الفصل الأول

رحلة إلى الشمس

دقَّت الساعة العاشرة ليلًا، عندما كان «محب» يقرأ آخِر سطور في رواية رحلة إلى مركز الأرض ﻟ «جول فيرن»، أغلق الكتاب، وظهرت على وجهه ابتسامةٌ صغيرة، كان يفكر في هذه الرواية المليئة بالخيال … فكيف يصل إنسان إلى مركز الأرض؟!

لكن المؤلف عرف كيف يجعل منها رواية تستحقُّ القراءة … وضع الكتاب بجواره، واستغرق في التفكير في الاقتراح الذي اقترحه «تختخ» على المغامرين الخمسة؛ والذي سوف يناقشونه في اجتماع الغد.

قال «محب» في نفسه: إنه اقتراحٌ جيِّد … فالمغامرون الخمسة أعضاء في نادي المعادي، وقد أعلن النادي عن رحلة إلى السلوم؛ لمشاهدة ظاهرة كسوف الشمس هناك … وهي فرصةٌ لا يجب أن تُفوَّت … فهذا الكسوف يحدث في هذا المكان كل مائتَي عام … وإن كان يحدث كل ثلاث أو أربع سنوات في مناطق متعددة من العالم.

ابتسم «محب» وقال: ومَن يعيش مائتَي عام؟! قطعَ تفكيره صوت «نوسة» قبل أن تظهر وهي تقول: هناك فيلمٌ جيِّد يجب أن تشاهده.

ثم ظهرت في باب الحجرة وهي تقول: ما رأيك؟

لكن «محب» لم يكن قد سمع ما قالته «نوسة»؛ لأنه كان لا يزال مستغرِقًا في التفكير … فسألها: رأيي في ماذا؟

قالت «نوسة»: التليفزيون يعرض فيلمَ مغامرات مُمتِعًا.

وقبل أن يرد «محب» جاءت خبطة في زجاج النافذة … التفتَ الاثنان إليها في وقتٍ واحدٍ، وقال «محب»: هل سمعت؟!

ابتسمت «نوسة» وهي تقول: لعلها إحدى ألاعيب الشاويش «فرقع» … أو ربما «تختخ» يريد أن يثير خيالك بمغامرةٍ جديدة.

لكن بعد قليلٍ تكررت الخبطة مرةً أخرى، ضحكت «نوسة» وقالت: ألمْ أقل لك؟! هيا استخدم خيالك … وابحث عن سر هذه الخبطة.

قام «محب» وذهب إلى النافذة، فتبعته «نوسة»، كانا يحاولان رؤية أي شيءٍ خارج النافذة … ولكن الظلام كان كثيفًا … ولم يكن يظهر في الحديقة إلا مساحة المكان الذي يسقط فيه ضوء النافذة.

قالت «نوسة»: هيَّا ننزل الحديقة؛ لنعرف سرَّ هذه الخبطة.

ولم تكد تُتمُّ جملتها حتى ظهر عصفور أبيض، ارتطم بالنافذة ثم اختفى.

قال «محب»: إنه عصفورٌ جذبَه نور الحجرة … ويبدو أنه يبحث عن مكان يأوي إليه؛ فقد خرج من القفص … ولم يستطع العودة إلى مكانه.

فتح «محب» زجاج النافذة، ولم تمضِ دقائق حتى اندفع العصفور الأبيض كالسهم، وسقط على سرير «محب» … أغلق النافذة بسرعة، في حين ذهبت «نوسة» إلى العصفور في هدوءٍ؛ خشيةَ أن يطير … كان العصفور ينظر إليها في وداعة … ثم أصدر صوتًا رقيقًا … مدَّت يدها في حرص لتمسك به، فلم يتحرك، واستكان ليدها الصغيرة … بينما كان «محب» يقترب ويقول: ظلمنا الشاويش «فرقع»، وظلمنا «تختخ» أيضًا.

امتلأ وجه «نوسة» بالشفقة، وهي تضم العصفور إلى صدرها، وقالت: إن قلبه يدقُّ بسرعةٍ … يبدو أنه خائفٌ!

ابتسم «محب» وقال: هذه طبيعة قلوب العصافير.

ثم مدَّ يده إليها وهو يقول: هاتيه … وابحثي له عن شيءٍ يأكله.

لكن «نوسة» لم تعطِه العصفور وقالت: سأضمُّه إلى العصافير التي عندنا.

ثم خرجَت من الحجرة … فكَّر «محب» قليلًا، وقال في نفسه: مسكين، تاهَ عن بيته؛ فكيف يستقر؟!

عادت «نوسة» بسرعة، وهي تحتضن العصفور، وقد امتلأ وجهها بالدهشة، وقالت: «محب» … إنه عصفورٌ مختلِف عن كل العصافير التي عندنا.

أمسك «محب» بالعصفور، وأخذ يتأمله، ثم قال مبتسمًا: يبدو أنه عصفور ابن ناس!

ابتسمت «نوسة»، واستعادت منه العصفور … فأمسك بتليفونه المحمول، وقال: دعيني ألتقط له صورة، ثم ننشرها على الموقع الخاص بنا … مَن يدري؟ لعل صاحبه يبحث عنه الآن!

التقطَ عدة صور للعصفور … وهو في يد «نوسة» التي انصرفت بعدها؛ لتطعمه وتسقيه … جلس «محب» أمام جهاز الكمبيوتر الخاص به، ثم أخرج شريحة التصوير من التليفون، ووضعها في جهاز الكمبيوتر، فظهرت صورة العصفور وهو في يد «نوسة»، ثم عدة صور للعصفور وحده … تأمَّلَ «محب» الصورة قليلًا، ثم قال في نفسه: لا بد أن صاحبه يبحث عنه الآن!

وبسرعةٍ استدعى الموقع الخاص به على شبكة الإنترنت، ثم وضع عليه صورة العصفور، فقد يراه صاحب العصفور، ويتَّصل به.

رنَّ تليفونه رنةً خاصَّة، فعرف أنه أحد المغامرين الخمسة، وكان «تختخ» الذي تحدث إليه، فقد دخل «تختخ» على موقع «محب» ورأى العصفور … حكى له «محب» الحكاية.

فقال «تختخ»: إنني في الطريق إليك.

وفي دقائق، كان «تختخ» يدخل من باب الفيلَّا، وخلفه «زنجر» … وفي نفس اللحظة ظهر «محب» و«نوسة» وهي تحمل العصفور الذي استكان إليها.

ما إن وقعت عينا «تختخ» عليه حتى قال: إنه من مجموعة طيور السيدة «فرانسوا» التي سكنت مؤخَّرًا في فيلَّا الدكتور «عاشور» … ولا بد أن شيئًا غير عاديٍّ قد حدث؛ فأنا أعرف زوجها مستر «براون».

•••

كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة، ولم يكن من الضرورة استدعاء المغامرين كلهم، كان لا بد أولًا معرفة ماذا حدث.

قال «تختخ»: يجب أن نذهب إلى فيلَّا مستر «براون» لنُعيد العصفور، ونعرف كيف خرج؛ فالذي أعرفه أن الطيور لا تخرج من أقفاصها إلَّا في وجوده.

ركب «محب» دراجته، وكذلك «تختخ»، وخلفه «زنجر»، وأخذا طريقهما إلى فيلَّا مستر «براون».

كانت «نوسة» قد وضعت العصفور في قفصٍ صغير، علَّقه «تختخ» في الدراجة، كانت الشوارع تكاد تكون خالية، ولم يكن يُسمع فيها إلا صوت كلاب الحراسة في الفيلَّات المتجاورة، والتي لم يكن يفصلها عن بعضها إلا حدائقها.

عندما وصلا إلى فيلَّا مستر «براون» كان يبدو أنه لا أحد هناك، كانت الفيلَّا مُظلِمةً إلا من ضوءٍ خافتٍ يتسلَّل من نافذة في الدور الأرضي.

ركن «تختخ» دراجته على سور الفيلَّا، في حين قفز «زنجر»، وأخذ يتقافز أمام القفص الذي به العصفور، ربتَ «تختخ» على ظهر «زنجر»، فتوقف عن القفز، وقال «محب»: هل تعرف حارس الفيلَّا؟

قال «تختخ»: نعم … أعرفه؛ فقد زرت مستر «براون» أكثر من مرةٍ.

ثم نادى: «بيومي» … «بيومي»!

لكنَّ أحدًا لم يردَّ … فسأل «محب»: هل تذكر آخِر مرة زرتَ فيها مستر «براون»؟

أجاب «تختخ»: من حوالي شهر.

محب: ربما يكون قد ترك الفيلَّا.

تختخ: لا أظن … فقد مررت من هنا منذ حوالي أسبوع.

فجأةً، جاء صوت في الظلام يسأل: مَن هناك؟

لم يكن سوى صوت الشاويش «فرقع» الذي ظهر بعد قليلٍ، وكرَّرَ نفس السؤال، فقال «تختخ»: نبحث عن الحارس «بيومي».

فرقع: ولماذا؟

ثم نظر إلى قفص العصفور الذي كان يتقافز، وكأنه يعرف أنه أمام الفيلَّا التي يعيش فيها، وسأل: هل تبيعون العصافير بالليل؟! هيا انصرف أنت وهو من هنا!

لكن فجأةً كان صوت سيارة يقترب، ثم سقط نور السيارة على «تختخ» و«محب»، وظل النور يقترب، حتى ظهرت سيارة، توقَّفَت عندهم تمامًا، قفز «زنجر» في اتجاه السيارة، إلا أن «تختخ» همس له فتوقَّف.

نزل مستر «براون» من السيارة، ما إن رأى «تختخ» حتى ابتسم وقال: «توفيق» … أهلًا يا صديقي!

ثم نظر إلى الشاويش «فرقع» وقال: ماذا هناك يا سيدي؟!

نزلت السيدة «فرانسوا» زوجة «براون»، وقد ارتسمَت على وجهها الدهشة، وقالت: ماذا هناك … هل حدث شيء؟!

قال الشاويش «فرقع» متهكِّمًا: اسأليهما … أعرف أنكِ تهوين الطيور.

ويبدو أنهما جاءا إليكِ؛ لتشتري منهما عصفورًا جديدًا.

ابتسم «براون»، ونظر إلى «تختخ» قائلًا: صحيح عزيزي «توفيق»؟!

إنني أرى قفصًا صغيرًا معلَّقًا في دراجتك … سوف أكون سعيدًا أن أشتريه منك، خصوصًا إذا كان به عصفورٌ من الفصائل النادرة.

ذهب «تختخ» إلى دراجته، وأخذ القفص وعاد إلى مستر «براون»، الذي ما إن رأى العصفور، حتى هتف: «فيلو» … إنه عصفوري العزيز النادر … كيف جاء إليك؟!

ثم مدَّ يده وأخذ القفص، فأطلق العصفور نغمةً جميلةً أدهشَت «تختخ» و«محب»، ومن جديد سأل مستر «براون»: أين وجدته، لعل «روز» هي الأخرى قد خرجَت!

حكى «محب» حكاية العصفور، فامتلأ وجه «براون» بالدهشة، في حين أمسكَت السيدة «فرانسوا» بالقفص، فأطلق العصفور نغمةً أخرى، أدهشَتْهم، وقال «براون»: وأين «بيومي»؟! هذا الحارس الغبي! ثم اقترب من البوابة الحديدية المغلقة ونادى: «بيومي» … «بيومي»! ولمَّا لم يسمع ردًّا قال: لعله نائمٌ … ثم تساءل: لكن أين الكلاب؟!

ثم أطلق صفَّارة طويلة، وانتظر فلم يأته ردٌّ … تقدَّم من السيارة، حيث أنزل السائق حقيبةً كبيرة، وانصرف.

نظر «براون» إلى زوجته، وطلب منها المفاتيح التي أخرجتها من حقيبة في كتفها، فأخذها وذهب إلى البوابة … فتحها وهو يقول ﻟ «تختخ»: تعالوا يا أصدقائي، لعل هناك شيئًا.

تقدَّمت السيدة «فرانسوا»، وهي ترفع الحقيبة التي كانت ثقيلةً عليها، فأسرع «تختخ» يحملها عنها … ودخلوا جميعًا … بعد خطوات، وقف «براون» ونادى: «سنوي» … «سنوي»! «جيكا» … «جيكا»!

لكنه لم يسمع ردًّا … أبدى دهشته … ثم اقترب من باب الفيلَّا … وفتحه، وأضاء النور … امتلأ وجهه بالصدمة … ثم استند على الباب وهو يقول: غير معقولٍ … غير معقول! و«روز» أيضًا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤