الفصل الثاني

أسلوب في العتب
علق الأستاذ طه حسين على رسالة العتاب التي نشرتها السياسة بقوله:

إنه يعلن مضطرًّا أن هذا الأسلوب الذي ربما راق أهل القرن الخامس والسادس لا يستطيع أن يروقنا في هذا العصر الحديث الذي تغير فيه الذوق الأدبي …

ولست أجادله في ذوقه إن كان الأمر إليه أو إلى ذوقه، وهو أعلم حيث يجعل نفسه، وليحملها على ما شاء، وليحمل ما شاء عليها، ولكني لا أتبين مرجع الضمير في قوله: «لا يستطيع أن يروقنا.» فهل ترجع «نا» هذه إليه وحده أم إلى أهل العصر الذي نحن فيه؟ وهل هو هو حسبه أم هو أكثر من نفسه؟ وإلا فمن سلطه ليتسلط بالنفي؟ ومن قدر على النفي قدر على الإثبات، ومن تصرف في الجهتين لم يبقَ مع أمره أمر ولا بعد حكمه حكم، ولا أظن الأستاذ الفاضل يزعم هذا لنفسه، أو يمكن لها فيه.

على أن الأسلوب الذي كتبت به الرسالة كان موضع الانفراد، وكان الغاية التي تتقاصر دونها الأعناق منذ القرن الرابع إلى آخر التاسع، ولم يوحش منه تغير الذوق الأدبي، كما يقول الأستاذ، بل ضعف الكتاب فيه وتقصيرهم عن حده، وأنهم لا يوافقون به مواضعه، ولا يعدلون به إلى جهاته في ألفاظه ومعانيه.

لقد علم الكاتب أننا لا نزعم أن هذا الأسلوب هو الوجه في كل فنون الإنشاء ومناحي التعبير، بل قلنا: إنه شيء من الزخرف، وفن من التنسيق، ونقول الآن: إن أكثر كتاب العصر، ومنهم الأستاذ طه، لا يجيدونه ولا يستطيعونه مهما تكلفوا له، وبالغوا في هذا التكلف، وتحروا في هذه المبالغة، وهذا عندنا وجه من وجوه التأويل في معنى تغير الذوق الأدبي، وهب أن «كذا» الذوق تغير وأتى على كل شيء في اللغة وأساليبها، فأين معنى الطرفة والنادرة والملحة في مثل هذه الآثار الدقيقة، وقد قامت الدنيا وركعت وسجدت … لدقائق توت عنخ آمون، مع أن الذوق الفني مات وبعث ثم، مات وبعث في أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وننبه الأستاذ إلى أننا نشترط في هذا الأسلوب أن يصيب موضعه وألا يجاوز مقداره، وأن ينزل منزلة الزخرف لا منزلة البناء، ثم إننا نفرض أن هذا الفاضل اضطر أن يكتب في هذا المعنى الذي كتبنا فيه وأراد أن يأتي بصورةٍ من جمال الأدب، فليكتب الآن وليملأ الوجه الآخر من الصحيفة بما تتم به المقابلة بين ما يروق وما لا يروق، وليأتنا بالبلاغة التي عجزنا نحن عنها، إذا كان هذا رأيه المستور الذي يرمي إليه برأيه الظاهر في تلك الكلمات.

مصطفى صادق الرافعي

السياسة

يرى الكاتب الأديب «أن أكثر كتاب هذا العصر، وأنا منهم، لا يجيدون «هذا الأسلوب» ولا يستطيعونه مهما تكلفوا له، وبالغوا في هذا التكلف، وتحروا في هذه المبالغة، وهذا عندنا وجه من وجوه التأويل في معنى تغير الذوق الأدبي.»

وأنا لا أتردد في إقرار الكاتب الأديب، على أننا لا نجيد هذا الأسلوب، وعلى أننا لا نريد أن نجيده؛ لأن الذوق الأدبي، ولا سيما في مصر، قد تغير، وقد كنت أريد أن أناقش الكاتب، ولكن له في نفسه رأيًا لا يسمح بمناقشته والتحدث إليه، فلندعه ورأيه، ولنحي الذوق الأدبي الجديد الذي يلائم حاجات الناس وحياتهم.

طه حسين

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤