دقات حزن١

ولول أيها السرو، فإن الأرز قد سقط؛ لأن العظماء قد دمروا …

زكريا ١١ / ٢

***

لا تقرعوها حزنًا فالطفل لمَّا يمت، إنه يحلم بالحجام والعَلَق.

لا تقرعوها حزنًا فالمتصوفون ماتوا وانقرضوا.

لا تقرعوها حزنًا فتقلقوا الصليبيين والمردة النائمين على الشاطئ.

لا تقرعوها حزنًا فقد مات من يحترمون «الموتى»، ويخشعون أمام القبور.

لا تقرعوها حزنًا فَيُرَاع الأطفال والعذارى ويتساءل الكهَّان.

لا تقرعوها حزنًا، فإن كانت حديدًا ونحاسًا، فالقلوب من فولاذ.

لا تقرعوها حزنًا فقد ذهب من كانوا يسمعون صوتها منتصبين حاسرين.

لا تقرعوها حزنًا فيتشفى «ابن أيوب»، ويشمت «ابن عثمان».

لا تعتصموا بحبالها كثيرًا، فمنها البلاء، وسوء المصير.

قاتل الله التعصب ما أكثر شهداءه، وما أوسع ملكوته!

تنازعتم على السماء فإذا بكم لا أرض تقلُّكم؛ ولا سماء تظلُّكم.

•••

ماذا دهى لبنان، ما روّع مرابض الأسود، وجبال النُمور؟!

إن قرع الأجراس حزنًا لراعب تقشعرُّ له الجلود.

ما سمعنا بهذا ولا خبرنا بمثله التاريخ من أيام هولاكو حتى المماليك.

أجراس الموارنة تدقُّ حزنًا، فمن الميت يا ترى؟

أجراسهم تنتحب وتولول، كانت للصلاة والتنادي فصارت للاحتجاج والنحيب، فيا للذلِّ!

•••

يا إخوتي!

منذ مئات من السنين وكهنتكم ورهبانكم يجأرون: «وانصر ملوكنا المسيحيين على أعدائهم»، فتردِّدون: آمين.

لا تصلُّوا فهي سلاح العاجز، تنسدُّ بوجهه الأرض فيهرب إلى السماء.

لا تصلُّوا ولا تبخِّروا فيسوع مزكوم، والعذراء طرشاء.

لا تستجيروا به فهو في شغل عنكم، هو في حرب مع الرب الثاني …

لا تصلُّوا فالجبابرة لا يسمعون الصلاة، ولا يبالون بالهمس.

ستقولون: هذا كافر مُشهَّر، لا يعبد ما نعبد.

قولوا ما شئتم، سنرى أَينا أشدُّ إيمانًا …

ماذا أقول لكم يا إخوتي؟ فأنا إلى الدموع أَحوَج مني إلى الكلام.

الدين مطيَّة السياسة، وأنتم مطايا الدين، فاحمِلُوا الاثنين إن استطعتم، وسيروا على الجوع والوجى.

•••

أجراس «بلادي» دقَّت كلها حزنًا فمن الميت يا ترى؟

الميت «طفل» ولكنه ذرِّيةٌ بأسرها.

حُبِلَ به تسعمائة عام، وبالأَوجاع ولدته أُمُّه، ومات ولمَّا يبلغِ السادسةَ عشرة.

الميتُ وحيد لأُمِّهِ، وهي قد بلغت من العمر عِتيًّا، لله خطبك أيتها العجوز!

مات أملك، يرحمه الله، وأمنيتك خُنقَت في المهد.

عجِّلي قبلَ احتكار الزهور، اضفري إكليلًا لابنك عريس البلى.

الأحلام جميلة، أما اليقظة فشوهاء قرعاء.

عظَّم الله أَجرَك يا أُمَّاه.

صلِّي ولا تملِّي؛ لئلا تدخلي التجارب.

١  كتبت هذه الكلمة حين احتكر التبغ في لبنان، فاحتج كسروان وبلاد جبيل بقرع الأجراس «حزنًا» على الموسم الفقيد، ولكن «المندوب السامي» لم يحس.
وقد قرأت في إحدى الصحف التي صدرت في هذا الصيف أن حصة الحكومة من أرباح هذا الاحتكار كانت خمسة عشر مليون ليرة عن ثلاثة أشهر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤