الفصل الثاني

اختفاء روز

لم تكن في الصالة عصافير، لم تكن هناك إلَّا الأقفاص مفتوحة الأبواب … ومعلَّقة في حواملها، وهناك قفصٌ كبيرٌ مفتوح هو الآخَر، وليس فيه شيء.

قال مستر «براون»: أين العصافير، وأين ببغائي العزيزة «روز»؟!

ثم خرج مسرعًا واختفى في الظلام … تقدَّمت السيدة «فرانسوا»، كان هناك عصفوران ميِّتان على الأرض … اقتربت منهما، وحملتهما في حنانٍ وكأنهما طفلان، ثم وضعَتهما في أحد الأقفاص … وأجهشت بالبكاء!

اقترب منها «تختخ» ليشجعها … لكنه توقَّف … فقد رأى بعض نقط الدم على الأرض … انضم إليه «محب»، وقال: يبدو أنها دماء أحد اللصوص … وهو يمسك بالببغاء.

عاد مستر «براون»، وهو يجري ويصيح: حتى الكلاب قتلوها!

كان كل شيء يبدو غامضًا، فأين «بيومي» الحارس، وهل خطفوه؟!

لكن كيف دخلوا الفيلَّا، ولا يبدو أي كسرٍ في الباب، فقد فتحه مستر «براون» بطريقةٍ عاديةٍ.

سأله «تختخ»: هل مع «بيومي» مفاتيح الفيلَّا؟

براون: نعم … كان لا بد أن يكون معه مفاتيح، وإلا كيف سيضع الأكل للعصافير؟! وكيف ينظِّف مكانها؟!

ثم نظر إلى الشاويش «فرقع» الذي كان يبدو ضائعًا … وقال: سيدي رجل الشرطة، ماذا نفعل؟

لم يردَّ «فرقع»، في حين كان «تختخ» ومحب يراقبانه … كانا يفكِّران: ماذا حدث؟ وهل الحكاية كلها سرقة العصافير؟ أم هناك سرقات أخرى؟ قال «تختخ»: سيدي مستر «براون»، ألا يجب الاطمئنان على ما في الفيلَّا؟ فقد تظهر أشياء أخرى.

سمعت السيدة «فرانسوا» ما قاله «تختخ»، فجأةً دخلت بعض العصافير من باب الفيلَّا المفتوح، واتجهت إلى أقفاصها … هتف «براون» في سعادةٍ: إنها تعود … إنها تعود!

ملأت الدهشة وجه «فرقع» و«تختخ» و«محب»، فقد اتجهت عصفورتان ووقفتا على كتفي «براون» الذي كاد يبكي من السعادة، وارتفعت زقزقة العصافير، وكأنها تعزف لحنًا سعيدًا … وقال «براون» في أسى: ولكن «روز» … هل تعود «روز» التي ربَّيتها منذ كانت صغيرة، عندما اشتريتها من المكسيك …؟! إنها ببغاء نادرة اللون تمامًا … ثم إن «روز» تتحدث يا عزيزي «توفيق»، حتى إنها تردِّد ما يقوله الباعة وهم يمرُّون قريبًا من الفيلَّا ينادون على بضاعتهم، هل تذكر آخَر مرة زُرتني فيها، عندما قالت لك: أهلًا «توفيق»؟

تحرَّكت السيدة «فرانسوا» إلى سلَّم الفيلَّا، فقال «براون»: لا تصعدي وحدك … أخاف عليكِ.

ثم نظر إلى «تختخ»، وقال: هل تصعد معها؟

صعدت السيدة «فرانسوا»، ومعها «تختخ»، فصعد «زنجر» خلفهما … وقد ظل يرقب ما يبدو، وكأنه يتساءل: ماذا هناك؟! مرةً أخرى قال «براون» للشاويش «فرقع»: سيدي، أنت رجل شرطة، لماذا لا تفعل شيئًا؟!

لكن «فُرْقُع» لم يرد … فجأةً ارتفع صوت «زنجر»، التفتَ إليه «براون» في دهشة، ثم أسرع يقفز سلالم الفيلَّا، وأسرع «محب» خلفه، في حين ظل «فرقع» جامدًا مكانه لا يتحرك … بحثَ «محب» عن مصدر صوت «زنجر»، ثم دخل المطبخ، كان «زنجر» يشبُّ على قدمَيه الخلفيتَين أمام نافذة المطبخ، وقف «محب» مندهشًا، كانت هناك آثار طعامٍ على طاولةٍ صغيرة، وكانت المقاعد ملتصقةً بالطاولة، إلا مقعدَين كانا بعيدَين قليلًا، فكَّر مُحبُّ: إذن هما اثنان.

نبح «زنجر»، فقال له «محب»: ماذا هناك؟!

قفز «زنجر» في اتِّجاه النافذة وكأنه يُريد أن يفتحها، تقدَّم «محب»، ووضع يده على شيش النافذة، ودفعه برفقٍ فانفتح وظلَّ «زنجر» ينبح!

دخل «تختخ» وهو يقول: ماذا هناك؟! لماذا ينبح «زنجر»؟! ثم امتلأ وجهه بالدهشة، وسأل «محب»: هل فتحتَ النافذة؟!

محب: لا … فقط وضعتُ يدي عليها فانفتحَت … واضح أن اللصوص خرجوا منها … وربما يكونون قد دخلوا منها أيضًا.

فكَّر «تختخ» قليلًا ثم قال: هيَّا نسأل مستر «براون» … إن إجابته يمكن أن تحلَّ اللغز.

خرجا من المطبخ فتبعهما «تختخ»، واتجها إلى حجرة النوم، حيث كان «براون» يُربتُ على كتف زوجته، وهو يقول لها: أعرف أنه غالي الثمن … لكن يمكن يومًا أن نشتري مثله.

لكن السيدة «فرانسوا» كانت تبكي!

اقترب «تختخ» ومحب من «براون»، وقال «تختخ» يسأله: آسف لهذا الموقف، ولكن هل كانت نوافذ الفيلَّا مغلقة؟ لقد وجدنا نافذة المطبخ مفتوحةً.

ملأت الدهشة وجه «براون»، وقال: لقد أغلقتها بنفسي قبل أن نُسافر إلى شرم الشيخ، فأنا مُدركٌ أنها قريبةٌ من مواسير الصرف … ويمكن أن يتسلَّقها أحدٌ ويدخل الفيلَّا.

فكَّر «تختخ»، كيف إذن دخلوا الفيلَّا إذا كانت النوافذ مغلقة؟! وهل الحارس «بيومي» شريك في الجريمة؟! وأين «بيومي»؟ إن ظهوره هو الذي يحلُّ هذا اللغز.

•••

كان واضحًا أن ضُلَف باب الدولاب قد تعرَّضت للعنف … وكانت السيدة «فرانسوا» لا تزال تبكي، نظر «براون» إلى «تختخ»، وقال: سرقوا المجوهرات أيضًا عزيزي «توفيق»، ومن بينها عصفور من الذهب الأبيض، مرصَّع بالماس، إنه يمثِّل ثروةً! ولكن، أين هذا الغبي «بيومي»؟!

قال «محب»: يجب أن نبلِّغ المفتش «سامي».

وبسرعةٍ أخرج «تختخ» تليفونه المحمول، وتحدَّث إلى المفتش «سامي» الذي أخبره أنه خارج المعادي … لكنه سوف يصل إليهم خلال ساعة، وطلب ألَّا يمس أحدٌ أي شيء … وأنه سوف يُرسل أحد الضباط، وهو خبيرٌ البصمات.

كان مستر «براون» يتابع «تختخ» وهو يتحدث، فسأله: مَن المفتش «سامي»؟

وعندما أخبره «تختخ»، قال «براون»: أشكرك على اهتمامك عزيزي «توفيق».

فكر «تختخ»، ثم قال لمستر «براون»: أستأذنك للبحث في أرجاء الفيلَّا … فقد نكتشف شيئًا آخَر.

وخرج هو و«محب» إلى حيث المطبخ، أخرج «تختخ» مُفكرته، وبدأ يُسجل فيها ملاحظاته، كانت الملاحظات:
  • (١)

    باب الفيلَّا غير مكسورٍ، ودخولها كان عاديًّا.

  • (٢)

    نافذة المطبخ كانت مفتوحةً.

  • (٣)

    اختفاء الحارس «بيومي».

  • (٤)

    بواقي الطعام التي وُجدت على طاولة المطبخ.

  • (٥)

    الكلبان المقتولان في الحديقة.

  • (٦)

    أقفاص العصافير كانت مفتوحة.

  • (٧)

    عودة بعض العصافير.

  • (٨)

    الدولاب المكسور، واختفاء المجوهرات.

  • (٩)

    نقط الدم التي وُجدت في الصالة.

أغلق المفكرة، واتجه إلى نافذة المطبخ، وحاول الخروج منها، ولكن جسمه السمين منعه من الخروج.

ابتسم «محب» وهو يقول: أعتقدُ أنني أقل حجمًا منك.

نزل «تختخ»، فصعد «محب» … ثم مرَّ بجسمه من النافذة … وظل واقفًا على حافَّتها، وهو ينظر إلى الحديقة حيث كان الكلبان ممدَّدَين على الأرض … وعندما عاد بجسمه إلى الداخل، توقَّف لحظةً ثم نزل، لكنه في نفس الوقت ظل متشبِّثًا بحافة النافذة، ومدَّ يده ثم عاد بها، وبها قطعة قماش، أظهرها «تختخ» الذي قال: أين وجدتها؟

محب: كانت مشبوكةً في شنكل النافذة، يبدو أن اللص أتخن قليلًا منِّي فانحشر في النافذة، وتعلَّق قميصه بالشنكل.

أمسك «تختخ» بقطعة القماش، وهو يقول: هذا دليلٌ جيِّد، يمكن أن يُفيدنا في حلِّ اللغز.

وأخرج مفكرته من جديد، وأضاف: قطعة قماش من قميص أحد اللصوص.

تأمَّل حجرة المطبخ قليلًا، وهمَّ أن يفتح باب الثلاجة، إلا أن «محب» قال بسرعة: لا تقربها، حتى لا تظهر بصماتك.

فجأة، دخل «زنجر»، ونبح وهو ينظر إلى «تختخ»، ثم خرج … تبعه هو و«محب».

نزل «زنجر» سلالم الفيلَّا، وأخذ طريقه إلى الحديقة، فظلَّا يتبعانه حتى مكان الكلبَين، الذي جاء تحت النافذة مباشرة، قال «تختخ»: واضح أنهما قُتِلَا وهما يحاولان الهجوم على اللِّصَين عند نزولهما من النافذة.

أخرج مفكرته وأضاف هذه الملاحظة … كان «زنجر» يدور في المكان … ويتشمَّم الأرض حتى اختفى … أطلق «تختخ» صفيرًا يستدعيه، فعاد مسرعًا … لكنه توقَّف فجأةً، وانحرف جهة اليمين، ثم أمسك بشيءٍ، وعاد إلى «تختخ» … كانت علبة سجائر محلِّيَّة الصنع … أخذ «تختخ» يُقلِّبها، فاكتشف رقم تليفون مكتوبًا عليها، لكن الطين كان يُخفي بعض الأرقام، تحسَّس «تختخ» الطين الذي على العلبة، فوجده رطبًا، نظر إلى «محب» وقال: يبدو أن السرقة تمَّت في أول الليل؛ فالطين لا يزال رطبًا.

ومن بعيد، جاء صوت سيارة الشرطة، فعرفا أن المفتش «سامي» قد وصل، أخذا طريقهما إلى بوابة الفيلَّا في نفس اللحظة التي وصلت فيها السيارة، ونزل المفتش «سامي» ونظر إليهما مبتسِمًا، وقال: طبعًا سعداء بمغامرةٍ جديدةٍ، لكن هذه المرة سوف أكشفها قبلكم.

ابتسم «تختخ» ومحب، في حين ظهر الشاويش «فرقع» وهو يجري، ويؤدي التحية العسكرية للمفتش «سامي» الذي قال له: هل اكتشفتَ شيئًا؟

لكن الشاويش «فرقع» لم يرد … سأله: هل جاء الضابط «مجدي»، وخبير البصمات؟

«فرقع»: نعم … والخبير يرفع البصمات.

بسرعة كان «تختخ» يشرح للمفتش «سامي» ما حدث، والأشياء التي سُرقت، والكلبَين المقتولَين، والنافذة المفتوحة، واختفاء «بيومي».

لكن فجأةً، جاء صوت يقول: ماذا حدث؟! مَن الذي دخل الفيلَّا؟!

ولم يكن هذا الصوت سوى صوت «بيومي»، حارس الفيلَّا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤