الفصل الثالث

الأديرة

(١) قبل الفتح العربي

إن المؤرخين الذين كتبوا عن هذه الأديرة على تعدد جنسياتهم وعصورهم لم يتفقوا على عددها بل اختلفوا في ذلك اختلافا بينا. وهذا أمر يدرك بسهولة للمطلع على أقوالهم. غير أننا نرى أن هذا الاختلاف لا يرجع إلى حقيقة عدد هذه المنشأت نفسها وانما سببه في الواقع راجع إلى اختلاف حقيقة ما كان يطلق عليه اسم الدير في العصور المختلفة.

فما كان يطلق عليه في العصور الأولى اسم دير لم يكن كالأبنية التي في وادي النطرون في عصرنا المسماة بهذا الاسم التي هي حصون منيعة لايمكن اقتحامها إلا بقوة المدافع، بل كانت بيوتا منحوتة في الجبال أو مصنوعة من القصب أو فروع الشجر أو جريد النخل. وكان في تلك العصور يطلق على كل مجموعة من هذه البيوت كبيرة أو صغيرة اسم الدير. وكان يتألف من سكان كل مجموعة طائفة خاصة من الرهبان لها رئيسها وكنيستها ومستودع مؤونتها ومثوى النازلين بينهم من الغرباء.

وهذه الحالة كانت نتيجة استتباب الأمن في هذه الربوع. ثم عندما أخذت حبال هذا الأمن تنصرم فيما بعد بظهور قبائل البربر شرع رهبان كل مجموعة في تشييد برج لهم ليحتموا فيه اذا أغار عليهم هؤلاء البربر. ويظهر أن هذه البروج كانت فاتحة القيام بأبنية انتهت في أطوارها إلى الأديرة الحالية بالكيفية التي نراها عليها الآن التي لا يخلو واحد منها من أن يكون بداخله برج عاصم يلتجئ اليه الرهبان اذا اقتحم البربر الدير نفسه

ولقد ضرب لنا كاترمير مثًلا فيما رواه بالمجلد الأول من كتابه ص ٤٧٧ قال:

بعدما خمدت نيران الاضطراب التي أشعلها البربر أصلح سانوتيوس (شنوده) البطريرك الخامس والخمسون (سنة ٨٥٩–٨٨١م) دير القديس مقار وأحاطه بسور منيع ليقيم فيه الرهبان والنصارى آمنين غارتهم. ا.ﻫ.

فتلك هي الأسباب التي دعت إلى اقامة الأديرة على الطراز الذي نراها عليه اليوم

وقال كيرزون في كتابه (زيارات أديرة الشرق ص ٧٩) إن أول من ذكر معلومات عن الاديرة في عهدها الاول هو روفان “Rufin” الذي زار صحراء شيهات عام ٣٧٢م وذكر أن عددها كان خمسين ديرًا. وأضاف كيرزون إلى ذلك أن بالاديوس الذي زار أيضًا هذه الصحراء عام ٣٨٧م قدر عدد الرهبان فيها بخمسة آلاف راهب. فيكون متوسط عدد الرهبان في الدير الواحد مائة راهب.

ويبدو لنا أن عدد الأديرة لم يجاوز الخمسين مطلقًا وهو العدد الذي قدره روفان.

هذا، ومن ناحية أخرى فان الرهبنة كما سبق القول عند الكلام على سيرة القديس أرسانيوس المتوفي عام ٤٤٥م وإن كانت قد بلغت في عهد هذا القديس ذروة مجدها، إلا أن عدد الرهبان أخذ يتضاءل من بعده إلى أن بلغ في منتصف القرن السادس الميلادي نحو ٣٥٠٠ راهب. فمن الصعوبة اذًا تصديق زيادة عدد هذه الاديرة مع تناقص عد الرهبان، لا سيما أن الأميال كانت متجهة أكثر إلى الاجتماع والاحتشاد في الأديرة كما هو الحال الآن ابتغاء توافر الأمن وزيادته عوضًا عن التشتت والتفرق.

وذكر في كتاب (تاريخ البطاركة) لمؤلفه افتس ص ٢٠٩ عند الكلام علي سيرة حياة داميانوس البطريرك الخامس والثلاثين (عام ٥٦٩–٦٠٥م) أنه بوشر في عهد البطريرك المذكور تجديد بناء أربعة أديرة في وادي هبيب ولكن لم تذكر أسماؤها. ولما كان لا يوجد في أيامنا هذه إلا أربعة أديرة في وادي النطرون، فقد يخيل إلى قارئ هذه العبارة لمجرد تلاوتها بالصيغة التي وردت بها أنها تشير إلى هذه الأديرة الأربعة. على أن هذا الأمر لا ينطبق على الحقيقة والواقع كما سيتبين ذلك.

وقد روى هذه العبارة أيضًا كونبرج في كتابه (بحث عن رهبان مصر ص ١٢٢) نقًلا عن ساويرس بن المقفع أسقف الاشمونين وعن جان دي بترا Jean de Pétra المعاصر له. وهذا الاخير رواها مرة ثانية لجان دي موش Jean de Mosch.

أما عن أسماء هذه الاديرة فيقول كونبرج إنه مذكور في سيرة حياة حنا كاما الاسود بمخطوط قبطي بالفاتيكان أنها مسماة باسماء مؤسسيها وهم: الأنبا مقار، والانبا يوحنا القصير، والأنبا بشوى، والبراموس.

ودير البراموس هذا هو دير الاميرين الرومانيين مكسيم Maxime ودوميس Domèce أنبى فالانتنيان الأول Valentinien 1 (عام ٣٦٤– ٣٧٥م). وكانا قد أتيا إلى القديس مقار في الموضع الذي به الآن اطلال هذا الدير، بالقرب من دير السيدة براموس حيث كان هذا القديس حط رحاله بادئ ذي بدء قبل أن يتخذ له مقرًا نهائيًا في المكان الذي به الدير المسمى باسمه في عصرنا هذا. ولذلك سمي دير البراموس دير الروم أيضًا. وقد بنى حيث دفن هذان الاميران الشابان.

وقد جاء في كتاب (الباترولوجية الشرقية ج ٥ ص ٧٥٢) عن سيرة حياة هذين الاميرين أنهما عندما بلغا جبل القديس مقار قابلهما هذا القديس بفرح عظيم وإيناس، وأراهما الموضع الذي ينبغي أن ينزلا به، وقدم لهما الآلات التي يحفران بها في الجبل، فعملا لهما صومعة. وعلمهما هذا القديس أيضًا ضفر الخيزران ووضع لهما خطة يسيران عليها، ثم تركها وقفل راجعًا إلى صومعته. وانكب الاميران الشابان على أعمال شاقة وأخذا على نفسيهما ميثاقًا ألا يكلما إنسيا، واشتغلا بالصوم والعبادة والسهر، فقضيا ثلاث سنوات لم يخرجا في خلالها من صومعتها إلى أى موضع آخر.

وبعد ذلك بزمن قليل أصيب مكسيم بمرض. وعندما شعر بدنو آخرته استدعى القديس مقار فقدم وحضر وفاته ودفنه بجانب صومعته. وبعد أن واروه التراب بثلاثة أيام مرض أخوه دوميس وفاض روحه ودفن بالقرب من جثة أخيه. وأمر القديس مقار بوضع جثتي الاميرين في كهفهما وتسمية هذا الدير: براموس — أي أبا روماؤس Aba Rômâous ا.ﻫ.

وبهذه الكيفية أمكننا الآن الوقوف على أسماء الأديرة الاربعة التي يوجد منها في أيامنا هذه الدير الاول والدير الثالث. أما الثاني وهو دير أبي يوحنا القصير. والرابع وهو دير البراموس فلا وجود لهما.

بقى علينا بعد ذلك أن نوفق بين عدد هذه الاديرة الاربعة واعداد الأديرة التي تزيد عليه ونقلها الينا المؤرخون الذين أتوا هذا التاريخ وبينوا لنا أسماء الأديرة التي ذكروها.

ولحل هذه المسألة بطريقة مقنعة توضح بقدر المستطاع ما التبس على القارئ نرى أنفسنا مضطرين إلى أن تتقدم حتى نصل إلى عصرنا هذا ونبين الحالة التي عليها وادي النطرون في أيامنا هذه. ومنها يمكننا بالاستنتاج الوقوف على عدد الأديرة وقوفًا إن لم يكن مطابقًا للحقيقة تماما فهو مقارب لها. واليك طريقة هذا الحل:

لقد قلنا آنفًا إن عدد الاديرة المأهولة في وادي النطرون الآن هو أربعة أديرة وهي: دير أبي مقار، ودير الأنبا بشوي، ودير السوريان، ودير السيدة براموس. ولما كان عدد الاديرة التي لاتزال أطلالها باقية إلى يومنا هذا ومن طراز الاديرة المذكورة يبلغ ثلاثين ديرًا، فيكون مجموع هذين العددين أربعة وثلاثين ديرًا. وهذا العدد يقارب العدد الذي ذكره الأب شينو كثيرًا إذ جاء في كتابه (قديسو مصر ج ٢ ص ٢١٥) أن عدد الأديرة كان سبعة وثلاثين ديرًا قبيل منتصف القرن العاشر الميلادي.

ويبدو لنا أنه لم يكن هنالك أديرة أخرى غير التي ذكرنا عددها آنفا. ولو كانت هنالك أديرة أخرى لكانت أطلالها باقية كالاطلال التي نراها الآن.

وتنقسم الاديرة الاربعة والثلاثون هذه إلى أربع مجاميع تتميز كل منها عن الاخرى بالكيفية الآتية:
  • المجموعة الأولى: تتألف من دير أبي مقار ومن خمسة عشر ديرًا أخرى خربة تحيط به. وقد أمكننا بالبحث والاستقصاء معرفة دير من هذه الاديرة الخمسة عشر وهو دير الأنبا زكريا. فقد ذكر في سيرة اسحق بطريرك الاسكندرية الواحد والاربعين (عام ٦٨٦–٦٨٩م) بالصفحة ١٥ تأليف مينا Mina مطران ابشادي (مركز تلا) المسطورة باللغة القبطية ترجمة بورشر Porcher، أن الأب اسحق سافر إلى صحراء شيهات حيث أقام بدير صاحب الذكر العاطر الأنبا زكريا قس ورئيس لور١ القديس أنبا مقار والذي ترقى مطرانا لمدينة سايس «صا الحجر».

    وجاء بالصفحتين ٤٨ و٤٩ من هذه السيرة أيضًا أن الانبا يوحنا البطريرك الاسبق تضرع إلى الله أن يلهمه معرفة من هو جدير بأن يخلفه ويرعى الكنيسة المقدسة بعده. فرأى في المنام: أن ابعث إلى صحراء شيهات في طلب الراهب اسحق الشيهاتي الذي في دير الانبا زكريا لانه هو الذي سيخلقك.

    وبما أن الأنبا زكريا كان رئيسًا للور الأنبا مقار الذي كان قائمًا في موضع ديره الحالي فلا بد أن يكون دير الانبا زكريا كان قريبًا جدًا من هذا الدير الاخير. وبناء على هذا وضعنا في أثناء رحلاتنا إلى هذه الجهة لوحًا من الشبه (البرونز) مكتوبًا عليه اسمه بالعربية والفرنسية على عمود من الخرسانة المسلحة ارتفاعه متر في أطلال الدير الأقرب من دير أبى مقار بين الأديرة الاربعة الخربة.

  • المجموعة الثانية: تتألف هذه المجموعة من أربعة عشر ديرًا خربة واقعة غرب دير أبى مقار وعلى مسافة منه تتراوح بين ٨٠ و١٠ كيلو مترات. ومن بين هذه الأديرة دير يطلق عليه إلى يومنا هذا اسم دير أبى يحنس (يوحنا) وهو أكبر الاديرة التي بوادي النطرون سواء المسكونة منها والخربة. ومساحته تبلغ ١٦٠٠٠ متر مربع وهو هو دير القديس يوحنا القصير.
    وقد تيسر لنا معرفة ثلاثة أديرة من هذه المجموعة وذلك مما رواه المقريزي وأميلينو في كتابه ص ٤٤٨ و٤٥٠. وهي:
    • (١) دير الارمن، وكان قائمًا في الشمال الغربي من دير يوحنا القصير وبعده دير الانبا بشوي وهذا هو بالدقة الموضع الذي به إحدى الخرائب.
    • (٢) دير الياس (دير الحبش) وكان قائمًا بالقرب من دير يوحنا القصير وتوجد في ناحية الشمال تمامًا إحدى الخرائب بجانب هذا الدير الأخير.
    • (٣) دير القديس نوب (أنبا نوب) وهو واقع في الشمال الشرقي على مسافة قصيرة من هذين الديرين.
    وقد أمكننا أيضًا معرفة دير خامس من أديرة هذه المجموعة وهو دير يوحنا الاسود (كاما). ذلك أنه ورد في السنكسار العربي القبطي من كتاب (الباترولوجية الشرقية ج ٣ ص ٥٢١) وفي السنكسار الاسكندري (طبع فورجيت Forget المتن العربي ج ١ ص ١٧٥) أن القديس يوحنا الاسود (كاما) بعد أن توجه إلى صحراء شيهات شيد كنيسة على مسافة قصيرة من الجهة الغربية لدير القديس يوحنا القصير.

    وبما أن هذه الكنيسة كانت بلا ريب النواة التي بنى عليها هذا القديس ديره وأنه يوجد بالضبط غرب اطلال دير القديس يوحنا القصير أطلال دير كبير فهذا الدير هو بالتحقيق دير يوحنا الاسود (كاما). وتبلغ مساحته ١٥٤٠٠متر مربع فهو يعد بعد دير يوحنا القصير أكبر أديرة وادي النطرون سواء المسكونة منها والخربة.

    وقد وضعنا أيضًا ألواحًا من الشبه (البرونز) مكتوبًا عليها أسماء هذه الأديرة الخمسة على أعمدة من الخرسانة المسلحة في الخرائب التي بها أطلال هذه الأديرة كما فعلنا ذلك بدير القديس الأنبا زكريا السابق.

    ويوجد ضمن مجموعة هذه الاديرة مدفن واسع للرهبان مساحته زهاء فدانين (٨٤٠٠ متر مربع تقريبًا). وقد وضعنا عليه لوحًا من الشبه تعريفًا له.

  • المجموعة الثالثة: تتألف هذه المجموعة من ديرين هما دير الأنبا بشوي ودير السوريان. ويقع هذان الديران في الشمال الغربي للمجموعة السابقة وعلى مسافة منها تتراوح بين ٣ و٤ كيلو مترات.
  • المجموعة الرابعة: تتألف من ديرين أحدهما واقع على مسافة ٨ كيلو مترات من الشمال الغربي لغرب المجموعة السابقة، وهو دير منعزل معروف في زماننا هذا بدير البراموس. وهو في الحقيقة دير السيدة براموس. أما الدير المسمى بالاسم الاول فهو دير الروم الذي كان يسمى أيضًا باسم رئيسه الأنبا موسى. وهذا الدير الأخير متخرب وأطلاله لا تزال باقية إلى الآن على مسافة قصيرة من الجهة الشمالية الشرقية لدير السيدة براموس. وقد وضعنا على أطلاله لوحًا من الشبه مكتوبًا عليه اسمه.

ولا بد أن القارئ قد لاحظ من وصف هذه المجاميع الأربع أنه ذكر في كل مجموعة منها دير من الأديرة الأربعة السابقة التي ذكرت بدون أسماء في سيرة حياة البطريرك داميانوس وذكرت بأسمائها في مخطوط الفاتيكان المسطر بالقبطية في سيرة حياة يوحنا كاما وهي: أنبا مقار، وأنبا يوحنا القصير، وأنبا بشوى، والبراموس.

ولا ينبغي مع ذلك أن يظن القارئ أن هذه الأديرة الأربعة كانت مشيدة بالحالة التي نراها عليها الآن، لأنها لو كانت كذلك لما استطاع البربر أن يرتكبوا ما ارتكبوه من الفظائع سواء أكان ذلك في عصر البطريرك داميانوس أم في عصور البطاركة الذين أتوا بعده، ولما كانت هنالك من حاجة إلى أن يتعلق الرهبان بأذيال الفرار أمام أولئك القوم الرحل، وكان غاية ما في الأمر أن يدخلوا حصونهم ويوصدوا أبوابها عليهم وبذلك يأمنون هجمات كل مغير مفاجئ.

هذا، ومن ناحية أخرى فان عدد هذه الاديرة الاربعة يتنافى مع عدد الرهبان الذين كانوا في ذلك العهد. فان عددهم كان قد بلغ ٣٥٠٠ راهب، وهو عدد لاتتسع له مباني الأديرة الأربعة المذكورة بلا ريب. فهذه الاديرة الاربعة المسماة بأسماء منشئيها إنما كانت على ما نرى أديرة مركزية أقيمت حولها أديرة أخرى تابعة لها. فالصحيح أنها كانت مبنية على الطراز الذي كانت تبنى عليه الاديرة في عهدها الاول وبالكيفية التي سبق إيضاحها. وهذا ما يكشف لنا الغطاء عن السر في فرار ساكنيها لدى وصول البربر. ولاتقائهم شر هؤلاء أقيمت فيما بعد أديرة كالتي نشاهدها اليوم ليعتصم بها ساكنو الأديرة الاولى التي تتألف منها المجاميع الاربع السالفة الذكر.

ويبدو أن أولئك الرهبان كانوا موزعين على هذه الأديرة بحسب جنسياتهم لأننا نرى أديرة خاصة مسماة بأسماء أجناس ساكنيها مثل السوريين والارمن والروم والحبش.

وكانت هذه الاجناس الاربعة دون الاقباط تمد الاديرة بمن يعمرها، وعندما انقطع هذا المدد أدركها الفناء والخراب.

بقى علينا بعد ذلك مشكلة يلزمنا حلها وهي معرفة التاريخ الذي شيدت فيه هذه الاديرة التي نراها بشكلها الحاضر قائمة مثل القلاع. وهذه المشكلة وإن كانت معالجتها صعبة إلا أني ساحاول ذلك بقدر الامكان.

(٢) بعد الفتح العربي

لقد سبق القول إن البربر استولوا في عهد البطريرك شنوده الخامس والخمسين (سنة ٨٥٩–٨٨١م) على كنيسة القديس مقار والابراج فقط دون ديره ونهبوا جميع محتوياتها، ثم بعد أن اقترفوا مساوئ أخرى استقر الأمن فأصلح هذا البطريرك الدير المذكور وأحاطه بسور منيع حتى يكون الرهبان والمسيحيون من ورائه في مأمن من غاراتهم. ولم تقتصر إصلاحات البطريرك شنوده على هذا الدير وحده بل امتدت إلى أديرة أخرى كما بينا ذلك آنفًا.

وبعد هذا التاريخ لم نعد نسمع عن حدوث سلب أو نهب من جانب البربر كما كان يحدث سابقًا. فمن المرجح أن هذه الفوائد التي عادت من وراء هذه التدابير كانت سببًا في تعميم وقاية الاديرة بهذه الجدران المنيعة والشروع في تجديد بناء الاديرة الاخرى على هذا المثال. وفوق ذلك فأن كافة الاديرة القائمة في عصرنا هذا، يوجد بداخل أسوارها أبراج. ومن المرجح أنها هي الابراج القديمة التي سبق ذكرها. ومن بين هذه الاديرة الباقية إلى الآن دير القديس مقار وبرجه وكنيسته التي سبق ذكر استيلاء البربر عليها. وبالطبع لم يحدث هذا التغيير في طراز الاديرة دفعة واحدة بل حدث بالتدريج على ممر الايام.

ويؤيد ما ذهبنا اليه ما رواه أرمانيوس رئيس الكهنة في مذكرته حيث قال إن عدد الاديرة في عهد البطريرك شنوده المذكور كان سبعة وهي: دير (السيدة) براموس، ودير الانبا مقار، ودير يوحنا القصير، ودير الانيا بشوى، ودير يوحنا الاسود، ودير السوريان، ودير الأنبا موسى.

وقد ذكر المقريزي أن هذا الدير الأخير: هو دير البراموس وأن منشئه يكنى بالاسود. ويؤيد ما ذكره المقريزي ما أورده كونبرج في كتابه (بحث عن رهبان مصر) ص ١٢٢ إذ قال دير البراموس المذكور كان يسمى أيضًا دير موسى الاسود، وإن موسى الاسود هذا كان رئيسه.

وهذه أول مرة سمعنا فيها بالعدد (٧) مقرونا بأسماء الأديرة.

وأيد دافيس “Davis” في كتابه (الباترولوجية الشرقية ج ١٤ ص ٣١٨) في سيرة حياة الأنبا يوحنا الاسود، العدد (٧) أيضًا مشفوعًا بأسماء الاديرة المذكورة.
ونتمشى بعد ذلك إلى ما وراء هذا الزمن بقرنين لنصل إلى عصر المؤرخ العربي أبي عبيد البكري المتوفي عام ٤٨٧ﻫ (١٠٩٤م) إذ يقول هذا المؤرخ في كتابه (المسالك والممالك ص ٢) في أثناء الكلام على المشهور من المدن والقرى في الطريق من مصر إلى برقة والمغرب ما نصه:

فمن (ترنوط) إلى (المنى) وهي ثلاث مدن قائمة البنية خالية فيها قصور شريفة في صحراء رمل ربما قطع فيها الاعراب على الرفاق. وتلك القصور محكمة البناء منجدة الجدر أكثرها على آزاج معقودة يسكن بعضها رهبان وبها آبار عذبة قليلة الماء. ا.ﻫ.

فناحية (المنى) التي وصفها هذا المؤرخ هي بلا ريب وادي النطرون أو وادي هبيب ولكنه أخطأ في تسميتها. واسم (المنى) انما ينطبق على الصحراء المتاخمة لهذا الوادي والفاصلة بينه وبين الترعة النوبارية الحالية كما يتضح ذلك من رحلة بنيامين البطريرك الثامن والثلاثين. فقد ورد في كتاب (تاريخ البطاركة) لمؤلفه افيتس ص ٢٤١ وما يليها في الكلام على رحلة هذا البطريرك التي قام بها من الاسكندرية إلى وادي هبيب لزيارة الأديرة التي بهذا الوادي، أنه سافر في اليوم التالي من شهر طوبه بدون ذكر السنة التي سافر فيها. ولا بد أن ذلك كان في الربع الأخير من أيام بطريركيته. وذهب أولا إلى تروجه الواقعة بالقرب من أبي المطامير، ثم توجه من تروجه إلى صحراء المنى التي على مسافة قصيرة من جبل برنوج، ثم وصل في النهاية إلى دير البراموس بوادي هبيب.

فمن وصف هذه الرحلة يتضح أن ناحية وادي هبيب متأخمة لصحراء المنى. وهذا بلا ريب هو الذي أوقع أبا عبيد البكري في ذلك الارتباك فعبر عن الناحية الأخيرة بالاولى في حين أن هذه شئ وتلك شئ آخر.

ويدلك على ذلك أن صحراء المنى لا يوجد فيها بئر يمكن استيراد الماء منها حتى توجد بها تلك القصور المحكمة البناء المنجدة الجدر التي كان يسكنها بعض الرهبان كما ذكر المؤرخ في عبارته. فهذه القصور ليست إلا أديرة وادي النطرون الحالية.

ولدينا دليل آخر يعزز ما ذكرناه وهو أطلال الثلاث المدائن المهجورة التي ذكرها هذا المؤرخ ولا يوجد في قلب صحراء المنى شئ من ذلك على الاطلاق. وتلك الاطلال لا أظنها إلا أطلال الثلاث نواحي المذكورة قبلا وهي (سياتيس) و(نيتريا) و(بيامون) التي كانت في أقليم نيتريوتيس، أي وادي النطرون.

ولكي أزيل من ذهن القارئ كل شك يمكن أن يحدث من تشابه اسمى (منى) و(مينا) — إذ في الاستطاعة أن يتصور أن ما وصفه هذا المؤلف يمكن أن ينطبق على القديس أبي مينا — فاني سأتابع ماذكره تفصيلا لرحلته، وأورد الوصف الذي دونه في أيامه عن هذه الكنيسة الشهيرة. وهذا أمر سيراه القارئ ذا بال وغير خارج عن موضوعنا نظرًا لمجاورة الناحيتين وجامعة العلاقة الدينية بينهما:

قال أبو عبيد البكري بعد الكلام على (ترنوط) و(المنى):

ومنها (أي من المنى) إلى أبى مينى وهي كنيسة عظيمة فيها عجائب من الصور والنقوش توقد قناديلها ليلا ونهارا لا تطفأ. وفيها قبو عظيم. في آخر مبانيها فيها صورة جملين من رخام عليهما صورة إنسان قائم. رجلاه على الجملين وإحدى يديه مبسوطة والأخرى مقبوضة، يقال إنها صورة أبى مينى. وكل ذلك من رخام. وفي هذه الكنيسة صور الأنبياء كلهم عليهم السلام. صورة زكريا ويحيى وعيسى في عمود رخام عظيم على ذات يمين الداخل يغلق عليها الباب. وصورة مريم قد أسدل عليها ستران وصور سائر الأنبياء. ومن خارج الكنيسة صور جميع الحيوان وأهل الصناعات من جملتها صورة تاجر الرقيق ورفيقته معه وبيده خريطة مفتوحة الأسفل يعني أن التاجر بالرقيق لا ربح له. وفي وسط الكنيسة قبة فيها ثماني صور يزعمون أنها صور الملائكة. وفي جهة من الكنيسة مسجد محرابه إلى القبلة يصلي فيها المسلمون. حولها ثمار كثيرة وعامتها اللوز الأملس والخروب المعسل الرطب يعقد منه الأشربة وكروم كثيرة يحمل أعنابها وشرابها إلى مصر. ويقولون إن سبب بنيان هذه الكنيسة أن قبرا كان في موضعها وكان بالقرب منه قرية، وأن رجلا من أهلها كان مقعدا فزال عنه حماره فزحف في طلبه ليصرفه حتى وصل إلى القبر. فلما صار عليه انطلق ماشيًا فمشى إلى حماره واستولى عليه راكبًا وانصرف إلى موضعه صحيحا. فتسامع الناس ذلك فلم يبق عليل إلا قصد ذلك القبر فجلس عليه فأفاق. فبنيت عليه هذه الكنيسة وقصدها أولو الاسقام ليستشفوا بها فبطل ذلك بعد بنائها. ويؤدي من القسطنطينية إلى هذه الكنيسة في كل عام آلاف دينار (الدينار ٦٠ قرشا). ا.ﻫ.

ولنعد بعد نقل هذه النبذة المتعلقة بالغرب إلى موضوع الوادي.

ذكر رئيس الكهنة ارمانيوس في مذكرته المنسوخة من مخطوط أبي المكارم المؤرخ القبطي وعنوانه (الكنائس والأديرة) وهو لم يطبع، أنه في عام ٩٢٥ قبطية الموافق عام ١٣٠٩م كان عدد الأديرة ثمانية وهي:
  • (١)

    دير أنبا مكاريوس.

  • (٢)

    دير السوريان.

  • (٣)

    دير أنبا بشواي.

  • (٤)

    دير يوحنا الأسود.

  • (٥)

    دير السيدة برموس.

  • (٦)

    دير أنبا موسى.

  • (٧)

    دير الاسقيط. وفي هذا الدير رسم القديس ارسانيوس أستاذ أبناء الملوك قسيسا.

  • (٨)

    دير يوحنا القصير.

وروى المقريزي في كتابه (السلوك) ترجمة كاترمير، ج ١ ص ٢٤٦ الذي أسماه (تاريخ سلاطين المماليك)، أنه في شهر ذي القعدة سنة ٦٦٢ﻫ (سبتمبر سنة ١٢٦٤م) سافر السلطان الظاهر بيبرس البندقداري إلى الطرانة ومنها ذهب إلى وادي هبيب حيث زار الأديرة وأقام فيها.

ويوجد في المتحف القبطي بمصر القديمة مخطوط يسمى (تحفة السائلين في أديرة رهبان المصريين) للقمص عبد المسيح صليب المسعودي البراموسي. وإذ كان هذا المخطوط لا يخلو من فائدة رغبنا في انتساخ صورة منه فتفضل صاحب السعادة مرقص سميكه باشا مدير هذا المتحف وسمح بذلك فله مني خالص الشكر. ثم طبع المخطوط المذكور وأهدى إلى ّ صاحب الغبطة البطريرك انبا يؤنس نسخة منه. وهاك ما جاء في هذه النسخة المطبوعة من ص ١٣٥ إلى ص ١٣٧ بصدد الأديرة:

في كتاب عمل الميرون يذكر أن الأب البطريرك أنبا بنيامين ٨٢ (عام ١٣٢٧–١٣٣٩م) وأنبا غبريال ٨٦ اللذين كانا سكنهما في المعلقة بمصر القديمة حين عملا الميرون في دير أبي مقار ذهب كل منهما فزار الأديرة الأخرى الموجودة وقتئذ في برية شيهات. وملخص الخبر هو:

  • أوًلا: أن أنبا بنيامين المذكور
    • (١) في يوم الأثنين أول الجمعة الخامسة من الصوم المقدس سنة ١٠٤٦ للشهداء (الموافقة ١٣٣٠ افرنكية) ركب وصحبته بعض الأساقفة وذهب من دير أبي مقار لزيارة دير أبي يحنس وتبارك من الآثار المقدسة والجسد الطاهر الذي لأنبا يحنس الايغومانس.
    • (٢) ويوم الثلاثاء ركب وذهب إلى دير أنبا بيشوي. وتبارك من الآثار الشريفة ومن أجساد القديسين أنبا بيشوي وأنبا بولا الطماوي.
    • (٣) وركب يوم الاربعاء وذهب إلى دير آبائنا الروم المعروف ببرموس. ودخل إلى البيعة المقدسة وسجد أمام الهيكل. وتبارك من الآثار الشريفة والجسد الطاهر الذي لأبينا القديس أنبا موسى.
    • (٤) ولما كان باكر النهار قصد دير السيدة ولم يركب في هذه الحركه بل توجه ماشيًا.
    • (٥) وركب في يوم الجمعة باكرًا وتوجه إلى دير السوريان.
    • (٦) وركب سحر يوم السبت وذهب إلى دير القديس أبو يحنس كما دخل الكنيسة. وفي يوم الاحد وقت الغروب ذهب إلى قلاية بهوت بسؤال من الحبش. ثم رأى القلالي من ظاهرها وعاد إلى دير أبو يحنس.
    • (٧) وفي سحر يوم الاثنين ركب وذهب إلى دير القديس أنبا بيشوي ثاني مرة لترميم جمالون الكنيسة فرممه في جملة أيام ثم عاد إلى دير أبو يحنس.
    • (٨) وفي يوم الخميس من الجمعة السابعة عاد إلى دير أبي مقار وعمل الميرون ثم عاد إلى مصر. ا.ﻫ.
ويستفاد من هذه الرواية أن عدد الأديرة في ذلك العهد كان سبعة وهي:
  • (١)

    دير القديس مقار.

  • (٢)

    دير القديس يوحنا القصير.

  • (٣)

    دير الانبا بشوي.

  • (٤)

    دير البراموس أو الروم.

  • (٥)

    دير السيدة براموس.

  • (٦)

    دير السوريان.

  • (٧)

    دير القديس يوحنا الأسود. أما دير الحبش الذي أقيم فيما بعد فلم يكن في هذا العهد إلا صومعة

fig2
شكل ٣-١: دير السيدة برموس.
fig3
شكل ٣-٢: دير السوريان.
قال ابن فضل الله العمري العالم الجغرافي العربي الكبير المتوفي عام ٧٤٨ﻫ (١٣٧٤م) في كتابه (مسالك الأبصار في ممالك الامصار) ج ١ ص ٣٧٤ تحت عنوان (الديارات السبع) ما نصه:

وهي في الوجه البحري وهو سفلى ديار مصر ممتدة غربًا على جانب البرية القاطعة بين بلاد البحيرة والفيوم.

مررنا على بعضها في الصحبة الشريفة الناصرية وهي في رمال منقطعة وسباخ مالحة وبرار معطشة وقفار مهلكة. وشرب سكانها من جفارات لهم وهو في غاية من قشف العيش وشظف القوت.

ويحمل النصارى اليهم جلائل النذور والقرابين وتخصهم بكرائم التحف. ويتخذ كتبة القبط وخدم السلطان منهم خاصة أيادي معهم ليكونوا لهم ملجأ من الدولة اذا جارت عليهم صروفها.

ولم أعلم فيها أخبارًا فأذكرها ولا أشعارًا فأطرف بها وانما ذكرتها لشهرة اسمها وبعد صيتها. ا.ﻫ.

وقد شاهد ابن فضل الله العمري هذه الأديرة ودون عنها هذه المعلومات في أثناء رحلة قام بها إلى وادي النطرون بمعية السلطان الناصر محمد بن قلاوون الذي حكم مصر ثلاث دفعات متقطعة. ولما كانت اطولها هي الأخيرة حيث استمرت من سنة ٧٠٩ إلى ٧٤١ﻫ «١٣٠٩–١٣٤١م» فمن المرجح كثيرًا أن هذه الزيارة كانت في خلالها.

ومما يؤسف له أن هذا العالم الجغرافي ذكر لنا عدد هذه الأديرة بدون أسماء ولكن نظرًا لأن المعلومات التي ذكرها هي عن المدة المذكورة نفسها فأسماء هذه الاديرة السبعة هي بعينها التي ذكرت قبلا.

وجاء في كتاب (تحفة السائلين في أديرة رهبان المصريين) الآنف الذكر ص ١٣٧ و١٣٨ ما نصه:
في خبر أنبا غبريال ٨٦ (عام ١٣٧٠–١٣٧٨م) قبل ما ملخصه أنه
  • (١)

    في يوم الثلاثاء ثالث عيد القيامة المجيد ٩ برموده سنة ١٠٩٠ ش (المزافقة ١٣٧٤ افرنكية) بعد نهاية عمل الميرون. ركب من دير ابي مقار هو والأساقفة ومن معهم وذهب لزيارة دير أبي يحنس. وخرج للقائه رهبان الدير المذكور ورهبان الحبش ورهبان الأرمن. ثم دخل إلى الدير وصلى صلاة التاسعة. ويوم الأربعاء بعد فراغ الكنيسة زار بنوب والحبش والأرمن.

  • (٢)

    وركب إلى دير أنبا بشيه (أي أنبا بشوي) فتلقاه رهبانه والسريان والحبش والأرمن كالعادة ودخل دير أنبا بشيه وصلى فيه السادسة.

  • (٣)

    وركب منه متوجها إلى دير برموس فتلقاه رهبان الدير المذكور ورهبان دير سيدة برموس كالعادة. ودخل إلى دير برموس وصلى فيه التاسعة. ورفع البخور وخدم الصلاة ناظمها (يعني مؤلف الخبر الأسقف اتناسيوس القوصي).

  • (٤)

    وخرج من دير برموس وتوجه إلى دير سيدة برموس وصلى صلاة الغروب.

  • (٥)

    وفي يوم الخميس بعد فراغ الكنيسة ركب هو والأساقفة وجاء إلى دير السريان فتلقاه رهبان دير أنبا بشيه ورهبان السريان كالعادة. ودخل كنيسة السريان وصلى السادسة.

  • (٦)

    وبعد ذلك ركب منه هو والأساقفة وجاء إلى دير أبي كاما (أي أبي يحنس كاما) فتلقاه رهبان الدير المذكور والحبش والأرمن. ودخل إلى دير أبي كاما وصلى التاسعة.

  • (٧)

    وبعد ذلك ركب هو والأساقفة ورجع إلى دير أبى مقار. ومنه سافر راكبًا إلى محل سكناه بكنيسة المعلقة في مصر. ا.ﻫ.

ويستفاد من هذه الرواية أن عدد الأديرة في هذا العهد كان عشرة وهي:
  • (١)

    دير القديس مقار.

  • (٢)

    دير القديس يوحنا القصير.

  • (٣)

    دير الأنبا نوب.

  • (٤)

    دير الحبش

  • (٥)

    دير الأرمن.

  • (٦)

    دير الأنبا بشوي.

  • (٧)

    دير البراموس.

  • (٨)

    دير السيدة براموس.

  • (٩)

    دير السوريان.

  • (١٠)

    دير القديس يوحنا الأسود.

والآن نذكر ما قاله المقريزي المتوفي سنة ٨٤٥ﻫ (١٤٤١م). فقد وصف هذا المؤلف الأديرة التي كانت في عصره بالجزء الثاني من خططه طبعه بولاق ص ٥٠٨ و٥٠٩ فقال:

أما وادي هبيب وهو وادي النطرون ويعرف ببرية شيهات وببرية الأسقيط وبميزان القلوب فانه كان بها في القديم مائة دير. ثم صارت سبعة ممتدة غربًا على جانب البرية القاطعة بين بلاد البحيرة والفيوم. وهي في رمال منقطعة وسباخ مالحة وبرار منقطعة معطشة وقفار مهلكة. وشراب أهلها من حفائر وتحمل النصارى اليهم النذور والقرابين. وقد تلاشت في هذا الوقت بعد ما ذكر مؤرخ النصارى أنه خرج إلى عمرو بن العاص من هذه الأديرة سبعون الف راهب بيد كل واحد عكاز فسلموا عليه وانه كتب لهم كتابًا هو عندهم.

فمنها (دير أبي مقار الكبير) وهو دير جليل عندهم وبخارجه أديرة كثيرة خربت وكان دير النساك في القديم. ولا يصح عندهم بطريكة البطرك حتى يجلسوه في هذا الدير بعد جلوسه بكرسي الاسكندرية. ويذكر أنه كان فيه من الرهبان الف وخمسمائة لا تزال مقيمة به وليس به الآن إلا قليل منهم. والمقارات ثلاثة أكبرهم صاحب هذا الدير. ثم أبو مقار الاسكندراني، ثم أبو مقار الأسقف. وهؤلاء الثلاثة قد وضعت رممهم في ثلاث أنابيب من خشب وتزورها النصارى بهذا الدير. وبه أيضًا الكتاب الذي كتبه عمرو بن العاص لرهبان وادي هبيب بجراية نواحي الوجه البحري على ما أخبرني من أخبر برؤيته فيه. (أبو مقار الأكبر) هو مقاريوس أخذ الرهبانية عن انطنيوس وهو أول من لبس عندهم القلنسوة والاشكيم وهو سير من جلد فيه صليب يتوشح به الرهبان فقط. ولقى انطونيوس بالجبل الشرقي من حيث دير العزبة وأقام عنده مدة. ثم ألبسه لباس الرهبانية وأمره بالمسير إلى وادي النطرون ليقيم هناك ففعل ذلك واجتمع عنده الرهبان الكثيرة العدد. وله عندهم فضائل عديدة منها أنه كان لايصوم الأربعين الا طاويا في جميعها لايتناول غذاء ولاشرابًا البتة مع قيام ليلها. وكان يعمل الخوص ويتقوت منه. وما أكل خبزًا طريا قط بل يأخذ القراقيش فيبلها في نقاعة الخوص ويتناول منها هو ورهبان الدير ما يمسك الرمق من غير زيادة. هذا قوتهم مدة حياتهم حتى مضوا لسبيلهم. وأما أبو مقار الاسكندراني فانه ساح من الاسكندرية إلى مقاريوس المذكور وترهب على يديه ثم كان أبو مقار الثالث وصار أسقفا.

  • دير أبي يحنس القصير: يقال إنه عمر في أيام قسطنطين بن هيلانة. ولأبي يحنس هذا فضائل مذكورة وهو من أجل الرهبان. وكان لهذا الدير حالات شهيرة وبه طوائف من الرهبان ولم يبق به الآن إلا ثلاثة رهبان.
  • دير الياس: عليه السلام وهو دير للحبشة وقد خرب دير يحنس كما خرب دير الياس أكلت الأرضة أخشابهما فسقطا وصار الحبشة إلى دير سيدة بويحنس القصير وهو دير لطيف بجوار دير بويحنس القصير. وبالقرب من هذه الأديرة:
  • دير أنبا نوب: وقد خرب هذا الدير أيضًا. (أنبا نوب) هذا من أهل سمنود قتل في الاسلام ووضع جسده في بيت بسمنود.
  • دير الأرمن: قريب من هذه الأديرة وقد خرب. وبجوارها أيضًا:
  • دير بوبشاي: وهو دير عظيم عندهم من أجل أن بوبشاي هذا من الرهبان الذين في طبقة مقاريوس ويحنس القصير وهو دير كبير جدا.
  • دير بازاء دير بوبشاي: كان بيد اليعاقبة ثم ملكته رهبان السريان من نحو ثلثمائة سنة وهو بيدهم الآن. ومواضع هذه الأديرة يقال لها بركة الأديرة.
  • دير سيدة برموس: على اسم السيدة مريم فيه بعض رهبان. وبازائه:
  • دير موسى: ويقال أبو موسى الأسود ويقال برمؤس. هذا الدير لسيدة برمؤس.

فبرموس اسم الدير وله قصة حاصلها أن مكسيموس ودوماديوس كانا ولدي ملك الروم وكان لهما معلم يقال له أرسانيوس. فسار المعلم من بلاد الروم إلى أرض مصر وعبر برية شيهات هذه وترهب وأقام بها حتى مات. وكان فاضًلا وأتاه في حياته ابنا الملك المذكوران وترهبا على يديه. فلما ماتا بعث أبوهما فبنى على اسمهما كنيسة برموس. وأبو موسى الأسود كان لصًا فاتكًا قتل مائة نفر ثم أنه تنصر وترهب وصنف عدة كتب. وكان ممن يطوي الاربعين في صومه وهو بربري. ا.ﻫ.

ويتضح مما ذكره المقريزي أن عدد الأديرة في عهده كان عشرة وهي:
  • (١)

    دير القديس مقار.

  • (٢)

    دير يوحنا القصير.

  • (٣)

    دير الياس أو الحبش وهو متخرب.

  • (٤)

    دير السيدة يوحنا القصير.

  • (٥)

    دير القديس نوب وهو متخرب كذلك.

  • (٦)

    دير الأرمن وهو متخرب أيضًا.

  • (٧)

    دير القديس بشاي (بشوي).

  • (٨)

    دير بدون تسمية قال عنه المقريزي انه بازاء دير القديس بشاى المذكور وانه كان بيد اليعاقبة ثم ملكته رهبان السريان. فمن هنا يعرف أنه (دير السريان).

  • (٩)

    دير السيدة براموس.

  • (١٠)

    دير البراموس أو أبو موسى الأسود وكان هذا رئيسه.

وقد استقيت من سكان هذا الوادي وأديرته أثناء رحلاتي اليه أخبارًا لا تدع مجًالا للشك في أن السلطان قايتباي الذي حكم مصر من سنة ٨٧٢ إلى سنة ٩٠١ﻫ (١٤٦٨–١٤٩٦م) قد زار هذه الأديرة الأخيرة. فاذا كان هذا صحيحا يكون قد زار هذه الأديرة مع احتساب الزيارتين السابق ذكرهما ثلاثة من أعظم ملوك مصر.

ويقول أيضًا ارمانيوس رئيس الكهنة في مذكرته الآنفة الذكر إنه لما زار هذه الصحراء الأنبا أجاتون “Anba Agathon” بطريرك انطاكية يوم السبت ٦ أمشير الموافق آخر يوم من ايام الصوم الكبير في سنة ١١٩٨ قبطية (١٤٨٢م) كان لم يبق من الأديرة إلا ستة وهي:
  • (١)

    دير أنبا بشوي.

  • (٢)

    دير السوريان

  • (٣)

    دير انبا مقاريوس (مقار).

  • (٤)

    دير يوحنا القصير.

  • (٥)

    دير يوحنا الأسود.

  • (٦)

    دير السيدة براموس.

وجاء في كتاب (نزهة الأنظار) لحسين بن محمد الورثيلاني المتوفي سنة ١١٩٣ﻫ (١٧٧٩م) بالصفحة ٢٤٢ عند الكلام على رحلة هذا المؤلف من مراكش إلى أرض الحجاز في العام المذكور مانصه:

ثم ظعنا من الشمامة إلى وادي الرهبان وهو واد عظيم طويل وفيه قصور للعباد من النصارى ينعزلون هناك لعبادة الأصنام يخرجون من مصر اليه. وان مصر فيها طوائف من النصارى يعطون الجزية للسلطان. ا.ﻫ.

وجاء بالصفحتين ٢٤٣ و٢٤٤ من الكتاب المذكور عن وادي النطرون وأديرته ورهبانه ما نصه:

ووادي الرهبان واد كبير ذو رمل وفيه شجر النخل ماؤه كثير وبه من أنواع الوحوش والبقر والنعام والضباء والمها وغير ذلك من أنواع الصيد. وانما أضيف هذا الوادي للرهبان لأن به رهبان النصارى يتعبدون في ديور كل طائفة في دير ولا يدخل اليهم أحد من غير جنسهم. وليس لهم زرع ولا ضرع وأهل الذمة من النصارى الذين بمصر يعاملونهم ويبعثون اليهم بالنذور والصدقات من الطعام والكسوة. ومن هناك تمر الطريق من مصر إلى أوجلة. ا.ﻫ.

fig4
شكل ٣-٣: دير السوريان من الداخل.
fig5
شكل ٣-٤: دير القديس مقار من الخارج.
وجاء أيضًا بالصفحة ٦٠٦ من المؤلف المذكور عند الكلام على رجوع مؤلفه من الحجاز إلى مراكش سنة ١١٨١ﻫ (١٧٦٧م) ما نصه:

ثم ظغنا صبيحة إلى أن مررنا على القصر الذي فيه النصارى أعني الرهبان. فلما وصلنا إلى باب القصر أشرفوا علينا فكلمناهم فكلمونا وسألونا عن مصر وكيف هي وعن حالهم. فأجبناهم عما وقع بينهم وبين صالح باي الذي كان في الصعيد وقلنا لهم انتشب بينهم القتال وانهزمت طائفة مصر. فأملوا زوارق اخرى فنزلنا القصر الطرفاني الخالي الذي دفنا به ابن سيدي محمد الحاج فبتنا فيه خير مبيت. ا.ﻫ.

وهاك الآن مذكرة عن أديرة وادي النطرون للجنرال اندريوسي “Andréossy” أحد قواد جيش بونابارت الفرنسيين الذين أتوا مصر في حملتهم المشهورة عليها سنة ١٧٩٩م وكان الجنرال المذكور قد عهد اليه بونابرت أن يقوم باستكشاف وادي النطرون وزيارة الأديرة القبطية القائمة فيه. فصدع بالأمر وسافر من الطرانة. وقد استغرقت رحلته هذه من اليوم الثالث والعشرين من يناير سنة ١٧٩٩ إلى اليوم السابع والعشرين من هذا الشهر. واليك ما جاء في هذه المذكرة بصدد الأديرة:

أنشئت أديرة الأقباط التي بوادي النطرون في القرن الرابع الميلادي، إلاّ أن الصوامع المعدة لاقامة الرهبان فيها لا بد أن يكون قد تجدد بناؤها مرات كثيرة بعد ذلك العهد. ويوجد بين هذه الأديرة ثلاثة مربعة الشكل يتراوح أكبر اضلاعها بين ٩٨ و١٤٢٫٣٣ من الأمتار. ويتراوح أصغر أضلاعها بين ٥٨٫٥ و٦٨٫٢٥ من الأمتار. ويبلغ متوسط هذه المساحة ٧٥٦٠ مترًا مربعًا. وارتفاع جدر الأسوار ثلاثة عشر مترًا على أقل تقدير. وسمكها عند الجدار من ٢٫٥ إلى ٣ أمتار. وأبنيتها حسنة والعناية بأمر صيانتها شديدة، وبالقسم العالي منها ممشى عرضه متر. وبالحائط المرتفع فوق الممشى طيقان بعضها في الحائط نفسه والبعض الآخر مائل وبارز نحو الخارج. وتستخدم هذه الطيقان للمدافعة بقذف الأحجار منها اذا اعتدى الأعراب على هذه الأديرة. والطيقان البارزة لها حجب لتقي الرأس من مقذوفات البنادق.

والأديرة ليس لها سوى مدخل واحد. وهذا المدخل ضيق منخفض فارتفاعه لا يزيد على متر واحد وعرضه ثلثا متر. والباب كثير الثخانة ويقفل من الداخل ويحكم رتاجه بمزلاج من فوق وبمفتاح من الخشب متين في الوسط، وفي الأسفل بعارضة تدخل في البناء يمينًا ويسارًا. وهذا الباب مكسو جميعه بمحازم عريضة من الحديد كل واحد منها مثبت بثمانية من المسامير ذات الرؤوس. ويوصد الباب ايصادًا محكمًا تقريبًا من الخارج بحجرين من الصوان شكلهما كشكل رحى الطاحون موضوعين رأسيًا على دائرتهما. وقطر دائرة هذين الحجرين يقل قليًلا عن ارتفاع المدخل، وسمكهما يسوغ ادخالهما معًا بجانبهما في البناء. والباب محصن بطنف بارزة. وعندما يراد إغلاق المدخل يشرع راهب يكون قد بقى في الخارج في دحرجة أحد الحجرين بعتلة ثم يثبته بخشبة ويهيئ الآخر وبعد ذلك يزحف إلى الداخل ويجر هذا الحجر الأخير فيرتكز بحكم الطبع بجانب الحجر الأول. وبعد أن يبيت الحجرين في الحائط يغلق الباب ويرى من الطنف كل من من أراد محاولة ازاحة هذين الحجرين.

ويوجد في داخل كل دير برج مربع الشكل يتوصل اليه بمعبر متحرك فاذا رفع لا يمكن الوصول اليه. وطول هذا المعبر خمسة أمتار وارتفاعه عن سطح الأرض ستة أمتار ونصف متر. ويرفع المعبر بواسطة حبل أو سلسلة تمر من داخل الحائط وتلتف بتحريك دولاب كدولاب رفع الأثقال أو بكرة البئر. وينتهي البرج بسطح مرتفع عن حائط السور.

والأديرة الثلاثة القائمة بجوار البحيرات بها آبار عمق الواحدة منها ثلاثة عشر مترًا، وماؤها عذب يغمر من قاعها نحو المتر، ويرفع بدلو معلقة برشاء يشد على بكرة. وتستعمل مياه الآبار في حاجات مساكن الرهبان ولسقي بستان صغير يزرع فيه قليل من الخضر وبعض الأشجار كالنخل والزيتون والأثل والحناء والجميز.

وفي أوائل شهر بلوفيور٢ تكون مياه الآبار في منتهى الزيادة وتشح في الصيف ولكن ينبوعها لا ينضب.
ويوجد بدير السوريان شجرة القديس إفرم “Saint Ephrem” العجيبة. وهي شجرة يبلغ ارتفاعها ستة أمتار ونصف متر وقطرها ثلاثة أمتار. ويحكى عنها أنه في أوائل الأزمنة التي بلغ فيها التحمس للرهبنة غايته ابتدأ يدب في نفوس رهبان الصحراء دبيب الكرة لحالتهم، وأخذوا يشكون من جدب تلك الرمال القاحلة التي لاينبت بها ولا ينمو أي نبات. فأخذ القديس إفرم لكما يبعث فيهم الأمل عصاه وغرسها في الرمال وقال لهم ستصير هذه العصا شجرة. ويقال إن هذه الأعجوبة وقعت فعًلا، وإن العصا نبت لها جذور وامتدت لها أغصان، وإنها هي التي لم تزل قائمة إلى الآن من ذلك العهد ولذلك سميت شجرة القديس إفرم. وهي من أشجار التمر الهندي. ويعتقد الرهبان السوريون أنهم وحدهم المالكون لها. ويندر وجود هذا النوع من الشجر في الوجه البحري وهو يزرع بكثرة في الوجه القبلي.

والدير الرابع المسمى بدير القديس مقار ليس به سوى بئر واحدة ماؤها ملح. ولكن على قيد زهاء أربعمائة متر منها توجد بئر أخرى معتنى بصيانتها عناية عظيمة ماؤها عذب فرات. ويوجد ينبوع ماء على سفح الوادي المقابل للدير. وعمق البئر الأخيرة خمسة أمتار واتساعها متر وثلث متر مربع. وبها من الماء أقل قليًلا من المتر. وللديرين المذكورين آنفا ينبوع بجوارهما مثل الينبوع السابق الذكر.

وصوامع الرهبان عبارة عن مخادع لا يدخلها النور إلاّ من أبوابها. وارتفاع هذه الأبواب يزيد قليًلا على المتر. ورياشها بساط من الحصير وآنية الأكل وجرة. والكنائس والمصليات مزخرفة بصور ينبو عنها الذوق، والعناية بها عظيمة. وفيما عدا ذلك فان كل الأشياء مبعثرة بغير ترتيب ولا نظام. وفقر الرهبان لا يسوغ لهم قط أن يقتنوا أمتعة الزينة الفاخرة فيستعيضون عنها بالتقليد. فمثًلا يعلقون عوضًاعن المصابيح الفضية مصابيح من بيض النعام. ومنظر هذه المصابيح يأخذ بالأبصار.

وأغلب النساك عور أو عميان وهيئتهم تنبئ عن شكاسة الأخلاق والكآبة والكدر، ويتعيشون من بعض المحاصيل وبالأخص مما يأتيهم من الصدقات. ويقتاتون بالفول والعدس المطبوخ بالزيت ويقضون أوقاتهم في الصلاة. ويحرق البخور في تلك الخلوات المحاطة احاطة السوار بالمعصم ببحر من الرمال. والصليب يعلو القباب الأكثر ارتفاعًا.

ويوجد في دير البراموس تسعة من الرهبان. وفي دير السوريين ثمانية عشر راهبًا. وفي دير الأنبا بشوي اثنا عشر. وفي دير القديس مقار عشرون. ويمد بطريرك القاهرة هذه الأديرة الأربعة بطالبي الرهبنة.

واننا لا ندري ما عساه أن يكون حظ أولئك النساك الذين اختاروا العزلة عن الناس. اننا لم نلمح أي شئ يدل على اشتغالهم بالعلوم العقلية ولا بالأعمال اليدوية. وليست كتبهم إلاّ مخطوطات في الزهد في الدنيا مكتوبة على رق أو ورق القطن. وبعض هذه المخطوطات باللغة العربية والبعض الآخر بالقبطية وبهامشها ترجمتها باللغة العربية. ولقد استحضرنا بعضًا من هذه المخطوطات الأخيرة ويظهرأن تاريخها يرجع إلى ستمائة سنة سلفت. وقد جلنا في داخلية منازل الرهبان ولم تترك بقعة إلاّ أجلنا فيها النظر. وأظهر هؤلاء الزهاد الشئ الكثير من الود والمجاملة أثناء هذه الزيارة. ويبدو أنهم رأوا فيها شيئا يرضي عزة نفوسهم. وقبل أن نخرج قبلنا أن نتناول خبز القربان الذي قدموه لنا. وهذا الخبز عبارة عن عجين خال من الخميرة وفي ثخانة الأصبع وهو مستدير وفي اتساع راحة اليد ومكتوب عليه حروف عربية.

ويؤدي الرهبان واجب الضيافة للأغراب قسرًا، وهم مضطرون أن يلبثوا دائما أبدًا محترسين، وكذلك عندما يريدون الانتقال من مثوى إلى آخر لا يذهبون إلاّ ليلا. ويمر الأعراب في جولانهم بالقرب من الأديرة ويلقون عصا التسيار لتناول الطعام واطفاء ظمأ خيولهم. ويلقي لهم الرهبان مطالبهم من أعلى الجدار ولا يفتحون لهم الأبواب مطلقًا. وتوجد بكرة معلقة باحدى زوايا السور بها حبل وقفة ينزلون بواسطتها الخبز والخضر والشعير التي اعتادوا اعطاءها لهم. وهم مكرهون على فعل ذلك كيلا يعرضوا أنفسهم للسلب والنهب أو القتل عندما يصادفهم الأعراب خارج أديرتهم. ا.ﻫ.

مساحة الأديرة

إن مساحة الأديرة الأربعة الحالية هي كالآتي:
الأديرة المساحة بالافدنة المساحة بالأمتار المربعة
س ط ف متر مربع
(١) دير ابي مقار ١٨ ٢١ ١ ٨٠٠٠
(٢) دير الأنبا بشوي ١٤ ١٦ ٢ ١١٣٠٠
(٣) دير السوريان ١٦ ١ ٧٠٠٠
(٤) دير السيدة براموس ١٣ ٢ ١٠٧٠٠
وقد أمكننا التعرف على مساحة الأديرة السبعة الخربة، وها هي مساحتها:
الأديرة المساحة بالافدنة المساحة بالامتار المربعة
س ط ف متر مربع
دير يوحنا القصير ٦ ١٩ ٣ ١٦٠٠٠
دير يوحنا الأسود ١٦ ٣ ١٥٤٠٠
دير الأرمن ١٤ ١٨ ٣٢٥٠
دير الياس ٢١ ١٨ ٣٣٠٠
دير الأنبا نوب ١٠ ١٥ ٢٧٠٠
دير الأنبا زكريا ١٤ ٤ ١ ٥٠٠٠
دير البراموس ١٠ ١٩ ١ ٧٦٠٠

ممتلكات الأديرة

وممتلكات الأربعة الأديرة التي في أيامنا هذه كما اتصل بي من البطركية القبطية هي:
أديرة أفدنة مساكن للاستغلال
دير أبي مقار ١٤٥ ٧
دير الأنبا بشوي ١٠٦ ٢
دير السوريان ١٣٤ ٢١
دير السيدة براموس ٢٤٤ ١٠
fig6
شكل ٣-٥: معبر بدير القديس مقار.
fig7
شكل ٣-٦: معبر بدير السوريان.

(٣) الخاتمة

واننا نذكر لك جملة الحال عن هذه الأديرة ملخصة مما ذكره المؤرخون عنها في الحقب الآتية وهي:

الحقبة الأولى (من سنة ٥٦٩ إلى سنة ٦٠٥م)

إن عدد أديرة وادي النطرون التي ذكرها التاريخ بأسمائها في هذه الحقبة وتعد أقدم أديرة هذا الوادي أربعة وهي:
  • (١)

    دير القديس مقار.

  • (٢)

    دير الأنبا بشوي.

  • (٣)

    دير القديس يوحنا القصير.

  • (٤)

    دير البراموس أو دير ماكسيم ودوميس.

والديران الأولان لا يزالان إلى وقتنا هذا. ولم يبق من الديرين الأخيرين إلا أطلالهما وقد وضعنا عليهما في اثناء رحلاتنا لوحين من الشبه (البرونز) مكتوبًا عليهما اسماهما باللغتين العربية والفرنسية للدلالة عليهما.

وأصحاب هذه الأديرة الأربعة وجدوا في عصر واحد وكلهم كانوا يعيشون في القرن الرابع الميلادي. وأول من توفى منهم ماكسيم ودوميس. ومن المحتمل أن وفاتهما كانت في الربع الأخير من هذا القرن. ودير البراموس الذي يسمى أيضًا دير الروم نسبة اليهما أقيم في الموضع الذي دفنهما فيه القديس مقار. وتوفى هذا القديس قبيل عام ٣٩٠م. وكان لغاية هذا التاريخ لم يقم البربر بشن غارة ما.

أما القديسان الآخران وهما الانبا بشوي والقديس يوحنا القصير فعمرا بعض سنين من القرن الخامس الميلادي وكلاهما ترهب على يد الأنبا بماوه “Anba Bamaweh” وهذا هو الذي جعلهما يعتنقان معيشة الرهبان في صحراء شيهات. وشاهد كلا الاثنين غارة البربر الأولى وغادر الانبا بشوي برية شيهات عند حدوث تلك الغارة ولاذ بجبل انتينويه “montagne d’Antinoe” (أنصنا في صعيد مصر) وتوفى في هذا الجبل. وعندما هدأت الأحوال في برية شيهات واستتب الأمن فيها نقلت جثته مع جثة الانبا بولا الذي كان مسقط رأسه بلدة طماوه إلى دير الأنبا بشوي حيث واروهما في التراب كما ورد ذكر ذلك في كتاب الباترولوجية الشرقية، السنكسار العربي القبطي شهر أبيب ج ١٧ ص ٣٦٠، وفي السنكسار الاسكندري العربي ج ٢ ص ٢١٠.

أما القديس يوحنا القصير فقد غادر هو أيضًا صحراء شيهات بسبب قدوم البربر ومضى إلى القلزم (كليسما) وهناك وافاه الأجل المحتوم. ونقلت جثته بعد ذلك بزمن إلى ديره بصحراء شيهات وكان ذلك في ٣٠ مسرى عام ٥٢٥ من تاريخ الشهداء (٢٣ اغسطس سنة ٨٠٩م)، كما ورد في كتاب الباترولوجية الشرقية، السنكسار العربي القبطي شهر مسرى ج ١٧ ص ٧٦٦، وفي السنكسار الاسكندري للعربي ج ٢ ص ٢٩٣.

الحقبة الثانية (من سنة ٨٥٩ إلى سنة ٨٨١م)

لقد ذكر التاريخ في هذه الحقبة سبعة من الأديرة وهي:
  • (١)

    دير القديس مقار.

  • (٢)

    دير الأنبا بشوي.

  • (٣)

    دير يوحنا القصير.

  • (٤)

    دير الانبا موسى «البراموس».

  • (٥)

    دير (السيدة) براموس.

  • (٦)

    دير القديس يوحنا الأسود (يوحنا كاما).

  • (٧)

    دير السوريان.

ويرى القارئ من هذا البيان أن عدد الأديرة زاد في هذه الحقبة الثلاثة الأديرة الأخيرة. وذكر الدير الرابع في البيان المذكور باسم يختلف عن الاسم الذي ذكر به في الحقبة السابقة. غير أن هذا الدير كما بينا في خلال بحثنا في موضوع الأديرة كان يسمى دير الأنبا موسى وأيضًا دير الروم. ولهذا السبب وضعنا اسم (البراموس) بين قوسين لكي يميز القارئ جيدًا أننا نعني هذا الدير لا سواه. ويسمى الدير الخامس في البيان دير البراموس فقط. ولدى تلاوة اسمه بهذا الوضع يخاله القارئ — وله الحق في ذلك — أنه الدير السابق، على أن الحقيقة كما أوضحنا آنفًا ليست كذلك. ولهذا وضعنا اسم السيدة بين قوسين لكي نبين جليًا أن المقصود بالكلام هو نفس هذا الدير.

أما تاريخ مجئ القديس يوحنا الأسود (يوحنا كاما) صاحب الدير السادس إلى صحراء شيهات فلا يعلم بالدقة، غير أنه يؤخذ من سيرة حياته في كتاب (الباترولوجية الشرقية ج ١٤ ص ٣١٩) أن ذلك كان قبيل آخر القرن الثامن أو أوائل القرن التاسع الميلادي. وديره الذي استطعنا أن نعرفه من معالمه قائم غرب دير القديس يوحنا القصير. وقد وضعنا على أطلاله في أثناء رحلاتنا لوحا من الشبه (البرونز) مكتوبًا عليه اسمه باللغتين العربية والفرنسية. ودير يوحنا الأسود أكبر دير بعد دير يوحنا القصير بين جميع الأديرة التي بوادي النطرون سواء المخرب منها والعامر. ولا بد أن يكون الدير السابع أي الأخير أقيم بين هذه الحقبة والحقبة السابقة. وليس في الاستطاعة الوصول إلى معرفة تاريخه.

الحقبة الثالثة (عام ١٠١٧م)

ذكر لنا التاريخ في هذه الحقبة سبعة أديرة كذلك وهي:
  • (١)

    دير القديس مقار.

  • (٢)

    دير أنبا بشوي.

  • (٣)

    دير يوحنا القصير.

  • (٤)

    دير أنبا موسى (البراموس).

  • (٥)

    دير (السيدة) براموس.

  • (٦)

    دير يوحنا الأسود (يوحنا كاما).

  • (٧)

    ير السوريان.

وبيان أديرة هذه الحقبة منقول من مذكرة لرئيس الكهنة أرمانيوس عن الأديرة التي كانت تقوم بالواجبات التي أقيمت من أجلها، وذلك في عهد البطريرك خرستودولس السادس والستين (سنة ١٠٤٤–١٠٧٥م)، وهي بالظبط نفس الأديرة الموضحة في البيان المذكور.

الحقبة الرابعة (عام ١٢٠٩م)

ذكر التاريخ في هذه الحقبة ثمانية أديرة وهي:
  • (١)

    دير القديس مقار.

  • (٢)

    دير أنبا بشوي.

  • (٣)

    دير يوحنا القصير.

  • (٤)

    دير الأنبا موسى (البراموس).

  • (٥)

    دير السيدة براموس.

  • (٦)

    دير القديس يوحنا الأسود (يوحنا كاما).

  • (٧)

    دير السوريان.

  • (٨)

    دير الأسقيط أو القديس أرسانيوس.

وقد زار عدد الاديرة في هذه الحقبة ديرًا واحدًا وهو الدير الثامن، إلا أن هذا الدير لم يذكره مؤلف آخر. والظاهر أن هذا الدير لم يكن قائمًا في برية شيهات بل في الطرانة. وعلى ذلك يمكن عمليًا اعتبار الأديرة في هذه الحقبة مثلما كانت في الحقبتين السالفتين.

الحقبة الخامسة (عام ١٣٣٠م)

ذكر التاريخ في هذه الحقبة سبعة أديرة وهي:
  • (١)

    دير القديس مقار.

  • (٢)

    دير القديس الأنبا بشوي

  • (٣)

    دير القديس يوحنا القصير.

  • (٤)

    دير البراموس أو الروم.

  • (٥)

    دير السيدة (براموس)

  • (٦)

    دير يوحنا الاسود (يوحنا كاما).

  • (٧)

    دير السوريان.

والأديرة في هذه الحقبة هي الأديرة التي كانت في الثلاث الحقب السالفة إلا أننا سمعنا في الحقبة الخامسة كل ما يدور حول صوامع الاحباش التي زارها البطريرك بنيامين في المدة التي زار فيها الأديرة الأخرى.

الحقبة السادسة (عام ١٣٧٤م)

ذكر التاريخ في هذه الحقبة عشرة أديرة وهي:
  • (١)

    دير القديس مقار.

  • (٢)

    دير الأنبا بشوي.

  • (٣)

    دير يوحنا القصير.

  • (٤)

    دير البراموس.

  • (٥)

    دير السيدة براموس.

  • (٦)

    دير يوحنا الأسود (يوحنا كاما).

  • (٧)

    دير السوريان.

  • (٨)

    دير الأنبا نوب.

  • (٩)

    دير الاحباش.

  • (١٠)

    دير الارمن.

فبلغت زيادة الاديرة في هذه الحقبة ثلاثة وبذلك صار عددها عشرة، وهو أقصى عدد ذكره التاريخ في حقبة واحدة عن الأديرة التي لها أسماء.

وقد قمنا بأبحاث من أجل العثور على اسم شخصية كانت لها صلات بصحراء شيهات وتسمى باسم صاحب الدير الثامن أي دير أنبا نوب، ولكننا لم نتوصل بهذه الأبحاث إلا إلى اسم قديس مذكور في كتاب (قديسو مصر ج ٢ ص ١١٦) يقال له الأبيه أنوب أي شخص من الاكليروس يسمى (نوب). ويقال إن هذا القديس وأخوته الستة كانوا اعتنقوا عيشة الزهاد وكانوا نازلين في صحراء شيهات ولم يغادروها إلا من أجل غارة شنها البربر ليذهبوا إلى تيرينوتس “Térénutis” (الطرانة) ويقيموا فيها. أما تاريخ هذه الأغارة وتاريخ وجوده فلم نعثر عليهما. غير أنه في استطاعتنا أن نعين تاريخهما من قصة الزيارة التي ورد ذكرها في المؤلف السالف الذكر. تلك الزيارة التي زارها له الأبيه أشعيا في الطرانة كما ورد في الجزء الأول من المؤلف المذكور ص ١٣٠.
وبما أن هذا الأبيه كان معاصرًا للقديس مقار الكبير كما جاء في هذا المكان من المؤلف السابق، ونظرًا لوفاة هذا الأخير في أواخر القرن الرابع الميلادي بدون أن يرى غارة البربر الأولى التي شنوها عام ٤١٠م، فيستطيع الانسان أن يستخلص من ذلك أن مقابلة الأبيه أشعيا مع الأبيه أنوب كانت في النصف الأول من القرن الخامس، وأنه فارق الحياة الدنيا قبيل منتصف هذا القرن. وهذا يطوحنا مراحل كثيرة بعيدًا عن الحقبة التي نتكلم الآن عنها وينشأ عنه فرق يقدر بزهاء ٩٠٠ عام بين التاريخين. وهذا اعتراض وجيه يقوم في وجه من يزعم بأن هذا القديس هو صاحب الدير القائم النزاع بصدد مؤسسه. إلا أنه من المحتمل أن الصوامع التي كان نازلا بها هو وأخوته أبقى عليها الرهبان الذين سكنوها بعده وأنهم في الوقت الذي شيدوا فيه الدير أطلقوا عليه اسمه.
fig8
شكل ٣-٧: معبر وبرج بدير برموس.
fig9
شكل ٣-٨: حديقة دير السيدة برموس.

وورد في سيرة حياته أن المنية أدركته في الطرانة. وهنا يتساءل المرء هل نقل جثمانه إلى صحراء شيهات. ولكن من الصعب قول ذلك، لأنه لم يرد عن هذا شئ في سيرته، ولكن لا شئ محال وما ذلك إلا لأننا رأينا جثتي القديس يوحنا القصير والأنبا بشوي نقلتا من مسافات شاسعة جدًا. فنقلت أولاهما من كليسما (القلزم) بجوار السويس بعد وفاة صاحبها بثلاثمائة وخمسين عامًا. ونقلت الثانية من انتينويه (انصنا) في أعالي مصر. وعلى كل حال اذا كانت هذه الشخصية هي نفس صاحب الدير المذكور فمن الأمور التي لاريب فيها أن جثته لا بد أن تكون قد نقلت إلى وادي النطرون، وأن يكون نقلها هو السبب في بقاء ذكره في هذا الوادي.

ونختم القول في هذا الموضوع مقررين أن الأدلة التي أبديناها في هذا الصدد ليست أدلة حاسمة مقنعة اقناعًا تامًا بأن هذا الأنبا (الأبيه) صاحب هذا الدير، ونكرر القول بأننا ما ذكرناه هنا إلاّ لكونه الشخصية الوحيدة المسماة بهذا الاسم والحائزة للصفات المطلوبة. ولذا أبدينا هذه الأدلة مع التحفظ.

وقد أوضحنا فيما سبق أن البطريرك بنيامين زار في الحقبة السالفة صوامع الأحباش. فهذه الصوامع تحولت إلى دير في ظرف ٤٤ سنة، أي بين هذه الحقبة والتي سبقتها، وذلك بالكيفية التي تحولت بها الصوامع الأخرى التي زارها البطريرك غبريال السادس والثمانين (عام ١٣٧٠–١٣٧٨م). وهكذا تحولت أيضًا صوامع الأرمن في غضون هذه الفترة الزمنية.

الحقبة السابعة (عام ١٤٤٠م)

ذكر لنا التاريخ في هذه الحقبة عشرة أديرة أيضًا وهي:
  • (١)

    دير القديس مقار.

  • (٢)

    دير الأنبا بشوي.

  • (٣)

    دير يوحنا القصير.

  • (٤)

    دير الأنبا موسى (البراموس).

  • (٥)

    دير السيدة براموس.

  • (٦)

    دير سيدة يوحنس القصير. (ومن المحتمل أن يكون دير يوحنا القصير).

  • (٧)

    دير السوريان.

  • (٨)

    دير الأنبا نوب (خرب).

  • (٩)

    دير الياس أو الأحباش (خرب).

  • (١٠)

    دير الأرمن (خرب).

وهذا البيان منقول عن المقريزي وينطبق في العدد والأسماء على بيان الحقبة السالفة ولا يختلف عنه إلا في دير واحد. ذلك أن هذا المؤرخ يقول إن دير يوحنا القصير وهو الدير الثالث كان خربًا ونازلا به ثلاثة رهبان. على أنه ينبغي مقابلة هذا القول بتحرز لأنه جاء عن هذا الدير في أخبار الحقبة التالية، أي بعد الحقبة السابعة بأربع وأربعين سنة، أنه كان لايزال قائمًا. ولذلك لم نشأ أن نؤشر أمامه بأنه كان خربا. والدير الذي يختلف اسمه في هذا البيان عن اسم الدير الوارد في بيان الحقبة السابقة هو الدير السادس — نعني دير سيدة يوحنس القصير الذي وضع اسمه عوضًا عن اسم القديس يوحنا الأسود (يوحنا كاما) — ونرى أن هذا يرجع إلى خطأ وقع فيه المقريزي وذلك للأسباب الآتية:
  • (أ)

    هذا الدير مذكور في البيان السابق واللاحق فمما لا يتسرب اليه الشك أنه كان باقيا في غضون هذه الحقبة.

  • (ب)

    لم يذكر قط مؤلف من المؤلفين في الوقت الذي زارت فيه البطاركة الأديرة التي في وادي النطرون الاسم الذي أورده المقريزي.

  • (جـ)

    أورد المقريزي أن الأحباش بعد خراب ديرهم التجأوا إلى دير سيدة يوحنس القصير الذي كان بجوار القديس يوحنا القصير. وهذا القول ينطبق على المواقع التي تشترك فيها خرائب هذا الدير الأخير ودير القديس يوحنا الأسود (يوحنا كاما).

  • (د)
    ومما روته التقاليد أنه بعد خراب دير القديس يوحنا الأسود التجأت الرهبان الذين كانوا يقطنون فيه إلى دير السوريان. والحال أنه لما زار كيرزون “Curzon” أديرة وادي النطرون سنة ١٨٣٧م نزل في هذا الدير الأخير كما ورد في كتاب (زيارات أديرة الشرق ص ٩٤). ومما قاله كيرزون في هذا الصدد إنه كان يوجد بهذا الدير رهبان أحباش، وإنه قيل له إن هؤلاء جاءوا بعد خراب ديرهم إلى دير السوريان ونزلوا به.

فلهذه الأسباب نرى أن دير سيدة يوحنس القصير الذي ذكره المقريزي لا بد أن يكون دير القديس يوحنا الأسود بلا مراء.

وكانت ثلاثة من الأديرة في ذلك العهد متخربة وهي دير الأنبا نوب وهو الدير الثامن في البيان المذكور. ودير الياس أو دير الأحباش وهو الدير التاسع. ودير الأرمن وهو الدير العاشر. ومما يجب لفت نظر القارئ اليه أن دير الأنبا موسى أو البراموس وهو الدير الرابع ودير السيدة براموس وهو الخامس كان كلاهما قائمًا في هذه الحقبة. وقد زال أولهما من عالم الوجود في الحقبة القادمة، وبقى الثاني وهو دير السيدة براموس قائمًا فيها.

الحقبة الثامنة (عام ١٤٨٢م)

ذكر التاريخ في هذه الحقبة ستة أديرة وهي:
  • (١)

    دير القديس مقار.

  • (٢)

    دير الأنبا بشوي.

  • (٣)

    دير يوحنا القصير.

  • (٤)

    دير السيدة براموس.

  • (٥)

    دير السوريان.

  • (٦)

    دير يوحنا الأسود (يوحنا كاما).

ومن هذا البيان يعرف أن عدد الأديرة أخذ في التناقص في هذه الحقبة. فاختفى من عالم الوجود فيما خلا الأديرة الثلاثة التي اشتهر أمر خرابها، الدير الرابع في بيان أديرة الحقبة السابقة وهو دير الأنبا موسى أو البراموس. وإذ كنا قد لفتنا اليه نظر القارئ في تلك الحقبة فذلك لأن دير السيدة براموس الذي بقى بعد تخرب الدير المذكور وظل قائمًا إلى يومنا هذا، يعتبر لدى كثير من الناس كأنه دير البراموس السابق، وذلك نظرَا لتشابه الاسمين مع أن الواقع عكس ذلك. فالحقيقة أن الأول هو الذي اختفى والثاني ظل قائمًا إلى وقتنا هذا.

وقد أيد هذه الحقيقة أيضًا الأب دوبرنا “le Pére du Bernat” في كتاب (مذكرات مبشري جمعية يسوع الجديدة في الشرق ج٢ ص ٦٣)، بعد أن زار هذه الناحية سنة ١٧١٠م، وذكر أنه انطلق من دير السوريان إلى دير القديسة العذراء (السيدة) البراموس. وعندما وصل اليه قال في المؤلف المذكور ص ٦٨ إنه على قيد مرمى ثلاث أو أربع رميات من طلقات البندقية يرى طلل موحش وهو بقايا عشر أو اثنتي عشرة عمارة للعبادة مقوضة البنيان. كل واحدة منها واقعة على مسافة قليلة من جارتها. ومن بينها الدير الذي يقال له دير موسى (الأسود) وكنيسة القديسين ماكسيم وتيموتيه “Saints Maxime et Timothée”.

الحقبة التاسعة (عام ١٦٧٢م)

ذكر لنا التاريخ في هذه الحقبة خمسة أديرة فقط وهي:
  • (١)

    دير القديس مقار.

  • (٢)

    دير الأنبا بشوي.

  • (٣)

    دير يوحنا القصير.

  • (٤)

    دير السيدة براموس.

  • (٥)

    دير السوريان.

وعدد الأديرة في هذه الحقبة ما زال آخذًا في التناقص. وفيها توارى دير القديس يوحنا الأسود (يوحنا كاما). ومع أن الدير الثالث في هذا البيان وهو دير يوحنا القصير كان بلا ريب في حالة يرثى لها، فقد دونا اسمه في عداد الأديرة الباقية. لأن الأب جان كوبان “le Pére Jean Coppin” قنصل فرنسا في دمياط الذي زار صحراء القديس مقار عام ١٦٣٨م قال في مؤلفه (حامي أوربا أو الحرب المقدسة ص ٣٤٥)، إنه ما زال باقيًا إلى الآن قبة صغيرة من بقايا كنيسة صغيرة مهداة إلى القديس يوحنا القصير، وعلى مسافة منها قصيرة جدًا كانت توجد الشجرة التي كانوا يسمونها شجرة الطاعة. وكانت هذه الشجرة مغروسة في دير هذا القديس.
ولدينا كذلك شهادة الأب فانسلب “le Pére Vansleb” وقد زار هذا الأب أيضًا هذه الصحراء سنة ١٦٧٢م ودون في كتابه (رحلة جديدة في الديار المصرية ص ٢٢٨) أن دير يوحنا القصير (القزم) كان في حالة رثة جدًا.

ومن الواضح أن هذه العبارة لا يؤخذ منها أن الدير المذكور كان متخربا، لأنه لو كان كذلك لقال ذلك بصريح العبارة.

وقد ذكر الأب فانسلاب أيضًا حكاية الشجرة السابق الاشارة اليها.

الحقبة العاشرة (عام ١٧١٠م)

ذكر لنا التاريخ في هذه الحقبة الأخيرة أربعة أديرة فقط وهي:
  • (١)

    دير القديس مقار.

  • (٢)

    دير القديس الأنبا بشوي.

  • (٣)

    دير السيدة براموس.

  • (٤)

    دير السيدة السوريان.

وقد ذكر الأب دوبرنا في كتابه (مذكرات مبشري جمعية يسوع الجديدة في الشرق ج ٢ من ص ٢٦ إلى ص ٨٢) زيارته لصحراء القديس مقار عام ١٧١٠م. ولم يذكر في مؤلفه هذا أثناء الكلام على زيارته هذه إلا الاربعة الأديرة المذكورة فقط وهي التي كانت قائمة بتلك الصحراء في ذلك العهد.

أما بقية الأديرة الأخرى فلم يبق منها إلا أطلالها. وقد روى لنا الأب المذكور في الصفحة ٣٠ من مؤلفه السابق، أن عظام القديس يوحنا القصير محفوظة في دير القديس مقار. أما دير القديس يوحنا القصير فقد ذكر أنه تخرب تخربًا تامًا. وقد قال بوجود شجرة الطاعة التي كانت قائمة في أنحائه.

fig10
شكل ٣-٩: أبواب صوامع بدير الأنبا بشوى.
fig11
شكل ٣-١٠: باب الخروج بدير السيدة برموس.
وأما فيما يختص بالرهبان الذين كانوا في الأربعة الأديرة الآنفة الذكر، فقد قال في الصفحة ٣٣ من مؤلفه السابق إنه كان يوجد أربعة منهم في دير القديس مقار، وأربعة آخرون في دير الأنبا بشوي، وفي دير السيدة براموس والسوريان كان يوجد من ١٢ إلى ١٥ راهبا.

وعدد الأديرة التي في هذه الحقبة هو العدد الحالي في وقتنا هذا (عام ١٩٣٥م).

١  اللور Laure أشبه شئ بضيعة تقطن بها طائفة من الرهبان وتجتمع فيها مرة واحدة في الاسبوع لتصلي وتأكل جماعة.
٢  هو الشهر الخامس من تقويم الجمهورية الفرنسية، ويبتدئ من ٢٠ أو ٢١ أو ٢٢ يناير وينتهي في ١٩ أو ٢٠ أو ٢١ فبراير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤