بول وفرجيني

شعر
يا بَنِي القفرِ سلامٌ عاطرٌ
من بَنِي الدنيا عليكم وثَنَاءْ
وسَقَى العارضُ مِن أكواخكم
مَعْهَدَ الصدق ومهد الأنقياءْ
كنتم خير بني الدنيا ومن
سَعِدُوا فيها وماتوا سعداءْ
عشتم من فقركم في غِبطةٍ
ومِن القِلَّة في عيشٍ رخاءْ
لا خصامٌ، لا مراءٌ بينكم
لا خداعٌ، لا نفاق لا رياءُ
خُلُقٌ برٌّ وقلبٌ طاهرٌ
مثل كأس الخمر معنى وصفاءْ
ووفاءٌ ثبت الحب به
وثبات الحب في الناس الوفاء
أصبحت قصتُكم معتبرًا
في البرايا وعِزَاء البؤساء
يجتلي الناظر فيها حكمةً
لم يسطِّرها يَراعُ الحكماء
حِكمٌ لم تقرءوا في كتبها
غير أن طالعتم صحف القضاء
وكتاب الكون فيه صُحفٌ
يقرأُ الحكمةَ فيها العقلاء

•••

إن عيش المرء في وحدته
خير عيشٍ كافلٍ خير هناء
فالورى شرٌّ وَهَمٌّ دائمٌ
وشقاءٌ ليس يحكيه شقاء
وفقيرٌ لِغَنيٍّ حاسدٌ
وغنيٌّ يستذل الفقراء
وقويٌّ لضعيف ظالمٌ
وضعيفٌ من قوي في عناء
في قضاء الأرض منأى عنهم
ونجاءٌ منهم أيُّ نجاء
إن عيش المرء فيهم ذلةٌ
وحياة الذل والموت سواء

•••

ليت «فرجيني» أطاعت «بَوْلَها»
وأَنَالته مُنَاه في البقاء
وَرَثَت للأدمُعِ اللاتي جَرَتْ
من عيونٍ ما دَرَتْ كيف البكاء
لم يكن من رأيها فُرْقَته
ساعةً لكنه رأيُ القضاء
فارقته لم تكن عالمةً
أن يوم الملتقى يوم اللقاء

•••

ما «لفرجيني» و«باريس» أما
كان في القفر عن الدنيا غناء
إن هذا المال كأسٌ مُزجت
قطرة الصهباء فيه بدماء
لا ينال المرء منه جرعةً
لم يكن في طيِّها داءٌ عياءٌ
عرضوا المجد عليها باهرًا
يدهش الألباب حسنًا ورُواء
وأَرُوها زخرف الدنيا وما
راق فيها من نعيمٍ وثراء
فأَبَتْه وأَبَى الحب لها
نَقْضَ ما أَبْرَمه عهد الإخاء
ودَعَاهَا الشوق للقَفْر وما
ضَمَّ من خيرٍ إليه وهناء
فغدت أهواؤها طائرة
بجناح الشوق يرجيها الرجاء
يأمل الإنسان ما يأمله
وقضاء الله في الكون وراء

•••

ما لهذا الجو أمسى قاتمًا
يُنذر الناس بويلٍ وبلاء
ما لهذا البحر أضحى مائجًا
كبناءٍ شامخٍ فوق بناء
وكأن الفُلْكَ في أمواجه
ريشةٌ تحملها كف الهواء
و«لفرجيني» يدٌ مبسوطة
بدعاءٍ حين لا يجدي دعاء

•••

لَهَفِي والماء يطفو فوقه
هيكل الحسن وتمثال الضياء
زهرةٌ في الروض كانت غَضَّةً
تملأ الدنيا جمالًا وبهاء
من يراها لا يراها خُلِقت
مثل خلق الناس من طينٍ وماء
ظنَّت البحرَ سماءً فهوت
لتُباري فيه أملاك السماء
هكذا الدنيا وهذا منتهى
كل حيٍّ، ما لحيٍّ من بقاء

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤