الفصل الرابع والعشرون

الكارثة

وبينما نحن ذاهلون عن أنفسنا، وعن كل ما يدور حولنا، إذ طرق آذاننا صوتٌ عظيم، فاستفقنا، فإذا السفينة قد اصطدمت بإحدى الصخور العظيمة، وإذا آخر جريرٍ من أَجِرَّتِهَا قد انقطع، فانبعثت في تلك اللحظة صيحة ألمٍ من جميع القلوب، وإذا بول يهجم على البحر ليلقي بنفسه فيه، فاعترضت طريقة أنا ودومينج، وحاولنا أن نمنعه فلم نستطع، وظل يصيح: دعوني أُنجي فرجيني، فلم يكن لنا بدٌّ من أن نتركه وشأنه، غير أننا عقدنا في وسطه حبلًا طويلًا وأبقينا طرفه في أيدينا خوفًا عليه من الهلاك، فاقتحم الماء وكان منظره في تلك اللحظة منظرًا مخيفًا مرعبًا كأنما هو منتفضٌ من كفنٍ، وكأنما صورته قد استحالت إلى صورة وحشٍ ضارٍ لا يقوم له شيءٌ إلا أتى عليه، فظل يعوم مرةً، ويتسلق الصخور أخرى، ويعاني في سبيل ذلك ما لا يستطيع أن يحتمله بشرٌ، حتى دنا من السفينة، أوشك أن يدنو منها، فلطمه تيارٌ قويٌّ لطمةً شديدة أعادته إلى الشاطئ كما كان، مجروح الساق، مهشَّم الأعضاء، فلم يضعف ولم يهن، ولم يبق إلا بمقدار ما تنفس نفس الراحة ثم عاد إلى شأنه الأول.

وكان الموج يهدأ حينًا عن السفينة فيخيل إلينا أنها واقفةٌ على اليبس فنرى أشرعتها الممزقة، وألواحها المتناثرة، ورجالها المتهافتين على سطحها من الإعياء والتعب، وربانها الواقف في مقدمتها وقفة الليث الهصور يصرخ صرخاته العالية التي تدوي بها أجواز الفضاء، ثم يطغى عليها حينا فيضرب فوقها قبةً جوفاء تغمرها كما يغمر القبر دفينه.

وما هي إلا لحظات حتى بدأ سطح السفينة يتشقق وبدأ الماء يتسرب إلى أحشائها، وعلم ركابها أنهم هالكون إن بقوا فيها، فأخذوا يلقون ما على سطحها من ألواح ومجاذيف وصناديق وأقفاص ثم يلقون بأنفسهم وراءها.

وهنا ظهر منظرٌ هائلٌ عظيمٌ هلعت له القلوب وزاغت له الأبصار، وفاضت له الشئون من آماقها لهفةً وجزعًا.

ظهر في مؤخر السفينة منظر فتاةٍ رائعة الجمال، غضة الشباب، نبيلة المنظر، واقفة على قدميها العاريتين، وقد ضمت بإحدى يديها قميصها إلى صدرها، ومدت يدها الأخرى إلى ذلك البائس المسكين الذي يخاطر بحياته ويكابد أعظم الشدائد والأهوال في سبيل الوصول إليها، فلم نعلم أهي تستغيث به لينقذها، أم تشير إليه أن يعود إلى مكانه رحمةً به وإشفاقًا عليه؟ فكان منظرها في تلك الساعة منظر صورةٍ بديعة مرسومة في صفحة السماء.

من هي هذه الفتاة؟! إنها الفتاة الطاهرة الشريفة التي تجثو الفضيلة خاشعةً بين يديها، إنها الفتاة الكريمة المحبوبة التي نبتت من كل قلبٍ، فهي حبيبةٌ إلى كل قلبٍ، إنها الرحمة الإلهية التي طالما أحسنت إلى البائسين، وفرَّجت كربة المكروبين، وبكت رحمةً بالمنكوبين والمرزوئين، إنها النور السماوي الذي طالما أشرق في القلوب اليائسة الحزينة فأنار حلكتها، وبدَّد ظلمتها، وملأها رجاءً وأملًا.

لذلك لم تبقَ عينٌ من العيون إلا فاضت مدامعها، ولا نفسٌ من النفوس إلا سالت من بين أضالعها، ولا يد من الأيادي إلا ارتفعت إلى السماءٍ ضارعةً إلى الله، تعالى، أن ينقذها من بلائها.

علم الملاحون أن السفينة قد بدأت تهوي إلى مستقرها، وأن ظلمة الموت قد أخذت تخيم فوقها، فنفضوا أيديهم منها نفض المودع يده من تراب الميت، وأخذوا يقذفون بأنفسهم إلى الماء، لا يعلمون أذاهبون إلى الحياة أم إلى الموت؟ وسفينة النجاة واقفة في مكانها من الشاطئ لا تستطيع أن تتقدم خطوة واحدة خوفًا على نفسها من الهلاك، وأخذت همة بول تضعف وتفتر؛ لأنه كان قد استنفذ جميع قواه فلم يبق له منها ما يمسك به رمقه.

وما هي إلا لحظات حتى خلا سطح السفينة من كل شيء إلا من فرجيني واقفة في مؤخرتها تنتظر قضاء الله فيها، ورجلٍ بحارٍ واقف في مقدمتها قد خلع ملابسه وهمَّ بإلقاء نفسه ثم لمح فرجيني واقفة موقفها هذا، فأبى له كرمه ووفاؤه إلا أن يمد لها يد المعونة لينقذها، فمشى إليها وجثا بين يديها وطلب منها أن تخلع ثوبها ليحملها على ظهره ويسبح بها.

أتدري ماذا كان بعد ذلك؟

كان أن غلب الحياء على الفتاةٍ حينما رأت رجلًا عاريًا بين يديها يريد أن يضمها عارية إلى جسمه فأشاحت بوجهها عنه، وأشارت برأسها أن لا، فصاح الناس من كل جانبٍ أنقذها، أنقذها، فوثب الرجل قائمًا على قدميه ومد يده إلى ثوبها ليجردها منه.

وهنا وا أسفاه أقبلت موجةٌ عظيمة كالجبل الأشم تندفع نحو السفينة اندفاع القضاء النازل، وتزمجر في اندفاعها زمجرة الليث الهصور، فذعر البحار إذ رآها وطاش عقله، وما لبث أن أملس من مكانه وألقى بنفسه في الماء.

أما فرجيني فلم تخَف ولم تطِش، بل لبثت في مكانها كما هي، وقد علمت أن الساعة آتيةٌ لا ريب فيها، فضمت قميصها إلى جسمها بيدٍ، ووضعت يدها الأخرى على قلبها، وسبحت بنظرها في الفضاء، فأصبح منظرها منظر ملكٍ كريم يطير بجناحيه في جو السماء.

وما هو إلا أن أغمض الواقفون عيونهم جزعًا من هذا المنظر الهائل المخيف، ثم فتحوها فإذا البحر قد ابتلع كل شيءٍ، وإذا كل شيءٍ قد انقضى!

وهنا صمت الشيخ وأسلم رأسه إلى ركبتيه وأخذ يضطرب اضطرابًا شديدًا كأنما يعالج غصةً تعتلج في صدره، ثم لم يلبث أن انفجر باكيًا ينشج نشج الأطفال، فهاجني بكاؤه فبكيت حتى ذهلت، ولم أستطع الرجوع إلى نفسي إلا بعد حينٍ، فرأيته لا يزال في ذهوله واستغراقه، فنبهته فانتبه، وعاد إلى حديثه يقول: يا له من يومٍ عظيمٍ هائل! يا لها من ذكرى مؤلمةٍ مريرة! يا لها من حسرةٍ لا انقضاء لها حتى الموت! لقد مر على تلك الحادثة عشرون عامًا ولا تزال تلك الفتاة ماثلةً أمامي كأنني لا أزال أراها، إن فرجيني كانت عزيزةً علي جدًّا، بل كانت أعز مخلوقٍ عندي، ولو كان لي ابنةٌ لما نزلت من نفسي تلك المنزلة التي نزلتها، وكان كل أملي في حياتي أن أعيش في ظل عطفها ورحمتها، وحنانها وشفقتها، حتى تتولى إغماض عيني بيدها في ساعتي الأخيرة، فلم يقدَّر لي ما أريد. لقد هجرت العالم كله ولجأت إلى هذا المعتزل البعيد النائي هربًا من الشقاء فتبعني الشقاء حيث ذهبت، وما أحسبه تاركي بعد ذلك حتى ينزل معي إلى قبري.

ثم تنفس الصعداء وقال: ولكن الذي يهون وجدي عليها أنها الآن سعيدة في سمائها، مغتبطة بعيشها، متمتعة برحمة ربها ورضوانه، وأن تلك المرارة التي ذاقتها ساعة موتها قد زالت من فمها إلى الأبد.

نعم إن يومها كان يومًا هائلًا جدًّا، فلقد بكاها كل من رآها حتى الزنوج الذين أَلِفو البؤس والشقاء، فلم يبق في عيونهم موضعٌ للبكاء، وكان أكثرهم بكاءً عليها البحار المسكين الذي حاول إنقاذها فحال القضاء بينه وبينها، فقد كان يخيل إليه أنه أجرم إجرامًا عظيمًا بالفرار منها وتركها وشأنها، فجلس على الرمل بعد خروجه يلطم وجهه وينتف شعره ويقول: اللهم اغفر لي ذنبي، فقد كنت أرجو أن أنال السعادة بافتدائها بحياتي، ولكن الله أراد ما أراد.

أما بول المسكين، فقد كنا جذبناه قبل ذلك إلى الشاطئ، فجثا على ركبتيه يشاهد ذلك المنظر المؤلم وهو يرعد ويضطرب اضطراب الغصن في مهاب الرياح حتى انقضى. فسقط مغشيًّا عليه يتدفق الدم من فمه وأذنيه وأنفه، فظللنا نعالجه ساعةً طويلة حتى استفاق بعد لأيٍ، ودار بنظره حوله كالذاهل المخبول، ثم انتفض انتفاضة شديدة وعاد إلى ذهوله واستغراقه، فأمر الحاكم أن ينقل إلى خيمته الخاصة، وأمر طبيبه بالقيام عليه والعناية به، وظل هو ملازمًا له لا يفارقه.

فتركته حيث هو، وذهبت أنا ودومينج إلى الساحل لنفتش عن جثة فرجيني، وكانت الزوبعة قد هدأت قليلًا فقضينا في البحث عنها زمنًا طويلًا فلم نعثر عليها، فاشتد حزننا وألمنا، واستولى اليأس على نفوسنا، وبدأ الريب يدب في قلوب الكثير منا، فصاح بعض الناس وقد أدركه مثل الجنون: ألا يوجد لهذا الكون إله يدبره ويرعاه؟ ألا يوجد بين هؤلاء الناس جميعًا من يستحق هذه الميتة التي ماتتها هذه الفتاة سواها؟ والنفس الضعيفة تعجز دائمًا عن احتمال صدمات القضاء، فلا تجد بدًّا حين تصدمها من أن تروِّح عن نفسها بالسخط والغضب، وقد تخرج في سخطها أحيانًا عن صوابها وهداها، فليرحمها الله، فإنها ما أتيت إلا من ناحية الإيمان بالله والثقة بعدله ورحمته.

وهنا مر بنا بعض الناس وأخبرنا أن التيار قد ألقى ببقايا السفينة على شاطئ الخليج المسمى خليج «وتمبو»؛ أي خليج القبر، فذهبنا إليه نرجو أن نعثر على الجثة هناك، فوجدناها غارقةً في الرمل إلا جزأها الأعلى، فنبشنا عنها فإذا هي على الصورة التي رأيناها عليها في ساعتها الأخيرة، وكأنها حيةٌ باقية لم تمت، وكأن ماء الحياة لا يزال يجول في وجهها، لولا اصفرارٌ قليلٌ في خديها، وإذا هي لا تزال ضامةً ثوبها إلى جسمها وواضعة يدها الأخرى على قلبها، وكأن أناملها تقبض على شيءٍ، ففتحتها فرأيتها قابضةً على صورة الرسول بول، التي كان بول قد أهداها إليها قبل سفرها فوعدته أن تحتفظ بها إلى آخر رمقٍ من حياتها، فكأنها تودع صديقها الحميم الوداع الأخير في صورة ذلك القديس العظيم، فأكبرت هذا الإخلاص العظيم كل الإكبار، وأيقنت أن النفس الطاهرة كالذهب الخالص، لا يغيرها شأنٌ من شئون الحياة أو الموت.

ثم حملناها إلى كوخ قريبٍ لبعض الصيادين، وعهدت إلى بعض النساء أن يتولين شأنها حتى نعود، وصعدت إلى الوادي لأبلغ تينك المرأتين المسكينتين ذلك الخبر الهائل، وما أحسبني وقفت في حياتي موقفًا أشد علي من هذا الموقف، فدخلت عليهما في الكوخ فرأيتهما جاثيتين تصليان وتدعوان الله تعالى بسلامة ابنتهما من شر هذه العاصفة، وكان الليل قد بدأ يرخي سدوله على الكائنات، ويضرب عليها سرادقًا من وحشته وكآبته، فما وقع نظرهما علي حتى ذُعرتا وارتاعتا وصاحتا: أين فرجيني؟

فلم أستطع أن أنطق بشيءٍ سوى أنني أطرقت برأسي، فدنت مني هيلين وقد استحالت إلى شبحٍ كأشباح الموتى وقالت لي بصوتٍ خافت متهافتٍ: هل ماتت؟ فاستمررت في إطراقي، ففهمت كل شيءٍ، وما هي إلا صيحةٌ واحدةٌ صاحتها من أعماق قلبها ثم سقطت في مكانها لا يختلج في جسمها عرقٌ واحد، ودارت مرغريت بنظرها فلم تر ولدها أمامها فسألتني أين بول؟ فتلطفت في قَص قصته عليها، وحلفت لها بالله أنني أرجو له حسن العاقبة، فلم تعبأ بما أقول، ولم يكن جزعها على ولدها، بأقل من جزع صاحبتها على ابنتها.

ولا أستطيع أن أصف لك يا بني هول تلك الليلة في ذلك الكوخ، فلم تكن ليلة بكاءٍ وعويل، وولولةٍ، كما تكون ليالي الثُّكل في بيوت الثَّاكلين، بل ليلة حزنٍ صامت عميقٍ يحبس الدموع عن الانطلاق والزفرات عن التصعيد، وإن أَنْسَ لا أنسى منظر تلك المرأة المسكينة وهي ساقطة تحت أعباء ذلك الحزن الثقيل تئن أنين الدفين تحت أنقاض البيت الساقط، وتقلب وجهها في السماء تسألها دمعة واحدة تروح بها عن نفسها فلا تُعْطَاها، وقد تغمغم أحيانًا بكلمات مبهمةٍ لا يستمع منها السامع غير قولها: ابنتي! حبيبتي! مسكينة أنت! الرحمة يا رب! المغفرة يا إلهي! ومرغريت تجلس بجانبها تارة لتعزيها وتهون عليها مصابها، وتخرج خارج الكوخ تارةً أخرى لتبكي ولدها ما شاء الله أن تفعل، فكان منظر إخلاصها في تلك الساعة أعجب منظر رأيته في حياتي، أما دومينج وماري فقد ظلا يدوران ليلهما حول الكوخ يلطمان خدودهما، ويخمشان وجهيهما، وينتفان شعورهما، ويرسلان صرخاتهما المحزنة الأليمة في جو السماء حتى تلفا أو كادا.

ولم يزل هذا شأننا جميعًا حتى انبثق نور الفجر، فانسللت في صمتٍ وسكونٍ من حيث لا يشعر بي أحدٌ وانحدرت إلى الشاطئ، فرأيت أن الحاكم قد أعد كل شيء لتشييع جنازة فرجيني، فكسوا نعشها بصنوف الزهر وأنواع الريحان، وحمله ثمانٍ من عذارى «سان لوي» لابسات حللًا بيضاء مشرقةً، وتبعه نحو مائتي طفلةٍ من أطفال الدير يمشين صفوفًا متتالية، ويحملن في أيديهن سعف النخل وطاقات الزهر، ويرتلن الأناشيد الدينية بنغمة شجية محزنة، ومشى في المقدمة حاكم الجزيرة ووراءه ضباطه وجنوده مُنَكِّسِي أسلحتهم، مطرقي رءوسهم، والناس فيما وراء ذلك بحرٌ زاخرٌ يعج بالبكاء والعويل، والأنَّات والزفرات، وكانت مدافع الحصون ترسل طلقاتها من حين إلى حين، فتردد صداها مدافع السفن الراسية على الشاطئ.

ولم نزل سائرين في طريقنا حتى وصلنا إلى كنيسة «بامبلموس»، وهناك حي الزنوج المساكين الذي كانت تزوره فرجيني في أيام الآحاد بعد أداء الصلاة في الكنيسة، فتعول فقراءه وتطعم جائعيه، وتعود مرضاه، وتعطف على أيتامه وأرامله، فخرج رجاله ونساؤه، وفتيانه وفتياته، باكين صارخين، فبكينا جميعًا لبكائهم، وكانت مناحةً عامة جاد فيها بالدمع من لم يجُد، وبكى فيها من لا عهد له بالبكاء، ولقد رأيت بعيني أولئك الأبطال الأنجاد الذين يأنفون أن يذرفوا دمعةً واحدةً من مدامعهم والرماح تَنُوشُهم والسيوف تأخذهم من كل جانب يتهافتون على الجذوع والأحجار باكين منتجين انتحاب الأطفال الصغار، ورأيت جماعةً من نساء مدغشقر وموزنبيق آتياتٍ يحملن على عواتقهن أقفاص الفاكهة حتى وضعنها حول القبر، وعلَّقن على أغصان الأشجار المحيطة به خرقًا بيضاء ناصعة، كعادتهن التي اعتدنها في موتاهن الأعزاء، ورأيت جماعةً أخرى من نساء الهند والبنغال يحملن أقفاص الطير على عواتقهن ليرسلنها فوق القبر ساعة الدفن، ولعلهن يردن من ذلك تمثيل صعود الروح إلى سمائها … فما أجل الفضيلة وما أعظم شأنها! إنها الشريعة العامة التي يدين بها الناس جميعًا عالمهم وجاهلهم، مؤمنهم وملحدهم، حاضرهم وباديهم، والمعبد المشترك الذي يقف فيه الجميع صفًّا واحدًا أمام هيكلٍ واحد، يرتلون آيةً واحدة بنغمة واحدة.

وكانوا قد حفروا للميتة قبرًا تحت شجرة خيزران مورقة في الجانب الغربي من كنيسة «بامبموس» كانت تجلس تحتها دائمًا هي وبول حينما كانا يأتيان لزيارة الكنيسة وتوزيع الصدقات على الفقراء والمساكين، فلما حلَّت ساعة الدفن اشتد البكاء والنحيب، وهُرعت الفتيات إلى النعش يلمسنه بأيديهن، ويشرن إليه بمناديلهن وخِرَقِهِن، ثم يمسحن وجوههن تبركًا كما يفعلن أمام تمثال العذراء، وجَأَرت الأمهات بالدعاء إلى الله، تعالى، أن يمنح بناتهن الفضيلة التي يمنحها هذه القديسة المباركة ليَحْيْيَن حياتها، ويمتن موتها، وما هي إلا لحظاتٌ حتى انحدر إلى مغربه ذلك الكوكب الفخم الذي خفق في سماء العالم لحظةً ثم اختفى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤