الفصل الرابع

خرج طاقم العاملين من غرفة السيد ماندر، وجلس السيد ميليس في حالة من التوتر الشديد، مُمسكًا بسيجارة بين أصابعه الطويلة، وعيناه البنيتان الضاحكتان مُثبَّتتان على وجه المحقق ديفينش.

وهمهم بنبرة ودودة قائلًا: «لا يبدو أن هناك أيَّ دليل مادي يمكن الإمساك به، أيها المحقق، سوى مسألة الطائرة الجايروكوبتر.»

أجابه ديفينش: «ما يهمُّني أكثر يا سيدي هو الشخص الذي موَّل السيد ماندر. لا يمكنني فهْمُ ذلك. يبدو كأنه ظهَر فجأةً من العدم، وحتى لو كان عبقريًّا في مثل هذه الأمور، فمن أين أتى بالمال؟»

قال مساعد المفوض، وهو يضع سيجارته ويبتسم ابتسامةً واهية للغاية لفكرة خطرَت بباله: «أها، هذا ليس صعبًا للغاية كما يبدو. لكن لكونه بسيطًا — على الأقل أعتقد أنه كذلك، إذا كانت للشائعات أي أهمية — فإنه لا يُثير اهتمامي.»

«إذن، فأنت تعلمُ يا سيدي من كان وراءه؟»

«لا أعرف بالضبط أيها المحقق، لكن المرء يجمع المعلومات بينما يتلمَّس طريقه؛ لا أعرف بالضبط إن كانت المعلومات حقيقية وجديرة بالتصديق، كما تعلم، ولكني أتساءل عن احتمالية كونها غير ذلك.»

«إذن، إذا سمحت لي يا سيدي أن أسألك، من تعتقد أنه قد يكون وراء هذا المتجر؟»

عاد السيد ميليس للعبث بسيجارته مرة أخرى. وقال: «بصراحة، تشير الشائعات إلى أن السيدة بيدن-هايث هي مفتاح اللغز. إنها أرملة ذلك الرجل، صاحب شركة الشحن في بوينس آيرس كما تعرف.»

قال ديفينش: «في الثالثة والأربعين من عمرها، وتتمتع بقدر من الجمال. رأيت صورها في الصحف التي تتناول أخبار المجتمع. ولكن لماذا وقع الاختيار على السيد ماندر بالذات يا سيدي؟»

هز ميليس كتفَيه. وقال: «كان ماندر يعمل كاتبًا إداريًّا لدى المحامين الريفيين في فولبيري، حيث تقع ساحة بارستون كورت، مقر سكنها. الحب يجعلك تضل الطريق، أيها المحقق.»

أجابه ديفينش: «هو كذلك يا سيدي. وهذا يُضفي وجهًا آخرَ على الأمر. ولكنك ذكرت الطائرة الجايروكوبتر، يا سيدي، فما اعتقادك بشأنها؟»

«اعتقادي أنا؟ ظننت أنه اعتقادك أنت. الأثر الضيق والأثر العريض، كما تعلم. بدا لي أنك اعتبرت فكرة هبوط الطائرة على السطح الليلة الماضية، لنقل، خدعة بصورة أو بأخرى؟»

فكَّر ديفينش في الأمر مليًّا. ثم قال: «كما ترى يا سيدي، يبدو أن الفاعل من داخل المتجر. شخص ما كان يعرف ماندر وعلى دراية تامة بالمكان. ولكن لن أركن إلى هذه الفكرة رغم ذلك. بالطبع خطَر لي أنه إذا كانت الطائرة الجايروكوبتر قد هبطَت على السطح بالفعل، كانت لتترك بإطاراتها أثرًا أعرض من الأثر الموجود بالأعلى. كما أن الشخص الذي توخَّى مثل هذا القدر من الحذر وهو يرتكب جريمته، لم يكن ليترك آثار إطارات موحلة.»

قال ميليس متفقًا معه في الرأي: «وبما أن الطيارين المتخصصين في قيادة الجايروكوبتر نادرون، ويَسهُل معرفتهم، فإن المشكلة الوحيدة هنا هي الوحل. هل جُلِبَ إلى هنا؟»

هزَّ ديفينش كتفيه. وقال: «يجب أن نعرف نوعية الطين، والأماكن التي هطلت عليها الأمطار الليلة الماضية، إن كانت قد أمطرت في أي مكان من الأساس. فلم يكن الرجل سيقلع من مستنقع. وكبداية، سأتقصى عما إذا كانت قد أمطرت بالقرب من منزل السيد ماندر الريفي الجديد الليلة الماضية.»

تناول ميليس الهاتف الموجود على المكتب أمامه. وقال: «سوف نعرف ذلك من رجال الأرصاد مباشرة.» ثم أدلى برقم وعاد مرةً أخرى لحديثه مع ديفينش. «ألديك فكرة عن تلك الإطارات الاحتياطية الموجودة بورشة السيد ماندر؟»

«كان بإمكان أي شخص أن يدفعها عبر السطح، إذا كان قد لطَّخها بالوحل قبلها، ثم نظفها بعد ذلك، يا سيدي. يجب أن نتذكر أنه بمجرد صعود هذا الشخص إلى شقة ماندر، كان يمكنه أن يفعل أي شيء دون أن يسمعه أو يزعجه أحد.»

أومأ السيد ميليس سريعًا، ثم تحدث في الهاتف.

«أمطار غزيرة لمدة خمس وأربعين دقيقة؟ في أي وقت؟ العاشرة والنصف؟ شكرًا لك. هذا كل ما أريد أن أعرفه.»

نظر إلى المحقق. فبادله ديفينش النظرات. ثم قال: «أهناك ولو بصيص من الأمل؟»

زمَّ ديفينش شفتَيه. وقال: «مَن اخترع هذه الطائرة الجديدة؟ هذا ما أريد معرفته. لقد قابلت السيد كين — مدير قسم الطائرات — للتو، ويبدو أنه يعتقد أن ورشة ماندر وتجاربه العبثية ما هما إلا وسيلة للتصنع وادعاء المكانة.»

«حقًّا؟ ولماذا عساه يفترض ذلك؟ هل هو خبير بأيِّ حال؟»

قطَّب ديفينش جبينه. ثم قال: «في الواقع لم أكن أفكر فيه يا سيدي، ولكن أذكر الآن أنني قرأتُ عنه في الصحف، عندما كانوا يعلنون عن المتجر في البداية. طيار شهير سوف يتولى إدارة قسم الطائرات، أليس كذلك؟»

«أعتقد ذلك.»

همهم المحقق قائلًا: «يعمل داخل المبنى، ودخل شقة ماندر وورشته مرة واحدة فقط. إن كان هناك أي صلة أخرى، فلا بدَّ أن أُحقق في الأمر.»

ابتسم ميليس. وقال: «لقد رأيت رجلًا بدينًا مؤخرًا، أعتقد أنه مساعد المدير. ربما يكون رجل أعمال ناجحًا، لكني أراه شخصًا لينًا سلسًا؛ من أولئك الذين يمكن محاصرتهم بالأسئلة لانتزاع المعلومات منهم.»

«هل أسمح له بالدخول يا سيدي؟»

«يُستحسن ذلك.»

خرج ديفينش وعاد في الحال مع مساعد المدير، السيد كرايت. طلب منه الرجل الجالس على المكتب أن يجلس وقدَّم له سيجارة وابتسم له ابتسامة ودودة.

«أنا متأكد من أنك كثير المشاغل للغاية يا سيد كرايت، لكنني أعلم أنك ستساعدنا. نحن بحاجة إلى بعض العقول المفكرة من الجانب المدني، ولن نُعطِّلك كثيرًا. إنها مجرد مسألة شكلية لتكوين رؤية دقيقة بخصوص العلاقات التي تجمع الموظفين هنا؛ أقصد الموظفين التنفيذيين. فكلما أسرعنا في إنجاز العمل الروتيني والانتهاء منه، تمكنَّا من التعامل مع القضية أسرع.»

كان السيد كرايت متعاونًا تمامًا. فقال: «يسعدني أن أخبركما بما أعرفه.»

«حسنًا! لنبدأ. الآن، هل كان السيد كيفيم المدير على عَلاقة جيدة بالسيد ماندر الراحل؟»

حكَّ السيد كرايت رأسه. ثم قال: «أجل، تمامًا. يمكنني القول إنها كانت عَلاقة جيدة للغاية. نحن هنا في العموم بمثابة أسرة واحدة سعيدة.»

رفع السيد ميليس حاجبَيه. وسأله: «في العموم؟ هذا بقدر ما يمكن للمرء أن يتوقع، على ما أظن. فلا يمكن أن نتوقع أن يكون عشرات الرجال على اختلاف طبائعهم أخلاء مقربين، أليس كذلك؟»

ضحك السيد كرايت قائلًا: «ولكن المشاحنات البسيطة التي كانت تحدث لا ترقى إلى ذكرها؛ فالأمر لا يتجاوز مجرد نوبات غضب لا أكثر. تتفهم بالطبع أن إدارة مكان ضخم كهذا لا بدَّ أن تثير الأعصاب في بعض الأحيان.»

قال ميليس ورأسه مائل على جانب واحد كعُصفور متألِّق: «ولكن يبدو لي الأمر غريبًا نوعًا ما أن يتجرَّأ أحد كبار الموظفين حتى على إظهار عصبيته ﻟ… لرئيسه في العمل.»

سارع السيد كرايت إلى توضيح الأمر. فقال: «أوه، بالطبع لم يكونوا لِيجرُءوا على ذلك مع السيد ماندر. لقد كنت أقصد فيما بيننا.»

«هل لي أن أطلب أسماء من بينهم ضغائن؟»

«حسنًا، لقد انتهى كلُّ شيء الآن، ولكن كانت ثمة مشاحنة بين مدير قسم الشحن ومدير قسم الأثاث. شجار إداري بحت، إذا جاز لي أن أصفَه كذلك.»

«فيما عدا ذلك، هل يمكن أن نعتبر أن بقية الموظفين التنفيذيين أصدقاء جيدون؟»

«حسنًا، لا. الصداقة شيء آخر. فخارج نطاق عَلاقاتنا بالعمل، قد يكون هناك قدر من العداء. أعني أنه إذا اجتمع الرجال، كما نحن مجتمعون، فليس بالضرورة أن يحب أحدهم الآخر.»

«هلا أعطيتني مثالًا؟»

نظر إليه كرايت بحذر، لكن تعبير وجه ميليس كان لطيفًا وبارعًا، وكان حبه للشائعات والنميمة حبًّا جمًّا، لدرجة أنه راح يُسهب في توضيح عبارته بالتفاصيل. «كيفيم وكين لم ينسجما أبدًا. لكن يمكنني أن أتفهَّم ذلك. فالسيد كيفيم ارتقى في عمله بجهده. إنه يتقاضى راتبًا جيدًا الآن، ويستحق ذلك، ولكنه ترقى بجهده. أما السيد كين، فيمكنني القول إنه مُتعجرف بعض الشيء؛ أعني أنه قد أظهر من خلال طريقته أنه يستهين بالسيد كيفيم.»

تمتم السيد ميليس مُلقيًا نظرة سريعة على ديفينش قائلًا: «بينما كان يجب رسميًّا أن يحترمه؛ ولكن في النهاية، نحن هنا فقط للتحقيق في مقتل السيد ماندر. لم يكن السيد كين على عَلاقةٍ سيئة بالقتيل، أليس كذلك؟»

«أوه، كلا. على العكس تمامًا. كان السيد ماندر فخورًا بتعيين أحد الحاصلين على وسام الخدمة المتميزة هنا، وكان كين دائمًا لطيفًا معه.»

طرح ديفينش سؤالًا: «من قاد الطائرة الجايروكوبتر في تلك المرة التي هبطَت فيها على السطح هنا؟»

«من قادها؟ هلا تدعني أرى؟ أوه، إنه الميكانيكي الذي ساعد السيد ماندر في تجاربه في الريف. ماذا كان الاسم … ويبكن … ويفن … لا ويبلي. أتذكَّر هذا الرجل جيدًا؛ لأنني طلبت منه أن يشرح الطريقة التي يعمل بها هذا الشيء، وبدا لي أنه في غاية الغباء.»

قال المحقق: «على الرغم من أنه كان قادرًا على قيادة هذا النوع الصعب من الطائرات؟»

ضحك ميليس. وقال: «صديقي العزيز، عندما كنت في غرب أفريقيا، كان لديَّ سائق زنجي. لقد كان سائقًا خبيرًا، لكنه أحمق تمامًا. بعض الأشخاص شديدي الحماقة تجدهم عباقرةً في الميكانيكا.» ثم التفت إلى كرايت، وأضاف قائلًا: «حسنًا، نحن ممتنون كثيرًا لك. بالمناسبة، هل تتصل أي من هاتين السماعتين بشقة السيد ماندر في الطابَق العُلوي؟»

قال السيد كرايت: «هذه»، ورفعها.

قال ميليس: «هل تُمانع في أن تطلب من كبير خدمه الحضور إلى هنا؟ شكرًا لك. لن نُعطِّلك أكثر من ذلك.»

اتصل السيد كرايت بكبير الخدم وطلب منه النزول ثم غادر الغرفة. وحدَّق ميليس إلى ديفينش.

ثم سأله: «الآن هل ترى لذلك صلة بالجريمة، أم أنه ليس كذلك؟» وأضاف: «بصرف النظر عن النزاعات الإدارية، لدينا كين وكيفيم الكلاب الوحيدة التي تنبح وتعض.»

قال ديفينش متأملًا: «يمكنني أن أتخيل. يمكنني أن أتخيل ذلك، لولا وجود تلك الفتاة في القضية يا سيدي. قد يرغب رجل في قتل زميله وإلقاء التهمة على شخص آخر لا يحبه، لكنه لن يقتل فتاةً ليزيدَ الأمور سوءًا، ولا يمكنه معرفة إن كان الرجل الآخر ليس لديه حجة غياب.»

قال ميليس: «لكن لنفترض أن الرجل الآخر هو كيفيم؟ كان لدى كين وسيلة لمعرفة أن كيفيم كان قادمًا إلى هنا الليلة الماضية. لا؛ هذا غير وارد؛ لأنه لا يحتمل أن كيفيم كان سيأتي على متن طائرة، وإذا كانت تلك العلامات الموجودة على السطح لا تشير إلى هبوط فعلي، فقد وُضعَت هناك للإيحاء بأن القاتل قد وصل إلى هنا جوًّا. ولكن لنفترض أن كيفيم كان عازمًا على ارتكاب الجريمة وإلقاء التهمة على كين. فهل سيكون ذلك احتمال أفضل؟ كما تقول، فإن كيفيم قناص بارع.»

قال ديفينش: «ما زال لدينا الفتاة. لماذا يقتل خطيبته؟»

اتكأ ميليس في مقعده، وأشعل سيجارةً أخرى، وأغمض عينيه نصف إغماضة. لقد كان ممثلًا هاويًا بارعًا، وكان إقحام هذه الهواية في عمله هو الشيء الوحيد الذي كان مرءوسوه يأخذونه عليه.

«ثمة جانب نفسي في هذه الجريمة يبدو أنه لم يخطر ببالك، أيها المحقق. وإذا كان قد خطر لك، فأنا أعتذر. إلامَ يشير قتل رجل وامرأة في واجهة متجر حيث سيكونان ظاهرَين للعيان لا محالة؟»

قال ديفينش: «انتقام يكتنفه أمر شخصي وشعور بالمرارة. إنها ليست جريمة قتل لتحقيق مكسب ما. أعلم ما تقصده يا سيدي.»

أومأ ميليس. وقال: «ماندر صاحب سلطة. في يده الترقيات وزيادة الرواتب. يبدو — فقط أقول يبدو — أنه قد سلب لُبَّ امرأة ثرية، بينما كان لا يزال في مكانة متواضعة. ومع وجود فتاة أفقر منه تحت سيطرته، فقد يُنصِّب نفسَه إلهًا عليها.»

عضَّ ديفينش على شفته. وقال: «الأدلة تتجه في هذا الطريق يا سيدي، ولكن …»

طرق كبير الخدم الباب ودخل ليعتذر عن تأخره. طلب منه ميليس أن يجلس، ثم انحنى وأمسك صندوق رسائل، وأخذ منه سكينًا رفيعًا، مقبضه مُغطًّى بمنديل ورقي، ووضعه على الطاولة.

«أعتقد أنه من المستحيل أن يكون هذا قد جاء من شقة سيدكَ، أليس كذلك؟»

حمَل كبير الخدم نفسَه على إخفاء قشعريرة طفيفة سرَت في جسده. «معذرة يا سيدي. هل لي أن أنظر إليها عن قُرب؟»

أومأ ميليس برأسه، وكشفَ المقبض برفق، وحرَص على عدم ملامسة أصابعه له. وقال: «حسنًا؟»

قال كبير الخدم: «أعتقد أنني أتذكرها. أعتقد أنها العيِّنة التي عرضَها عليه السيد وينسون على العشاء في إحدى الأمسيات.»

ضغط ميليس عليه للحصول على المزيد من التفاصيل، وأعطاه كبير الخدم ما يريد. تناول أحد المُصنِّعين المعروفين في برمنجهام العشاء في الشقة ذات ليلة. ناقش هو وماندر عقد صفقة لإنتاج نصف مليون «خنجر شرقي»، لتصنيعها في برمنجهام، وبيعها في القسم الشرقي للتذكارات وقَطَّاعات الورق. كان المُصنِّع قد أحضر معه عيِّنة، ووضعها على الطاولة. واحتفظ بها السيد ماندر، و…

قال ميليس: «إذن أسرع إلى أعلى وانظر إن كان ما زال هناك.»

قال ديفينش: «سأصعد معه يا سيدي. لقد أغلقت هذا الجزء من الشقة. من الواضح أن هذا الهاتف يتصل بالخدم …»

قال كبير الخدم وقد همَّ واقفًا: «يتصل بحجرة المؤن الخاصة بي يا سيدي.»

سأل المحقق عندما صعِدا إلى أعلى بعد دقيقة: «أين احتفظ السيد ماندر بالخنجر؟»

«على الطاولة المذهبة في غرفة الاستقبال يا سيدي.»

أومأ ديفينش، وأخرج مفاتيح الشقة من جيبه، وتوقف المصعد.

تقدَّمه كبير الخدم إلى غرفة الاستقبال بعد لحظات قليلة، واتجه إلى الطاولة المذهبة، وأطلق صيحةً خافتةً قائلًا: «لقد اختفى، يا سيدي! كان هنا أمس، عندما دخلت بعد الغداء لأتأكد أن المِدفأة مشتعلة.»

قال ديفينش: «هل أنت متأكد من أنك تعرفه جيدًا؟»

«متأكد يا سيدي. لقد أُتيحت لي فرصة لرؤيته على الطاولة، ورأيت تلك العلامات المتعرجة على النصل، والمقبض ذا الشكل الغريب.»

أومأ ديفينش، وسمح للرجل بالانصراف، وأخبره بأن بإمكانه العودة إلى مسكنه. ثم أعاد إغلاق الشقة وعاد إلى مساعد مفوض الشرطة.

رفع ميليس حاجبَيه مستفسرًا وعلم أن السكين، أو الخنجر، قد اختفى بالفعل من الشقة الكائنة بالطابَق العُلوي، ثم وقف وقال: «حسنًا يا ديفينش، لديَّ شهية لتناول الغداء، ولديَّ موعد بعد ذلك. تعالَ معي ولتبلغ عن الأمر في المساء، هل ستأتي؟»

أجابه المحقق: «نعم يا سيدي. لقد أرسلت الرقيب للتحقيق في شقة الآنسة تيومر. أعتقد أنني سأذهب إلى هناك بنفسي بعد أن أتناول الطعام.»

قال ميليس بأسلوب الممثلين الهواة الرائع المميز له: «فلتفعل!» ثم التقط قفازه وقبعته — لم يكن يرتدي المعاطف قط — وخرَج.

بعد خروجه جلس ديفينش لبعض الوقت يطرق بأصابعه على ركبتيه مستغرقًا في التفكير. وكان لا يزال على الحال نفسه عندما دخل الرقيب، وألقى عليه التحية، واقترب منه.

أخبر ديفينش قائلًا: «أخبرني حارس البناية أن الآنسة تيومر قد خرجت مساء أمس في الساعة العاشرة إلا الربع ليلًا، ولكنها لم تَقُل إلى أين كانت ذاهبة.»

«والسيد كيفيم؟»

«يعتقدون أن السيد كيفيم قد خرَج بعد الساعة الحادية عشرة، ولكن لم يرَه أحد عائدًا مرة أخرى.»

«هل هناك أي حارس ليلي عند تلك الشقق؟»

«نعم يا سيدي ولكنه لم يلحظ عودةَ السيد كيفيم. ورأيت أنه من الأفضل أن أعود لأخبرك بذلك، دون الانتظار لإجراء أي تحقيقات أخرى.»

أومأ ديفينش. ثم قال: «أنت مُحق تمامًا. فالتوقيتات مهمة؛ أحدها، على الأقل. سوف أذهب إلى هناك بنفسي هذا المساء، لذا لا تشغل نفسك بهذا الأمر ثانيةً. أريدك أن تفحص الأرض هنا جيدًا وتقوم بعمل خارطة للطريق الذي ربما اتخذه القاتل إذا حمل أحد القتيلين أو كليهما من المصعد حتى واجهة المتجر.»

«مصعد البضائع يا سيدي، حيث وُجِد الخنجر، أليس كذلك؟»

«بالضبط. وبعد انتهائك من ذلك، أريدك أن تُجريَ بعضَ التحريات عن الحارس الليلي. اذهب إلى السيد كرايت لطلب العنوان. لا أريد أن يعرف الرجل شيئًا عن ذلك. بالمناسبة، هل رأيت السيد كيفيم في أي مكان بالمبنى؟»

«لا يا سيدي. أظن أنه لم يَعُد.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤