الفصل العاشر

البيت الغامض

كان المغامرون يراقبون ما يدور بين «تختخ» والرجل العجوز، وفي خفية أخرج «محب» تليفونه المحمول، والتقط صورة للرجل و«تختخ»، وصورة للرجل وحده، كان يفكر: إذا حدث شيءٌ، فإننا نستطيع أن نصل إلى الرجل … كان الرجل نحيلًا جدًّا، له لحية بيضاء طويلة، يلبس جلبابًا أبيض … وعلى رأسه طاقيَّة بيضاء، ولا يبدو عليه الشر … بل تبدو عليه الطيبة، نظر «تختخ» بطرف عينه إليهم، فعرف أنهم جاهزون لأي شيءٍ، قال له الرجل في هدوء، وقد رسم ابتسامة صغيرة على وجهه: تعالَ معي.

مشى «تختخ» مع الرجل، وهو يحمل القفص الصغير، كان «تختخ» يفكِّر: إن الرجل لا تبدو عليه مظاهر المكر أو الخداع، فهل يكون أحد اللصوص قد باعه عصافير السيدة «فرانسوا»؟ فجأةً، وجد «تختخ» نفسه في عالَمٍ مختلفٍ، حواري ضيِّقة، وبيوت قديمة، وأطفال يلعبون الكرة الشراب في الشارع، بدا المكان غريبًا عليه … فكَّر: هل يتراجع ويعتذر للرجل؟ لكن هذه فرصة ما دام الرجل قد قال إن عنده ما يبحث عنه.

فكَّر قليلًا، ثم قال في نفسه: لو تحدَّثتُ معه، فقد أكتشف شيئًا، لكن ما أوشك «تختخ» على النطق، حتى كان الرجل قد بدأه بالسؤال: هل هذان العصفوران عندك من زمن؟

قال «تختخ»: من مدة ليست طويلة.

الرجل: ومن أين أتيتَ بهما؟

«تختخ»: أنا من هواة تربية العصافير، ووالدي دائمًا يهديني ما يعجبه منها.

الرجل: لكنك جديدٌ على السوق، فكل الذين يقومون بتربية العصافير والحمام يظهرون عادة كل أسبوع في السوق، وأنا أعرف معظم المتردِّدين عليه.

«تختخ»: إنني عادة أتعامل مع محلات بيع الطيور، لأنها مضمونةٌ.

ابتسم الرجل وقال: عندك حقٌّ … فهناك بعض الغش يحدث في السوق.

دخلا حارة ضيِّقة … وقال الرجل مبتسمًا: مكان غريب عليك، يبدو أنك من المهندسين، أو وسط البلد.

ابتسم «تختخ» وقال: أنا من المعادي.

صمت الرجل، وظلَّا سائرين، فجأة سأل الرجل: أي محلات بيع العصافير تتعامل معه؟ فهناك ثلاث محلَّات.

شعر «تختخ» أنه قد ينكشف، فما دام في المعادي، وما دام يهوى تربية العصافير، فلا بد أن يعرف هذه المحلات، لكنه مع ذلك أسرع يقول: «تختخ»: الحقيقة أنني أتعامل مع السيد أمين أبو الفضل.

ابتسم الرجل وقال: صاحب محل العباسية؟ إنه رجلٌ طيِّب، ونحن نتعامل معه من زمن … وهو دائمًا يتَّصِلُ بي؛ ليسأل عن عصافير جديدة.

ملأ «تختخ» رئتيه بالهواء … فقد شعر أنه خرج من مأزقٍ، وقف أمام بيت قديم، ورنَّ جرس الباب، في نفس اللحظة ألقى «تختخ» نظرة سريعة خلفه، فرأى «محب» و«عاطف» يقفان بعيدًا، فتح الباب، ودخل الرجل وهو يقول: تعالَ يا بني، وظلَّ «تختخ» خلفه، فأغلق الباب، كانت هناك أصوات كثيرة تُحدِثُ حالة من الصخب، عصافير وحمام من كلِّ لون، وأقفاص في كل مكان صغيرة وكبيرة، وقف «تختخ» مندهشًا لهذا الجو المثير، ولاحظ الرجل دهشة «تختخ» فقال: عالَم جميل … عالم الطيور … إنني أعمل فيه منذ خمسين عامًا.

كان «تختخ» يقف في صالة متوسطة المساحة، لكن المرور فيها كان يبدو صعبًا لكثرة ما بها من أقفاص، وهناك ولدان متوسِّطَا العمر يقومان بتنظيف بعض الأقفاص.

نظر الرجل إلى «تختخ»، وابتسم له وسأله: لم أعرف اسمك حتى الآن … فسوف تصبح من زبائني بعد اليوم.

ابتسم «تختخ» وهو يفكر: هل يقول اسمه الحقيقي، أم يخترع أي اسم؟

لكنه في النهاية قال: اسمي «توفيق».

قال الرجل: اتبعني يا سيد «توفيق».

دخل الرجل وخلفه «تختخ» حجرةً متوسطة المساحة، فيها أقفاصٌ قليلة، ومكتب صغير الحجم.

تفحَّص «تختخ» الحجرة التي كانت غارقةً في الضوء، وتأمل العصافير القليلة الموجودة، وقال الرجل: اجلس.

•••

خارج البيت، كان «محب» و«عاطف» يقفان قلقَين، فماذا يمكن أن يحدث ﻟ «تختخ»؟! وهل يمكن أن يصل إلى عصافير السيدة «فرانسوا»؟! في نفس الوقت، فكر «محب»: هل يتَّصل ﺑ «تختخ»؟ نظر إلى «عاطف» وسأله، غير أن «عاطف» كان يفضِّل عدم التسرُّع، فسوف ينتظران نصف ساعة، فإذا لم يظهر فعليهما أن يتصرَّفا سريعًا، في نفس الوقت، كانت «نوسة» و«لوزة» تقفان داخل السوق، وتتنقلان بين البائعين والمشترين للعصافير، فجأةً قالت «لوزة»: إنني خائفةٌ.

نظرت لها «نوسة» في دهشة، وقالت: ممَّ تخافين؟ إن الناس كلهم مشغولون في البيع والشراء.

«لوزة»: أخشى أن يحدث شيء ﻟ «تختخ»، فنحن لا نعرف ماذا حدث له أو ﻟ «محب» أو ﻟ «عاطف».

ابتسمت «نوسة» وقالت: هل فقدتِ ثقتكِ في المغامرين؟!

لوزة: لا … ولكن هذا الجو الغريب الذي نعيشه الآن …

•••

في مكتب بائع العصافير، كان «تختخ» يشرب زجاجة مثلَّجة؛ لتطفئ الحرارة التي كانت مرتفعة، برغم المروحة التي كانت تَئِزُّ في الحجرة، ابتسم الرجل وقال: هل يضايقك الحر؟

ابتسم «تختخ» وردَّ: بعض الشيء.

الرجل: هذه العصافير من المناطق الاستوائية، وتُحب الجوَّ الحارَّ.

كانت هناك ببغاء تقف هادئة خارج القفص، ظلَّ «تختخ» يتأملها، وقد علَت الدهشة وجهه … لاحظ العجوز ذلك، فابتسم قائلًا: أظن أنك مندهش يا سيد «توفيق».

وقبل أن يُكمل العجوز كلامه، قالت الببغاء: «توفيق»! ضحك العجوز ضحكة رائعة، وقال: ما رأيك؟ إنها ستنطق كلَّ ما تسمعه.

لكن «تختخ» قال: الحقيقة أنني أريد رؤية العصافير.

العجوز: لا تتعجل، فسوف تشاهد مجموعة نادرة من العصافير، لا أبيعها إلا لمَن أعرف أنه يحافظ عليها.

ثم وقف وقال: تعالَ.

دخل العجوز من بابٍ في نفس الحجرة، فتبعه «تختخ»، وما إن خطا أوَّل خطوةٍ حتى وقف مشدوهًا، كانت حجرةً واسعة جدًّا، مليئة بأقفاص الطيور والعصافير، كان منظرًا مدهِشًا، وقال العجوز: ما رأيك؟ تفحَّصها جيِّدًا، فقد تجد فيها ما يعجبك.

ظلَّ «تختخ» يدور بين الأقفاص التي كانت تصدر منها أنغامٌ مختلفة، وهو يُمنِّي نفسه أن يجد بينها ما يبحث عنه، ورغم جمال ما شاهده، إلا أنه في النهاية لم يتوقف عند أي منها، وسمع العجوز يقول: أنا فقط أعرض عليك ما عندي من العصافير، لكني لا أطلب منك شراءها؛ فقد يعجبك ما تحب أن تضمَّه إلى مجموعتك.

«تختخ»: وأين العصافير التي وعدتني بها؟

ابتسم العجوز وقال: الحقيقة هي ليست عندي … إنها عند صاحبها … وأنا فقط وسيط بينك وبينه.

وعاد إلى حجرة المكتب، فجلس العجوز ورفع سماعة التليفون ليطلب رقمًا … في نفس الوقت تذكَّر «تختخ» رقم التليفون المطموس على علبة السجائر التي وجدها في فيلَّا مستر «براون»، وقال في نفسه: مَن يدري، قد يكون هو نفس الرقم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤