خُطة «نوسة»

وعلى ضوء الكشَّافات الصغيرة والأضواء البعيدة أبدَلوا بالعَجلة التالفة العَجلةَ الإضافية. وقال «تختخ»: لقد أطلَقوا علينا الرصاص من مسدَّسٍ صامت!

محب: لقد اتَّضح أننا في مُنتهى السذاجة …

كيف نسِينا أننا مُراقَبون؟ لقد كانوا خلفنا طول الوقت. وهكذا ضربنا مرةً أخرى بلا فائدة.

تختخ: ليس بلا فائدة تمامًا … فقد عرفنا الآن أنهم لم يستطيعوا حتى الآن دفع الطائر إلى الكلام. ولعله قال لهم الكلمات العادية التي يردِّدها ولم يقُل لهم الكلمات الهامَّة التي يقولها عند سماع جرس التليفون.

محب: ولكن، لماذا اختاروا «عاطف» للهجوم؟

تختخ: ببساطة … لأنه كان في منطقةٍ بعيدة عن المارَّة وعن الأضواء …

وابتسم «عاطف» وهو يقول: ربما لأنهم أيضًا وجدوني صغيرًا، أو استضعفوني!

كانت السيارة تمضي بهم وقد فقدوا الأمل في متابعة السيارة الكبيرة … وكان «محب» يُحسُّ بألمٍ عميق في رأسه، فلما وضع يده عليها وجد أنها تورَّمَت حيث ضُرِب … وكان يشعر بصداعٍ عنيف، ولكنه أخفى ذلك عن «تختخ» و«عاطف» الذي لم يكَن أحسن حالًا منه … لهذا كان الاثنان يحلُمان بالنوم. أما «تختخ» فكان أفضلهم حالًا … وكان قد قرَّر الاتصال بالمفتش «سامي» بمجرَّد وصوله. ووصلت السيارة بهم إلى ميدان التحرير، فشكروا الشابَّ كثيرًا، ثم ركِبوا «تاكسي» إلى المعادي … وعندما وصَلوا وجدوا «نوسة» في انتظارهم … كانت تقف في شُرفة غُرفتها في الظلام، وعندما سمعت صوت العربة ورأتهم ينزلون أضاءت النور، فعرفوا أنها تريد الحديث إليهم.

أشار إليها «محب» بالنزول، فنزلت ووصلت إليهم، ولاحَظوا أنها بملابس الخروج، فقال «محب»: هل كُنتِ خارجة؟

نوسة: نعم …

محب: غير معقول … أين كنتِ ذاهبةً في هذا الليل؟

نوسة: لقد استدعَيتموني!

نظر الأصدقاء الثلاثة أحدهم إلى الآخر، وقال «تختخ»: من منَّا الذي استدعاك؟

نوسة: ليس واحدًا منكم، لقد اتَّصل بي شخصٌ منذ نحو ساعة ونصف، وقال لي إنه في الهرم معكم، وإنكم تطلبون حضوري فورًا!

تختخ: شيءٌ غريب، ثم ماذا؟

نوسة: للوهلة الأولى صدَّقته؛ فقد كنت أعلم طبعًا أنكم ذاهبون إلى الهرم، فارتدَيت ثيابي، واتَّجهت إلى باب «الفيلا» لأخرج … ثم تذكَّرت حكاية الضابط المزيَّف الذي حضر وأخذ الطائر، وتذكَّرت تحذير «تختخ» بالبقاء في البيت … وهكذا تردَّدت ولم أخرج. وأسرعت أتَّصل بالمفتش «سامي»، ولكن تليفونه يرنُّ ولا أحد يُجيب … فأطفأت نور الغُرفة والشُّرفة … وجلست في انتظاركم …

تنفَّس الأصدقاء الصُّعَداء، وقال «تختخ»: لقد تصرَّفتِ بتعقُّلٍ وذكاء … وإلا لوقَعتِ الآن في أيدي الجواسيس، وواضحٌ أنهم يُريدونك بأي ثمن؛ فهم لم يتمكَّنوا بعدُ من التفاهم مع طائر «الماي ناه»، وهم يريدون الحصول على ما يعرفه من أسرار … وأنت تعرفينها.

وشمِل الجميعَ فترةٌ من الصمت، ثم قال «عاطف»: إنهم جواسيس في غاية الخطورة، وليس من السهل التنبؤ بما سيفعلون في المستقبل … يجب أن نكون على حذرٍ تمامًا …

نوسة: لقد فكَّرت في خطة للإيقاع بهم.

نظر إليها الثلاثة في دهشة، وقال «تختخ»: خطة للإيقاع بهم مرةً واحدة؟! إنك طموحة جدًّا … إن المفتش «سامي» لا يستطيع أن يزعم هذا.

نوسة: إنها خطةٌ بسيطةٌ مبنية على فكرة أنهم يُراقبوننا.

تختخ: لا بأس … قولي يا «نوسة» … فأنتِ دائمًا خير من يُدبر الخُطط.

نوسة: إنهم يُراقبوننا، أليس كذلك؟

فقال «محب» بنفاد صبر: نعم إنهم يُراقبوننا … وبعد؟

نوسة: نقوم بعدة أعمال تلفت أنظارهم، بحيث يُحاولون مُهاجَمتنا ويكون المفتش ورجاله قريبين منا.

محب: ولكنهم لا يمكن أن يُهاجمونا ونحن أربعة … فسوف نُثير ضجة ًكبيرةً تلفت الأنظار.

نوسة: لقد وضعت ذلك أيضًا في اعتباري … فسوف تتظاهرون بأنكم غادَرتم الحديقة إلى مكانٍ بعيد … وهم طبعًا سيرقُبون انصرافكم … وسأبقى هنا وحدي وأنزل إلى الحديقة، وما داموا يريدون أن يعرفوا الكلمات التي يحفظها «الماي ناه» فسوف يُحاولون خطفي … وفي هذه اللحظة يتدخل رجال المباحث ويقبضون عليهم.

أخذ الأولاد الثلاثة يفكرون في الخطة … كانت معقولة جدًّا … ولكن «تختخ» قال: إن هؤلاء الجواسيس — ككل الجواسيس — في غاية المهارة والذكاء … وفي الأغلب لن يُصدقوا هذه التحركات …

محب: وهناك احتمال إصابتك بأذًى!

نوسة: لقد أخطأت عندما سلَّمتهم الطائر … وأنا أريد أن أُعالج هذا الخطأ.

تختخ: دعكِ من لوم نفسك، إن هذا لن يُجدي … إنك لم تُخطئي، وبخاصةٍ أنهم حتى الآن لم يستطيعوا حمل الطائر على الكلام.

أخذ «محب» يتحسَّس رأسه ثم قال: أرجو أن تتركونا نأوي إلى فِراشنا الآن؛ فأنا مُتعَب.

عاطف: أؤيد هذا الاقتراح من كل جسمي المكسَّر … وليكُن موعدنا غدًا صباحًا لنُكمل الحديث.

واتَّجه «تختخ» للذهاب إلى منزله ومعه «عاطف»، وقام «محب» و«نوسة» للنوم.

عندما دخلا غُرفتهما بدأ «تختخ» و«عاطف» الحديث مرةً أخرى، فقال «تختخ»: إنني أُحسُّ بالخوف على «نوسة» … من المهم إبلاغ المفتش بما حدَث الليلة لولا أن الوقت مُتأخر جدًّا.

عاطف: دعك من هذه الأفكار واتركنا ننام … إنني مُتعَب جدًّا.

نظر «تختخ» إلى ساعته وكانت قد تجاوزت الثانية صباحًا بقليل … هل يتَّصل الآن ليضع حراسة على بيت «نوسة» أو أن هذا الوقت مُتأخر؟

كان «عاطف» قد انتهى من استحمامه، ولبِس ملابس النوم، ثم استلقى على السرير وهو يتأوَّه … أما «تختخ» فقد خرج إلى الشُّرفة، وجلس على كرسي وأخذ يحدِّق في الظلام وهو يفكِّر في الخطوة التالية … ولكن جلسته لم تَطُل … فقد هاجَمه النوم.

في صباح اليوم التالي استيقظ «تختخ» على يد تهزُّه، وعندها فتح عينَيه وجد وجه المفتش يُطلُّ عليه قائلًا: صباح الخير … ألمْ تنَم كفايةً؟ إن الساعة التاسعة.

أخذ «تختخ» يحدِّق قليلًا في وجه المفتش ثم قال: كنَّا نريد الاتصال بك أمس ليلًا … فقد مرَرنا بمغامرةٍ مُثيرة.

المفتش: مع من؟

تختخ: مع الجواسيس.

المفتش: غير معقول … لماذا لم تتَّصلوا بي؟

تختخ: كان ذلك بعد منتصف الليل.

المفتش: كنت ساهرًا في البيت … لقد قُمنا بتحليل كلمات الطائر، وقد توصَّلنا إلى أشياء كثيرة.

تختخ: ونحن أيضًا.

المفتش: كيف؟

تختخ: لقد استنتجنا أن الإشارات الضوئية … والهرم … ومنتصف الليل … تعني وجود موعد مع شخص في مكان … الموعد هو منتصف الليل والمكان هو الهرم … والشخص هو الذي سيُعطي الإشارة.

المفتش: هذا ما توصَّلنا له أيضًا.

تختخ: وقد ذهبنا إلى الهرم في الموعد … ولكن بدلًا من أن نرى إشارةً وجدنا الجواسيس واشتبكنا معهم … وللمرة الثانية استطاعوا أن يفلتوا منا. وروى «تختخ» للمفتش تفاصيل مغامرتهم الليلية، ثم نظر إلى فِراش «عاطف» فلم يجده، وانزعج قليلًا … ثم سأل المفتش: هل قابلت «عاطف» عند حضورك؟

المفتش: لا، لا.

تختخ: شيءٌ غريب … أين ذهب؟

وقفز مُسرعًا إلى الشُّرفة، ونظر إلى حديقة «الفيلا» التي وقع فيها الحادث، ثم عاد إلى الغُرفة يهزُّ رأسه ويبتسم … كان «عاطف» مع الشاويش يتحدثان.

قال «تختخ» للمفتش وهو يرتدي ملابسه: ألم تصلوا إلى شيء بخصوص عين السَّمكة؟

المفتش: لا!

تختخ: وسلسلة المفاتيح؟

المفتش: استطعنا بواسطتها أن نعرف عدة أماكن للجواسيس!

تختخ: عظيم … وهل قبضتم عليهم؟

المفتش: كانوا أسرع منا … لقد غيَّروا أماكنهم بسرعة … فوصَلنا بعد أن تلاشَوا في المدينة الواسعة.

تختخ: إنهم يسبقونكم دائمًا.

المفتش: ولكن ليس أبدًا … إنهم سوف يقعون.

تختخ: نسيت أن أقول لك شيئًا … لقد حاوَلوا خطف «نوسة»!

بدا الاهتمام على وجه المفتش وصاح: خطف «نوسة»؟ … كيف؟

ومرةً أخرى روى «تختخ» للمفتش ما حدث … والخطة التي اقترحتها «نوسة» … فقال المفتش مُتأملًا: إنها خطةٌ معقولة جدًّا إذا وُضعت ونُفذت بمهارة … استدعِ الأصدقاء؛ فإني أريد الحديث معهم.

ونزل المفتش و«تختخ» ثم حضر «عاطف»، وسُرعان ما حضر «محب» و«نوسة»، وقال المفتش: لقد حضرت هذا الصباح لأني كنت في حاجة إليكم … كانت في ذهني خطةٌ معيَّنة … ولكني الآن مُوافق على الخطة التي فكَّرت فيها «نوسة»!

وطلب المفتش من «نوسة» أن تُعِيد شرح خطتها، فشرحتها … ووافَق عليها المفتش قائلًا: إننا سننفِّذ الخطة بحذرٍ شدید … ستذهبون إلى «الكازينو» كأنكم تتنزَّهون وتجلسون هناك، وعندما يهبط الظلام … سأنتظر مكالمة منكم لأتحرَّك … ثم تذهبون إلى منزل «نوسة»، وتبقَون دقائق ثم تخرجون مرةً أخرى بدونها، وتمشون في اتجاه منزل «تختخ»، وتخرج هي وحدها كأنها تريد أن تلحق بکم … وهنا ستتحرك العصابة، وسنكون في انتظارها. وقالت «نوسة» في نفسها: إن ظهور المفتش معنا هكذا لم يكن مُناسبًا … فلو كانوا يُراقبوننا الآن، فإنهم سيعرفونه وسيكون في هذا تحذير لهم … ولكنها أخفت ما فكَّرت فيه عن بقيَّة المغامرين، واشتركت معهم في مناقشة الخطة. وعندما حان وقت الغداء كانوا قد انتهَوا من رسم تفاصيلها لتنفيذها في الليل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤