الفصل العاشر

قال ديفينش بعد أن فحص الرمال الملطخة باللون الأحمر التي أشار لها المخبر: «لا شك أنها دماء. ولكن اتركوا هذا الجزء، وليتوقف بقيتكم عن العمل حتى يتسنَّى لنا إلقاء نظرة أفضل. هل تعتقد يا ديفيز أنه من الأفضل أن نترك هذا حتى بزوغ ضوء النهار؟ أقصد هذا الجزء. فأنا أنوي البحث عن الرَّصاصة في الجانب الآخر من الكومة.»

أومأ ديفيز. وقال: «أظن أن ذلك قد يكون أفضل يا سيدي. هذه الدماء موجودة بالجانب الداخلي، وإذا كان ماندر قُتل برصاصة أُطلقت عليه من مسافة قريبة، فلا بدَّ أن من أطلق النار كان يقف عند الجانب الداخلي، لا عند الحاجز.»

أومأ ديفينش. وقال: «وإلا لمرَّت الرَّصاصة عبر كمية مُعيَّنة من الرمل قبل أن يُعترض طريقها. أيها الرفاق، أريد أن يتجه اثنان منكم فقط نحو جانب السور. أريدكما أن تقفا بالضبط مقابل المكان الذي أقف فيه الآن.»

وبينما كان باقي الرجال يركزون كشَّافاتهم على كومة الرمل، وتحرك اثنان منهم حولها، حدَّق ديفينش إلى ديفيز.

سأله قائلًا: «هل تتذكر إن كانت هناك رياح قد هبَّت مساء الأحد؟ أذكر أنه عند خلودي للنوم كان هناك نسيم. بالطبع يمكننا التحقُّق من ذلك في القريب العاجل إذا لم تكن متأكدًا.»

أومأ ديفيز.

وقال: «نعم يا سيدي. كانت هناك رياح قوية نوعًا ما قادمة من الغرب.»

«إذن لا بد أنها هبت عبر هذا السطح؟»

«هذا أكيد يا سيدي.»

قال ديفينش بصوت خفيض: «يجب أن أحقق في طريقة هبوط الطائرة الجايروكوبتر»، ثم التفت مرة أخرى إلى الرجلين اللذين ينتظران أوامره. «غربلا الرمال ببطء وحرص شديدين لمسافة ست أقدام تقريبًا من جانبكما، واعتبرا موقعي هو المركز، واتجها نحو الداخل. ولا تحركا الكومة عمومًا لأبعد مما يمكنكما.»

كانت جميع الكشَّافات مسلطة الآن على كومة الرمل، وبدأ الرجلان العمل بحذر شديد. طلب منهما ديفينش أن يتحرَّيا الدقة الكاملة ثم نزل إلى الشقة بصحبة ديفيز، وفتح الباب المؤدي إلى مسكن الخدم، واستدعى كبير الخدم وسأله عما إذا كان لديه زيت مصابيح.

قال موضحًا: «نريد المزيد من الإنارة بالأعلى.»

كان كبير الخدم متعاونًا. فأوضح له أنه قد سمع أن هناك بعضًا من مصابيح الكيروسين الجديدة معروضة بالأسفل، وبما أن هناك عرضًا يوميًّا للمنتجات، فمن المؤكد أن المصابيح ستكون مملوءة.

قال: «إنها مصابيح من النوع الجديد الآمن يا سيدي.»

أرسل ديفينش ديفيز لإحضار مصباحين، وعاد هو إلى السطح. أخذ يفكر أثناء صعوده في أن السرية التي اقتضتها مناورات السيد ماندر لم تسهل على القاتل مهمته فحسب، بل عرقلَت سَيْر العدالة أيضًا. هذا الدَّرَج الخاص، وتوخي ماندر للحذر ليضمن عدم تلصُّص أحدٍ عليه، مكَّنا القاتلَ من استغراق ما يلزمه من وقتٍ لتنفيذ مُهمَّته، وإعادة وضع الرمال فوق الدماء، وإزالة آثار الجريمة قبل أن يغادر المكان.

قال متأملًا: «ثمة شيء واحد يمكن أن يساعدنا. إذا حاول أي شخص متورط في القضية مغادرة لندن على عجل، فقد نتحصل على دليل لحل اللغز. إن صرحت بأن الرمال ستُزال من فوق السطح، فقد يبعث هذا الخوف في نفس القاتل، لكنني لن أفعل ذلك في الوقت الحالي.»

عاد ديفيز وقام بتركيب المصباحَين قبل أن يتمكن أيٌّ من المخبرَين اللذين يقومان بغربلة الرمل من التوصل لاكتشاف آخر. ولكن بعد مرور خمس دقائق من تسليط الضوء الجديد على المكان، ظهرت الرَّصاصة.

على الفور توقَّف العمل. أخذ ديفينش الرَّصاصة ووضعها في راحة يده، وأخرج من جيبه عدسة مُكبِّرة بينما وقف مساعدوه حوله يُحدِّقون في لهفة.

قال ديفينش: «ها هو الدليل. نفس نوع الرَّصاصة التي كنَّا نبحث عنها بالضبط. ليذهب اثنان منكم إلى المتجر مرة ثانية ويُحضرا قماشًا مشمعًا، أو مماسح غبار، أي شيء مناسب يمكنكما الحصول عليه، ربما تكون الأقمشة المقاومة للمياه هي الأفضل. ويُفضل أن يبقى أحدكم هنا ليتولى الحراسة حتى الساعة الرابعة، بعدها يأتي إليه زميل آخر ليتناوب معه الحراسة.»

سأل أحد رجاله: «أهذا يعني أننا سنُغلِق أبواب المتجر الليلة يا سيدي؟»

«نعم، هذا ما سيحدث. أريد أن يرى مفوض الشرطة والسيد ميليس هذا عند حلول النهار. والآن علينا تغطية الرمال كما هي، دون أن يلمسها أحد. بالمناسبة، يجب ألَّا يعلم أحد بالخارج أيَّ شيء عمَّا وجدناه هنا على السطح. مفهوم؟»

بعد التوضيح، عاد هو وديفيز إلى غرفة استقبال السيد ماندر الراحل، وجلسا لفحص الرَّصاصة تباعًا. وبعد أن حدَّق كلاهما إليها عن قرب، وضعها ديفينش جانبًا.

سأل المحقق الرقيب: «الآن، أخبرني كيف تقوم طائرة بالهبوط في رأيك؟»

قال ديفيز: «أعتقد يا سيدي أنها تتحرك مع اتجاه الرياح. بالضبط كما تفعل الطيور.»

«كان هذا رأيي أيضًا، وأعتقد أنه صواب. حسنًا، إذا كانت الرياح التي هبَّت على السطح في ليل الأحد رياحًا غربية، والطائرة الجايروكوبتر هبطت هنا بالفعل، فكيف يمكن لمسارات العجلات أن تمتد بين أكوام الرمال طوليًّا؟»

«لكننا افترضنا أنها لم تهبط هنا يا سيدي. أكانت تلك خُدعة؟»

«هذا صحيح، لكن حتى الخدعة السيئة الإعداد قد تعطي تلميحات. لنفترض أن بحَّارًا يحاول أن يجعل المشهد يبدو وكأن أحد البحَّارة الآخرين قد قيَّد رجلًا بحبل. بالطبع سيعقد الحبل بأفضل الطرق التي يُتقنها البحَّارون، أليس كذلك؟»

«بالطبع يا سيدي.»

«مثلما لا يكون لدى الفلاح دراية بكل حيل التجارة. إذن، لو أن رجلًا لا يعرف الكثير عن الطائرات حاول ادعاء حدوث هبوط هنا، فلن يُفكِّر في أي من الصعوبات الناتجة عن اتجاه الرياح في تلك الليلة.»

«أجل يا سيدي.»

«إذن فإن الاحتمال الذي يدور بذهني هو أن ما من طائرة هبطت هنا، لكن شخصًا ما لا دراية له بالطائرات حاول إثبات أن ثمة طائرة هبطت هنا. وهذا من شأنه أن يُسفر عن استنتاج تورُّط كلٍّ من ويبلي وكين.»

«لكن بما أن ويبلي هو الشخص الذي يمكنه قيادة هذا النوع بعينه من الطائرات، فلا بد أن القاتل حاول أن يُلصق به التهمة. ولكن ترى من يحمل ضغينة تجاه ويبلي؟»

قال ديفينش وهو ينهض: «لا أعرف. سأذهب الآن للتأكد من أن الرجل قد اتخذ موقعه لتولي الحراسة بالأعلى، وأن الرمال قد غُطيت جيدًا، بعد ذلك سأخلد إلى النوم لبضع ساعات. أنصحك بأن تخلد للنوم أنت أيضًا يا ديفيز.»

قال الرقيب: «حسنًا يا سيدي.»

لم يأتِ مفوض الشرطة في صباح اليوم التالي، لكن جاء السيد ميليس، وبدا أكثر حماسًا واهتمامًا من المعتاد، وأوضح أن المفوض كان لديه مقابلة مع السيد هاي، محامي السيدة بيدن-هايث.

أضاف قائلًا: «أرى أن خطايا السيد ماندر كانت فاضحة له بعض الشيء. لقد حصل السيد هاي ومراجع الحسابات على كل ما استطاعا التحصُّل عليه من السجلات أمس، وبدآ إجراء تحريات مكثفة. يبدو أن ماندر كان يجمع بعض النقود تحت ستار هذا المشروع، وكان يعمل عمومًا على جمع ثروة صغيرة مُستغِلًّا الظروفَ أفضل استغلال. ما من شك أنه كان عبقريًّا في تأسيس المشروعات الكبرى، لكنني أتخيل أنه لم يكن مثابرًا.»

زمَّ ديفينش شفتَيه مندهشًا. ثم قال: «حقًّا يا سيدي؟ كان يستعد للهروب، أليس كذلك؟ أتساءل عما إذا كان قد تقدَّم بعرض زواج لأخذ الآنسة تيومر معه؟»

هزَّ ميليس كتفَيه. قال: «لا أعتقد أننا سنعرف ذلك الآن. لكن دعنا نصعد لأعلى ونُلقي نظرةً على ما توصلت إليه بخصوص لغز القتل والخيانة الذي تعمل عليه.»

صعِدا السُّلَّم مُتجهَين إلى السطح واقتربا من كومة الرمال التي كانت الآن مُغطَّاة. لم يكن هناك سوى ديفيز وضابط تحريات آخر، وبأمر من ديفينش نزعا الغطاء بأقصى درجات الحذر. اقترب ميليس لينظر إلى الرمال الملطخة بالدم ثم رفع حاجبَيه.

«أيها المحقق، ألم تلاحظ أيَّ شيءٍ غريب عندما رأيت ذلك الشيء لأول مرة يوم الإثنين؟»

«كلا يا سيدي. من نفَّذ الجريمة نفذَّها بمنتهى الدقة. لا بدَّ أنه قد نقلَ الجثة وحرَص على تركها بمكانها حتى يتوقف النزيف تمامًا. بعد ذلك لا بدَّ أنه بدأ العمل على تسوية كومة الرمل لتبدوَ مُنسَّقة كما كانت من قبل.»

«هل سبق لك أن استلقيت على الرمال على شاطئ البحر أيها المحقق؟»

ابتسم ديفينش ابتسامة باهتة. «لا بدَّ أنني فعلت ذلك عندما كنت أصغر سنًّا يا سيدي.»

«أراهن أنك وجدت رمالًا عالقةً بحذائك وثيابك بعدها. أعتقد أنك تفترض أن ماندر كان إما جالسًا أو واقفًا بجوار كومة الرمل هذه؛ تمهَّل لحظة! وفقًا لمسار الرَّصاصة، لا بدَّ أنه كان جالسًا، إلا إذا كان القاتل كان واقفًا على الحاجز المقابل ليحظى ببعض الارتفاع، أليس كذلك؟»

فكَّر ديفينش مليًّا. ثم قال: «ربما سارت الأمور بصورة مختلفة يا سيدي. لم يكن ماندر ليجلس في إحدى ليالي شهر نوفمبر على كومة من الرمل على سبيل المتعة. وهذا واضح. أليس من المحتمل أنه كان على علم بأن رجلًا يحمل مسدسًا يلاحقه، وعليه ظل يتراجع ببطء للخلف على السطح، حتى سقط على كومة الرمل — سقط على حافة الكومة، وأقصد أنه جلس بمجرد سقوطه — وعندئذٍ أُطلقت الرَّصاصة؟»

أومأ ميليس برأسه موافقًا إياه الرأي. «تلك نظرية جيدة. وبالطبع لم يكن ماندر ليصرخ لطلب النجدة. فقد كان يعلم أنه بعيد تمامًا عن أي شخص يمكنه المساعدة بسبب ترتيباته الخاصة السخيفة. أظنه كان يأمُل ألَّا يُطلِق الرجل الآخر النارَ عليه. لكن ما الذي جعل القاتل لا يُطلق النار منذ اللحظة الأولى؟ لماذا انتظر حتى ابتعد كل هذه المسافة؟ إذا كنت تشك في كيفيم، فلا بد أنها جريمة بدافع الغَيرة. ومن يشعر بالغَيرة لا يُفكِّر في وضع خُطة.»

أومأ المحقق. «لديَّ تفسيران محتملان، لكنَّ كليهما من تخميني. يبلغ ارتفاع الحاجز المحيط بهذا السطح أربع أقدام. هل كان القاتل يدفعه إلى الخلف، على أمل أن يحاول تسلُّق السور لينجوَ بنفسه ومِن ثَمَّ يسقط؟ لو سارت الأمور هكذا، لبدت القصة وكأن ماندر قد انتحر. أم أنه كان قاتلًا محترفًا يقظًا ويعلم أن أفضل مكان لسقوط ماندر هو الرمال، حيث يمكن إخفاء بقع الدماء بسهولة لفترة من الوقت، فضلًا عن أن الرَّصاصة ستختفي بعيدًا عن الأنظار.»

ضحك ميليس.

«ويصعب تحديد أسلوب القتل وطريقته، لبرهة من الوقت، ريثما يتمكن من الهرب؟»

عضَّ ديفينش شفتيه. ثم قال: «يظل لدينا مشكلة الرمال المبعثرة التي ذكرتها. لديَّ فكرة. الشيء الوحيد الذي سيساعدنا هو معرفتنا أن القاتل ربما لم يظل بالمبنى لفترة طويلة فحسب، بل ربما يكون اختبأ حتى فتح أبواب المتجر في اليوم التالي. هذا يعني أنه كان لديه من سبع إلى ثماني ساعات لمحو آثار الجريمة. ولم يتعرض لخطر أن يراه أحد إلا أثناء وجوده بالمصاعد أو بالأقسام بالأسفل.»

أخذ ميليس يدندن نغمات متقطعة للحظات. ثم قال: «إذن، لو كان ماندر سقط على الرمال هنا، فلا بد أن القاتل قد واجَه صعوبةً كبيرةً في تنظيف الملابس من آثار الرمال. ولا أقصد ملابسه لأنها لا تُمثِّل أهميةً كبيرة. فقد كان بوسعه تنظيفها بالمنزل.»

نظر إليه ديفينش محدقًا. «هذا صحيح يا سيدي. دعني أفكر؛ يوجد في الشقة بالأسفل شتى أنواع الأدوات اللازمة، ألديك مانع أن ننزل إلى أسفل يا سيدي؟»

وافق ميليس، ونزلا إلى الشقة، ودقا الجرس لاستدعاء كبير الخدم.

سأله ديفينش: «ألديك مكنسة كهربائية هنا؟»

رد الخادم وقد بدت عليه الدهشة: «بالتأكيد يا سيدي.»

«هل استخدمتموها هنا مؤخرًا؟»

«لا يا سيدي. فكما تعرف، لقد أغلقتم الشقة هنا، و…»

«أعلم ذلك، لكن ألا تستخدمونها بمسكنكم؟»

فرِح كلاهما عندما كشف كبير الخدم عن حقيقة ربما كانا على دراية بها؛ أن الخدم، في قرارة أنفسهم، غالبًا ما يشعرون بضغينة ضد الأجهزة التي من شأنها توفير العمالة. وعليه اتضح أنهم لم يستخدموا المكنسة الكهربائية.

سأل ديفينش: «إذن، أين تحتفظون بها؟»

اصطحبهما الخادم إلى خزانة كبيرة مُدمَجة في أحد الممرات وأخرجَ لهما منها مكنسة كهربائية.

«ها هي يا سيدي.»

على الفور قام ديفينش برفع الكيس الذي يحتوي على الغبار المتجمع وفصله عن المكنسة. قال محدثًا ميليس: «إنه ليس ممتلئًا يا سيدي.»

قال كبير الخدم: «لقد أفرغته بالطبع.»

رد ديفينش: «لكن ليس منذ يوم الأحد.» وأخرج من جيبه مِطواة، وأذِن لكبير الخدم بالانصراف، وحمل الكيس إلى غرفة الطعام حيث وضعه على المائدة.

قال: «ربما أكون مخطئًا يا سيدي، لكن يبدو لي أن هذه المكنسة تنظف الملابس بكفاءة تفوق أيَّ فرشاة، كما أنها لن تبعثر ذرات الرمل كما تفعل الفرشاة. أعتقد أنه من الأفضل أن نفتح هذا الكيس.»

قال ميليس: «فكرة عبقرية يا صديقي العزيز. مزق هذا الكيس بأي طريقة. بالطبع ستظهر أي حبات رمل على هذه المائدة اللامعة المصنوعة من خشب الماهوجني.»

بمنتهى الحرص، شقَّ المحقق الكيس من جميع الأطراف، وأفرغ محتوياته القليلة على المائدة. ثم أخذ يهزها برفق، ثم وضعها بأحد أركان المائدة.

قال ميليس وهو يربت على ظهره برفق: «ليست رمالًا شاطئية، لكنها رمال على أي حال. يوجد نحو نصف أوقية من الرمال هنا بالإضافة إلى مادة أخرى.»

بدا ديفينش متحمسًا في تلك اللحظة. «هذا صحيح. إنها رمال وبعضها يميل إلى اللون الأحمر يا سيدي. لتُلقِ نظرةً عليها باستخدام عدستك المكبرة، بينما أفحص بعضًا من المادة الأخرى المختلطة بها لأُحدِّد ماهيتها.»

أخذ ميليس يفحص كميةً من الرمل، وتركه ديفينش، بعد أن عايَن الغبار والأنسجة المختلطة المأخوذة من الكيس، وقام بجولة في الغرف الأخرى الموجودة بالشقة، بعدها عاد ليجد ميليس جالسًا يدخن ويتأمل المائدة.

قال عندما جاء المحقق: «غبار لا قيمة له بانتظارك يا ديفينش. لكن ما الذي جعلك متحمسًا للغاية الآن؟»

أخذ ديفينش يفرز الغبار مرة أخرى، وفصل عنه بعض أنسجة الصوف.

«سيدي، على الرغم من أن السيد ماندر ذهب في ذلك اليوم لتناول الغداء بصحبة السيدة بيدن-هايث، فنحن نعلم أنه كان يرتدي ملابسَ مصنوعةً من صوف التويد ولم يرتدِ ملابس للعشاء عند عودته. يوحي نوع هذه الأنسجة الصوفية ولونها بأن مصدرها بذلته. ربما سيُظهر التحليل أن هذه الأنسجة منها بالفعل. ومع وجود الرمل هنا، أعتقد أننا يمكن أن نكون متأكدين تمامًا من هذه المسألة.»

قال ميليس: «إنه شيطان عديم المشاعر. لقد جلس وتظاهر بأنه يرتب المكان … لكن، يا إلهي! من أين جاءت الفتاة التي قُتلت في المصعد؟»

جلس ديفينش، وأخذ يفكر مليًّا في تلك النقطة. ثم قال: «أغلب الظن أن عمال النظافة قاموا ليلة السبت برفع قطعة السجَّاد من المصاعد ليقوموا بعملهم. من الواضح أنهم أعادوا وضع قطعة السجاد في تلك الليلة، وإلَّا لسمعنا عن بقعة الدم سريعًا يوم الإثنين.»

«أظن ذلك.»

«لكن السجادة لم تكن موجودة بالمصعد عندما قُتلت به الفتاة، إن كانت قد قُتلت بالمصعد من الأساس. لو أن ذلك ما حدث، لوجدت بقعة الدم على السَّجادة وليس تحتها.»

تمتم ميليس قائلًا: «كلام منطقي جدًّا، أتفق معك في رأيك؛ فلتُكمل حديثك.»

قال ديفينش: «هذا يوحي لي بأنها لم تُقتل في المصعد. لا يمكنني تخيُّل القاتل يرفع السجادة، ثم يطلب من الفتاة أن تدخل المصعد، ثم يقتلها.»

«إذن وُضعت بقعة الدم هناك بهدف إرباكنا؟ احتمال قائم. ربما أتت جدواه؛ فبالرغم من أن الجريمة لم تكن دمويةً للغاية يا ديفينش، فقد كانت دموية إلى حدٍّ ما. لكن عمومًا، كما نتفق أنا وأنت، عنصر الغَيرة حاضر في هذه القضية. لا يمكننا تجاهُل ذلك. لقد علَّق القاتل ضحيتَيه بغرض إذلالهما بوضعهما في ملابسَ تنكُّرية في واجهة المتجر. لو أن قتل ماندر هو الهدف المقصود، وكانت الفتاة مجرد ضحية غير مقصودة، فما من سببٍ لوضعها هي الأخرى بواجهة العرض.»

أومأ ديفينش برأسه. قال: «ثمة احتمال آخر يا سيدي وهو أن ماندر والفتاة كانا عاشقين. علاوة على ذلك، لو أن ماندر كان يفكر في إغلاق المتجر، إما لأنه توقَّع الفشل لهذا المكان في النهاية، أو لأنه كان ينوي طَوال الوقت جمع الأموال ثم الهرب بها، فربما اتفق معها على الذَّهاب معه. ألم تذكر الصحف أيَّ شيءٍ عن ذَهاب السيد ماندر إلى أمريكا الجنوبية لدراسة احتمالات تأسيس شركة أخرى هناك؟ أعتقد أنه كانت هناك أخبار عن ذلك. على أي حال، لقد جاءت الآنسة تيومر إلى هنا، لسبب أو لآخر، لزيارة ماندر.»

«سأسلم بذلك. واصل حديثك!»

«لنفترض أنها كانت في هذه الشقة عندما دقَّ أحد الأجراس. من المؤكد أن هذا إما جرس الباب الخلفي أو الباب المقابل للمصعد. وبالطبع لم يكن ذلك الجرس الذي يُقرع لاستدعاء كبير الخدم.»

«بالتأكيد، ليس في الليل.»

«حسنًا، ربما طلب ماندر من الآنسة تيومر أن تختبئ عن الأنظار. بعدها نزل أو اتجه نحو الباب الآخر في هذا الطابَق. سنفترض أنه قابل عند الباب رجلًا يحمل مسدسًا. وهذا الرجل أجبره على فتح الباب تحت تهديد السلاح. فاضطُر ماندر لإدخاله الشقة. دار بينهما حوار هنا، وربما شجار.»

«احتمال وارد جدًّا، خاصة إن كان الأمر قد انتهى بإطلاق النار.»

«حسنًا يا سيدي. إما أن ماندر اصطحب الزائر إلى السطح، أو أنه انطلق مسرعًا وحاول الهروب إلى هناك. تبعه الرجل، وسمعت الآنسة تيومر ضجيج الشجار، ووقع الخطوات أثناء الجري، فخرجت ولحقت بهما. عندما صعدت إلى هناك، كان ماندر قد تحرَّك حتى وصل إلى الرمال وسقط. عندئذٍ أطلق الرجل النار عليه. ربما صاحت الفتاة في هذه اللحظة، وعلم القاتل بافتضاح أمره. ومن ثم طاردها، وطعنها. وبسبب الظلام، ربما جاءت الطعنات عشوائية، في موضع منخفض لم يكن ليختاره في وضح النهار؛ في أسفل الظهر كما نعلم. إذا كان القاتل هو العاشق الغيور، فلا بدَّ أنه اكتشف لاحقًا ماهية زائر ماندر، وهذا يُفسِّر فعلته الأخيرة وهي تعليق جثتيهما بواجهة المتجر.»

قال ميليس: «أظن أنك أنت من فعلها يا ديفينش. مؤلفو الروايات البوليسية معهم كل الحق، بالفعل المحققون هم الأخطر والأكثر دهاءً!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤