناء.

قلتُ: فسجل قبل كل شيء أني قد ظهرت عليك، وظفرتُ بك، فهؤلاء الناس الذين يُلحون عليك، ويُلحون عليَّ في رواية الشِّعر القَدِيم، لا يزيدون على أن يعلنوا أنهم ليسوا من بغض الشعر القديم، والإِعْرَاض عنه، والزُّهد فيه، بحيثُ وضعت نفسك، وبحيثُ تَظُنُّ، ولكن في نفوسهم حنينًا إليه، وكَلَفًا به، فهم حين يطلبونه إنما يستجيبون لهذا الحنين، ويُصورون هذا الشوق، ويُعلنون في صراحة أنَّ مِصْرَ ما زالت بخير، وأنَّ حب الجديد لم يَطْغَ على نُفوسهم وقلوبهم، وأن كثيرًا منهم يعرفون كيف يحبون الجديد دونَ أنْ يَنْصَرِفوا عن القَدِيم أو ينفروا منه نفورًا.

قال: فلا تعجل ولا تسرع إلى تسجيل الفوز والانتصار، ولكنْ أجب إلى ما يطلبه الناس إليك، وَارْوِ لهم الشواهد من شعر لبيد وغير لبيد من الشعراء؛ فما أظنُّ أنك ستقف عند لبيد، وأنَا زَعيمٌ بأنَّ رواية هذا الشعر ستفضح هذا الخداع الذي أنت ماضٍ فيه، وستُبين للنَّاسِ أَنَّك تَخْتَلِس إِعْجَابَهم بالشعر القديم اختلاسًا؛ لأَنَّك تزينه لهم في لغتهم الحديثة، فإذا ظهروا عليه كما هو فسيمنحونه ما أمنحه من الإعراض والنفور.

على أني قد أمهلتُكَ حتى تعرض عليَّ وعلى الناس من معاني صاحبك ما عرضت، ولستُ أُمَارِي في أنَّ هذه المعاني تُصَوِّرُ شِعْرًا رَائِعًا، وخَيالًا قويًّا، وقريحَةً خصبة، ولكنك تُوافقني فيما أَظُنُّ على أنَّ هذا ليس كل شيء، وعلى أنَّ الشعر لا يقوَّمُ بِجَوْدَةِ المَعنى ورَوْعَتِه، وقوَّة الخيال وخصبه، ونفاذ البصيرة ودقتها، فإذا اجتمعت كل هذه الخصال لشاعرك لبيد، فهناك خصال أخرى يجبُ أن تجتمع له ليكون شاعرًا حقًّا، وليكون شعره رائعًا مُعجبًا حقًّا، فلا بُد من جمال اللفظ ومَتانته، ولا بد من حسن الأسلوب ورَصَانَتِه، ولا بُدَّ من هذه المُوسيقى التي يَحْسُن وقعها في السمع والنَّفس مَعًا، والتي تُلَائِمُ بَينَ الألفاظ والمَعَانِي فتؤثر أحسن التأثير في الحس والشعور.

ونحن ننتظر أن تُبين لنا اجتماع هذه الخِصال لشُعرائك القدماء، حين تعرض علينا الأبيات من شعرهم، وحين تدلنا على ما في ألفاظها وأساليبها وأوزانها وقوافيها من الجمال، على أنَّ هُناك شيئًا آخر أراك تتعَمَّدُ إِهْمَاله والإعراضَ عنه؛ لأَنَّك تُشْفِقُ فيما أظنُّ منَ التَّعَرُّض له، والوقوف عنده، وهو استقامة بناء القصيدة، فأنْتَ تَعْلَمُ ما يقُوله النَّاسُ منْ أنَّ أَقْبَح عيبٍ يُمكن أن تُؤخذ به القصيدة العربية في الشعر القديم خاصة، هو أنها ليست وحدة مُلتئمة الأجزاء، وإنما تأتيها الوحدة من القافية ومِنَ الوزن، فلولا أنَّ «لبيدك» هذا قد اختار البحر الذي اختاره، والقافية التي اختارها، لما تَشَابَهَتْ أجزاء قصيدته، ولما اتصل بعضها ببعض، ولكانت أبياتًا منثورة لا قران لها، فحدثنا عن هذه الوحدة ما صنع الله بها في شِعْرِ القُدَمَاء؟ وحَدِّثنا كَيفَ يَسْتَقِيمُ للعَقْلِ الحَديث أنْ يُسمي قصيدةً هذا الكلام المُفترق الذي لا يجمعه إلا نِظَامٌ ظَاهِرٌ منَ الوزن والقافية؟ وكيفَ يَسْتَقِيم للعَقْل الحديث أنْ يعرض هذا الكلام المُفترق على الشَّباب، ليتخذوه نموذجًا ومَثَلًا، وليستوحوه ويَسْتَلْهِمُوه؟ ألستَ تُشفق على ملكات الشباب أنْ تُفسدها هذه النماذج والمثل، وأن تَعُوقَها عَنْ أَنْ تَبْلُغ ما تُريد لها من فهم القصيدة وإنشائها، على أنَّ لها وحدة داخلية جوهرية تتصل بالمَعْنَى قبل أن تتصل باللفظ، بالوزن والقافية؟

قلتُ: هَوِّن عليك، واصطنع شيئًا من القصد، ولا تنسَ أنِّي لا أَكْتُب ما تقولُ لأَرُدَّ عَلَيْهِ شيئًا فشيئًا، وإِنَّما أسْمَعُ منك فأرد عليك، فارفق بذاكرتي بعض الرفق؛ فإنك تحملها ما لا تُطيق.

قال: أَجِبْنِي ما صنع الله بوحدة القصيدة عند شعرائك القدماء؟ قلتُ: صنع الله بها خير ما يصنع بآثاره، فأوجدها وأتقنها، وأتمها إتمامًا لا شَكَّ فيه، ولا غُبَار عليه، وما سمعتُ من خصوم الشِّعر القَديم حديثهم عن وحدة القصيدة عند المُحدثين وتفككها عند القدماء إلا ضحكت وأغرقت في الضحك.

والعجيبُ أنْ تَنْشَأ الأساطير في العصر الحديث، وأنْ تَنْمُو ويعظم أمرها، وتسيطر على العقول، مع أنَّ عهد الأساطير قد انْقَضَى، وأصبح العقل الحديثُ أَذْكَى وأَرْقَى وأَدْنَى إلى الحَذَرِ والفِطْنَة مِنْ أَنْ يُذْعِنَ لها أو ينخدع بها، وتفكك القصيدة العربية واقتصار وحدتها على الوزن والقافية دون المعنى، أسطورة يا سيدي من هذه الأساطير التي أنشأها الافتنان بالأدب الأوروبي الحديث، والقصور على تذَوُّق الأدب العربي القديم، والذين يُنكرون الوحدة المَعْنَوِيَّة للقَصِيدة العربية القديمة، إنَّما يدفعون إلى هذا الإنكار لسببين:
  • الأول: أنهم لا يدرسون الشعر القديم كما ينبغي، ولا يتعقمون أسراره ومَعَانيه، وإنَّما يَدْرُسونه درس تقليد، ويصدقون فيه ما يُقال لهم من الكلام، في غير تحقيق ولا استقصاء، وهم يحفظون منه البيت أو الأبيات، وقَلَّ منهم من يحفظ القصيدة كاملة، ويدرُسَها كَامِلَة، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْفَظ القصائد الطوال، أما علماؤهم فيكتفون بالأغاني وما يُشبه الأغاني من الكُتب ولا يلتفتون إلى الدواوين، وأما عامَّتهم من أوساط المُثقفين فيكتفون بكتب التاريخ الأدبي وما يُشبهها من المُذكرات التي تذاع في المدارس بين الطلاب، وكل هذه الكُتب لا تتكلف ولا تستطيع أن تروي قصائد الشعراء كاملة؛ لأنها لم تنشأ لذلك، وإنما تختار من هذه القصائد ما يلائم الغرض الذي وضعت له، وقصدت إليه، فخاصَّةُ المُثقفين المحدثين وعامَّتُهم يعرفون الشعر العربي متفرقًا لأنهم يحفظونه مُتفرقًا، وهُم من هذه النَّاحية يجهلون هذا الشعر ويقضون عليه حين يقضون قضاء الجهال.
  • والسبب الآخر: الذي يدفع المُثقفين المُحدثين إلى إنكار هذه الوحدة المَعْنَوِيَّة في القصيدة يأتي من أنهم يقبلون ما يقوله الرُّواة، وما يَنقلونه إليهم، في غير تحفظ ولا احتياط ولا تحقيق، وينسون أنَّ كَثيرًا جدًّا من الشِّعر القديم لم ينقل إلى الأجيال مَكتوبًا، وإنَّما نقلته الذاكرة، فأضاعت منه، وخلطت فيه، ولم تُحسِن الرواية، فكثر الاضطراب في هذا االشعر، وخُيِّل إلى المُحدثين أنَّ هَذا الاضطراب طَبِيعِيٌّ في الشعر العربي القديم، ولم يفطنوا أنه علة طارئة، ومرض عارض، لم يُصب الشعر العربي وحده، وإنما أصاب كل قديم نقل إلى المُحدثين أجيالًا طوالًا من طريق الرواية لا من طريق التدوين.

ولو أنك يا سيدي فطنتَ لِهَذَيْنِ الأَمْرَين، وقاومتَ فتنة الشعر الأوروبي الحديث، لما ذهبت مذهب هؤلاء الذين يتعللون ويتكلفون، ويقولون في الشعر القديم ما لا يعلمون.

ولستُ أُرِيدُ أنْ أبعد في التدليل على أن الشعر العربي القديم كغيره من الشعر، قد استوفى حظه من هذه الوحدة المعنوية، وجاءت القصيدةُ من قصائده مُلتئمة الأجزاء، قد نُسِّقَتْ أَحْسَن تنسيق وأَجْمَله، وأشدَّه مُلاءمة للموسيقى، التي تجمع بين جمال اللفظ والمعنى والوزن والقافية.

وإنَّما أقفُ مَعَك عند قصيدة لبيد هذه التي كانت موضوع حديثنا في الأسبوع الماضي، وأتحدَّاك وأسألك أن تُبين لي من أين يأتيها الاضطراب والاختلاف، وكيف لا تتم لها الوحدة إلا من الوزن والقافية؟ إنكم تقولون يا سيدي إن القصيدة العربية مضطربة التكوين، بحيثُ نَستطيع أنْ نُقَدِّم منها ونُؤَخِّر، ونضع أبياتها فيما نحب لها من المواضع، دون أن يُصيبها من ذلك فساد أو اعتلال. فأمامك قصيدة لبيد هذه، فأرني كيفَ تُقَدِّم فيها وتؤخر؟ وكيف تضع فيها بيتًا مكان بيت دون أن تفسد معناها إفسادًا، وتشوه جمالها تشويهًا؟ انظر إليها، فسترى أنَّها بناء مُتقن مُحكم، لا تُغَيِّر منه شيئًا إلا أفسدت البناء كله، ونقضته نقضًا.

ألست ترى إلى الشاعر وقد استقبل الشِّعْرَ، فبَدَأ بِمَا يَبْدَأ به الشُّعراء؛ فأَنْشَأَ لِنَفْسِهِ ولِسَامِعيه وقارئيه هذه البيئة الشعرية التي يخرج فيها الإنسانُ عن أطوار الحياة الواقعة المادية، ويرتفع إلى جو آخر فيه عواطف الحنين والشوق والاستعداد للغناء أو لاستماع الغناء، وهو إنَّما قد أنشأ هذه البيئة بذكر الديار وما يتصل بها، وما ذهب مِنْهَا وما بَقِي، وما اختلف عليها من الأحداث، وما عرض لها من الخطوب، ومن تحمل عنها من السكان.

وأنت تَسْتَطيع أنْ تَقْرَأَ هذا القِسْمَ مِنْ أقسام القصيدة، فسَتَرى أَنَّك لا تستطيع أنْ تُقَدِّم فيه ولا أن تُؤخِّرَ، وإنَّما أَنْتَ مُضطر إلى أن تدعه كما وضعه صاحبه:

عَفَتِ الدِّيَارُ مَحلُّهَا فمُقَامُهَا
بِمِنى تَأَبَّدَ غوْلُها فرِجَامُهَا
فمَدَافِعُ الرَّيانِ عُرِّيَ رسْمهَا
خَلَقًا كما ضَمِن الْوحيَّ سِلامُهَا
دِمَنٌ تَجَرمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيسِهَا
حِجَجٌ خَلَوْن حلَالُهَا وَحَرَامُهَا

لا تجزع لهذه الألفاظ والأسماء التي تراها في هذه الأبيات، فالله عزَّ وجل لا يكلف نفسًا إلا وسعها. وقد كان لبيد يعيشُ في بَادِية نَجْدٍ، وكان يَعْرِفُ هذه الأسماء؛ لأنَّه كان يعرفُ هذه الأمَاكِنَ، ولم يكُن يَعِيشُ في مدينة القاهرة، ولم يكن قادرًا على أن يُسمي أماكن نجد بغير أسمائها، ولكنْ حَدِّثني عن هذه الأبيات الثلاثة، أتستطيع فيها تقديمًا وتأخيرًا؟ وكيف يَسْتَقِيم لك ذلك؟ ألستَ مُكرهًا بحكم المعنى، وبحكم التركيب اللفظي نفسه على أن تحتفظ لهذه الأبيات بالترتيب الذي أراده لها الشاعر؛ لأنَّ المعنى يفرض ذلك عليك فرضًا؟

ثم يمضي الشاعر في وصف هذه الديار، وما مَرَّ بها من الأحداث والخُطوب، على نحو من هذا الترتيب الدقيق الذي لا سبيل إلى تغييره، حتى يقول:

فَوقَفتُ أَسْأَلُهَا وَكَيْفَ سُؤَالُنَا
صُمًّا خَوَالِدَ ما يَبِينُ كَلامُها
عَرِبتْ وَكَانَ بِها الجَمِيع فأَبْكرُوا
مِنْهَا وَغودِرَ نُؤْيُها وَثُمَامُهَا

وبهذين البيتين قد بلغ الشاعر إربه، وأبْلَغَك إرْبَك مِنْ ذِكْرِ الدِّيار ووصفها، وتهيئته الجو الشعري لنفسه ولك، فإذَا أَتَمَّ هذا المَعْنى انتقل منه إلى أشد المعاني اتصالًا به، ولزومًا له، وهو ذِكْرُ الأَحِبَّةِ الذين ارْتَحَلُوا عن هذه الدِّيار، وما يُثيرون في نفسك من شوقٍ إليهم، وكَلَفٍ بِهِمْ، ووصف ارتحالهم، ذاك الذي أخلى هذه الديار، فعَرَّضها لما تعرضت له، وأحيا في نفس الشاعر وفي نفسك ما أحيا من الحزن:

شَاقَتْك ظُعْنُ الْحَيِّ حِينَ تَحَملُوا
فَتَكَنَّسُوا قُطُنًا تَصِرُّ خِيامُها

حتى إذا أثار هذه الذِّكْرَى، وصَوَّر هذا الرَّحيل، في إيجازٍ ممتع مقنع، وأتم إنشاء الجو الشعري الذي لم يكن بد من إنشائه، أدركه حَزمُه وعزمُه، فأخْرَجَاه من هذا البُكاء الذي لا ينبغي أنْ يَطُول، ومن هذا الحُزن الذي لا ينبغي أنْ يَتَّصِلَ، فإذا هو يُصَوِّرُ يَأْسَه من صاحبته في هذين البيتين البديعين:

بَلْ مَا تَذَكَّرُ مِنْ نَوَارَ وَقَدْ نَأَتْ
وتَقَطَّعَتْ أَسْبَابُهَا وَرِمَامُهَا
مُريَّةٌ حَلَّتْ بِفَيْد وَجَاوَرَتْ
أَهْلَ الْحِجازِ فأَيْنَ مِنْكَ مَرَامُها

وهو يمضي في تصوير هذا اليأس، وتعظيم أمره، وإقامة الأدلة القاطعة على أنَّه مَحْتُوم لا منصرف عنه، فيذكر الأماكن التي يمكن أن تكون فيها صاحبته في الحجاز عن يَسَارِهِ، أو في اليمن عن يمينه، حتى إذا أتم هذا المعنى إتمامًا، انتهى إلى نتيجته المَحتومة، وهي اليأس المريح والتعزي عن الحزن بالارتحال:

فَاقْطَعْ لُبَانَةَ مَنْ تَعَرَّض وَصْلُهُ
وَلَخَيْرُ وَاصِلِ خُلَّةٍ صَرَّامها
واحْبُ الْمُجامِلَ بِالْجَزِيلِ وصَرْمُه
بَاقٍ إذَا ضَلَعَتْ وزَاغَ قَوَامُها

يقول: اقطع حاجتك من كُلِّ من لم تستقم لك مودته، وانصرف عنه انصرافًا، وأَظْهِر المودة لمَنْ أَظْهَرها لك مُجَاملًا، وإن اعوجَّ عليك ضميره، والتوت عليك محبته في حقيقة الأمر، وتعَزَّ عن هذا كله باقتحام الصحراء وتجشم أهوالها.

بِطَلِيحِ أَسْفَارٍ تَركْنَ بَقِيَّة
مِنْهَا فَأَحْنَقَ صُلْبُهَا وسَنَامهَا

فأنت تراه قد وصل إلى ناقته وصولًا يسيرًا، لا تكَلُّف فيه، ولا تَصَنُّع، ولا جهد فيه ولا مَشَقَّة، إنما انتهى إليها كما تنتهي أنت إلى سيارتك في مدينتك هذه المُتَحَضِّرة، حين يضيق بك الأمرُ، وتَزْدَحِمُ على نفسك الهموم، وتكره المقام حيث أنت، فتخف إلى النزهة، تلتمس فيها فرجًا من كرب، وسعادة من ضيق. أما أنت فتعمد إلى سيارتك فتركبها، وتمضي بها إلى حيثُ تريد أو لا تريد، لا تلتفت إليها، ولا تقف عندها، إلا من حيث هي أداة تُعِينُك على ما تقصد إليه من الأغراض، وأمَّا الشاعِرُ، والشاعر القديم خاصة؛ فإنه لا يَرَى شيئًا، ولا يستخدم شيئًا إلا حققه وتصوره، وأمعن في تحقيقه وفي تصويره، ثم صوره فأحسن تصويره، ثم أعرب عن هذا التصوير فأحسن الإعراب، كما فعل لبيد.

ولو أن شعراءنا الأقدمين هؤلاء أدركوا السيارة، والترام، والطيارة، والقِطار، لما رأوها ولا استخدموها جاهلين لها، مُعرضين عنها، ولما شكوا ما نَشْكُو الآن من أنَّ أدبنا العربي الحديث ما زال ينتظر وصفًا صادقًا مُمْتِعًا رائعًا للسيارة، والترام، والطيارة، والقطار.

وما طريق الشاعر إلى التحقيق والوصف الدقيق إذا هو لم يعمد إلى التَّشبيهِ والاسْتَعَارَة والمَجَاز، وإلى هذا الفن الذي عمد إليه لبيد من القصص الساذج اليسير؟ فهو يُشَبِّه ناقته كما رأيت في الأسبوع الماضي بالسحاب الخفيف الذي يطيع أيسر الريح، وهذا التشبيه يتأتى له في نصف بيت، ثم هو يُشَبِّهُها بالأتان الوحشية فيطيل في هذا التشبيه؛ لأنَّه يطيل في وصف الأتان، وفي تفصيل قصتها، وهو لم يطل في وصف السحاب الخفيف؛ لأنه لا يستطيع أنْ يُساير السحاب الخفيف، ولا أن يجري معه في الجو، ولا أن يسابقه تحت تأثير الرِّيح اليسيرة أو العاصفة، ولكنه يستطيع أن يتبع الأتان الوحشية، وأن يبلو من أخبارها، ويعرف من أمرها، ما يعرضه عليك في هذا الشعر الرائع الجميل:

أَوْ مُلْمِعٌ وسَقتْ لِأَحْقَبَ لاحَهُ
طَرْدُ الْفحولِ وَضَرْبُهَا وَكِدَامُهَا
يَعْلو بِهَا حَدَبَ الْإِكامِ مسَحَّجٌ
قَدْ رَابَهُ عِصْيَانُها وَوِحَامُهَا

يُشَبِّه ناقته بهذه الأتان الوحشية التي ظَهَرَ عليها الحَمل، وقد خلصت لفحلها بعد منافسة شديدة، وخصومة عنيفة، فيها مطاردة ومضاربة وعض، ولكنه على كل حال قد استخلصها بعد هذا كله؛ فهو يُجَشِّمُها الهول، ويعلو بها الآكام والهضاب، وقد ظهرت فيه آثار العض، وامْتَلأت نفسُه ريبة بما تظهر له من عصيان وتمنع، وما تتجنى عليه بما يعرض لها من الشهوات.

وما يزال الشاعر ماضيًا في وصف هذه الأتان وفحلها، وقد انتهيا إلى ربوة فأقاما عليها بعيدين عن غيرهما، حتى انْحَسَر عَنْهُما الشتاء، وجفَّ الرَّطْبُ، واحتاجا إلى الماء فاندفعا إليه عازمين بعد ترَدُّد، ومُقدمين بعد إحجام، فانظر إليه كيف يصور هذا العزم والإقدام:

حتى إذا سَلَخَا جُمَادَى سِتَّة
جَزْءًا فطَالَ صِيامُهُ وَصِيَامُهَا
رَجَعَا بأَمْرهِما إلَى ذِي مِرَّةٍ
حَصِدٍ ونُجْحُ صَرِيمَةٍ إبْرَامُهَا

فانظر إلى هذا البيت الأخير، كيف صور فيه العَزِيمَةَ المُصَمِّمَة، والإِقْدَام الذي لا تَرَدُّد فيه، وكيف لاءَمَ بين هذا المعنى الحازم الشديد، وبين هذه الألفاظ الحازمة الشديدة، فاستعمل كلمة المرة، وكلمة الحصد، ثم انظر إلى آخر البيت، كيف أرْسَلَه مَثلًا تَجْرِي به الألسنة مَهْمَا تختلف العصور والبيئات، وهو قوله: «ونجح صريمة إبرامها» يُرِيدُ أنَّ نجح العزيمة رَهينٌ بالتصميم عليها.

ثم انظر إلى هذا البيت الذي يُصَوِّرُ فيه استباقهما في العدو، وإثارتهما للغبار الرقيق، كأنما يتنازعانه كما يتنازعان الثوب، وإلى تشبيه هذا الغبار بالدخان، كل هذا في بيت واحد لا يَنْقَطِعُ عَمَّا قبله ولا ينفصل مما بعده:

فَتنَازَعا سَبْطًا يَطِيرُ ظِلَالُهُ
كَدُخَانِ مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرَامُهَا

ثم انظر إليه وقد شبه الغبار بدخان النار المشتعلة، كيف أبى إلا أن يحقق تشبيهه ويتقنه؛ لأنَّ الشاعر العربي كما قلت لا يمر بالأشياء مرًّا يسيرًا، وإنما هو يُحققها ويُتقنها، فشاعِرُنا يحقق مصدر هذا الدُّخَان الذي شَبَّه به الغُبَارَ، فيَزْعُم أنَّ النَّار التي تُثِيرُ هذا الدُّخان، قد شبت باليابس الذي يعينها على الاشتعال، وبالرَّطب الذي يُثِيرُ لها الدُّخان، وقد نفخت فيها أثناء ذلك ريح الشمال.

مشْمُولَةٍ غُلِثَتْ بِنَابِتِ عَرفَجٍ
كَدُخَانِ نَارٍ ساطعٍ أَسْنامُهَا

وما زالت الأتان وفحلها في هذا العدو الطَّويل حتى انتهيا إلى غايتهما؛ فانظر إليهما وقد بلغا الماء، أو انظر إلى هذا الماء الذي بلغاه، إنه ينبوع جميل، ينساب منه غدير غزير، تحفه غابة من القصب، تعبَثُ بَقَصَبِهَا الرِّيحُ، فمِنْهُ القائمُ الذي يَثْبُت لها، ومنه الصَّرِيعُ الذي يعجز عن المقاومة:

فتَوَسطَا عرْضَ السَّرِىِّ وَصَدعَا
مَسْجُورةً مُتجَاوِرًا قُلَّامُهَا
ومُحَففًا وسْطَ الْيراعِ يُظِلهُ
مِنْهُ مُصَرَّعُ غَابَةٍ وَقِيَامُهَا

ولم يكفه هذا التَّشبيه، ولم تَكْفِهِ هذه الصور؛ فانتقل إلى تشبيه آخر وعرض صورًا أخرى، في قصة البقرة التي فقدت طفلها، وصارعت كلاب الصيد، وأنتْ تَسْتَطِيعُ أن تقرأ هذا القسم من القصيدة كَمَا قرأت الأَقْسَام التي سبقته، فَلنْ تَجِدَ فيه — كما تجد في غيره — سبيلًا إلى تغيير أو تبديل، ولا إلى تقديم أو تأخير.

وقد أتم الشاعر تصوير البقرة، كما أتمَّ تصوير الأتان في أطوراها المُختلفة، فحقق تشبيهه تَحقيقًا، وأَتْقَنَه إِتْقَانًا، وانْتَهَى بِهِ إلى غَايَتِهِ، ثم عمد إلى ناقته فذكرها، وذكر ما يستعين بها عليه من الأسفار:

فبتِلْك إذْ رَقَصَ اللوامِعُ بالضُّحى
وَاجْتَاب أَرْدِيَةَ السَّرَابِ إِكامُهَا
أَقْضِى اللُّبَانَةَ لا أُفَرِّطُ رِيبَةً
أَوْ أَنْ يلُومَ بِحَاجَةٍ لوَّامُهَا

فانظر إليه يَسْتَقْبِلُ الصَّحراء بِنَاقَتِهِ تِلْكَ، وقد ارْتَفَع الضُّحى، وأَخَذَ الآل يرقص فيها، ثُمَّ انظر إليه يُمْعِنُ في الصَّحراء وقد انتصف النهار، والآكام والتلال قائمة مُنْبَثَّة أمامه، منها القريب، ومنها البعيد، وكلها قد اتخذ من السراب أردية وثيابًا، على أنَّ الشاعر كما ترى لم يطل في ذكر الناقة حين انتهى إليها، ولا في وصف الطريق حين اندفع فيها، وإنما عاد إلى صاحبته «النوار»، تلك التي كان يتعزى عنها في أول القصيدة، فقالَ مُتغنيًّا بما فيه من خصال الحزم، والكرامة، والعزة، والإباء:

أَوَلَمْ تَكُنْ تَدْرِي نَوَار بِأَنَّني
وَصَّالُ عهْدِ حَبَائِلٍ جَذَّامهَا
تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذا لَمْ أَرْضَها
أَوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النفُوسِ حِمامُهَا

وانظر إلى هذا البيت الأخير، كيف يُصور إباءَ الشَّاعر للضيم أبرع تصوير وأروعه؛ فهو لا يُقيم في مكان إذا لم يرضَ الإقامة فيه، ولكن انظر إلى الشطر الأخير «أو يعتلق بعض النفوس حمامها» فهو غامض ولكنه جَلِيٌّ، وهو مبهم ولكنه واضح، هو لا يُقِيمُ في مكان يُسَامُ فيه الضَّيم؛ فإنْ أقام، فلا بد لبعض النفوس من أنْ تُزهق ويدركها الموت. أيُّ النفوس؟ نفسه هو، أم نفس أعدائه الذين يسومونه الضيم؟ لا يريد الشاعر أن يخصص شيئًا لأنه لا يدري كيف يكون السبيل إلى هذا التخصيص. كل ما يعرفه هو أنه إن أقام في مكان يُسام فيه الضيم فهو لن يقبل الضيم، ولكنه سيأباه ويُقاومه، فإمَّا أن يموت في هذا الإباء وهذه المقاومة، وإما أن يُميت.

ثُمَّ يتحول الشاعر من الحديث عن صاحبته إلى الحديث إليها، قد فكر فيها وأَطَال التفكير، وقد تحدث عنها وأطال الحديث، فارْتسمت في نفسه ارتسامًا على بعد العهد ونزوح الدار، ومثلت أمَامَهُ وإِذَا هو يَرَاها، وإذا هو يتحدث إليها عَاتِبًا مُفاخرًا، وإذا هو يُصَوِّرُ لها حياتَهُ في السِّلْمِ لَاهيًا في الليل، ولاهيًا في النَّهَارِ، مُتَرَدِّدًا على الحَانَاتِ، مُغاليًا في شِرَاء الخَمْر، مُقامرًا لا ليفيد ويستكثر من الرِّبح، ولكن ليغني السائل، ويطعم الجائع، ويعطي المحروم.

ثم يَصف لها حاله أثناء الحرب وقد انتهى النذير إلى قومه بالغارة أو أشفقوا من الغارة، فإذا هو أَسْرعهم إلى فرسه، وما له لا يسرع إليها وقد اتخذ لجامها وشاحًا له، كأنما يَنتظر الفزع في كلِّ لحظة من لحظات النهار، ولم يكد يعلو فرسه حتى اندفع به طليعة لقومه، يتحسس لهم أنباء العدو، فيشرف بفرسه على مرقب عالٍ يُقيم فيه ما أَقَامَ النَّهَار، يَنْتَظِرُ أنْ يَرَى مِنَ العَدُوِّ مَا يَدُلُّ على مقدمه، لينبئ قومه:

حتى إذَا أَلْقَتْ يَدًا في كَافِرٍ
وَأَجَن عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلامُهَا

هناك يَهْبِطُ إلى السَّهل؛ فقد أَقْبَل الليلُ، ولم يبقَ له أرب في ارتقاب العدو من هذا المكان المُرتفع، ولكن انْظُر مَعي إلى قولِهِ: «حتى إذا ألقت يدًا في كافر» يريد حتى إذا غربت الشمس، ألست ترى في هذا التعبير الموجز روعة وجمالًا؟

ثم يصف الشاعر لصاحبته بعد ذلك موقفه في محافل الخصومة والمفاخر فاسمع له حين يقول:

وَكَثِيرَةٍ غُرَبَاؤُهَا مَجْهُولَةٍ
تُرْجَى نوَافِلهَا وَيُخْشَى ذَامهَا
غُلْبٍ تَشَذَّرُ بِالذُّحولِ كأَنَّهَا
جِنُّ الْبدِي رَوَاسِيًا أَقْدَامهَا
أَنكَرْتُ بَاطِلَهَا وبُؤْتُ بِحَقِّها
عِندِي وَلَمْ يَفْخَرْ عَلَيَّ كِرامُهَا

والرَّجُل العَرَبِيُّ مَهْمَا يَعْظُم قدره، ويرتفع أمره، فردٌ مِنْ قبيلة لا عز له إلا إذا عزت، ولا كرامة له إلا إذا كرمت، فإذا تغنَّى لبيدٌ بحَياتِهِ الخَاصَّة، ومَكَارِمِهِ ومَفَاخِرِهِ الخَاصَّة، وعدَّدَ من ذلك كله ما أراد، مُوجِزًا في أكثر الأحيان، مُفَصِّلًا أحيانًا، مُجيدًا دائمًا، فرغ إلى عشيرته ففخر بهم ووصفهم بما هم أهل له من الكرم والنجدة والبأس والسلطان.

قال صاحبي: لم تُسرف عليَّ فيما رويت لي من هذه القصيدة، وقد أخذت أحس بشيءٍ من الحبِّ يعطفني على شاعرك هذا، وما أحسب إلا أنَّ وراء هذا الشِّعر الرائع شاعرًا بارعًا، ولكني أخشى أن تكون قد أسرفت على قرائك، فهذا الشعر لا يخلو من مشقة، وفي ألفاظه ضَخَامَة وفخامة لم يألفهما الناس.

قلتُ: فأنبئني عن الوحدة المعنوية أتجدها في هذه القصيدة؟ أم لا تزال ترى أنْ ليس لهذه القصيدة وحدة إلا في وزنها وقافيتها؟

قال: ما أحرصك على الفوز، وعلى تَسْجِيلِ الظفر لنفسك؛ فإني يا سيدي أُقِرُّك على أنَّ لِهَذِه القَصِيدَةِ وحدتها المَعنوية، ونظامها الشعري المُتَّسق البديع، ولو لم تكن وحدة هذه القصيدة إلا في هذه النفس القوية العالية السَّمْحَة الوَدِيعَة التي أنشأتها، لكانت خَلِيقَةً أَنْ تَكُون مِنْ أَرْوَع ما حفظ الشعر العربي؛ أفيُرضيك أنِّي قد اعترفتُ لك بكل ما تُحب؟ ولكن لا تطمع ولا يبطرك هذا الانتصار، فما يصح لهذه القصيدة قد لا يَصِحُّ لغَيرها من قصائد هذا الشاعر، وما يصح لهذا الشاعر، قد لا يصح لغيره من الشعراء.

قلت: حسبي يا سيدي أني قد استنقذت هذه القصيدة مما تصبُّونه على الشعر العربي القديم من عيبٍ وإنكار، على أنِّي لستُ يَائِسًا مِنْ أَنْ أَسْتَنقذ قصائدَ أُخْرَى مِنْ عيبكم وإنكاركم.

قال وهو يبتسم: فَهَلْ لَكَ أَلَّا تَتْرُك لَبِيدًا حتى نُلم بمِقدارٍ آخر من شعره كثير أو قليل؟ قلتُ: هذا لك.

١  نُشرت بجريدة الجهاد بتاريخ ١٣ فبراير سنة ١٩٣٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤