الفصل الحادي عشر

الوصول إلى أول الخيط

ظلَّ «تختخ» يراقب أصابع العجوز وهو يضغط أرقامًا معيَّنة، في نفس الوقت، كان يتذكَّر الأرقام الثلاثة الباقية على علبة السجائر، كانت الأرقام من اليمين ۲۳٧، وكانت هي نفس الأرقام التي ضغط عليها العجوز، وأضاف إليها رقمي ٧٦ في المنتصف، ثم أرقام المعادي التي تبدأ من الشمال برقمي ٥٢.

فكَّر «تختخ»: هل يمكن أن يكون هو نفس الرقم؟ ظلَّت عيناه معلَّقتَين بوجه العجوز الذي قال في التليفون: أين المعلم يا بُني؟ ثم سمع كلامًا يُقال في الطرف الآخَر، وأجاب عليه: عندما يعود يطلبني في التليفون.

ثم وضع السماعة، وقال ﻟ «تختخ»: عندك بعض الوقت؟

قال «تختخ»: أخشى أن يتأخر … لكن يمكن أن أترك لك رقم تليفوني … وعندما يعود يمكن أن تطلبني، وسوف أحضر فورًا.

ثم وقف «تختخ» مباشرة، وكتب للعجوز رقم تليفونه المحمول، ثم حيَّاه وانصرف عندما خرج من حجرة المكتب إلى الصالة الخارجية.

كان الصبيَّان يضعان الأكل للعصافير، وما إن ظهر «تختخ» وهو يحمل قفص العصافير الصغير، حتى همس أحدهما له: هل تريد عصافير غريبة؟ وقبل أن يرد «تختخ» كان صوت العجوز يُنادي: ولد يا «سمارة»، أسرعَ الصبي واختفى في حجرة المكتب، فهمس «تختخ» للصبي الآخَر: متى تنتهي من العمل؟

الصبي: بعد العصر.

تختخ: إذن سوف أنتظرك أنت و«سمارة».

وأخذ «تختخ» طريقه إلى الخارج، ما إن ظهر في الباب حتى رأى «محب» و«عاطف» ينتظرانه، فتحرَّكا فورًا يسبقانه، فكَّر «تختخ»: ماذا يقصد «سمارة» بكلمة عصافير غريبة؟! استمر في طريقه حتى خرج إلى السوق.

نظر إلى ساعة يده، كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحًا، وكان هذا يعني أنه لا يزال هناك وقتٌ طويلٌ حتى آخِر النهار، موعد خروج «سمارة» وزميله من بيت العصافير، انضمَّ المغامرون إلى بعضهم البعض، وهمس لهم «تختخ» بما حدث من «سمارة»، وأنه قد يُشير إلى عصافير السيدة «فرانسوا»، ثم طرح «تختخ» سؤالًا: هل ينصرف المغامرون على أن يعودوا عند العصر، أو يقضوا الوقت في أحد الكازينوهات على النيل؟ واتفقوا في النهاية على عودة «نوسة» و«لوزة»، ومعها قفص العصافير، على أن يبقى «تختخ» و«محب» و«عاطف»، لكن فجأةً رنَّ تليفون «تختخ»، فجاءه صوت يقول: وصلت العصافير، اندهش «تختخ» وسأل: مَن المتحدث؟

جاءه الصوت مرة أخرى: محل العباسية … كاد «تختخ» يصرخ من الفرحة، فقال في التليفون: إنني في الطريق، وعندما أغلق المحمول، قال للمغامرين: يجب أن تعودوا جميعًا، وسوف أذهب إلى محل العباسية، ثم تركهم وانصرف.

في الطريق، كان «تختخ» يتساءل: هل يمكن أن تكون هي كناريا السيدة «فرانسوا»؟ إن كان ذلك، فسوف تكون أسرع مغامرةٍ يقوم بها المغامرون، ما إن وصل إلى العباسية حتى أخذ طريقه إلى محل بيع عصافير الزينة.

وما إن رآه صاحب المحل، حتى قال: يبدو أنك إنسانٌ محظوظ يا سيد «توفيق» … فمنذ ساعة، جاءني عصفوران من الكناريا البيضاء التي تبحث عنها، لكن صاحبهما طلب مبلغًا كبيرًا.

ابتسم «تختخ» وهو يُخفي لهفته، وقال: الحقيقة أنني أشكرك يا سيد «أمين»، وليس مهمًّا كم دفعت فيهما.

مدَّ «أمين» يده تحت مكتبه الصغير، وأخرج قفصًا به العصفوران، امتلأ وجه «تختخ» بالدهشة، في حين قال «أمين»: مفاجأة، أليس كذلك؟!

كانت مفاجأة فعلًا … فكَّر «تختخ» بسرعةٍ: هل يتصل بالضابط «حسام»؟ أم يتصل بمستر «براون»؟ لكنه فكر في نفس الوقت: أن المهم ليس هو العصافير، ولكن المهم مَن الذي باعها؟!

لمح «أمين» تردُّد «تختخ» فسأله: ماذا هناك؟! أنت لم تعرف بعدُ ثمنها.

لكن «تختخ» كان يفكر في شيءٍ آخَر … كان يريد أن يتأكد إن كانت هي نفسها كناريا السيدة «فرانسوا»، وتذكَّر في المرَّات القليلة التي زار فيها مستر «براون» منذ شهور كيف كان مستر «براون» يُطلق بفمه نغمةً معينة، فتصدر العصافير ألحانها الجميلة، قال ﻟ «أمين» وهو يمدُّ يده: «تختخ»: هل تسمح لي بالقفص؟

قدَّم له أمين القفص، فأمسك به «تختخ»، ثم صَفَّر نفس النغمة التي كان يطلقها مستر «براون»، فإذا بالعصفورين يردَّان عليه بنغمةٍ طويلة، هي نفس النغمة التي كان يسمعها عند مستر «براون»، كان «أمين» ينظر ﻟ «تختخ» في دهشة، حتى إنه قال: إنك تعرف هذه الكناريا!

لكن «تختخ» لم يعلِّق، فقد ابتسم فقط وقال: كم ثمنها؟

أمين: خمسمائة جنيه للكناريا الواحد، وعلى فكرة هذا ثمنٌ قليلٌ، فهذه كناريا نادرة.

فكَّر «تختخ» بسرعة، وقال هل أستطيع مقابلة صاحبها؟

بدت الدهشة على وجه «أمين»، وسأل: لماذا؟! إنني الذي أبيعها لك، فصاحبها أخذ الثمن وانصرف.

ابتسم «تختخ» وقال: لا بأس، فقط أُريد أن أتعرَّف عليه، فيبدو أنه يُتاجر في العصافير الثمينة التي يهمُّني أن أشتريها.

فكَّر «أمين» قليلًا، ثم قال: إنك تُدهشني يا سيد «توفيق»، فالذي تريده موجودٌ أمامك، ولا يهمُّ مَن صاحبُها، إنسان لا أعرفه جاء يعرض عصافير للبيع، فاشتريتها منه، ونال ثمنها ثم انصرف.

قال «تختخ» بسرعة: لا بأس، أستأذنك ساعتين أُحْضِر فيهما الألف جنيه وأعود … وأرجو ألا تتصرَّف فيهما.

أمين: لاحظ أن هذه عصافير نادرة، ولو رآها أحد الهواة فسوف يشتريها فورًا.

تختخ: لن أتأخر، سأعود حالًا.

وأسرع خارجًا، وعندما ابتعد، ودخل في زحام المكان، وقف يفكِّر: هل يطلب رقم التليفون الذي عرفه عند العجوز؟ فقد يكون هو نفسه بائع العصافير؟!

انتظر قليلًا، ثم قرَّر طلب الرقم على تليفونه المحمول بعد أن أضاف إليه صفر اثنان … لأنه تليفون أرضي … وانتظر، بعد قليل جاءه صوت يقول: آلو، ماذا تريد؟ كان صوتًا خشنًا حادًّا، فقال «تختخ»: هل تبيعون عصافير الزينة؟

الصوت: ماذا تريد؟

«تختخ»: أنا من طرف السيد أمين أبو الفضل، بائع العباسية.

الصوت: وماذا تريد؟

«تختخ»: عرفت أن عندكم كناريا بيضاء، وأُريد أن أشتري بعضها.

انتظر الصوت لحظة، ثم قال: اطلبني بعد ربع ساعة.

ثم أغلق الخط … فكَّر «تختخ»: إن صاحب الصوت سوف يتَّصل بالسيد «أمين» ما دام قد طلب أن أطلبه بعد ربع ساعة، وقف قليلًا، ثم قال في نفسه: أحتاج إلى الضابط «حسام» الآن، فعن طريق التليفون الأرضي، يمكن أن نعرف عنوان هذا البائع، ونكون قد أمسكنا بأول خيطٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤