الفصل الخامس عشر

بعدما فحص ديفينش القبعة والمعطف جيدًا، غلَّفهما وأرسلهما إلى سكوتلانديارد. بعد ذلك نظر إلى ديفيز.

«من الواضح أنها كانت تشعر هنا وكأنها في منزلها تمامًا. لقد وصلت، وخلعت مِعطفها وقبعتها لتشعر بالارتياح، ثم قُتلت فيما بعد، إما على السطح أو في المصعد. ترى أيهما قُتل أين؟ ولو أن أحدهما قُتل بالمصعد، فهل هو السيد ماندر، أم الآنسة تيومر؟»

«وهل قُتل أحدهما بالمصعد يا سيدي؟ لو أن السيد ماندر هو من قُتل به، فأين أثر الرصاصة؟ لقد وجدناها في الرمال، عندما أمرتنا بأن نبحث هناك، لذا فلا بد أنك فكَّرت …»

«تراودني الكثير من الأفكار يا صديقي العزيز؛ لأن ذلك يشعرني بالارتياح. وأخشى أنه سيطرأ بذهني المزيد والمزيد أيضًا. الاكتشاف الذي توصلت له اليوم يزعجني. هذا المصعد، على سبيل المثال، يستحق اهتمامنا.»

تركا الجزء الخاص بماندر من الشقة، وأغلقاه مرة ثانية. كانت السجادة ذات الوبر الكثيف لا تزال بمكانها على أرضية المصعد، فرفعها ديفينش بحذَر وفحص بُقَع الدم الموجودة تحتها.

وبينما كان الرقيب يُعلِّق على كلامه، تمتم قائلًا: «يقول الطبيب إنه كان نزيفًا داخليًّا إلى حد كبير. ربما كانت البقعة الصغيرة الموجودة في مِصعد البضائع، حيث عُثر على الخنجر، مصدرها الخنجر نفسه. ولم يكن هناك ما يكفي من الدماء للإيعاز بأن شخصًا ما قد طُعن هنا بالفعل.»

«لا يا سيدي، لم يكن هناك.»

«لكن هنا، بافتراض أن ما قاله الطبيب صحيح، كان يوجد الكثير من الدماء.»

«لكنه لم يكن كثيرًا بما يكفي بحيث تمتصه هذه السجادة يا سيدي.»

«وعلى أي حال، أيعقل أن يرفع القاتل السجادة ويطلب من ضحيته الوقوف داخل المصعد بينما يطلق عليه الرصاص، أو يطلب ذلك من الفتاة بينما يطعنها، ثم يعيد السجادة مكانها ثانية؟»

«بالطبع لا يا سيدي.»

«من أين يأتون بهذه السجادة؟»

«يمكنني أن أسأل يا سيدي.»

«فورًا. ولكن في هذه الأثناء، هلا تحضر لي هنا كل قطع السجاد الموجودة بجميع المصاعد؟»

شعر ديفيز بالدهشة، لكنه مضى في أداء المهمة. وعندما عاد ومعه أول ثلاث قطع من السجاد، وجد ديفينش يتحدث هاتفيًّا مع المسئول عن قسم السجاد، ويطلب منه المجيء.

وأخيرًا، أُحضرت مجموعة السجاجيد الموجودة بمصاعد هذا الجزء من المتجر ووُضعت على أرضية أحد الأروقة.

سأل ديفينش وهو يتأمل الصف الطويل بشعورٍ بالغ من الرضا: «أتلاحظ أي شيء فيها يا ديفيز؟ عندما تنظر لمجموعة من الأشياء كل على حدة، تبدو متشابهة إلى حد كبير من حيث الحالة إذا كانت جميعها جديدة تمامًا.»

«نعم يا سيدي، لكنني أرى ما تقصده الآن.»

«أتقصد أن هناك فارقًا ضئيلًا؟»

«نعم إنها جميعًا نظيفة للغاية، لكن سجادة المصعد الذي فحصناه للتو تبدو أكثر نظافة من البقية؛ بل إنها تبدو جديدة يا سيدي.»

قال ديفينش: «علينا الانتظار حتى يأتيَ رئيس قسم السجاد. سنعرف منه إن كان لديهم نسخ متطابقة منها.»

مرَّ ما يقرب من نصف ساعة قبل وصول رئيس قسم السجاد، ولكن عندما أتى، وافقهم الرأي على الفور في أن السجادة التي يشيرون إليها تبدو جديدة تمامًا. وعندما قلبها على الجانب الآخر، أسقطها من يده.

ثم أضاف قائلًا: «لكن هذا مستحيل. بالتأكيد هذه هي السجادة التي …؟»

قاطعه ديفينش قائلًا: «نعم، لكن الجانب السفلي كان ملطخًا بالدماء من أرضية المصعد، وهذا لا يعني شيئًا.»

زمَّ المدير شفتَيه. ثم قال: «لو أنها لم تكن هناك، لقلت بالتأكيد إنها ليست السجادة التي كانت موجودة عند افتتاح المتجر.»

«ألديك نسخ متطابقة من هذه القطع، لاستبدالها عندما تبلى؟»

«لا، لا توجد نسخ مطابقة. لكن قد تكون هناك قطعة مختلفة في هذه المجموعة أُرسلت كعينة عند اختيار قطع السجاد.»

«دعنا نتحقق من ذلك.»

تحرك المدير كما لو كان سيتجه إلى قسمه، ثم توقَّف فجأة وحكَّ رأسه. «انتظر لحظة؛ دعني أتذكر. يا إلهي. لقد اختار السيد ماندر تلك القطعة. لقد كانت له الكلمة الأخيرة فيما يتعلق بمعظم التجهيزات والسجاد. كان دقيقًا جدًّا في التفاصيل الصغيرة.»

«أتقصد أن العينة أُرسلت له؟»

«نعم.»

«إذن أين ذهبت؟»

«لا أعلم. ربما تكون في شقته.»

قال ديفينش: «سنذهب إلى هناك الآن، وسأكون سعيدًا إذا رافقتنا.»

لكن هذه المرة عندما دخلوا الشقة، دق ديفينش الجرس مستدعيًا كبيرَ الخدم، بعدما فتح مزلاج الباب المشترك. حضر كبير الخدم، وسأل عما يمكنه القيام به لأجلهم.

كان المحقق قد أحضر معه السجادة من أسفل. سأله وهو يرفعها له: «أتذكر هذه؟»

حدَّق إليها الرجل ثم أومأ برأسه. «إنها سجادة … سجادة غرفة البلياردو الخاصة بالسيد ماندر يا سيدي. كان يضع عليها حامل عصي البلياردو.»

حدق رئيس قسم السجاد. ثم قال: «لا، هذه السجادة من أحد المصاعد بالأسفل.»

وقبل أن يُنهيَ كلامه، اتجه ديفينش إلى غرفة البلياردو، وتبعه الآخرون على عجل.

«لا توجد سجادة أسفل حامل عصي البلياردو.»

كان كبير الخدم آخرَ من دخلَ، وحين وصل قطَّب حاجبَيه. ثم قال: «كانت هناك يا سيدي.»

قال ديفينش: «من الأفضل أن نبحث في الشقة بأكملها لنرى إن كان هناك واحدة مثلها.»

قال ديفيز: «لا يوجد مثلها. لقد فتشت الشقة بأكملها، ولم أعثر على واحدة تشبهها. لو أن هناك واحدة مثلها هنا، كنت سألاحظها، بما أنها تشبه قطع السجاد الموجودة في المصعد.»

علَّق ديفينش وهو يغمز خلسةً للرقيب قائلًا: «حسنًا، الأمر ليس بالمهم.» ثم أضاف محدثًا رئيس قسم السجاد: «لست بحاجة إلى تعطيلك أكثر من هذا يا سيدي»، وأومأ أيضًا لكبير الخدم المترقب لينصرف.

عندما غادر كلاهما، أخذ هو وديفيز يحدقان أحدهما بالآخر في صمت.

كسر ديفينش حاجز الصمت أولًا. «لقد صرنا نعلم الآن يا ديفيز أن أحدهما قُتل بذلك المصعد. لا بد أن القاتل أزال السجادة التالفة، وصعد إلى هنا وأخذ سجادة غرفة البلياردو.»

«إذن لا بد أنه شخص على دراية جيدة بمعالم الشقة، وعلى دراية بأن السجادة التي كانت هنا هي نسخة طبق الأصل من السجاد الموجود بالمصاعد بالأسفل.»

«بالتأكيد، هذا ما يبدو عليه الأمر. لكن من منهما قُتل هنا؟ هل من الممكن أن يكون هناك قاتلان من منطلق أن لدينا قتيلَين؟ أثمة احتمال أن يكون هناك شخصان تعاونا معًا لارتكاب جريمتَي القتل، أم عمِل كلُّ واحدٍ منهما على حدة؟ وأخيرًا، هل من المحتمل أن تكون إحدى الجريمتين وقعت أولًا، وجاءت الأخرى على سبيل القِصاص؟»

«ماذا تقصد يا سيدي؟»

«أقصد هل قُتلت الآنسة تيومر، ثم أُطلق النار على من قتلها انتقامًا لها؟»

«أتقصد السيد كيفيم؟»

«لا يمكننا الجزمُ بذلك. لا أرى سببًا يدفع السيد ماندر لقتل الفتاة، لكن بالطبع لا يمكنني تجاهل هذا الاحتمال.»

«وإذا كان السيد كيفيم هو من قتل ماندر، فربما شعر بمرارة شديدة بعدما اكتشف أمرهما، ما دفعه لاتخاذ قرار بعرض جثتيهما بواجهة المتجر.»

«بالضبط. حسنًا، اسمعني يا ديفيز، أريدك أن تذهب إلى جيلوفر وتتأكد من أن ويبلي لم يكن بمقدوره إخراج الطائرة الجايروكوبتر دون أن يسمعه أحد. كما تعرف، إنها من النوع الذي يمكن طيُّه ودفعه في مرأب كبير. وضَيْعة جيلوفر ليست مكانًا مأهولًا بالسكان، ولا يمكننا الجزم بأن الطائرة لم يتم إخراجها من المرأب ودفعها لمسافة ما، حيث لا يمكن سماع صوت المحرك من الضيعة. وهذا من شأنه أن يفسر أيضًا الآثار الموحلة. إحدى النقاط التي أثارها ويبلي هي أن أرضية الإقلاع كانت مفروشة بمادة صُلبة. لكنه إذا أخذ الطائرة إلى أحد الحقول وقام بتشغيلها هناك، فسيكون الأمر مختلفًا.»

عندما ذهب ديفيز، جلس ديفينش وأخرج مفكرته وقلمه.

حدَّث نفسه قائلًا: «سأسجل التوقيت الذي ذكر المشتبه بهم أنهم تواجدوا خلاله بالخارج ليل الأحد»، وعلى الفور شرَع في تدوينها.

السيد كيفيم. من الساعة الحادية عشرة إلا ربعًا إلى الساعة الثانية صباحًا.

الآنسة تيومر. تركت شقتها عند الساعة العاشرة إلا ربعًا.

أضاف: «لكنها، بالمناسبة، ليست أحد المشتبه بهم»، ومحا ما كتبه.

السيد كين. من الساعة التاسعة والنصف إلى الساعة الحادية عشرة والنصف.

بيدن-هايث. ترك منزل ليفورت في حوالي العاشرة، وعاد إلى النادي عند منتصف الليل.

أخذ يُحدِّق إلى هذه الأوقات ويُفكِّر. «هذا يعني أن جريمة القتل وقعت بين الساعة العاشرة والثانية صباح اليوم التالي؛ هذا إذا ما صدَّقت أقوال الرجال. لست متأكدًا من قدرتي على ذلك، باستثناء السيد بيدن-هايث الذي رآه بواب النادي.»

رأى أن من الأفضل عمومًا أن يذهب لإثارة قلق بيدن-هايث مرة ثانية، وعلى الفور اتصل بالنادي الخاص بالشاب. ذكر للمتحدث اسمه وعمله ليضمن الحصول على ردٍّ مباشر، فقيل له إن السيد بيدن-هايث ليس بالنادي، لكن ربما يعود قبل العشاء، تحديدًا عند الساعة السادسة والنصف.

لذا قضى ديفينش بعض الوقت في فحص مكان المصعد، والتركيز أكثر على تفصيلة كان يعرفها بالفعل لكن لم يُولِها الكثيرَ من الاهتمام.

كانت هذه التفصيلة هي حقيقة أنه يوجد في كل قسم من الأقسام الثلاثة بالمتجر، وبكل الطوابق، باستثناء الطابَق العُلوي في الجزء الذي ارتُكبت فيه الجريمة تحديدًا، مدخل للتنقل عبر الأقسام، أو ممرات، تربط طرف كل طابَق بالطرف الآخر.

أما في الطابَق العُلوي، حيث كان يوجد ديفينش الآن، كان الوضع مختلفًا. فقد كان السيد ماندر حريصًا جدًّا على الخصوصية لدرجة أنه، باستثناء الباب الوحيد الموجود، عزل نفسه عن غرفة الخدم وعزل غرفة الخدم عن باقي أجزاء الطابَق العُلوي عن طريق جدار لا يوجد به أي باب مطلقًا.

كانت المخازن تشغل مساحة الجزء المتبقي من هذا الطابَق العلوي، ومنها يهبط مصعد البضائع، لكن أي شخص بشقة ماندر لا يستطيع أن يصل إلى المخازن إلا عن طريق النزول للطابَق السفلي والسير حتى الوصول إلى مصعد البضائع.

بعد أن رسم رسمًا صغيرًا بُدائيًّا للغاية، لكنه كافٍ للغرض منه، لهذه السمة تحديدًا، غادر ديفينش المتجر وتناول بعض الطعام. بعد ذلك توجَّه إلى سكوتلانديارد، وقابل السيد ميليس، الذي وافقه الرأي في أنه لا ضرر من إثارة خوف بيدن-هايث قليلًا؛ ومِن ثَم غادر ديفينش متجهًا إلى نادي جيمسون.

كانت تحيته فاترة بينما كانت تحية بيدن-هايث تحمل امتعاضًا واستياءً، ورغم ذلك دُعي لغرفة نوم الشاب مرة أخرى، وجلس ليبدأ حملته الاستفزازية.

قال بنبرة استرضائية: «لست هنا هذه المرة لإثارة قلقك يا سيد بيدن-هايث. ما كان ينبغي أن أزعجك لولا أننا توصلنا إلى بعض الأدلة التي تؤثر على موقفك … لنقُل الآمن؟»

أسفرت هذه الملاحظة البريئة عن نتيجة غير متوقعة.

فقد جحظت عينا بيدن-هايث من محجرَيهما، وسرعان ما شحب لونه. ثم صاح قائلًا: «ماذا تقصد بحق الجحيم؟»

«أقصد الحارس الذي كان في الخدمة تلك الليلة.»

يبدو أن هذا لم يطمئن الشاب، رغم محاولته إظهار عدم اهتمامه. قال: «وما عَلاقة هذا بي؟»

«أعلم أنك مَن رشَّحته ليشغل هذه الوظيفة.»

«أعتقد أن والدتي هي مَن فعلت ذلك أيها المحقق.»

رد ديفينش بجفاءٍ قائلًا: «إذن أعتقد أن هذا هو السبب وراء قدومه لشكرك!» ثم أضاف محتدًّا: «من فضلك يا سيدي، لا داعي للمراوغة. نعلم أنه كان جاسوسك في المتجر. لقد أخبرَنا بنفسه بذلك، وأخبرَنا أيضًا أنك كنت بالفعل السبب وراء تعيينه.»

حاول الشاب أن يحافظ على رباطة جأشه. فقال: «حسنًا، هذا صحيح تمامًا. لكنني لا أرى صلةً لي بكل ذلك حتى الآن.»

«كل ما هنالك يا سيدي أنه نظرًا لأنك تهتم لأمره، وسلوكه ليلةَ وقوع الجريمة لا يمكن تفسيره، حتى إننا قد راودَتنا شكوك بالغة …»

«يا إلهي، هذا هراء! مان رجل صالح. ولم يكن ليؤذيَ ذبابة، وما من سبب يدفعه لكُره ماندر. في الحقيقة، يمكنني القول إنه جبان، وعصبي للغاية كقط مذعور.»

«وجندي نظامي قديم؟»

«نعم، لكن الجنود قبل سنوات لم يكونوا يتوقعون خوض حرب ضخمة. لقد انضم الكثير منهم فقط ليؤمن لنفسه وظيفة.»

«لنتحدث عن النقطة المهمة يا سيدي. في تلك الليلة لم تكن هناك جريمتا قتل بالمتجر فقط، بل إن إحداهما ارتُكبت في مِصعد للركاب، ولدينا سبب قوي للاعتقاد بذلك. بعدها نزل القاتل للأسفل مستقلًّا مِصعدًا للبضائع، أو لنقل إنه استخدمه على أي حال. الآن لا يمكننا تصديق أن مِصعدَين استُخدما في تلك الليلة دون أن يرى الحارس أحدًا أو يسمع شيئًا.»

«لماذا لا تسأله هو، وليس أنا؟ ما عذره؟»

«اعترف أنه يعاني من الأرق نهارًا، ويقول إنه يشعر بالنعاس ليلًا، وتلك مشكلة خطيرة بالنسبة إلى رجل كان يقوم بمهام عمله حينها.»

وأضاف تفسيرًا بخصوص الجهاز المثبت في كابينة الحارس، وأوضح حقيقة أن سلك التوصيل قد قُطع.

سأل بيدن-هايث بنظرة شك واضح: «وهل اعترف أنه فعل ذلك؟»

«لم يكن ليعترف بذلك إذا لم يكن هو من فعلها حقًّا إلا إذا …»

«إلا إذا ماذا أيها المحقق؟»

«إلا إذا كان قد اختلق عذر الأرق ليُبرر عدم سماعه أو رؤيته أي شيء.»

«إذن هل تعتقد أنه مُذنِب وارتكب جريمتَي القتل دون وجود أي دافع؟»

«لا يمكننا الجزم بذلك بعدُ يا سيدي. ثمة تفسير آخر مُحتمَل. وهذا إلى حدٍّ ما الذي دفعني للقدوم إلى هنا.»

عضَّ الشابُّ شفته، وبدا عليه الحذر الشديد. «إنه سمع شيئًا ما؟»

«وأنكر ذلك. نعم.»

«لكن إذا لم يكن هو من ارتكب جريمتَي القتل أيها المحقق، فلماذا يُنكر ما سمِعه؟»

قال ديفينش بجفاءٍ أكثر من ذي قبل: «ربما يحاول التستر على شخصٍ ما. أتخيل أن السيناريو هنا يدور حول رجل تربطه بشخصٍ ما عَلاقة صداقة ومعاملة حسنة. وقد رأى هذا الشخص، لكنه لم يشأ أن يوشيَ به.»

فجأة تصبَّب جبين بيدن-هايث عرَقًا، وأخذ يُحدِّق إلى المحقق كما لو كان منوَّمًا مغناطيسيًّا.

ثم قال متلعثمًا: «لا تعجبني نبرة صوتك أيها المحقق.»

«معذرة يا سيدي، لكن هذا هو مربط الفرس. لقد ساعدت مان في الحصول على هذه الوظيفة. وعُثر على عُلبة ثقابك بالخارج في الممر.»

«لكن، يا إلهي! أنا لم أدخل هناك من الأساس. أخبرتك أنني قرعت الجرس فترةً طويلة حتى سئمت.»

«لدينا أقوالك فقط يا سيدي بدون دليل.»

شهق بيدن-هايث ثم هزَّ كتفَيه. قال: «تمهل لحظة. أفهم ما تعنيه. أعلم أن الأمور تبدو منطقية من وجهة نظرك. لكن أقسم لك إنني لم أدخل المبنى. أنا أحمق لعين لأنني اقتربت منه.»

«ولكن بما أنك اقتربت منه يا سيدي، فسوف يبدو الأمر حرجًا للغاية إذا تحتَّم عليك الإدلاء بشهادتك.»

تساقطت قطرة عرق على خد الشاب. «يبدو موقفي سيئًا. أعترف بذلك. لكن ما الذي يمكنني فعله؟ لا أستطيع إحضار أي شاهد ليُثبت أنني لم أدخل المبنى.»

نظر إليه ديفينش نظرة ثاقبة، وحاول أن يجعل نظرته مُحمَّلة بأكبر قدر مستطاع من الرصانة والجدية.

«حسنا يا سيدي، عليك أن تفسر الأمر بطريقة ما، أو تتحمل العواقب. لو أن مان لم يكن يشعر بالنعاس كما ذكر، ولم يكن ينتبه إلى واجباته الوظيفية، تُرى ماذا كان يفعل؟ إذا رفض التصريح بأنه رأى شيئًا، فإما أنه يكذب، أو يقول الحقيقة. بفرض أنه يقول الحقيقة، فأين كان عندما تحرك المِصعدان لأعلى وأسفل؟ أعتقد يا سيدي أنه لم يذهب إلى الباب الخلفي المفتوح على الممر ليتحدث إليك، أليس كذلك؟»

لعق بيدن-هايث شفتَيه الجافتين. ثم قال: «نعم، لم يفعل ذلك.»

نهض ديفينش.

«حسنًا يا سيدي، بما أنك لا تستطيع تقديم أي تفسير لهذه التناقضات في أقوال مان، أخشى أنني يجب أن أبلغ سكوتلانديارد بهذه التفاصيل. بعدها سيحددون إن كان هناك داعٍ لاستدعائك للإدلاء بشهادتك عند استئناف التحقيق.»

نظَر إليه بيدن-هايث في يأس، ثم سارع بالتطوع بالإدلاء بشيء ما.

قال: «لا أهتم كثيرًا بنفسي، لكن لا أريد أن يقع هذا المسكين في مشاكل إذا كان بإمكاني المساعدة.»

جلس ديفينش مرة ثانية. «إذن يا سيدي، دعني أسمع ما لديك.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤