مصَرع نمِر١

لا تشتهِ كثرة بنين لا خير فيهم، ولا تفرح بالبنين المنافقين.

ابن سيراخ ١٦

***

يا سيد الوحوش!

«أمنا» قاسية، غدَّارة تتماوت كالثعلب وتثب كالفهد، نداعبها راضية، ونهابها إن كشرت عن نابها.

يا أمير الغاب!

ما أقل المتماسكين أمام العاصفة، وما أندرَ جبابرة الليل!

يا ملك السباع!

حقًّا إن غضب «أمنا» يأكل النمور والجلاميد، ويحصد الأسود والسنديان.

تلد لتقتل، وتلعب بالحياة كالهرة بالفأر.

نسجت لك الكفن قطنًا مندَّفًا، وشيعتك بطرف جافٍ.

الدمعة تهبها للثعلبان، أما النمر فمناحته بلا دموع.

يا سلطان البر!

أنفت الرقاد في حضن الجبل فركبت كتفيه، واضطجعت على رأسه، فهب لنا يا سيد النساك نسكًا قويًّا كزهادتك، وميتة عالية كميتتك.

أثارتِ البروق طريقك إلى الأبد، وصلَّت عليك الرعود، وأَبنَتْك الصواعق، يا له مأتمًا وجيزًا بليغًا! عشت مغيظًا غاضبًا محنقًا، ومتَّ شهيد الغضب الأبيض.

لتهنأ الثعالب بطول العمر فقد اختبأت في مأوى الدجاج.

•••

والآن يا ابن العم …

أتذكر أواصر ربطتنا، وليالي كنت تتقينا ونتقيك، وكم زرتنا فتكافأنا؟

ما ردك اليوم عن بيوتنا وهي شارعة مفتَّحة؟!

وكيف مت وما عشوت إلى ضوء نارنا، لِتُقْعِي قبالة موقدنا؟

إنها مواقد غير تلك، مات حماة الذمار، وتكسرت العصي والخناجر.

خلت الديار من سباع الرجال، والمشمرون ماتوا، فكيف تموت مقرورًا أيها الجبار والبيوت عورة!

ليتك دخلت «زرائبنا» فكنت أكلت ودفئت!

كنت دخلت وخرجت وما سمعت جرجرتنا إلا بعدما تواريت!

إننا نحب «الضيوف» الأقوياء … فلو جئتنا لكنت سيد البيت مثلهم.

إننا نعشق الأشداء ومثلنا يقول: «يأكلها السبع ولا تأكلها الضبع.»

إننا نقدس التقاليد القديمة وبيننا وبينكم شيء كثير منها، بحسبها التوراة سجلًّا.

أتخاف السلاح الحديث؟! وحياتك لا قديم ولا جديد.

حناجر ضفادع، ومخالب هررة، وشعارنا: لا سلطة إلا من الله.

كنا أشداء يوم كنت تدقُّ أبوابنا، وترصدنا ونرصدك.

أما اليوم ففاتتنا الكفاءة، فمتَّ ولم تزرنا.

يا سبحان الله! أنت متَّ اليوم مقرورًا، ونحن متنا أمسِ جوعًا.

كانت لحومنا تُسلق في القدور، وكنا نرعى حول الموقد.

•••

عهدي بجبالنا خلت من النمور، فمن أين جاء هذا؟!

عهدي بها خلت من النمور وما فيها إلا الضباع …

عهدي بها خلت من الأسود وما فيها سوى الأدباب …

عهدي بها خلت من الفهود وما فيها غير الذئاب …

أعهد فيها الأفاعي والعقارب، والثعالب والأرانب، والظربان والجعلان، فمن أَين جاء هذا النمر؟!

ما أظنه إلا أفلت من ذل الإسار ليموت حرًّا، فما أروع مصرعه!

لا شك أنه غريب …

•••

يا أبا الأسود.

أيخدعك أشعيا؟ تلك ألفاظ معسولة يجيدها السياسيون فكيف جازت عليك؟

لا تصدق أشعيا، شاعر عصبة الأمم، إنك لا تؤاخي ولا تُؤاخَى، وإن فعلت صرت هرًّا.

ما إِخالك إلا تمدينت، فجئت ضهر البيدر تتزحلق …

تحضَّرت فغضبت عليك الوالدة، ما أكرمتَ أباك وأمك فلم يطل عمرك على الأرض كما علَّم موسى …

قل لي بماذا دفعت البرد عنك، أَلم تصلِّ؟

حقًّا إنك حيوان تستاهل الموت، كنت صليت!

•••

وبعد فأظنها كذبة، ليس في هذه البلاد نمور، ولو كان فيها، لما قادها ديك …

١  أنبأ مخفر ضهر البيدر أن نمرًا وأربعة ذئاب ماتت بردًا، وأذاعت ذلك الصحف في ٧ شباط سنة ١٩٣٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤